قراءة في آخر خطاب للسيد حسن نصرالله
بقلم/ رضوان السماوي
نشر منذ: 10 سنوات و 10 أشهر و 16 يوماً
السبت 11 مايو 2013 04:32 م

تبديل الخطط 

لن أتحدث عن مدى التناقض الذي وصلت إليه خطابات السيد حسن بشأن الوضع السوري من بداية الثورة إلى اليوم من الإنكار للحراك السلمي الذي أستمر ثمانية أشهر وصولاً إلى الربط بين الثورة السورية والانتفاضة الشيعية في البحرين مروراً بإنكار التدخل اللبناني الحسن نصراوي في لبنان وإنتهاءاً بالاعتراف بذلك الدور بدعوى الدفاع عن\" المقدسات والمقامات الشيعية\" والثلاثين الألف سوري شيعي في القصير ، لن أتحدث عن الاستخفاف وهو محق في ذلك بالأنظمة العربية ودورها السلبي في ا لقضايا العربية الكبرى ولن أتوقف عند مغالطاته عن المتسبب في الحالة الطائفية التي تشهدها المنطقة ومطالباته بالنظر إلى الأحداث في المنطقة من جبل ، وكأننا وحدنا من كان رأس الحربة في احتلال العراق وكأننا من وقف في ثورة شعبية اندلعت في سوريا في ظل ربيع عربي أيدته إيران وحسن نصر الله في تونس ومصر واليمن وغيرها لأسباب طائفية مقيتة .

سأتحدث باللغة الإستراتيجية التي طلبها ، كنت قد كتبت مقالاً فيه تحليل عن الوقت الذي يمكن فيه أن تتدخل أمريكا في سوريا بصورة فعلية مباشرة ولهدف استراتيجي بعيد المدى ، كما حصل من تدخلها في تسعينيات القرن الماضي في الخليج العربي أو لغزوها المباشر لأفغانستان والعراق في بدايات القرن الحالي .

التدخل الأمريكي مرتبط بمقدار التهديد الإستراتيجي الذي قد تتعرض له ربيبتها إسرائيل ، وفي هذا السياق يأتي تبادل الأدوار الذي تمارسه روسيا والصين من جهة وأمريكا والإتحاد الأوروبي فرنسا وبريطانيا على وجه التحديد من جهة أخرى في التعامل مع القضية السورية .

روسيا والصين لا يمكن في يوم من الأيام أن تكون مصدر تهديد استراتيجي لإسرائيل أو سبباً فيه وبالتالي فأي دعم إقليمي أو دولي تقدمه هاتين الدولتين وروسيا تحديداً للنظام السوري ، لا يمكن أن يصب في النهاية في هذا الاتجاه وله خط أحمر لا يمكن لروسيا أن تسمح به من قبل النظام السوري كما لا يمكن أن يتجاوزه النظام السوري وهذا ما أكده الواقع على الأرض باعتبار سوريا كغيرها من دول الطوق التي تحاصر فلسطين وتحمي دولة إسرائيل ، هنالك الكثير من الوقائع والمواقف التاريخية التي تشير إلى الدور الروسي (( الاتحاد السوفيتي )) في قيام وحماية دولة إسرائيل ، لقد لعب الاتحاد السوفيتي دوراً بارزاً لا يستهان به على الإطلاق إلى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا وباقي الدول الغربية في مساندة ودعم الحركة الصهيونية، وتحويلها في فترة حاسمة من التاريخ إلى قوة خاصة للتدمير والتوسع.

وحينما اندلعت الحرب العربية الإسرائيلية، وبادر الفلسطينيون إلى الدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، فوجئوا هم وباقي إخوانهم العرب بالاتحاد السوفيتي يصدر ضدهم بياناً شديد اللهجة يهددهم فيه وبدون تردد -كما ورد في صحيفة برافدا السوفيتية- بأنه يجب أن يكون واضحا \"أن العرب بشنهم الحرب ضد الدولة اليهودية الفتية، لا يقاتلون بأي شكل من الأشكال من أجل مصلحتهم القومية ولا من أجل استقلالهم، بل ضد حق اليهود في إيجاد دولتهم المستقلة.

كان السوفيت ينظرون إلى الوسط العربي الذي يحيط بالدولة اليهودية على أنه وسط \"عشائري قبلي متخلف\"، تسيطر عليه كيانات عربية مجزأة ومتصارعة وخاضعة للنفوذ الغربي، وخاصة البريطاني والفرنسي. وهكذا لم تترك هذه الهيمنة الغربية للاتحاد السوفيتي أي منفذ يعْبر من خلاله إلى منطقة الشرق الأوسط سوى المنفذ الإسرائيلي.

