الكاتب والمحلل السياسي منير الماوري في حوار مع لإيلاف
بقلم/ ايلاف
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 14 يوماً
الجمعة 09 مايو 2008 12:36 ص

مشكلة النظام الحالي الرئيسية أن أفراد الأسرة الحاكمة بين التجارة والحكم

* لن يكشف عبد الله عبد العالم عما لديه قبل رحيل الرئيس علي عبدالله صالح

* البيض دخل التاريخ كوحدوي عظيم وخرج منه كصاحب مشروع في الشارقة

* عودة علي ناصر محمد إلى اليمن تسبب ذعراً للنظام لأنه متمسك بسلاح الوحدة

* النظام ينظر لحميد الأحمر كمصدر تهديد محتمل لمصالح أولاد الرئيس

* الرئيس وجّه بعزل بهران لكنهم نصحوه بالتأني وعدم إظهار الماوري منتصراً

* اتفاق الحكومة مع الحوثيين تم تحت إغراء المال القطري للجانبين

* السلطة في اليمن تتعامل مع الإرهاب كورقة ضغط وتفرج عن معتقلي القاعدة في كل وقت يغضب فيه الرئيس من أمريكا

* على المشترك أن يرينا قوته ومشروعيته في صنعاء وتعز والحديدة وليس في الجنوب

* البيض لا يدعم الحراك الجنوبي لأنه مشغول بمشاريع أولاده وزواج ابنته من فنان لبناني

التقيته في بيروت وفي دمشق قبل سنوات ولم أشعر بأني أمام (صُحفي) فقط، وإنما أمام (حالة صحفية نوعية) ولفتني اهتمامه الشديد بالشئون اليمنية بتفاصيلها الدقيقة جدا بالرغم من أنه مقيم في واشنطن ويحمل جنسيتها ولا تجلده الحكومة "اليمنية" كما تفعل مع صحفيينا ومع عامة الشعب بجُرع مختلفٌ ألوانها.

منير الماوري أول صحفي يمني يتمكن من إحباط عملية نهب وفساد ضخمة وإلغاءها في مهدها فاستحق بذلك أن يُمثل نووياً كهربائياً لشعبٍ بلا كهرباء وبلا مفاعلات نووية ولوطن يتنفس زفير الفاسدين الذين يكررون أنفسهم ولم يُمنعوا من "الإنجاب" حتى الآن، إنجاب ورثة فاسدين.

الماوري "المقاوم" وليس المعارض -كما يفضّل أن يصف نفسه أو يُطلق عليه- يكشف في هذا الحوار الخاص بإيلاف - عن ملامح فرز جديد في اليمن من خلال ثلاث كتل رئيسية ذكرها تفصيلا في ثنايا الحوار، ويجلو بلا مواربة عدد من القضايا التي تشغل حيزا كبيرا من هموم الشارع اليمني البائس.

حاوره/ اسكندر شاهر سعد

إيلاف - كان لك موقفاً سريعاً ومباشراً إزاء خطاب الرئيس في "الحسينية" من خلال مقال شديد اللهجة فيما تعددت القراءات السياسية للخطاب وتوقيته ودلالاته خاصة لجهة مماثلته لخطاب تاريخي للإمام وآخر للحمدي في الحديدة قضيا بعدهما بأشهر ما رأيك بذلك وفي أي سلة تضع الخطاب برمته؟

- نعم لقد خدمني فارق التوقيت بين صنعاء وواشنطن، وكنت في عطلتي الأسبوعية في منزلي أشاهد البث المباشر للفضائية اليمنية، فلفت انتباهي تشنج الرئيس واستخدامه ألفاظا لا تتناسب مع رئيس الجمهورية، ولاحظتُ أن الرئيس تحدث عن الانترنت والتلفزيون وكأنهما من إنجازاته أو من انجازات الثورة التي حُرم منها الآباء، فسارعت باستخدام الانترنت لنشر تعليق سريع على ذلك الكلام قائلا له لن نشرب من ماء البحر، واستنكرتُ العبارات التي وردت في خطابه، كما خاطبته بنفس الكلمات والمصطلحات التي وردت في خطابه للاستدلال بها.

