لجان الثورة.. الإنجاز الكبير
بقلم/ جمال انعم
نشر منذ: 11 سنة و شهر و 26 يوماً
الثلاثاء 29 يناير-كانون الثاني 2013 04:40 م

تدين الثورة كثيرا للجانها التي مثلت الرافعة الحقيقية للفعل الثوري منذ بدايته. وإن الإشادة بأدوار هذه اللجان ضمن سياق ثوري محدد، لا يعني الحكم على مجمل الأداء، وإنما هو شهادة على حضور واضح ولافت ضمن المخاض الثوري الممتد.. ويمكن من خلال هذا السجل تكوين رؤى تقويمية، وهناك بالطبع تفاصيل كثيرة قد يصعب الإلمام بها ضمن التناولات التي قدمتها وتقدمها الصحافة الثورية، من المهم استيعابها لدى قراءتنا لأداء هذه اللجان خلال عمر الثورة..

أثير حول عمل هذه اللجان جدل وخلاف يعكس في مجمله مركزيتها وأهمية الأدوار التي أنيطت بها ضمن منظومة العمل الثورية. في الحالة الثورية المتفجرة لا مجال للمثالية، حيث لم تكن الثورة حالة ناجزة أو جاهزة، يمكن مساءلتها ومحاسبتها وفق معايير مؤسسية محددة وصارمة. كان عمل هذه اللجان صعبا للغاية، محاولات توفيقية دائبة لإيجاد قدر من التناغم والتكامل في أداء المهام وتسيير الأعمال. صعوبة عمل اللجان يرجع إلى هذا المعترك الكبير الذي تشتغل في قلبه، تنظيما وترتيبا ووفاء بالمسئوليات والواجبات واستيعابا للتباينات.

هذه اللجان تعد بحق هي الناظمة للعمل الثوري داخل الساحات عموما وهي أكثر الصيغ الجامعة للمشهد الثوري والتجلي الأبرز للقدرة التنظيمية التي قادت الفعل الثوري على مدى عامين..

الأخطاء كانت الدليل الأكبر على الروح العملية، ومعظم الانتقادات كانت نتاجا للحساسية الثورية العالية تجاه الخطأ، حيث كان البعض ربما يضخم بدافع هذه الحساسية الآخذة طابع الحرص، من تلك التجاوزات التي قد تقع.. ويتعامل معها ربما على نحو يفاقم الأخطاء، سيما في المراحل الأولى من الاحتشاد..

لقد أدت هذه اللجان أدوارا عظيمة، بروح محبة صادقة، وظلت حامية وحافظة الساحات، متماسكة رغم قساوة الظروف وشحة الإمكانات. ولولا فعالية هذه اللجان واستمراريتها وعملها الدؤوب لانكسرت الروح وخارت القوى منذ البواكير.. لقد امتاز الثوار بروح فدائية عالية وانخرطوا في مختلف لجان الفعل الثوري ذكورا وإناثا، دون النظر لطبيعة المسئوليات الموكلة إليهم.

كان هناك تسابق، وتزاحم وتنافس على خدمة الثورة والثوار. كان الجميع يشعر أنه يخدم ذاته، يخدم حريته وكرامته.

في مطبخ الثورة، في المستشفى الميداني بطواقمه المتعددة، في لجان النظافة، والمالية، والحراسة وحماية المسيرات، والكهرباء والصوتيات، وكذا اللجان العاملة في مجال الإعلام والثقافة والفنون وغيرها.. كان الكل حاضرا بكله هذا المشهد الصاخب.. وما الثورة إلا مجموعة أدوات صادقة ومخلصة، وأرواح متفانية باذلة، علمتنا وألهمتنا الكثير، وأكثر ما ألهمتنا التواضع.. كان الجميع يدرك أنه في المكان الذي يحدد كينونته ومكانته.

إن الجهد الكبير الذي يقوم به الزميل العزيز محمد الجماعي في التوثيق للثورة بمختلف تجلياتها ومكوناتها ولجانها ومبدعيها يعد شهادة وفاء وحب وامتنان، شهادة للزمن ضد النكران والنسيان، وإشارة إلى الأدوار التي قام بها الثوار الشباب، للحفاظ على الروح الثورية، وضمان استمرارها في حالة توقد واشتعال وحيوية دائمة، وطاقة خلاقة متجددة.

ينطلق الزميل محمد الجماعي في رصده لتفاصيل المشهد الثوري من قلب المشهد، ومن الطبيعي أن نشعر بحميمية واتصال وارتباط بينه وبين مادته. وأراه من أكثر الصحفيين والإعلاميين تغطية واستيعابا للفعل الثوري. ويعد برنامجه "قناديل الفجر" أول عمل تسجيلي لشهداء الثورة على قناة سهيل، وهو مشروع كبير، نتمنى أن يتواصل وأن يجد الرعاية الكافية لكي يكتمل. كما أن للزميل محمد مشاريع كتب هي قيد الإنجاز، تغطي الكثير من الجوانب المضيئة لثورتنا المباركة الزاخرة بالمفاخر والمآثر، والبطولات والتضحيات العظيمة التي تجسد عظمة الروح اليمنية وأصالتها وعنفوانها، وخصبها وثرائها الكبير.

محمد الجماعي في هذا الجهد، يرصد عن قرب، مشهدا لم ينته بعد. ما زال حاضرا بشخوصه ورموزه وعناصره الفاعلة. واعيا أنه لا يقف بعيدا ململما البقايا والأشتات. إنما هي صور من معترك لم يخمد بعد. مازال أمامه الكثير كي ينجزه.. ما زالت الثورة في عراك مرير مع الماضي، تغالب لتصنع حاضر اليمن ومستقبلها، وما زال أمامها الكثير كي تستحيل إلى مجرد ذاكرة أو مدونات وسرديات تاريخية.

شكرا لكل لجان الفعل الثوري فردا فردا، الذين أبقونا متوهجين، وفي كامل لياقتنا الثورية. شكرا لكل عين سهرت، ولكل كف بذلت، ولكل الأنامل الشافية، لكل روح أضاءت عتمة الليل والنهار. شكرا على كل لقمة وشربة ماء، على كل كلمة أيقظت فينا الحياة، على كل أغنية فجرت داخلنا ينابيع الفرح والمحبة والأمل.

شكرا على كل وتد انغرس لخيمة ثائرة آوت وطنا من أحلام، شكرا شكرا لكم جميعا رفاق الدرب، رفاق الدم والدموع، والإصرار النبيل.

مشاهدة المزيد