صفحات مطوية من تاريخ الجاسوسية في اليمن والخليج3
بقلم/ أحمد عايض
نشر منذ: 13 سنة و 9 أشهر و 28 يوماً
الإثنين 24 يناير-كانون الثاني 2011 08:51 م

طلبت من صدام مغادرة العراق فرفض وقال نحن محتاجون إليك

• قررت العودة إلى اليمن والمخابرات.. السعودية حتى اللحظة لا تعرف أين أنا

• الحرس الخاص والحشم والخدم كلها تبخرت بين عشية وضحاها

• تلقيت عرض عمل في قطر وخيروني بين الداخلية أو الدفاع

• لم يعجب المسؤولين في صنعاء أن يأتي شخص أكثر منهم خبرة

• تجميد 800 ألف دولار من رصيدي في بنك إنترناشيونال في صنعاء

 

رحبت المخابرات العراقية بوصول العميد أحمد بن معيلي. وطلبت منه أن يختار فندقا مؤقتا لسكنه، حتى يتم تـأمين مكان عمله، فوقع اختياره على فندق بغداد، وهو الفندق الذي كان ينزل فيه أثناء عملة مع المخابرات السعودية سابقا. مما أثار ريبة المخابرات العراقية، حيث أخضعت بن معيلي لعملية اختبار قاسية بعد ذلك الحدث.

يقول بن معيلي في شهادته لـ«الدار»: اخترت فندق بغداد وهو الفندق الذي كنا ننزل فيه أيام عملي في المملكة العربية السعودية، وكانت المخابرات العراقية على علم بعملي مع المخابرات السعودية- ووضعوني بعد عام في اختبار.

ويقول «وجهت المخابرات العراقية ذات ليلة دعوة لقاء لي - شبه حفلة- وقامت بوضع مخدر في شرابي. وقالوا لي هل تشرب ويسكي؟ قلت لا فقدموا لي بيرة. وقد لاحظت أنهم أثناء فتح البيرة لم يكن لها صوت طبيعي أثناء فتحها. وشككت في وضع أي مخدر فيها وقدموا لي اناء كان فيه قرابة عشرة أكواب تقريبا وفي حركة سريعة قمت بوضع الكوب الذي كان أمامي أمام زميل عراقي اسمه أبو منصور، كان بجواري وبعد خمس دقائق سقط زميلي مخدرا على الأرض. وكان فيما ظهر لاحقا أن كل الكؤوس مخدرة لكني أخذت فترة أطول قبل أن أشعر بالتخدير، لأننا مدربون على مثل هذه الحالات. وعندها واجهتهم بالقول: أنتم خدرتمونا، وهذا ليس أسلوب مخابرات، المخابرات تواجه، ثم قاموا بسب صدام حسين أمامي حتى يروا ردة فعلي تجاه ذلك الشتم، أو لعلهم يستخرجون مني أي شيء وأخذوا في تحقيق مطول وأنا مخدر، لكني كنت مسيطرا على قواي العقلية، نتيجة لتدريبات مكثفها خضعت لها في أوقات سابقة. وكان التركيز في التحقيق لمن أتبع وهل هناك أي جهاز مخابرات ما زلت أعمل معه. فكانوا يسألونني ما عملك، فأقول في الإذاعة (تم استقدامه للعمل في إذاعة المدينة المنورة وإذاعة أحرار الجزيرة اللتين كانتا تنطلقان من بغداد)».

ويضيف «بعدها طلبت لقاء الرئيس صدام ، فتمت الموافقة على ذلك بعد فترة، وطلبت منه الإذن بمغادرة العراق لكنه رفض وقال «نحن محتاجون إليك وأصر على بقائي في العراق، وقام بإرضائي في منزله الخاص وقام بصرف سيارتين لي وبقيت بعدها في بغداد لمدة أربع سنوات، ولم أخرج إلا بأعجوبة».

من المخابرات السعودية إلى اليمنية

يكشف العميد أحمد بن معيلي أن المخابرات السعودية حتى اللحظة لا تعرف أين هو، لأنه خرج دون أن يقدم أي معلومات للجهات التي يعمل معها حول نيته للسفر- باستثناء وسائل الإعلام. وقال انه عاد إلى اليمن في عام 1990.

ويوضح أنه بدأ عمله في السعودية في اوآخر الستينات حتى عام 1990 وترقى في سلم المخابرات السعودية إلى رتبة عقيد. وكانت آخر مهامه في الرياض هو مسؤول المباحث في حي السفارات، وبحكم عمله تعرف على بعض ضباط المخابرات اليمنية في الرياض.

وكشف أنه بعد أن علمت المخابرات اليمنية عبر سفارة صنعاء في الرياض إنه يمني ألأصل ويحمل قدرا كبيرا من الخبرة في مجال المخابرات، طلبت منه رسميا حسب روايته أن يعود الى أرضه وأهله.

  الهروب من المخابرات السعودية

يبدو أن سياق الأحداث المتسارعة في حياة رجل المخابرات اليمني الأصل والمنشأ إلى بلده وموطنه كانت متسارعة. ويبدو أنه قرر العودة إلى اليمن دون الرجوع إلى المؤسسة العسكرية السعودية. ففضل القيام بعملية تهريب غير مباشرة، حيث قرر الخروج في رحلة عرضية للوصول إلى صنعاء.