ومما شجع السوفيت أيضاً على اتخاذ قرارهم المؤيد لإسرائيل هو كون معظم قادتها آنذاك من أصل روسي أو بولندي، مما زاد احتمالات تبنيها سياسة متعاطفة ومؤيدة للاتحاد السوفيتي.

لم تترك وسائل الإعلام السوفيتية مجالاً للشك في تورط الاتحاد السوفيتي في الحرب الفلسطينية إلى جانب الطرف اليهودي. فقد كررت الصحافة والإذاعة السوفيتيتان باستمرار أن هذه الحرب كانت حرب \"استقلال\"، وأن الاتحاد السوفيتي كان لا يملك سوى دعم اليهود في حربهم، لأن دعم حروب الاستقلال كانت واحدة من المبادئ الرئيسية للسياسة الخارجية السوفيتية.

وكان السوفيت يدركون من جانبهم أنهم لن يخسروا شيئاً في المنطقة لأنهم لا يملكون شيئاً فيها أصلاً، بعكس الولايات المتحدة التي ستخسر الكثير من جراء هذا الموقف. فخطاب غروميكو 1947 المؤيد لإقامة الدولة اليهودية لم يثر سوى عدد محدود من المظاهرات العدائية للسوفيت، وسرعان ما نسي العرب أبعاد هذا الخطاب وما ترتب عليه من نتائج.

وفي التاريخ الحديث فقد زار الرئيس الروسي بوتين فلسطين المحتلة ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن بوتين قوله خلال زيارته لمنطقة البراق والنفق الغربي في القدس الثلاثاء 25/6/2012م ، إن \'التاريخ اليهودي محفور في حجارة القدس\'.

وجاء ذلك بعد زيارة بدأها الأحد إلى بيت لحم والقدس لبحث آخر التطورات والمفاوضات المتعثرة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل.

وبحسب التقارير الإسرائيلية فقد \'انبهر بوتين من هول ما رأى واستفسر عن التفصيلات، مصرحا هنا نشاهد كيف أن التاريخ اليهودي محفور في حجارة القدس\'.

التدخل الأمريكي المباشر في المنطقة العربية والإسلامية أصبح مألوفاً ومقبولاً بطريقة مباشرة وغير مباشرة تورطت بهذا الواقع المرفوض القوى السنية والشيعية على حدٍ سواء ، وبالتالي لم يعد مستفزاً ومرفوضاً ومثيراً للسخط في الوجدان العربي والإسلامي بمقدار العدوان الإسرائيلي مثلاً على أي دولة عربية بأي حال من الأحوال ، بل إنه قد وجهت الدعوة علانية من قبل فصيل عريض من المعارضة والقوى العربية والإسلامية إلى التدخل الأمريكي في القضية السورية وإيجاد منطقة عازلة للمدنيين والحد من تفوق النظام السوري في المجال الجوي ومع ذلك لم تستجب الولايات المتحدة لتلك المطالب .

هذا فضلاً عن كون التدخل الأمريكي المباشر في المنطقة العربية والإسلامية مرهقاً لأمريكا في كل المجالات وأثبتت التجربتين الأفغانية والعراقية فشله وعدم جدواه ؛ مما أضطر الولايات المتحدة إلى الاستعانة بنموذج الصحوات في العراق لقمع المقاومة الشعبية الإسلامية الجهادية ، الأمر الذي أدى بالنهاية إلى انكفاء العنفوان المسلح للجماعات الجهادية وانسحابها وهزيمتها في المدن والمناطق العراقية مقارنة بالوضع الذي كانت قد وصلت إليه ، بفعل ضربات الحكومة الداخلية والصحوات المسلحة على الأرض والدعم اللوجستي للطيران الأمريكي من الجو ، هذا النموذج أرادت الولايات المتحدة أن تطبقه في سوريا ومهدت له بإعلان تنظيم جبهة النصرة على قائمة الإرهاب أسوة بغيره من التنظيمات الإرهابية السنية في أغلبها !! ، هذه الخطوة أعطت النظام السوري دفعة معنوية \"وأخلاقية\" قوية باعتبار أنه يُقاتل ويواجه تنظيماً إرهابياً مدرج عالمياً على لائحة الإرهاب ، كما تسبب في انكفاء المجموعات السياسية والقتالية \"المعتدلة\" الموجودة في الداخل السوري وسبب لها إحراجا لها خصوصاً تلك العلمانية الليبرالية .

صدرت تصريحات من قيادات سياسية وعسكرية ميدانية تشير إلى رفض هذه الخطوة الأمريكية ومدافعة عن جبهة النصرة باعتبارها فصيل قوي من الفصائل المقاتلة على الأرض ونظيفة في السجل النضالي والقتالي إجمالاً يستهدف المدنيين ولا الفصائل المقاتلة الأخرى ، وإن كان الأمر جارياً على قدم وساق لتجنيد وتدريب ميليشيات سورية في الأردن .

