آخر الاخبار

تحذير قاتل من وزير الصحة.. اليمن يدخل مرحلة الخطر البيئي لقاتل اجتماع خلف الأبواب المغلقة بين العليمي والدبلوماسي الصيني.. ما الذي يجري في البحر الأحمر اليمن تعود إلى الواجهة الدولية.. وفد رسمي يشارك بفاعلية في اجتماعات مكافحة غسل الأموال بالبحرين المبعوث الأممي يختتم جولة في الرياض وأبوظبي ويُحذّر من انهيار مسار التهدئة بسبب تعنت الميليشيا سترات المشرفين وأجهزة لاسلكية: مشجعان يتنكران كأمن ويُطردان من الملاعب لثلاث سنوات باكستان تُعدّل دستورها: تعزيز صلاحيات الجيش وتقليص نفوذ القضاء وسط تحذيرات من تقويض الديمقراطية الإدارة الأميركية تفرض عقوبات على شبكات إيرانية لشراء مكونات الصواريخ والطائرات المسيرة رئيس وزراء اليمن يستعرض مع الحكومة البريطانية دعم الإصلاحات الاقتصادية ومؤتمرات الصحة والطاقة   اليمن يطالب بالدعم الإقليمي والدولي للإصلاحات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية مبعوث الأمم المتحدة يتحدث عن حل سياسي شامل يمثل أولوية قصوى في اليمن

انطلاق قناة سبأ: الدلالات والرمزية الوطنية ورؤية للمستقبل
بقلم/ أ.د.عبدالوهاب العوج
نشر منذ: شهرين و 14 يوماً
الجمعة 29 أغسطس-آب 2025 07:25 م
 

إن انطلاق قناة سبأ من داخل اليمن، ومن أرض سبأ وبلقيس التاريخية، يمثل أكثر من مجرد عودة لقناة وطنية اختطفها الحوثيون سابقًا، إنه إعلان عن استعادة الإرادة الإعلامية الوطنية، وإشارة إلى أن اليمنيين قادرون على صناعة خطابهم من الداخل، دون وصاية خارجية أو ارتهان لأجندات الدول الممولة (تقرير اليونسكو حول الإعلام في مناطق النزاع، 2022).

 

منذ انقلاب 2014م، أدرك الحوثيون أن الإعلام لا يقل خطورة عن السلاح، فاستولوا على القنوات الرسمية، وحوّلوا قناة سبأ نفسها إلى منبر دعائي للجماعة، ثم أسسوا قناة «المسيرة» التي تحولت إلى رأس الحربة في معركتهم الإعلامية، بتمويل إيراني وتدريب من حزب الله (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، 2019). هذه التجربة ليست استثناءً بل هي تكرار لنموذج «المنار» في لبنان و«العالم» و«الميادين» في سياقات أخرى، حيث اعتمدت إيران على الإعلام لتوسيع نفوذها الناعم وتثبيت أذرعها الإقليمية (تقرير فريدوم هاوس عن الإعلام في الشرق الأوسط، 2020).

 

لكن عودة قناة سبأ اليوم من الداخل اليمني تكسر هذه المعادلة، فهي تثبت أن الشرعية والمشروع الوطني قادران على امتلاك أدوات إعلامية من صميم الأرض اليمنية، بما يمنحها قوة مضاعفة من حيث المصداقية والتأثير، ويجعلها صوتًا بديلًا وصادقًا في مواجهة بروباغندا الحوثيين ودعاياته التي صُممت لتشويه الحقائق وتبرير العنف (BBC Monitoring، 2021).

 

البعد المقارن:

التجربة اليمنية اليوم تذكّرنا بتجارب أخرى في المنطقة:

و في العراق بعد الاحتلال الامريكي 2003م، تناسلت عشرات القنوات بدعم خارجي وطائفي وخاصة من ايران، فتحولت إلى أدوات لتفكيك المجتمع بدل أن تكون صوتًا وطنيًا جامعًا (مركز كارنيغي للشرق الأوسط، 2016). في سوريا، واجهت القنوات المعارضة التي بثت من الخارج أزمة ثقة مع الداخل، إذ ارتبطت بأجندات دولية قللت من فاعليتها رغم إمكاناتها التقنية (Arab Media & Society Journal، 2018). أما في لبنان، فقد سيطر حزب الله عبر «المنار» وأذرعه الإعلامية على جزء واسع من الفضاء الإعلامي، ليصبح الإعلام انعكاسًا مباشرًا للاستقطاب الطائفي والسياسي (تقرير معهد الإعلام اللبناني، 2017). هذه الأمثلة تؤكد أن من يملك الإعلام يملك القدرة على تشكيل وعي المجتمعات وربما إعادة هندستها بالكامل.

