تحذير قاتل من وزير الصحة.. اليمن يدخل مرحلة الخطر البيئي لقاتل
اجتماع خلف الأبواب المغلقة بين العليمي والدبلوماسي الصيني.. ما الذي يجري في البحر الأحمر
اليمن تعود إلى الواجهة الدولية.. وفد رسمي يشارك بفاعلية في اجتماعات مكافحة غسل الأموال بالبحرين
المبعوث الأممي يختتم جولة في الرياض وأبوظبي ويُحذّر من انهيار مسار التهدئة بسبب تعنت الميليشيا
سترات المشرفين وأجهزة لاسلكية: مشجعان يتنكران كأمن ويُطردان من الملاعب لثلاث سنوات
باكستان تُعدّل دستورها: تعزيز صلاحيات الجيش وتقليص نفوذ القضاء وسط تحذيرات من تقويض الديمقراطية
الإدارة الأميركية تفرض عقوبات على شبكات إيرانية لشراء مكونات الصواريخ والطائرات المسيرة
رئيس وزراء اليمن يستعرض مع الحكومة البريطانية دعم الإصلاحات الاقتصادية ومؤتمرات الصحة والطاقة
اليمن يطالب بالدعم الإقليمي والدولي للإصلاحات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية
مبعوث الأمم المتحدة يتحدث عن حل سياسي شامل يمثل أولوية قصوى في اليمن
في الأسابيع الأخيرة، شهدت القاهرة والرياض مشاهد اجتماعية وسياسية لافتة؛ أفراح وزيجات جمعت أطرافًا يمنية متعددة المشارب وقوى متصارعة تحاول نسيان جراحات الماضي القريب، وحضورًا جماهيريًا واسعًا ضم شخصيات من مختلف الصفوف والقوى اليمنية، بل وحتى بعض قيادات لتلك الأطراف التي كانت بالأمس القريب في حالة صراع مرير.
ان هذه اللقاءات، وإن بدت في ظاهرها اجتماعية، فإنها تعكس ديناميكية أعمق في المشهد اليمني، حيث تلتقي المصالح أحيانًا على هامش النزاع، لكن جذور الانقسام السياسي ما زالت قائمة.
من هنا، تأتي أهمية إعادة قراءة ما جرى منذ ثورة الشباب في فبراير 2011 حتى اليوم، لفهم كيف وصلنا إلى اللحظة الراهنة، ولماذا تبدو إعادة بناء الصف الجمهوري مهمة وجودية وليست خيارًا سياسيًا فحسب.
منذ انطلاق ثورة الشباب السلمية في فبراير 2011، التي خرجت فيها الجماهير في صنعاء وتعز وعدن والحديدة وغيرها مطالبة بإسقاط نظام علي عبدالله صالح وبناء دولة مدنية قائمة على العدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للسلطة والثروة، دخل اليمن مرحلة سياسية جديدة. ورغم أن الثورة الشبابية كانت لحظة أمل تاريخية، فإن القوى السياسية التي تبنت شعاراتها لم تحافظ على وحدتها، فانزلقت إلى صراعات جانبية على السلطة والنفوذ، ما أضعف الجبهة الجمهورية منذ وقت مبكر.
وكما جاء في تقرير هيومن رايتس ووتش 2012: "أخفقت القوى السياسية اليمنية في تحويل الزخم الشعبي لثورة 2011 إلى إصلاحات حقيقية، وبدلاً من ذلك انخرطت في ترتيبات تقاسم سلطة هشة لم تصمد أمام الانقسامات".
المبادرة الخليجية (2011) ومخرجات الحوار الوطني (2013–2014) كانتا محاولة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي عبر مشروع الدولة الاتحادية، لكن الخلافات حول عدد الأقاليم وتقاسم السلطة، إلى جانب التدخلات الإقليمية وتورط بعض القوى في تحالفات قصيرة النظر، أدت إلى إضعاف هذا المسار. أخطر تلك التحالفات كان تحالف الرئيس السابق صالح مع جماعة الحوثي، وهو تحالف أمني–سياسي هدفه إسقاط حكومة الوفاق وتصفية خصوم الطرفين.
