حزب الإصلاح ..ما بعد الزنداني
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: 5 سنوات و شهرين و 10 أيام
الجمعة 13 سبتمبر-أيلول 2019 07:00 م
 

 أول ما عرفت الإسلاميين في اليمن عن طريق مجموعة أشرطة صوتية ( كاسيتات) بصوت الشيخ عبدالمجيد الزنداني .. صدرت عام 1989 كانت لغة غير مألوفة لنا في عدن , وخطابة نفير عام .. لغة خطيب عاد للتو من أفغانستان وتورا بورا وقندهار , لكنه لم يغمد او يهمد سيفه .. المعركة أكبر على ما يبدو .. إنه شريط (الثغرات) , خفضت صوت الريكوردر (المسجلة) وأنا اعاقر إحدى الممنوعات حتى لا يتلصص علي أحدهم , شبيه بأفيون فكري محظور تداوله في عدن تلك الأيام ..

(الوحدة لا تجوز مع الشيوعيين الملحدين والماركسيين) .. رددت على شريط الشيخ بعد يومين من التفكر بمقال خجول في الصفحة الأخيرة من صحيفة 14 أكتوبر بعنوان (الثغرات .. والنعرات) فثمة رائحة فتنة , استحضرت كلمات الرائي عبدالله البردوني وهو يقول لي في لقاء صحفي سابق معه بالحرف ( يوجد إخوان مسلمين ومسلمين اخوان) أي لا نحتكر ونختزل البديهيات الإيمانية المشتركة للناس في المسميات الحزبية ..

هل يوجد من يعارض قيام الوحدة اليمنية وفي الشمال تحديدا بل ومن شيوخ الدين وموحدي الامة !!.

 بعد عام تقريبا في 19 مايو 1990م بين الحلم واليقظة الى نافذة غرفتي في الفندق صخب وهتافات وحالة تدافع شبه هستيرية غاضبة للناس من باب اليمن الى شارع التحرير وجمال و 26 سبتمبر بعد صلاة العصر , لم يكن حلما او اضغاث القيلولة بل احتشاد بشري حي يشق طريقه في الشوارع .. شعارات مناهضة للوحدة اليمنية ولآخر الملحدين الذين كفروا عن خطاياهم بقيامها .. لكن المعركة بدأت .. اختلطت اللحى ببعضها , ومن شارع الى شارع .. فتذكرت كاسيتات (الثغرات) وتأثير الزنداني الكبير الخطير الذي كنت أجهله ..

كنت حينها ضمن وفد إعلامي من عدن الى صنعاء لتغطية الوجه الآخر للحدث , لم يكن قد تقرر مكان الكرنفال المزمع لليوم المشهود .. قيل بأن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر يعارض هو الآخر الوحدة مع الشيوعيين والماركسيين في الجنوب , وهي الثغرة التي نفذت منها بإصرار لاستكشاف موقفه .. كان مشغولا فطلب سكرتيره مني تقديم أسئلة مكتوبة والتعريف بإسمي وصفتي وتأجيل المقابلة الشخصية الى اليوم التالي.

قال لي إن الذين يعارضون قيام الوحدة اليمنية هم الذين في قلوبهم مرض ومن لا يريدون الأمن والاستقرار والازدهار للبلد) .. تصريح كاف لاستكشاف موقف الزعيم القبلي الذي يبدو أنه حسم أمره وخالف الزنداني وصعتر والديلمي الذين عكر ضجيجهم أجواء المناسبة التاريخية المزمعة بعد أيام في 22 مايو 1990 م ..

كان شيوخ حزب الإصلاح قبل تأسيسه هم الواجهة الفكرية (الدعوية) والصوتية وظاهرة إعلامية تغطي على ما سواها من ملامح وارهاصات الشخصية السياسية لحزب لم يتبلور خطابه السياسي بعد ولم تتشرنق الأفكار الجديدة بين صفوته.

وحتى بعد إعلان قيام حزب التجمع اليمني للإصلاح في 11 سبتمبر 1991 خاض معركته السياسية مع خصومه الاشتراكيين بخطاب ديني تقليدي ماضوي منغلق في خليط واضح يجمع بين موروث أحقاد وثأرات حروب المناطق الوسطى بين الطرفين فبراير 1979 إلى منتصف 1982م , وأخليت للمعركة العقائدية والفكرية ساحتها مشوبة بفتاوى عنف متهورة تقطف ثمار تداعياتها المضادة الى اليوم في بعض عدن والجنوب !!.

ظهرت معركة حزب الإصلاح مع نفسه بعد سنوات بعد أسلمة الدستور وحتى الحزب الاشتراكي نفسه الذي لم ينكر برنامجه المعلن لاحقا في مؤتمره العام بعد حرب 1994 الأخذ بخصوصية الهوية الإسلامية للمجتمع , ليقطع تخرصات معظم خصومه الكيدية ويحفظ ما تبقى من رصيد شعبيته .

ومن المفارقات المضحكة إن أحدهم تساءل حينها هل عندما أعلن الاشتراكي اسلاميته تخلى عنها حزب الإصلاح ؟؟.

