مؤشرات صحفية على انقلاب عسكري
بقلم/ احمد صالح غالب الفقيه
نشر منذ: 16 سنة و 8 أشهر و 20 يوماً
السبت 07 يوليو-تموز 2007 05:40 م

انواع صحافة السلطة

لم تكن الصحافة الحكومية اليمنية في حال يسر أبدا. وهي التي يمارس صحفيوها الكتابة فيها بصورة آلية ليس فيها قناعات، بل مدح وهجاء موحى به. ففي اليوم التالي لكل انقلاب يصفون الرئيس الذي كانوا يؤلهونه بالامس بابشع الصفات واحطها، وكأنهم الات بشرية. و يظهرون الرضى والسخط تبعا لهوى السلطة. ولا أدري كيف امكن لنقابة الصحفيين قبولهم في صفوفها.

هذه الصحافة التي كان يعتمد عليها كل رئيس في تشكيل عقول الناس مكتوبة ومسموعة ومرئية، لم تعد فعالة هذه الايام، خاصة منذ الوحدة، عندما اتيحت للاقلام الحره فرصة التعبير العلني.

وقد لجأت السلطة الى تفريخ صحف ومواقع الكترونية كثيرة بعضها موسمي وبعضها دائم، تنفق عليها وتدعي أنها مستقلة، ولكنها لم تغن شيئا وذلك لانصراف الناس عنها. فلجأت الى اساليب جديدة وهي شراء اقلام كانت معروفة بانها مستقلة، والانفاق على صحفها ومواقعها. وكذلك ترقية بعض مراسلي الاعلام الاجنبية الى مالكي صحف، واستغلالهم كابواق، ولكن بصورة مغلفة وغير مباشرة.

وهناك طريقة أخرى أكثر دهاء، وهي شراء اقلام معارضة، أوحتى زرع اقلام في صفوف المعارضة، تمارس نقدا للسلطة بنبرة عالية لفترة من الزمن، حتى تحوز على ثقة الناس واعجابهم، ومن ثم انشاء صحف لها تعمل من خلالها كنوع من حصان طروادة حديث.

ولكن مشكلة هذه الانواع المستحدثة، أن مصادر اعلاناتها الحكومية تفضح انتماءها الى السلطة التي طالما استخدمت الاعلانات وسيلة لتمويل الصحف المفرخة، إضافة إلى شيكات وزارة المالية التي تفضحها ثرثرة الموظفين في تلك الوزارة في مجالسهم الخاصة.

صراع الابواق

وتشهد البلاد هذه الأيام معارك صحف معبرة عن مراكز قوى داخل الحلقة الضيقة للحكم في البلاد. فهناك بعض الصحف تتبنى معارك (السلفية) العسكرية في صعدة، وتستدر الدعم السعودي لها، وهو دعم خطر تخشى منه السلطة خشية شديدة، بسبب معرفتها بقدراته من واقع تجربتها الماضية في عملية اغتيال الرئيس الحمدي- وهي عملية الاغتيال التي بذلت احدى الصحف المستزرعة حديثا جهدا كبيرا لتزوير التاريخ فيما يتعلق بعلاقة السلطة بها ومحاولة تبرئتها منها- وهي محاولة وقحة لتغطية الشمس بمنخل كما يقول المثل الشعبي.

كما يدل على تلك الخشية من الدور السعودي ايضا، ذلك العداء الشديد لاتحاد القوى الشعبية، والناتجة عن الخوف من العلاقة القوية لقيادته من آل الوزير بالحكم السعودي، على الرغم من ضعف تأثير الحزب في البلاد. كما كان بحث السلطة عن حل لمأزقها في صعدة لدى قطر دليلا اضافيا على تلك الخشية ايضا.

وفي مواجهة هذا التقرب الى السعودية من بعض تلك الصحف , اصبح الهجوم هذه الايام على السعودية، بما في ذلك الحديث عن ضلوعها في اغتيال الحمدي، وهو الحديث الذي كان يغضب السلطة فيما مضى، علامة مؤكدة على انتماء الصحف المصنفة بانها (مستقلة) الى السلطة، وعملها لصالح توجهها.