في سبتمبر 2014، تقدمت مليشيات الحوثي من صعدة مرورًا بعمران لتسيطر على العاصمة صنعاء، مدعومة بخبرة عسكرية وأمنية وفرتها قوات موالية لصالح، وبشبكة دعم مالي وعسكري من إيران. وقد أكد تقرير فريق الخبراء الأممي 2016: "تشير الأدلة إلى استمرار تدفق الأسلحة والمعدات العسكرية من إيران إلى جماعة الحوثي عبر طرق بحرية، بما في ذلك صواريخ باليستية قصيرة المدى وطائرات مسيرة، وهو ما يشكل خرقًا لقرارات مجلس الأمن".
هذا الدعم الإيراني كان جزءًا من استراتيجية أوسع تهدف إلى خلق أذرع محلية مشابهة لحزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق، وميليشيات موالية في سوريا، كما أوضح معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى (2017): "تعتمد إيران على بناء تحالفات مع مجموعات مسلحة غير دولية في المنطقة لتعزيز نفوذها وتقويض خصومها الإقليميين، واليمن يشكل الحلقة الأحدث في هذه السلسلة".
مع انطلاق عملية "عاصفة الحزم" في مارس 2015 بقيادة السعودية، انتقل الصراع إلى بعده الإقليمي الصريح. هدفت العملية لإعادة الشرعية وإنهاء الانقلاب، ثم تحولت إلى "إعادة الأمل" مع وعود بإعادة الإعمار ودفع العملية السياسية. وكما ورد في بيان التحالف العربي (26 مارس 2015): "تأتي العملية استجابة لطلب من الرئيس اليمني الشرعي، وبهدف حماية اليمن من السقوط في قبضة المليشيات الحوثية المدعومة من إيران".
لكن الانقسامات داخل القوى المناهضة للحوثي، وتضارب الأجندات، أطالت أمد الحرب وأعطت الحوثيين فرصة لإعادة التموضع والتوسع، بل وتطوير قدراتهم الهجومية ضد العمق السعودي والإماراتي. وكما جاء في تقرير مجموعة الأزمات الدولية (2022): "كلما طال أمد الانقسامات بين القوى المناهضة للحوثيين، زادت فرص الأخيرين في ترسيخ سيطرتهم وإعادة بناء قوتهم".
التجربة اليمنية تتقاطع مع تجارب عربية أخرى:
لبنان: حيث استغل حزب الله الحرب الأهلية والانقسامات الطائفية ليصبح قوة عسكرية وسياسية مهيمنة بدعم مباشر من إيران.
العراق: حيث لعب الحشد الشعبي دورًا مشابهًا بعد انهيار الدولة أمام داعش، واستفاد من الضعف المؤسسي ليبني نفوذًا طويل الأمد.
سوريا: حيث دعمت إيران ميليشيات متعددة لتمكين النظام من البقاء، مع تغيير ديمغرافي ومذهبي في بعض المناطق.
المعادلة في الحالات الأربع واحدة: انقسامات داخلية + دعم خارجي منظم = تمكين مشروع طائفي مسلح على حساب الدولة الوطنية. واليمن اليوم يسير على نفس النمط، حيث رسخ الحوثيون سلطتهم السلالية عبر السيطرة على مؤسسات الدولة في صنعاء، وتغيير المناهج التعليمية، وإحكام القبضة الأمنية، وتوظيف الموارد لخدمة مشروعهم.
لكن مواجهة هذا المشروع لا تكون بالشعارات وحدها، بل بخطة واضحة لتأسيس صف جمهوري موحد، تقوم على:
إن المصالحة الوطنية لم تعد خيارًا تكتيكيًا، بل شرطًا وجوديًا لاستعادة الدولة ومنع تثبيت الحوثيين كأمر واقع بدعم إيراني، وتحول اليمن إلى "نسخة جنوبية من لبنان" تتحكم فيها مليشيا طائفية مرتبطة بطهران، مع ما يعنيه ذلك من تهديد للأمن الإقليمي والدولي.
------
المراجع: