آخر الاخبار
بالعلم نبني اليمن
بقلم/ د. محمد حسين النظاري
نشر منذ: 11 سنة و شهرين و 9 أيام
الأربعاء 16 يناير-كانون الثاني 2013 05:03 م

شعار جميل ضاع بين جملة شعارات مستوردة، تم تصديرها إلينا في علب ما يسمى بالربيع العربي، فالعلم والدعوة إليه اختفى حتى ظهر علينا شعار خبيث: لا دراسة ولا تدريس حتى يسقط الرئيس، وبين مدلولات هذه المقولة، يمكننا ان نستنتج أي مجتمع يريده البعض من التغيير، حين قصروه على تغيير الأفراد، اما تغيير مجتمع بأسره عن طريق العلم فقد بدا انه لا يقع في خارطة التغيير المنشود.

في الأسبوع الماضي تلقيت دعوة – ضمن اساتذة كلية التربية والعلوم برداع- من قبل الاستاذ احمد حسين الوريث –مدير مدرسة جمعان المحورية- محتوى الدعوة كان مفاجأة لي، فقد اتي مدير المدرسة الى الكلية، شاكياً تدني التحصيل العلمي بين طلابه، وتأخر ترتيبهم بعد ان كانوا من اوائل الطلاب على مستوى المحافظة والوطن، مناشدة أساتذة الكلية المجيء للمدرسة، وإلقاء محاضرات لتوعيتهم بأهمية العلم، تحت شعار بالعلم نبني اليمن.

نحن بحاجة ماسة الى أن يستشعر مدراء المدارس هذا الحس العلمي، المبني على حب الوطن.. فما جرى خلال العامين المنصرمين خلط العديد من المفاهيم، حتى أصبح الملتزم بالدراسة والتدريس إنسان غير ثوري.. وكأن الثورية تعني ان اثور على العلم نفسه، ومن هنا كان لزاماً على اساتذة الجامعات النزول الميداني للمدارس لعقد محاضرات دينية، وطنية، تربوية، ثقافية، سلوكية، اجتماعية.. فدور الكادر التدريسي لا ينحصر في اطار كليته فقط، بل بالتأثير والتأثر مع قضايا محيطه.

دائماً اثناء لقاءات الاخ الدكتور سيلان العرامي –رئيس جامعة البيضاء- بأعضاء هيئة التدريس ومساعديهم، اسمع منه حرصه على التأكيد بأن الطالب هو محور العملية التعليمية، وان كافة امكانيات الجامعة من كادر تدريسي ومعدات وبنية تحتية، ما وجدت إلا لكي ينتفع الطالب بالعلم النافع، الذي يجعله قادراً على الاسهام في بناء وطنه، وهو يحرص ينبغي على اساتذة الجامعة تجسيده على الواقع.

وكما انا مسرور اليوم، وأنا ارى اساتذة جامعة البيضاء ومساعديهم قد اكتمل صفهم داخل جامعتهم، من اجل خدمة الطالب، وتهيئة كافة الظروف الملائمة، لزيادة تحصيله، وكم زاد سروري بإصرار الاساتذة على مضاعفة جهودهم عبر المحاضرات الإضافية، التي نتمنى من خلالها ان يواكب الطالب ما فاته من دروس.

ان الأستاذ الجامعي وجد ليلقي دروسه على طلابه، وعلى هذا يتقاضى أجراً، قد لا يكون الأعلى بين طبقات المجتمع ولكنه الأفضل -وفق سلم مرتبات موظفي الدولة- ولهذا من الحرام ان يرمي عضو هيئة التدريس بكل ما تعلمه جانباً لينافس بقوة، وبطرق مشروعة وغير مشروعة ليتخطى غيره، ويمسك بكرسي العمادة او احدى نيابتها او رئاسة القسم، متهرباً من الأعباء التدريسية التي وظف على أساسها في الجامعة، وباحثاً عن المزايا المالية لتلك الوظائف الإدارية... مع كلمة أن أستاذ مساعد او مشارك او دكتور، هي أفضل من كل المناصب بما في منصب رئيس الجامعة... فجميع تلك المسميات زائلة بكراسيها، لأنها لو دامت لغيرههم ما وصلت إليهم.. والباقي فقط هو اللقب العلمي، والتدرجات العلمية التي تحصل عليها، ضمن نشاطه البحثي.

متى يفهم عضو هيئة التدريس انه انسان فاضل له قيمته الاجتماعية، بعلمه لا باللقب المرافق للوظيفة الإدارية، فوجاهته في محيطه بأستاذيته لا بكرسيه، وبقدر تأثيره في المحيط القريب او البعيد.. لو فهم كل عضو ذلك لترفع عن الوشاية والنميمة والخداع، وإيهام بقية الأعضاء انه الأهم بحكم قربه من مصدر القرار، وانه يوزع عليهم الهبات والعطايا، ظاناً –بسذاجته- ان استطاع خداعهم، مع انه لم يستطع إلا خداع نفسه، واستمالة من تستهويهم المناصب الإدارية فقط.

بالمقابل ينبغي اعطاء تلك المناصب الإدارية للجديرين بها، الغير الباحثين عنها، ولا الزاهدين فيها.. فالعضو الزاهد بها الذي يريد تفريغ وقته لتدريسه وأبحاثه وخدمة محيطه، يتوجب على جامعته ان تتركه يعمل في هذا الميدان ليبدع، لا أن ترغمه على الأعمال المكتبية، كالإدارات والكنترول... والمصيبة ان الراغبين في المناصب ينتقون الأماكن الأكثر دسامة والأقل تعباً، ويتفننون في البحث عن إيقاع زملائهم الغير راغبين اصلاً في مناصبهم بأعمال يريدون ايقاعهم من خلالها في مخالفات، لتكون ورقة ضغط عليهم متى شاءوا.

اليمن بحاجة الى ان يدلي عضو هيئة التدريس بدلوه في القضايا المصيرية التي تهم الوطن، كالحوار الوطني، الذي هو هم الشارع بكل فئاته، فيما يكتفي الأستاذ الجامعي الحديث عنه في مقايل القات.. أين تأثير الأستاذ وتأثره في قضايا أمته؟ فالدكتوراه ليست شهادة تمنح لتعلق على الجدران بعد التوظيف بها في الجامعة، بل هي درجة أنفقت الدولة فيها الكثير ليصبح حاملوها مشعلاً للتغيير لا تابعين لهذا أو ذاك.