في اليوم العالمي للمرأة… ماذا قدمتم لها؟
بقلم/ إحسان الفقيه
نشر منذ: 5 سنوات و أسبوعين و 3 أيام
الإثنين 11 مارس - آذار 2019 07:40 م
 

«جعل الله عند الخلق طبائع النساء مختلفة، فجاءت إحداهن كأنما أخرجها الله من خنزير، وأخرى كأنما أخرجها الله من ثعلبة ماكرة، وثالثة كأنها الكلبة حركة ونشاطا، فهي تجوس أركان المكان فاحصة متطلعة، فإن لم تجد شيئا أطلقت لسانها بالسوء».

هل يصدق القارئ أن هذه الكلمات البشعة للشاعر اليوناني «سيمودنس»؟ وربما لا يصدق أن أفلاطون الفيلسوف الأشهر، جعل النساء في مدينته الفاضلة آخر طبقات المجتمع، وكلأً مباحا بين طبقة الحكام والفرسان؟

نعم هكذا كانت المرأة في شتى الحضارات، هملًا، تُباع وتُشترى، حتى أنها في القانون الإنكليزي حتى القرن التاسع عشر، كان يحق لزوجها بيعها، وفي الهند كانت إلى عهد قريب تُحرق حية وفق شريعة مانو.

وحتى الثورة الفرنسية التي أعلنت تحرير الإنسان من العبودية، لم يكن للمرأة فيها نصيب وافر، إذ نص القانون الفرنسي على أنها ليست أهلا للتعاقد من دون رضا وليها.

لقد بنى الغرب نظريته في تحرير المرأة بصورة جائرة، حيث أعلن كلمة المساواة بين الرجل والمرأة حسنة في الظاهر وقبيحة في المضمون، فانتشلوا المرأة من طبيعتها الأنثوية، وأقحموها في أمور المعاش، والقيام بوظائف الرجال، حتى في النواحي العسكرية، متجاهلين الفروق الجبلِّية التي لا تقدح في مكانة المرأة. ومما بنى عليه الغرب نظرته في تحرير المرأة، استقلالها في أمور المعيشة، فخرجت تكابد بحثا عن لقمة العيش، وهي في ظل هذه النظرة تعيش منذ بداية سن الشباب وحيدة في مسكن خاص، تقوم على شأنها، وتنتظر أن تكون رفيقة لأحدهم. لقد انتبهت المرأة الغربية إلى أنها تعرضت لخديعة كبرى تحت مسمى تحرير المرأة، فالكاتبة الأمريكية فيليبس ماكينلي تنقم على إجحاف دور المرأة التقليدي في المنزل، فتقول: «أصر على أن للنساء أكثر من حق في البقاء كربات بيوت، وإنني أقدر مهنتنا وأهميتها في الحقل البشري إلى حد أني أراها كافية لأن تملأ الحياة».

عام 1856 تظاهرت آلاف النساء في شوارع نيويورك، احتجاجا على العمل تحت ظروف لاإنسانية، فرّقتها الشرطة، ثم عادت هذه التظاهرات بعد نصف قرن تحت شعار «خبز وورود»، طالبن بتخفيض ساعات العمل ومنح النساء حق الاقتراع، ومع تشكّل حركة نسوية للمطالبة بتلك الحقوق، اعتبر الثامن من مارس/آذار يومًا للمرأة الأمريكية، ولم يتم إكسابه صفة العالمية إلا بعد موافقة الأمم المتحدة عام 1977، على اعتباره يوما لتكريم المرأة. ولأننا مولعون بالتقليد واستنساخ الحالة الغربية، سرنا على الأثر ذاته، واعتبرنا ذلك اليوم عيدا لتكريم المرأة، ولو تأملناه سنجده كغيره من المناسبات الاجتماعية المستوردة، ما هو إلا إهانة للمرأة، فإن تجعل يومًا واحدًا تُكرّم فيه المرأة لهو إهدار لمكانتها، ولو أنهم عينوا يومًا مماثلًا احتفالا بالرجل لعدّه الكثيرون إهانة له.

المرأة العربية المسلمة بالأصل تُكرّم طيلة العام، ورغم أن المرأة كانت في الجاهلية الأولى مظلومة، إلا أنها كانت من جانب آخر تمثل قيمة كبيرة لدى الرجال تُقام من أجلها الحروب، فانظر إلى عمرو بن كلثوم صاحب المعلقات وقوله:

على آثارنا بيض حسان نحاذر أن تقسم أو تهونا..

إذا لم نحمهن فلا بقينا لشيء بعدهن ولا حيينا..

