ورغم كل هذا سأضع تحت وسادة عروبتي زهرة أمل
بقلم/ بكر احمد
نشر منذ: 17 سنة و 11 شهراً و 11 يوماً
الأحد 17 ديسمبر-كانون الأول 2006 06:21 م

أكثر الناس تشاؤما لم يكونوا معتقدين بأن الوضع العربي بمثل هذه الهشاشة والضحالة وضيق الصدر ، وأكثر المحللين السياسيين عمقا لم يكن يتصور بأن الإنسان العربي أضاع بوصلته بعد رسوخ طويل للدولة القطرية والتي بها من المفترض أن تكون قد أسست قواعد متينة للإنسان تمكنه من تجاوز نعراته الطائفية والمذهبية .

بل أنه من غير المعقول والمتصور بأن تتهاوى المنطقة وبهذا الشكل السريع مذهبيا ومناطقيا لمجرد رغبة سادية تقودها الولايا ت المتحدة الأمريكية لتطبيق ما يسمى بالفوضى الخلاقة ، وأن كنا نرى نجاح هذه الفوضى بالظهور فهذا لا يعني نجاح نتائجها ، وربما أحد أخطأنا العربية القديمة بأننا اختصرنا الجميع تحت لون واحد ولم نعترف بالتعدد المذهبي و الثقافي والعقائدي الموجود في المنطقة ظنا منا أن هذا التعدد يساعد على التفرقة ، بينما الواقع يقول أن هذا التعدد هو إثراء لا متناهي لنا ، لذا حالة الكبت التي مورست ضد بعض " الآخر " ساعدت أمريكا على تمزيق اللحمة العربية المهترئة بالأصل ليبدوا لنا وكان أبواب جهنم فتحت علينا بدون أية مقدمات .

كان من الصعب مقاومة الانجراف الطائفي بعد سقوط بغداد ووقوف معظم الأحزاب والتنظيمات الشيعية ضد وطنها مع المحتل واستمرار إصرارهم على بقائه حتى يؤسسوا لأنفسهم مواقع متينة لحكم البلاد بل كان الأكثر إغراءا نحو الوحل الطائفي هو وقوف مراجع دينية شيعية مع هذا الاحتلال واستخدام الدين كالعادة لأي موقف سياسي ليبدوا لك جليا بأن الطائفة الشيعية تعمل ضد وطنها وتشتم عروبتها وتدافع بإصرار عنيف عن إيران والتي هي بطبيعة الحال الداعم الروحي لهم حول كل ما يقومون به ، لذا من البداهة بقول أن إي إنسان عربي واقع تحت التأثير الديني لن يرى إلا تأكيدا على بطلان المذهب الشيعي لأنه لا ينتمي إلى الإسلام أو العروبة بحال من الأحوال وإلا ما كان موقفه كذلك وبالتالي صدق موقف مذهبه مما يمنحه دافع آخر للتمسك به والتمذهب أكثر فأكثر .

هذه الشهوانية المذهبية التي فتحها لنا المد القادم من إيران في العراق كان بحاجة ماسة إلى ضربة قوية تأتي من نفس المذهب تهدم ما تأطر هناك ، فكان حزب الله حاضرا ليعيد خلط الأوراق من جديد لخطة مرسومة بعناية في كواليس البيت الأبيض ، فموقف شيعة العراق وان كان متوائما مع هذه الخطة إلا أن موقف شيعة لبنان ما كان له أن يكون رافضا لها لأن موقعه على خط التماس مع إسرائيل ، لذا سلطت عليه آلة الحرب الصهيونية متوائمة بالذات مع ما يسمى "بالدول العربية المعتدلة " لكي يتم القضاء عليها أو تحجيمه كأقل تقدير ، فكانت الملحمة الخالدة في هزيمة إسرائيل بمثل تلك الصورة وهي التي كانت تتمتع بدعم عالمي وعربي لم يكن له من نظير ، ليخرج حزب الله بقوة كبيرة ويفرض وجوده ويعمل لأجل إعادة ترتيب المنطقة التي أوشكت على الاختطاف من عروبتها وهويتها .

بطبيعة الحال أن ما يقوم به حزب الله " الشيعي " في لبنان في مقاومة إسرائيل وما يقوم به شيعة العراق من خدمة المشروع الإسرائيلي يرسل موجة من الإرباك خاصة إذا علمنا أن الداعم لهم هي دولة واحدة تسمى إيران ، فلولا إيران ما استطاعت أمريكا احتلال أفغانستان والعراق ولولا إيران ما نطق السيستاني بفتوى وتحليل مثل هذا الاحتلال ولولا إيران لما قام معظم الشيعة بالترحيب بالأمريكي على بلدهم وأيضا لولا إيران لما استطاع حزب الله أن يمتلك عناصر بمثل تلك المهارة وصواريخ بمثل تلك القوة وصمود مذهل ورائع .