مؤشرات الانقلاب

كان من الممكن المرور على كل هذا مرور الكرام، لولا احتمالات الانقلاب العسكري التي تلوح من ورائه. ذلك أن استقراء التاريخ يدل على أن الانقلابات العسكرية تحدث حصريا باحد الدوافع الاربعة التالية التي لا يفلت منها أي انقلاب عسكري في العالم كله:


 التحريض والدعم الخارجي الذي يصادف هوى لدى بعض الضباط الطموحين معدومي الضمير.


 الخوف من تبعات سوء الاوضاع في البلاد نتيجة لتفرد السلطة الساسية بالقرار وسوء ممارستها للحكم.


 تعرض الجيش لهزيمة عسكرية في حرب مع دولة اجنبية، فيعمل الجيش على الصاق سبب الهزيمة بالسلطة السياسية ويقوم بالانقلاب عليها.


 تعرض الجيش للاستنزاف وفشله في قمع التمردات الداخلية، فيعمل على تحميل السلطة السياسية المسؤلية، ومن ثم يعمد قادة الجيش إلى استباق عزلهم بالانقلاب على السلطة السياسية.

وتدل الاوضاع الحالية والاحداث القريبة في بلادنا أن سببين على الأقل من الأسباب الأربعة المذكورة متوفرة، وانها قد تدفع بعض مراكز القوى العسكرية إلى محاولة تنفيذ انقلاب عسكري يهدد البلاد بسوء المصير أكثر مما هي عليه الان.

فهناك اولا ذلك الضعف والتخبط الذي اتسم به اداء القوات البرية والقوات الجوية في صعدة والذي ادى الى خسائر فادحة في المعدات والا فراد. ناهيك عن نيران القوات الجوية والبرية (الصديقة) التي حصدت الكثير من الارواح في صفوف الجيش والقبائل المتعاونة معه.

وهناك ثانيا الشعور بسخف موقف القيادة التي تحيل طيارا سقطت طائرته او أسقطت الى المحاكمة بل وتحميله ثمن الطائرة!!! في ظاهرة تعتبر من اغرب الظواهر التي لم يسبق اليها جيش في العالم، في الوقت الذي لايتم فيه محاسبة القادة على فشلهم الذريع، بل - ويا للعجب والهول - تتم ترقيتهم. وهذا الشعور بسخف الموقف كفيل ببعث الخوف لدى القادة من العزل.

وهناك ثالثا حجم التجاوزات ومخالفة القانون، التي اظهرتها احتجاجات المحالين الى التقاعد في المحافظات الجنوبية والشرقية، والبالغة حد الاضطهاد والاقصاء وسرقة المستحقات، والتي اكدتها القرارات الجمهورية المتعجلة باعادة البعض الى الخدمة وتسوية مستحقات البعض الآخر. وهي حالة تدل على التخبط والفوضى والخروج على الدستور والقانون، وهو ما من شأنه دفع المحتجين الى رفض القرارات والمعالجات الجزئية، مالم يتم احداث تغيير جذري في بنية القيادات المتسيبة والمتمركزة، خاصة وقد فقد الناس الثقة بالقرارات التي لاتنفذ والتي عادة ما يتم الالتفاف عليها عند معالجة الحالات الفردية حسب العادة الجارية، وانعدام الثقة بالوعود والاتفاقيات والعهود التي درجت السلطة على نكثها دائما. الى درجة مطالبة العسكريين المحتجين باشراف الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي على اي اتفاق مع السلطة.

وهناك رابعا تعثر الاتفاق في صعدة ووجود شعور بان هناك قيادات عسكرية وامنية تضع العصي في دواليب الاتفاق، الامر الذي يهدد بفشله. اضافة الى تلفيق التهم للصحفيين كما في حالة عبد الكريم الخيواني بدعوى ضلوعه في تمرد صعدة، وتلك حتى وان صحت التهمة مخالفة لبنود الاتفاق الذي يمنع القبض على اي من الحوثيين بعد الاتفاق.

ويبدو لي ان الاوضاع في الشمال لاتزال حبلى بالاحداث الجسام، وان كانت احداث الجنوب اشد خطرا، وستكون ابعد اثرا، خاصة وان قيادات الزمرة اخذت تصطف الى جانب المحتجين، وعلى اعلى مستوى، حسبما تشير تصريحات الرئيس علي ناصر محمد الاخيرة لصحيفة الايام،والذي لم يكتف بتاييد المحتجين فقط بل ذهب الى حد رفض التوريث.

هوى صاحبي ريح الشمال إذا جرت

 وأشفى لقلب ان تهب جنوب