تحذير قاتل من وزير الصحة.. اليمن يدخل مرحلة الخطر البيئي لقاتل
اجتماع خلف الأبواب المغلقة بين العليمي والدبلوماسي الصيني.. ما الذي يجري في البحر الأحمر
اليمن تعود إلى الواجهة الدولية.. وفد رسمي يشارك بفاعلية في اجتماعات مكافحة غسل الأموال بالبحرين
المبعوث الأممي يختتم جولة في الرياض وأبوظبي ويُحذّر من انهيار مسار التهدئة بسبب تعنت الميليشيا
سترات المشرفين وأجهزة لاسلكية: مشجعان يتنكران كأمن ويُطردان من الملاعب لثلاث سنوات
باكستان تُعدّل دستورها: تعزيز صلاحيات الجيش وتقليص نفوذ القضاء وسط تحذيرات من تقويض الديمقراطية
الإدارة الأميركية تفرض عقوبات على شبكات إيرانية لشراء مكونات الصواريخ والطائرات المسيرة
رئيس وزراء اليمن يستعرض مع الحكومة البريطانية دعم الإصلاحات الاقتصادية ومؤتمرات الصحة والطاقة
اليمن يطالب بالدعم الإقليمي والدولي للإصلاحات الاقتصادية وتحسين الأوضاع المعيشية
مبعوث الأمم المتحدة يتحدث عن حل سياسي شامل يمثل أولوية قصوى في اليمن
تشير التطورات الأخيرة في ساحة العمليات العسكرية باليمن إلى تحوّل نوعي في طبيعة الصراع، يتمثل في التصاعد غير المسبوق لاستخدام الطائرات المسيّرة، سواء من قبل جماعة الحوثي أو من الأطراف الإقليمية الفاعلة في المشهد.
فقد قام الحوثيين باستخدام المسيرات في الهجوم على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن واخيرا قامو بأغراق سفينتين: و في يناير 2024، شنت جماعة الحوثي عدة هجمات بمسيّرات مفخخة استهدفت ميناء الضبة النفطي في حضرموت، مما أدى إلى تعليق تصدير النفط مؤقتًا (رويترز، يناير 2024). وأكد البنتاغون في بيان رسمي أن تلك الهجمات تمثل تهديدًا مباشرًا لأمن الملاحة والتجارة العالمية في البحر الأحمر.
كما استهدف الحوثيون مرارًا مصادر النفط السعودية الحيوية، كان أبرزها الهجمات المتكررة على حقول النفط في بقيق وخريص، والتي بدأت منذ سبتمبر 2019 حين أدت هجمات مسيّرات وصواريخ إلى تعطيل إنتاج النفط السعودي مؤقتًا (رويترز، سبتمبر 2019). وواصل الحوثيون توجيه ضربات مركزة إلى هذه المنشآت والحقول النفطية باستخدام مسيّرات مفخخة وصواريخ كروز، مما أدى إلى حالة من القلق الإقليمي والدولي حول استقرار إمدادات النفط العالمية.
هذه الهجمات تعكس قدرة الحوثيين المتزايدة على تجاوز الدفاعات السعودية المعقدة، وتعزيز حضورهم في الصراع الإقليمي عبر ضرب العمق الاقتصادي للمملكة. وهو ما أكده تحليل مركز الأبحاث "International Crisis Group" (2020)، حيث وصف الهجمات بأنها "أداة ضغط استراتيجي تستخدمها الجماعة في صراع متصاعد".
وقد أظهرت هذه الهجمات أن الحوثيين لم يعودوا مجرد مليشيا محلية، بل باتوا أداة استراتيجية إيرانية تملك القدرة على تهديد مصالح دولية عبر تقنيات عسكرية منخفضة الكلفة وعالية التأثير. وهو ما أكده تقرير معهد الدراسات الإستراتيجية الدولية CSIS في يناير 2023، حين أشار إلى أن اليمن أصبح ساحة اختبار حقيقية لتكتيكات "الازدحام الجوي" عبر أسراب المسيّرات.
ووفقًا لإريك نافارو، مدير البرامج العسكرية في منتدى الشرق الأوسط، فإن "السيطرة الجوية باستخدام الطائرات المسيّرة تمثل الخيار الأمثل لخوض حرب استنزاف ذكية ضد خصم غير متماثل مثل الحوثيين" (منتدى الشرق الأوسط، نوفمبر 2023).
وفي ظل التحديات الجغرافية الوعرة، وعدم فاعلية الحملات الجوية التقليدية في حسم المعركة، باتت المسيّرات خيارًا استراتيجيًا لا غنى عنه. فهذه الأدوات تسمح برصد التحركات وتنفيذ الضربات بدقة دون تعريض حياة الجنود للخطر أو استنزاف الذخائر التقليدية.