هل فعلا هذان الموقفان المتناقضان لإيران يثيران شيء من الارتباك، قد يكون كذلك لو نظرنا للأمر من ثقب طائفي ، فأي شيعي معتدل سيحتار حتما من مواقف مثل تلك المواقف التي تمارسها إيران ، لكن من يرى أن إيران دولة قومية ترتدي عمامة فقط سيتفهم جيدا أن كل هذه التناقضات تصب في مصلحتها القومية أولا وأخيرا .

لكن هل يعني هذا أن نقف موقف العداء المطلق من إيران ونرفض أي عمل تقوم به حتى وأن كان في صالحنا نحن العرب بعد أن استيأس حالنا وصار في القاع ، أن تقاطع المصالح لا يعني القبول التام بكل المواقف السياسية ، وأنا أجزم بأن إيران ستطرد من جنوب العراق ، فتلك الأرض عربية ولا تقبل كضرورة حتمية بوصول أي مد أو وصاية فارسية عليها .

لكن الشيء المفزع في هذا الأمر هو حين ترتدي السياسة عمامة مذهبية ، فهي تهز في داخلك اليقين وتجعلك أكثر ضيقا وتشددا مع الآخر وتعيد المنطقة إلى عصور ما قبل التنوير ، وهذه دلالة ناصعة على فشل الدول القطرية التي لم تستطيع أن تحدث أي تغير سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي أو الثقافي ، وكأننا مازلنا في عصر دولة الصحراء حيث القبائل متربصة تنتظر فقط تلك الفوضى حتى تعلن عن وجودها .

أن عمامة حسن نصر الله لا تساوى بالمطلق عمامة السيستاني حتى وأن كانت قم تقف خلفهم الاثنان وفي المقابل أن سنة العراق ومواقفهم الشريفة لا يتشابهون مع سنة لبنان الآن ، ليُختم على قلوبنا هذه المفارقات بأن الخيانة لا مذهب لها ولا دين ، بل هي مصالح تتخفى تحت القيم الأخلاقية حتى وأنت كانت قيمة ربانية يؤمن بها أهل المنطقة . 

لا نستطيع أن نتحدث بلسان قومي والأمة بهذا الشكل المهين ، بل أن أصعب الأمور على قلوبنا هو ما حدث الآن في فلسطين من تمزق نخشى منه أن يدخل القضية الفلسطينية في نفق مظلم يمنح إسرائيل الأمان ألتي تدعي أنها تبحث عنه ، ولا وبد من تدخل عربي فوري للملمة ما يمكن لملمته في فلسطين ولبنان وألا ننتظر حدوث النكبات ونتفرج ، فهناك قوى لن تنتظر حتى يعود الفلسطينيون إلى رشدهم ويهدؤوا ، بل ستضع الوقود على النار ولن تضيع فرصة مثل هذه ، فهي في المقام الأول تقضي على المقاومة وتزرع الدماء بين الشعب الفلسطيني وتضعف قدرته على التفاوض و المقاومة ، مما سيجعله يعود إلى ما قبل خمسون عاما من تاريخ النضال الفلسطيني ، وهذا نفس الشيء سيحدث في لبنان أن أصرت قوى 14من آذار تجاهل رغبة الشعب اللبناني والمضي قدما نحو تنفيذ أهداف لا تعود بالفائدة على البلاد . 

لا شيء يثير الإعجاب في منطقتنا العربية عدا أن إسرائيل تعيش عصرها الذهبي الذي لم يمر عليها من قبل ولن يتكرر ، لذا نتوقع أن تقوم إسرائيل بعمل المستحيل لتحافظ على هذا التمزق المذهبي والمناطقي وتنفخ فيه ، وللأسف أن دولا عربية مركزية ستتعاون معها بذريعة أنها ترفض المد الإيراني المتنامي في المنطقة وهذا التعاون أصبح علاني ولم يعد يحتاج إلى قلب الفنجان أو قراءة الكف .

وأيضا وكون أن الظلام حالك وأننا نخشى من الغد الذي يبدو أنه أسوء من اليوم ، إلا أن زهرة الأمل لا بد وأن تورق ولو بعد حين وإلا وان فقدنا هذا الأمل فهو يعني أننا ندق آخر مسمار في نعش الأمة العربية التي وحتى الآن هي تقاوم موتها .

benziyazan@hotmail.com