لعلها من أسوأ مراحل التعبئة والتعبئة الفكرية المضادة التي تتكرر اليوم , مع فروق ما كان حزبيا وصراعا على السلطة مغلفا بالآيديولوجيا في الماضي الى مساس بحقوق وهوية المواطنة وتكريس ثقافة المناطقية والعنصرية القاتلة في الراهن.

  * معارك سياسية *

تصالح حزب الإصلاح مع الرئيس صالح والمؤتمر مؤقتا بخروج الاشتراكي فعليا من الحكومة ومجلس الرئاسة يوليو 1994 الا من تمثيل الحزب في البرلمان بتأثير مفقود .. ولم تخل خلافات التنافس الحزبي بين الشركاء الجدد من الصدام العنيف ولعلعة الرصاص أحيانا بين قواعد الطرفين في (تعز) رغم وصف اليدومي علاقة الإصلاح بالمؤتمر ب( الحميمية).

ورث الاثنان تركة وحصة الاشتراكي مناصفة في مناصب الحكومة العليا والوسطية , وألغي مجلس الرئاسة (الخماسي) لتوضع السلطة في جيب صالح بمفرده بعد تعديل الدستور الذي انتخب فيه البرلمان في أكتوبر 1994 علي عبدالله صالح كرئيس لفترة أربع سنوات استثنائية دون انتخابات مباشرة من الشعب , وهو البرلمان نفسه الذي اعترض على تعديلات دستورية بطلب من صالح تحدد المهام والصلاحيات الفعلية لنائبه(المعتكف) على سالم البيض !.

  وجاءت انتخابات أبريل 1997 النيابية لتضع سقفا نهائيا لتحالف الإصلاح مع المؤتمر الذي

استغنى عن حاجته إليهم باحراز الأغلبية النيابية (المريحة).

وعرض صالح عليهم تولي بعض الحقائب الوزارية لتخفيف الأعباء الشعبية لانفراد المؤتمر بالسلطة وثنيهم عن الانخراط في معارضة الحكم .. فالتحق الاصلاحيون بقطار خصومهم المعارضين!!

* السهام المرتدة *

خرجوا من تجربة الانتخاب مثخنين بسهام الحليف (الاستراتبجي) بخسارة 10 مقاعد عن السابق رغم تضاعف عدد الذين صوتوا لهم , لكن معركة حزب الإصلاح مع نفسه هي الأقسى , لم يستسغ بعض قياداته الوسطية والصامتة تحالفاته التكتيكية مع خصومهم الحزبيين(العقائديين) الاشتراكي بوجه خاص , صدمهم ما اعتبروه خديعة قياداتهم وتنكرهم لمبدأ ( الولاء والبراء) .. لكنها محنة تأثير نشأة التطرف الفكري الحاد وشيطنة الخصوم وسذاجة طاعة الانتماء العمياء التي جعلت من وجود اقلام كتاب محسوبين على الاشتراكي في مجلة (نوافذ) الاصلاحية تقربا من العلمانيين , ونشر صور الكتاب في جريدة (الصحوة) مخالفة شرعية فادحة.

وصدر كتاب (النصيحة) لكشف قناعات الرافضين لانفتاح الحزب النسبي على الآخر , واضطر نصر طه مصطفى رئيس تحرير المجلة لاغلاق النوافذ التي اجتاحتها العواصف .. بل أعلن انضمامه للمؤتمر الشعبي اتقاء لما بعد العواصف والرعود !.

حصد المعتدلون نتاج تعبئة المتطرفين وأعد بعضهم قوائم بمن يجب تصفيتهم من داخل وخارج الحزب .. وأبلغ تلك الرسائل اغتيال الزعيم الاشتراكي الراحل جار الله عمر الذي أطلق الرصاص على رأسه في قاعة مؤتمر عام لحزب الإصلاح بصنعاء كرسالة تهديد لاستمرار التحالفات المرفوضة بين الإصلاح والاشتراكيين , وقيل إن نظام صالح استغل ذلك بتحريض القاتل للتخلص من شخصية كبيرة قد ترشحها المعارضة للرئاسة .. واتهمت بعض قيادات الإصلاح أطراف خارجية أيضا تسعى لشق وحدة الحزب مثل( السروريين)** .. وقال علي الصراري القيادي الاشتراكي في مقابلة تلفزيونية بعد مقتل صالح أن الاخير  هدد جار الله بأن تكون نهايته مشهودة للعالم.

 فيما يبدو الأمر ذاته في السياق الطبيعي لمسار التعبئة وثقافة التحريض القديمة المبالغ فيها ضد الخصوم.

وبعد قرابة 3 عقود على تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح نستطيع القول إنه تجاوز الكثير من مؤثرات التطرف الفكري(نسبيا) وتشكل شخصيته السياسية الواضحة مع يمثله أيضا رفع شعار ويافطة التوجهات الإسلامية من اعباء على اي حزب سياسي يقوده بشر وليس ملائكة .. إلا أن الإصلاح في النهاية كيان حي يصعب تجاهله او تجاوزه لبنيته المتجذرة الصلبة.