 

الأبعاد المستقبلية لقناة سبأ:

انطلاق القناة اليوم يجب أن يكون البداية، لا النهاية، وأرجو الله في سنين قادمة لأن تكون مؤهلة بخطة طموحة ودعم سخي من كل الأطراف المحلية والاقليمية اذا صفت النوايا في دعم الشعب اليمني في معركته الكبرى لكي تتحول من قناة وطنية للداخل إلى منصة إقليمية ودولية، ولنا في التجربة الرائدة والملهمة لشبكة الجزيرة التي تحولت «شبكة الجزيرة» من قناة قطرية صغيرة إلى شبكة عالمية مع الفارق في الامكانيات المالية والبعد السياسي للقيادة القطرية الملهمة للجميع (تقرير معهد رويترز لدراسة الإعلام، 2021)، و ذلك ليس على الله ببعيد ولا مقارنة بين طموحنا الذي يحده الكثير لكن من باب الاستفادة والالهام من تجربة الجزيرة التي بهرت العالم "اذا اشتدت العزائم وارتفع سقف الطموح ولا مقارنات" وبخاصة اذا بدانا خلال السنوات القادمة بخطة طموحة جدا وملهمة (قد يسخر البعض منها لكن الطموح واستشراف المستقبل ليس على الله ببعيد) و ذلك يتطلب استراتيجية بعيدة المدى تقوم على:

 
  1. تنويع اللغات: إطلاق نسخ باللغة الإنجليزية وربما بعد سنوات طويلة بلغات اقليمية كاللغات الصومالية والاثيوبية والارترية، لشرح الرواية اليمنية مباشرة للرأي العام الدولي، في مواجهة خطاب الحوثيين وإعلام إيران الموجّه وكذلك البعد الجيوسياسي و التاريخي لليمن و بهذا الاسم الذي يحمل عبق التاريخ والشموخ (وجأتكم من سبأ بنباء يقين) (تقرير الأمم المتحدة عن الإعلام في القرن الإفريقي، 2022).
 
  1. مكاتب إقليمية: فتح مكاتب في سنوات قادمة بمشيئة الله في العواصم العربية المؤثرة (الرياض و القاهرة) (Arab News، 2023).
 
  1. شراكات إعلامية: عقد اتفاقيات تعاون مع قنوات عربية ودولية لتبادل المحتوى والتقارير، بما يمنح القناة مصداقية وانتشارًا أوسع (DW Media Development Report، 2020).
 
  1. إنتاج رقمي حديث: الاستثمار في الإعلام الرقمي (المنصات الإلكترونية و برامج اليوتيوب، البودكاست و غيرها من التطبيقات الذكية)، لأن شريحة الشباب تتجه أكثر إلى المنصات الرقمية من الفضائيات التقليدية (Pew Research Center، 2022).
 
  1. إعداد كوادر وطنية: إنشاء معهد تدريبي إعلامي ملحق بالقناة لتخريج جيل جديد من الصحفيين والمذيعين والفنيين اليمنيين، يجمع بين المهنية والالتزام الوطني (تقرير اليونسكو للتدريب الإعلامي، 2021).
 
  1. شبكة مراسلين داخلية: توزيع شبكة مراسلين في مختلف المحافظات، لتغطية الواقع اليومي ونقل صوت الناس، ما يمنح القناة ميزة ميدانية لا تملكها القنوات الخارجية (Al Jazeera Media Institute Report، 2020).
 
  1. الاستقلالية النسبية: الحفاظ على قدر من الاستقلالية التحريرية التي تسمح للقناة بكسب ثقة الجمهور، بعيدًا عن الخطاب الدعائي المباشر، مع الالتزام بالثوابت الوطنية (International Media Support Report، 2021).
 

الخلاصة:

إن قناة سبأ الجديدة ليست مجرد وسيلة إعلامية، بل مشروع وطني استراتيجي، إذا حظي بالدعم المادي والسياسي، يمكن أن يتحول إلى منصة إقليمية تواجه المشروع الحوثي الإيراني على المستوى الإعلامي، وتعيد التوازن إلى معركة الوعي، بل وتضع اليمن في مكانته الطبيعية كجزء فاعل في محيطه العربي والدولي (Carnegie Endowment، 2022).

 

إنها لحظة تاريخية يجب البناء عليها، وعدم الاكتفاء بالاحتفاء الرمزي. فالإعلام اليوم ليس رفاهية، بل هو خط دفاع أول، وسلاح لا يقل فاعلية عن البندقية (Foreign Policy، 2023).

 

بوركت جهود القائمين على هذا المشروع الوطني، وقلوب الشعب معكم، والجميع بانتظاركم لتكونوا الصوت الحر الذي يكسر احتكار الحوثيين ويعيد الاعتبار للإعلام الوطني، بل ويؤسس لمرحلة جديدة تجعل من قناة سبأ منصة إقليمية تعكس صورة اليمن الحر، وتضعه في مواجهة ندّية مع إعلام إيران وأذرعها.