هذه الخطوة دعت جبهة النصرة والجماعات الإسلامية الجهادية الموالية لها في خط الجهاد وهدف إقامة ما تسميه الخلافة الإسلامية إلى إعلان ولائها لتنظيم القاعدة ومبايعتها لزعيمها أيمن الظواهري ، وجعلت الجميع أمام الأمر الواقع للقبول بهذا الواقع والتعامل معه كما هو ، أو الدخول في المواجهة العلنية معه قبل تحقيق الهدف الإستراتيجي وهو إسقاط النظام العائلي الاستبدادي في دمشق ، الأمر الذي سيجعل أي طرف يدخل في هذه المعادلة منحرفاً عن الهدف العام خائناً للشعب السوري الذي يتعرض لحرب إبادة استبدادية طائفية معلنة ، اعترف بهذا التدخل قادة إيران وحزب الله وإن كان ذلك الاعتراف ضمني أو بطريق غير مباشر ، إلا أن الحرب وفي واجهتها الإعلامية على الأقل تدور بين محورين وطائفتين سنية وشيعية .

بالإضافة إلى النتائج السلبية لما آلت إليه نتائج نموذج الصحوات في العراق تحديداً والتي تمثلت في رفض إدماج تلك المليشيات في صفوف الجيش والأمن العراقيين ، بل والعمل على إضعافها وتفكيكها بعد أن أدت الدور المراد منها بالإضافة إلى النتائج السياسية الكارثية التي لحقت بمهندس الصحوات في العراق نائب الرئيس العراقي \"السني الإخواني \" طارق الهاشمي والذي انتهى به المطاف بأحكام الإعدام التي اضطرته للخروج من المشهد العراقي .

وكذا ضعف تواجد تلك القوى الوطنية والليبرالية على الواقع في المسرح القتالي السوري وضعف قوتها البشرية والتسليحية

كل هذه الأسباب جعلت القوى السورية العلمانية والليبرالية والإسلامية الموصوفة بالاعتدال تحجم عن الدخول في مواجهة مباشرة مع الجماعات الإسلامية المتشددة .

كما يبدو واضحاً فالولايات المتحدة الأمريكية لديها قرار إستراتيجي في هذه المرحلة على الأقل بعدم التدخل المباشر في سوريا طالما والبدائل الأخرى موجودة ومتاحة ونشطة ويمكن تفعيلها والاعتماد عليها ، الإعلان عن التقارب الروسي الأمريكي بخصوص الوضع السوري والمؤتمر الصحفي الذي عقده الوزيران في موسكو واعتماد الحل السياسي للوضع السوري والدعوة إلى عقد مؤتمر دولي لحل الأزمة السورية وترحيب النظام السوري بذلك ، بالإضافة إلى الإشارات التي قدمها النظام السوري خصوصاً في الحوار الأخير الذي أجراه الرئيس السوري بشار الأسد مع الإخبارية السورية بتاريخ 17/4/2013م وتذكيره للغرب بخطر تنظيم ‘القاعدة’ ومحاولة تحذير الغرب من أخطاره، ليس في سورية فقط وإنما في قلب أوروبا وأمريكا، وكأنه يقول ‘نحن في خندق واحد، والخطر يشملنا جميعا، وانا مستعد للتعاون معكم في مواجهة هذا التنظيم، إذا أردتم .

بالإضافة إلى الخطاب المتلفز الذي ألقاه الزعيم اللبناني حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله الإيراني في لبنان بعدم سماح أصدقاء سوريا بسقوطها في يد الجماعات التكفيرية ، بالإضافة إلى الإرث التاريخي والحقائق الدامغة التي تُشير إلى تحالف دولي ساهمت فيه إيران باعتراف الرئيس الإيراني محمد خاتمي ونائب وزير خارجيته محسن أمين زاده في إطار ما عٌرف بالحرب على الإرهاب وعقد الاجتماعات الثنائية العسكرية الإيرانية الأمريكية في نيويورك وجنيف لمناقشة الأسلوب الأمثل لإسقاط نظام طالبان والدولة العراقية

كل هذه الشواهد تؤكد على إمكانية تكرار التجربة الأمريكية الإيرانية في سوريا لمواجهة الإرهاب والتطرف الإسلامي الذي تناما هنالك .

هذه الإستراتيجية القديمة الجديدة التي آتت أكلها في لبنان إبان حرب 1967م وما نتج عنها

هذا ما سنتابعه في المقال التالي

مشاهدة المزيد