على الصعيد الإقليمي، شهدت المنطقة في أبريل 2024 تصعيدًا خطيرًا بين إيران وإسرائيل، حين أطلقت طهران أكثر من 300 مسيّرة وصاروخ كروز نحو العمق الإسرائيلي ردًا على قصف منشآت في أصفهان (نيويورك تايمز، أبريل 2024). ورغم نجاح أنظمة الدفاع الإسرائيلية في اعتراض الجزء الأكبر، إلا أن ما كُشف في تلك الحادثة هو قدرة إيران على قيادة حرب مسيّرات منسقة عبر عدة جبهات، من اليمن إلى العراق وسوريا ولبنان.
وتكشف هذه التطورات أن إيران باتت تعتمد على وكلائها في إدارة "حرب السماء" بالوكالة، حيث تتحرك المسيّرات من عدة جبهات ضمن نمط عمليات منسق يستهدف إنهاك إسرائيل وتحالفاتها الدفاعية على أكثر من مستوى.
وفي هذا الإطار، صعّد حزب الله اللبناني من هجماته بالمسيّرات على إسرائيل منذ اندلاع الحرب في غزة. ففي 11 أكتوبر 2023، اعترض الجيش الإسرائيلي طائرتين مسيّرتين أُطلقتا من جنوب لبنان نحو الجليل الغربي، وُصفت بأنهما إيرانيتا الصنع وموجهتان نحو أهداف عسكرية (القناة 12 الإسرائيلية، 11 أكتوبر 2023).
وفي 27 نوفمبر 2023، أطلق حزب الله طائرة مسيّرة استهدفت قاعدة إسرائيلية في كريات شمونة، وألحقت أضرارًا دون إصابات (تايمز أوف إسرائيل، 27 نوفمبر 2023). وتوالت بعدها هجمات متعددة في ديسمبر ويناير، حيث تم تسجيل 18 هجومًا على الأقل بمسيّرات نحو مواقع استخباراتية وعسكرية إسرائيلية (هآرتس، 5 يناير 2024).
وقد علّق الباحث العسكري يواف ليمور في صحيفة يسرائيل هيوم أن "ما يحدث على الجبهة الشمالية هو بروفة إيرانية تدار من طهران وتنُفذ عبر وكلائها بأساليب منخفضة الكلفة وعالية التأثير" (يسرائيل هيوم، 10 يناير 2024).
وفي اليمن، أفادت وكالة سبأ أن قائدًا عسكريًا نجا من محاولة اغتيال بطائرة مسيّرة في مأرب في نوفمبر 2022، وهو ما يؤكد تطور القدرة الحوثية على تنفيذ ضربات دقيقة ضد قيادات ميدانية.
تشير تقارير استخباراتية نشرتها الواشنطن بوست إلى أن إيران زوّدت الحوثيين بمنظومات توجيه دقيقة وتقنيات تصنيع محلية لمسيّرات قادرة على الوصول إلى عمق إسرائيلي عبر البحر الأحمر (الواشنطن بوست، مارس 2023).
أمام هذه الوقائع، يجد التحالف العربي والحكومة الشرعية نفسيهما أمام معضلة استراتيجية، فالغارات الجوية لم تعد كافية لحسم المواجهة، بل أظهرت تقارير مؤسسة RAND (أكتوبر 2022) أنها منحت الحوثيين فرصًا لإعادة التموضع وتطوير تكتيكاتهم.
لهذا، فإن "حرب المسيّرات الذكية" تظهر كخيار واقعي فعال، تُمكن الحكومة من تقويض قدرات الحوثيين دون الدخول في مواجهات مكلفة، ومن دون إغراق البلاد في مزيد من الدمار.
سياسيًا، يتناسب هذا النهج مع مزاج صنّاع القرار الأميركي، الذين يتجهون نحو تقليص التدخلات العسكرية المباشرة. ووفق استطلاع مركز بيو (2023)، فإن غالبية الأميركيين يفضلون استخدام أدوات غير مباشرة في الرد على التهديدات الخارجية.
---
مقاربات عالمية: دروس من حرب المسيّرات بين روسيا وأوكرانيا
إذا كنا نتحدث عن "سلاح المستقبل"، فلا بد من إلقاء نظرة على ساحات أخرى اختبرت هذه التكنولوجيا بشكل مكثف، وأبرزها الحرب المستمرة بين روسيا وأوكرانيا.