يقول «كانت أولى محطات سفري من السعودية إلى اليمن هي عبر رحلة كانت متجهة من الرياض إلى السودان ومن السودان إلى القاهرة ومنها إلى الأردن ثم إلى صنعاء».

ويضيف «عندما خرجت لم تكن المخابرات السعودية تعلم أين اختفى العقيد أحمد بن معيلي وكيف اختفى»، مشيرا الى انه ربما وصلهم خبر عن وضعي عن طريق وسائل الاعلام فقط.

وحول سؤال «الدار» عن قرار العودة إلى اليمن يجيب بن معيلي: «ان ذلك القرار كان خاطئا. كنت أظن أني سوف أعود لليمن لكي أخدمها لكني كنت مخطئا في قراري».

 

عرض قطري

ويكشف أنه عرض عليه العمل في أكثر من دولة. وكان في مقدمتها دولة قطر، حيث يقول «ان الشيخ (...) عرض عليه العمل في قطر وخيره بين العمل في الداخلية أو الدفاع».

ويضيف أن هذا العرض تلقاه في احد فنادق فيينا، أثناء قيامه باحدى المهمات هناك. وجرى حديث طويل»، مثنيا على العرض الذي أكرمه كثيرا.

يبحث عن مصروفه اليومي

لم يكن أحد يظن أن يصبح الرجل الذي جاب العالم وسكن أشهر فنادقه وعاش في أشهر منتجعاته، أن يأتي يوم يبحث فيه عن مصروف يومه، ويبحث عمن يمد له يد العون والمساعدة.

يمضي بن معيلي في حديثة لـ«الدار» قائلا، انه كان يملك بعض المحال التجارية في العاصمة الباكستانية إسلام اباد، لكنه باعها بعد عودته لليمن بحضور السفير اليمني في إسلام أباد عبد الملك إسماعيل محمد وتم تحويل امواله باسم جواز سفره المحتجز حاليا في المخابرات اليمنية «حيث تم تحويل تلك الثروة إلى رصيد في بنك إنترناشيونال بالعاصمة صنعاء» ويقول ان في رصيده حاليا قرابة 800 ألف دولار، لكنه لا يستطيع أن يسحب سنتا واحدا منها، لأن الوثائق التي تؤكد أنه صاحب الرصيد حاليا محتجزة».

ويقول انه حاليا يعيش وضع شبه مأساوي لأنه لا يجد أي دخل سوى مساعدات خاصة من بعض زملائه السابقين في الاستخبارات اليمنية.

ويقول: «لا أجد سكنا أو حتى غرفة أملكها، فالبيت العملاق الذي صرف لي صودر والسيارات التي منحت لي تم أخذها والحرس الخاص والحشم والخدم كلها تبحرت بين عشية وضحاها».

خبير.. وجهاز غير قابل للتطوير

يؤكد العميد أحمد بن معيلي الذي حصل على هذه الرتبة في اليمن أنه عاد أصلا لليمن كخبير بهدف تقديم خبراته ومعارفه لتطوير جهاز المخابرات اليمنية، لكنه اصطدم في اليمن بأساليب وطرق عمل ذلك الجهاز بأساليب وصفها بالمتخلفة، كما أن القائمين عليها لم يكن لديهم استعداد في التماشي مع الخبرات التي كانت معه بل لجأوا إلى الشكوى به عند أكثر من جهة كان بينها رئيس المخابرات اليمنية وجهات أرفع من ذلك. ويمضي قائلا «كان رئيس قسم التحقيقات في المخابرات اليمنية في حينها محمد الخولاني كان دائما يذهب يشتكي إلى رئيس الأمن السياسي– جهاز الاستخبارات «وكان يقول هذا الشخص يهيننا ويتكلم علينا ويقول نحن لا نصلح لأن نكون مركز شرطة».

ويضيف بن معيلي ساخرا «جهاز المخابرات في اليمن كان يعتمد في جمع المعلومات على الناس المساكين وعلى الأقارب وعلى صناعة المجانين في الشوارع والأماكن العامة، وليس على قوة أمنية ذات إستراتيجية صحيحة أو خطط أمنية منظمة .

ويقول كل الخبرات التي تعلمتها في أشهر معاهد التدريب في العالم ذهبت أدراج الرياح في اليمن .

وحول سؤال «الدار» لماذا لم تتقبل المخابرات اليمنية خبراتك ومعارفك، فرد قائلا «لم يعجب المسؤولين هناك أن يأتي شخص أعلم منهم أو أكثر منهم خبرة».

لقاء بالرئيس اليمني

يؤكد العميد السابق في المخابرات اليمنية أحمد بن عيسى بن معيلي، أنه التقى بالرئيس اليمني علي عبد الله صالح كثيرا، وأنه كان يجري العديد من القضايا عن أمن الدولة. ويكشف أنه سافر للعراق بموافقة ومباركة الرئيس علي عبد الله صالح، خاصة بعد أن تلقت صنعاء إلحاحا كبيرا من قبل بغداد في استقدام الخبير بن معيلي للعمل هناك.

ويمضى قائلا «ومع كل تلك العوائق التي وجدتها في صنعاء لم تكن فترة عملي هناك إلا قليلة جدا، وهي قرابة عام وبضعة أشهر، تم ابتعاثي إلى العراق وبتكليف رسمي».