تعدد الزوجات..هل أصبح حراما؟!
بقلم/ دكتور/رجب أبو مليح
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 21 يوماً
الثلاثاء 27 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 08:27 ص

التعدد يأخذ حكم الزواج الأول..فقد يكون واجبًا أو مندوبًا أو مباحًا أو مكروهًا أو محرمًا

قرأت مقال "نحو تحريم تعدد الزوجات " للدكتورة "إمتثال النحراوي"، وصدمني العنوان، حيث يسعى المقال إلى الوصول أن الأصل في التعدد الحرمة!! ويجوز كاستثناء للضرورة التي تقدر بقدرها، وحدد المقال هذه الضرورات التي تبيح المحظورات، وهذا ذكرني بمقالات وكتب وبحوث كتبت من أجل أن تجعل التعدد واجبًا حتميًّا ومن لا يعدد فهو آثم!

والحقيقة من وجهة نظري، ونظر من سبقني من جمهور الفقهاء أن التعدد يأخذ حكم الزواج الأول من حيث إنه يأخذ الأحكام الخمسة، فقد يكون واجبًا وقد يكون مندوبًا أو مباحًا أو مكروهًا أو محرمًا على حسب الظروف والأحوال والأشخاص، أما أن نأخذ حكمًا واحدًا من الأحكام الخمسة، ونريد أن نلزم به جميع الناس في كل زمان ومكان فهذا خطأ فقهي جسيم.

وقد حدثني من أثق بعلمه وأمانته أن مؤتمرًا أقيم في إحدى الدول العربية قدمت له البحوث المعمقة، واستمر 3 أيام يؤكد وجوب التعدد وأنه الأصل الفصل، ثم طلب فضيلة الشيخ العلامة الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد الكلمة -ولم يكن ممن قدم بحثًا- فتحدث 5 دقائق أو أقل هدم فيها كل ما قدم في هذه البحوث، وأقنع معظم الناس أن التعدد يأخذ الأحكام الخمسة وليس واجبًا وليس محرمًا أيضا.

ولي ملاحظات على هذا المقال ألخصها في التالي:

1- فقدان المقال للمنهجية العلمية، حيث لم يذكر المقال الآيات والأحاديث التي تحدثت عن هذا الموضوع ولا أقوال الفقهاء حولها من أول الصحابة حتى عصرنا الحاضر أو على الأقل رأي الفقهاء الأربعة في هذه المسألة، وهل قال أحد بهذا القول أم لا؟ وهل هذه قضية جديدة لم يتكلم فيها أحد من الفقهاء من قبل، وكأنها حادثة لم تحدث إلا في العصر الحالي.

2- يغلب على المقال الطابع "النسوي"، وكان من المفترض أن يكون المنهج الفقهي الجاد الذي لا يتأثر بالعواطف بل يزن الأمور بميزان الشرع وينظر للمصالح والمفاسد، ويبحث عن الأولويات والموازنات، ثم يرجح المصلحة العامة على المصلحة الخاصة، ويقدم ما حقه التقديم ويؤخر ما حقه التأخير.

3- مخالفة الإجماع المبني على النصوص الشرعية من القرآن والسنة من زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى عصرنا الحاضر، فلم يقل فقيه معتبر سني ولا شيعي ولا إباضي ولا ظاهري ولا غيرهم بحرمة التعدد، نعم قد يكون التعدد حرامًا على شخص معين في وقت معين، وهذا ليس لأنه تعدد بل ينسحب على الزواج الأول فقد يكون حرامًا إذا ترتب عليه ظلم واضح بين، وقد يصل إلى الواجب إذا خشي صاحبه الوقوع في الفتنة.

4- إن تحريم الحلال كتحليل الحرام سواء بسواء، وهذا أمر مجمع على تحريمه، والله يقول: {وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ} [النحل: 116]. فمن حرم التعدد دون ضابط أو شرط كمن أباح الزنا وسائر المحرمات، فالتحليل والتحريم لا يكون إلا بنص قطعي الثبوت قطعي الدلالة.

يقول فضيلة الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في موضوع منع التعدد بقانون عام:

"إن الذي أعطاه الشرع لولي الأمر هو حق تقييد بعض المباحات لمصلحة راجحة في بعض الأوقات أو بعض الأحوال، أو لبعض الناس، لا أن يمنعها منعًا عامًّا مُطلقًا مُؤيَّدًا؛ لأن المنع المطلق المؤيد أشبه بالتحريم الذي هو من حق الله تعالى، وهو الذي أنكره القرآن على أهل الكتاب الذين {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ} [التوبة: 31].

وقد جاء الحديث مُفسِّرًا للآية: (إنَّهم أَحلوا لهم وَحَرَّموا عليهم فَاتَّبِعُوهم)". انتهى.