منذ بداية الغزو الروسي في فبراير 2022، تحولت المسيّرات إلى أحد أهم أدوات الصراع، حيث استخدم الطرفان هذه الطائرات بدون طيار في مهام الاستطلاع، الاستهداف، وحتى الهجوم الانتحاري. وقد شهدت أوكرانيا استخدامًا مكثفًا لمسيّرات محلية الصنع، مع تقنيات مفتوحة المصدر ودعم دولي ساعدها في تنويع أسطولها.
في المقابل، لجأت روسيا إلى استخدام مسيّرات إيرانية الصنع مثل Shahed-136، والتي لعبت دورًا بارزًا في ضرب المنشآت الحيوية الأوكرانية، ما يؤكد انتقال التكنولوجيا عبر تحالفات إقليمية ودولية.
ولم تقتصر المعارك على الهجوم فقط، بل امتدت إلى تطوير أنظمة دفاع جوي متقدمة واعتماد تقنيات التشويش الإلكتروني لإسقاط أو تعطيل المسيّرات، حيث برزت تكتيكات الازدحام (Swarm tactics) التي استخدمها الأوكرانيون بفعالية، مما سبب إزعاجًا ملموسًا للقوات الروسية.
وبالنظر لنوع الأسلحة والمعدات العسكرية التي تم القبض الشهر الماضي من قبل قوات المقاومة الوطنية في البحر الأحمر يدل دلالة قاطعة على اعتماد المسيّرات كسلاح رئيسي للمليشيا الحوثية المدعومة بكميات كبيرة ومتنوعة من المسيرات من خلال شبكات التهريب الإيرانية.
هذه التجربة تعكس بوضوح كيف أن المسيّرات تفرض تحولات استراتيجية في طبيعة الحروب الحديثة، من حيث التكلفة، الدقة، والمرونة. ومن المثير أن نرى كيف تتقاطع تجارب اليمن والشرق الأوسط مع تجربة أوكرانيا، لتؤكد أن السماء اليوم أصبحت ساحة معارك ذكية، لا تقبل أنصاف الحلول.
---
خاتمة و توصيات:
في المحصلة، يتضح أن حرب المسيّرات لم تعد احتمالًا مستقبليًا، بل واقعًا ميدانيًا متسارعًا يفرض نفسه على ساحة الحرب في اليمن والمنطقة والعالم. وإذا لم تتمكن الحكومة الشرعية والتحالف العربي من تطوير قدراتهم التقنية والاستخبارية لمجابهة هذا التحدي، فإن التفوق الجوي سيبقى بيد الخصم، وستتحول السماء إلى كابوس مفتوح على كل الاحتمالات.
لذا، لا بد من توجيه جهود استراتيجية وعاجلة للحكومة الشرعية وقيادة التحالف العربي، تتمثل في:
دعم وتطوير قدرات الجيش الوطني والقوات الداعمة للشرعية في مجال الطائرات المسيّرة، من خلال توفير التقنيات الحديثة، التدريب المكثف، وتعزيز مراكز البحث والابتكار المحلي لتصنيع المسيّرات وتطويرها بما يتناسب مع طبيعة الصراع اليمني.
تبني استراتيجية "حرب مسيرات ذكية" قادرة على ضرب مواقع المليشيات الحوثية بدقة وفعالية، مع التركيز على الاستطلاع والتتبع اللحظي للحركات الميدانية، مما يسهل ضرب القيادات والمخازن الحساسة وتقليل الخسائر البشرية.
تعزيز التنسيق الاستخباري والاستخدمي بين قوات الشرعية والتحالف العربي، لضمان استغلال القدرات الجوية بالمسيّرات بأفضل صورة، وتجنب الثغرات التي تستغلها مليشيات الحوثي.
الاستثمار في تطوير أنظمة دفاعية مضادة للطائرات المسيّرة، للحد من هجمات الحوثيين المفاجئة التي تستهدف المناطق الحيوية والبنية التحتية.
دمج الطائرات المسيّرة في الخطط العملياتية العسكرية كأداة رئيسية في معركة دحر المليشيات الإرهابية، وليس فقط كأداة مساندة، مع دعم القرار السياسي بتوفير الموارد اللازمة لاستدامة هذه الحرب التقنية.
إن اتخاذ هذه الخطوات لن يعزز فقط التفوق العسكري للحكومة الشرعية، بل سيشكل رسالة قوية وحاسمة لمليشيات الحوثي بأن زمن الهيمنة التقليدية قد ولّى، وأن سماء اليمن لن تبقى مفتوحة لأطماعهم وأدواتهم الإرهابية.
في هذه الحرب الذكية، يجب أن يكون الاستثمار في المسيّرات استثمارًا في مستقبل السلام والاستقرار لليمن والمنطقة بأسرها.
---