ولكن جاء الإسلام، وأعلى من مكانة المرأة، وجعل النساء (شقائق الرجال) ونزلت سورة بهذا الاسم، وهو ما لم يكن للرجال، وجاءت الوصية بالإحسان إليهن في مواضع كثيرة، كان آخرها الوصية الأخيرة للنبي صلى الله عليه وسلم، وكانت تشارك في القتال تطوعًا، وتبيع وتشتري، وتملك وتتملك، وتباشر العقود، وتتعلم وتعلم، وتؤيد وتعترض، وتبايع. فماذا أغنى الاحتفال بيوم المرأة العالمي عنها؟ ماذا قدمت مجتمعاتنا للمرأة من مظاهر الإكرام؟ تعال نبدأ بأقوامٍ يتكلمون باسم الدين عن المرأة، ساقوا نصوصًا بدون فهم وصاغوا منها حرمًا آمنا للمرأة وفق زعمهم، وأعرضوا عن أوضاع المرأة في عهد النبوة. رأوا أنها لا تخرج من بيتها إلا لقبرها، وأنها ينبغي لها أن لا تُسمع الرجال صوتها، لأنه عورة كما زعموا، وأنها لا حاجة بها لأن تتعلم، تجاهلوا ونسفوا كل مواضع السيرة النبوية التي أظهرت أن المرأة كان تبيع وتشتري وتزاول الطب وتتعلم وتعلم الناس، وتحدث الرجال، كل ذلك وفق ضوابط تحفظ طهارة المجتمع ونظافته واستقراره.

نتحدث عن تكريم المرأة، وما زلنا نقول إن كيدهن عظيم، ونصِفُ المرأة بأن كيدها أقوى من كيد الشيطان، الذي وصفه الله بالضعف، من دون أن ينهض رجال العلم ـ إلا من رحم ربي ـ لبيان أن الآية (إن كيدكن عظيم) كانت على لسان عزيز مصر، وأن القرآن لم يُقرّها، ومن المعلوم أن نقل الكلام لا يعني بالضرورة تبنِّيه. نتحدث عن تكريم المرأة، ولا يزال بعض الحمقى يُحمّلون حواء مسؤولية الخروج من الجنة، مع أنهم لو جابوا القرآن والسنة الصحيحة لما وجدوا ما يدل على ذلك، وإنما كانت الوسوسة لهما جميعًا «فوسوس لهما الشيطان»، ومن ثم فإنهم يحملون المرأة مسؤولية كل شرور الأرض. بعض الناس لا يزالون يعيشون بنزعة جاهلية في نظرتهم للمرأة، حيث ترى النقمة على إنجاب البنات دون البنين «وإذا بُشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودًا وهو كظيم». ينبغي أن تُصحح أوضاع المرأة في الثقافة الإسلامية والفكر الإسلامي، وفق ما جاءت به النصوص الصحيحة، فإن الإسلام يُظلم في ملف المرأة بهذه التُّرهات. وفي المقابل، ماذا قدم أدعياء تحرير المرأة لها؟ وكيف كرموها؟ حمّلوها القيام بأعباء الرجل، وانتشرت في كثير من البلدان العربية فكرة أن المرأة قسيم الرجل في النفقة، وأهدروا بذلك خاصية لها وهي أنه لا يلزمها النفقة مهما امتلكت، وأن على وليِّها – سواء كان أبًا أو زوجًا – النفقة عليها. ظلموا المرأة حينا تركوها للفقر والكد حتى جفّ حليبها، لماذا لم ينتبهوا إلى هذه الشريحة الكادحة من النساء بعين الرحمة، بدلا من الجعجعة والطنطنة في المؤتمرات بحقوق المرأة وحريتها؟ لماذا لم يجوبوا القرى والأماكن النائية ليرفعوا أمية المرأة التي لا تُحسن قراءة اسمها، وتعيش في ظلمات الجهل، فهو أولى من الاحتفالات الكاذبة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. ضحكوا على المرأة عندما طالبوا ـ من باب التكريم المزعوم ـ بمساواتها بالرجل في الميراث، واستغلوا جهل الناس بالتشريع الإسلامي وفلسفة الميراث في الإسلام، التي أعطت المرأة مثل الرجل وأكثر منه في أكثر من ثلاثين موضعًا، بينما يأخذ هو أكثر منها في أربعة مواضع فقط؟ هؤلاء لم يُكرموا المرأة حينما سحقوا هويتها بالغزو الفكري الغربي، وطالبوا بحريةٍ تُرادف التفسخ وذوبان الهوية، والإعراض عن تراثها الإسلامي، وإن المرأة بدون هذا السياج من تعاليم دينها، كما قال الرافعيّ «البلادُ الجميلةُ بغير جيش، إنها الكنز المخبوء مُعَرَّضاً لأعين اللصوص، تحوطه الغفلة لا المراقبة».

إن المرأة ينبغي أن تنال تكريمًا مستدامًا يليق بمكانتها، فهي كما قال الشاعر: «الأم مدرسةٌ إذا أعددتها…أعددت شعبًا طيب الأعراق. والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.