5- ما ذكر عن البخاري لم نجده في البخاري ولعل الكاتبة ترشدنا عن موقع ورود هذه الرواية في صحيح البخاري فنكون لها من الشاكرين وفوق كل ذي علم عليم.. ولو قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- هذا فهو من باب السياسة الشرعية التي تتغير بتغير الظروف والزمان والمكان والأحوال والأشخاص، ولا يمكن أخذ حكم عام منه يشمل كل الناس في كل زمان ومكان، فقد حرم عمر رضي الله عنه الزواج بالكتابيات في عصره، وأجرى الطلاق الثلاث في مجلس واحد طلقة بائنة بينونة كبرى لا تحل الزوجة حتى تنكح زوجًا غيره وهذا اجتهاد منه كان مناسبًا لعصره، والفتوى الآن على خلاف ما رجح رضي الله عنه.

وقد حدث التعدد في وجود عمر وغيره من الصحابة حتى عصرنا الحاضر ولم يقل أحد بحرمة التعدد الذي تراعى فيه الضوابط الشرعية.

اختلاف الفقهاء

6- كون المقال يحتج بقاسم أمين على تحريم التعدد هذا خطأ منهجي أيضا فما لقاسم أمين في التحريم والتحليل، هل هو مصدر ثالث من مصادر التشريع أم أنه صحابي من الصحابة؟! ونحن نعرف أن رأي الصحابي منفردًا ليس حجة على الرأي الراجح عند جمهور الأصوليين فكيف بقاسم أمين؟!

7- إن تونس لما حرمت تعدد الزوجات اعترض على ذلك كل الفقهاء المعتبرين والمجامع الفقهية، ولم يستطع النظام التونسي الحصول إلا على فتوى من مفتي الدولة الرسمي، وهذه الفتوى رفضها ولفظها كل الفقهاء المعاصرين، وأصبح يتندر بها الآن حتى بعد أن ترك صاحبها منصب الإفتاء.

8- هناك فرق بين تقييد المباح ومنع المباح، فلو قال المقال يمكن تقييد الزواج الثاني أو الثالث بالقدرة المادية أو المعنوية لكان الكلام معقولا يمكن الاتفاق أو الاختلاف معه، أما أن نقول بالمنع فمنع المباح لا يجوز إلا في حالات محددة ومعينة ولا يمكن أن يكون تشريعا عاما.

تحريم المباح

9- لو أن المقال يتحدث من وجهة نظر المرأة التي تغار على زوجها أو لا تقبل أن يشاركها فيه غيرها لكان أمرًا مقبولاً، أما أن تتحدث من وجهة نظر الشرع ومن منطلق التحريم والتحليل فهذا ما لا نقبله إلا بدليل قطعي الثبوت قطعي الدلالة.

10 - من حق المرأة أن ترفض التعدد أو تشترط ذلك في عقد الزواج وهي مخيرة إن شاءت أن تقبل الوضع الجديد أو تطلب الطلاق، وتبحث عن زوج لا يعدد فهذا كله من حقها، أما أن ندخل الفقه والشرع في العواطف والحالات الخاصة فهذا ما لا نقبله.

11- يجب أن يكون الفقيه كالقاضي سواء بسواء يجنب عواطفه ويعمل عقله في أدلة المسألة التي يبحثها هذا إن كان من أهل النظر والاجتهاد، أما إن كان مقلدًا -مثلي ومثل الكاتبة-، حيث إننا لم نستوفِ شروط المجتهد العام ولا الخاص فعلينا أن نحترم أنفسنا وننظر في اجتهاد المجتهدين نتخير منها ما نشاء ونرجح ما يوافق العرف والزمان والمكان، أما أن نجتهد في مسألة كهذه يترتب عليها تحريم الحلال فهذا يحتاج لمجمع فقهي يدرس هذه المسألة من الناحية الفقهية والاجتماعية والعرفية ثم يذكر قراره بعد ذلك، وهذا لن يحدث في الكتابات الصحفية المستعجلة.

12- وصل المقال في آخره إلى ما نقول به الآن فقد استعمل المقال مقدمات لا توصل إلى هذه النتائج فورد في آخر سطر فيه (في نهاية الأمر ليس التعدد أمرًا مفروضًا على الرجل -كما سبق- إنما هو مباح إذا أمن الظلم). ونحن نوافقها على ذلك، ولا نقول إنه واجب إلا في حالات بعينها؛ وبالتالي يجب تغيير العنوان وكتابة مقدمات وأدلة تؤدي إلى هذه النتيجة المنطقية التي يقول بها جمهور الفقهاء المعتدلين.

13- موضوع التعدد من الموضوعات التي قتلت بحثًا في الماضي والحاضر؛ ولذلك لا أجهد القارئ في الاطلاع على آراء المذاهب المعتبرة في هذا الجانب، ولكن أحيله على هذه الفتاوى وسيجد فيها ما ينفعه إن شاء الله.