وقد تمنيت وقتها لو أن الرئيس يُدرك معنى أن يعيش الشعب اليمني في عصر الاتصالات، وهو بالفعل يدرك ذلك ولكنه معتاد على أسلوب السبعينات والثمانينات الذي مازال مُهيمن على تفكيره ويظن أن لا أحد يشاهد ولا يسمع، ومن يسمع ويشاهد لن يكون لديه الوسيلة البديل لإيصال تعليقه إلى جمهور الناس في اللحظة نفسها، مع أن السيطرة على المعلومة في هذا العصر أصبح عصيا على أي سلطة.

وبعد نشر المقال في أكثر من موقع تلقيتُ على مدى ثلاثة أيام اتصالات متتالية ورسائل نصية من شخصيات في السلطة والمعارضة، ومشائخ ومواطنون يُعربون عن رضاهم عن الرد السريع، كما تواصلتُ مع الشيخ الجليل سنان أبو لحوم في القاهرة، فأعاد تذكيري بأن الإمام أحمد ألقى خطاباً في الحديدة قبل وفاته بفترة وجيزة تحدى فيها الشعب وقال قولته المشهورة "هذا الفرس وهذا الميدان، ومن كذّب جرّب"، ورأى الشيخ سنان أن الاستهتار بمعاناة الناس عواقبه وخيمة.

أما إشارتك إلى خطاب الشهيد الراحل إبراهيم محمد الحمدي في الحديدة قبيل اغتياله فالوضع كان مختلفٌ تماما إذ أن الحمدي تحدى مراكز القوى وتحدى جشع التجار، أي أنه كان واقفا في صف الشعب وفي صف الفقراء وليس العكس، ولم يُبرر رفع الأسعار، وجاء حادث الغدر ضده من أولئك الذين كانوا يتوددون إليه، من أقرب المقربين منه، وليس من مراكز القوى المعارضة، ولا من الشعب المحب له، وهذا هو الفرق بينه وبين الرئيس علي عبدالله صالح.

خطاب الرئيس علي عبدالله صالح في الحسينية كان أقرب إلى خطاب الإمام من خطاب الحمدي، ومضمون الخطاب خطير لأن فيه تحدي للشعب، واستهتار بمعاناته وتهديد واضح أن المعاناة سوف تستمر شئنا أم أبينا، وكيس القمح سيصل سعره إلى عشرين ألف ريال وهو ما يعادل نصف راتب ضابط في الحرس الجمهوري، وهذا الأسلوب في مخاطبة الشعب والجيش هو الذي أودى بشاه إيران وإمام اليمن وسوهارتو اندونيسيا وكثيرٌ من الحكام الذين هيمن عليهم الغرور في سنواتهم الأخيرة.

إيلاف - هناك من يتحدث عن عملية فرز جديد تحدث على مستوى مراكز القوى في اليمن هل ترى ملامح لهكذا عملية؟

- نعم هناك عملية فرز قائمة في الساحة استطيع أن أصفها عن بُعد بأنها تجميع للقوى في ثلاث كتل رئيسية: الكتلة الأولى وهي معسكر قوى الفساد ورموز البلاء الذين لا تهمهم إلا مصالحهم الخاصة ومصالح أولادهم، وكم حصل الأولاد من العمولات والعملات، وهؤلاء موجودون في المؤتمر الشعبي العام وفي أحزاب المعارضة وفي كل مفصل من مفاصل الدولة والمجتمع.

الكتلة الثانية: هي القوى الأنانية المتمثلة في قوى الانفصال التي لايهمها سوى الحلول الجزئية للبلاد ولم تصل من الطموح والمسؤولية إلى درجة أن تعمل لإنقاذ اليمن كل اليمن من حكم فاسد، وأعضاء هذه الكتلة موجودون في الشمال كما هم موجودون في الجنوب.

الكتلة الثالثة: وهي كتلة الأغلبية الصامتة التي لم تتحرك بعد بشكل جدي للدفاع عن مصالح البلاد ومستقبل الأجيال وهي قوى التحديث والوحدة وقوى الإصلاح والعفة، وهؤلاء موجودون في الحزب الحاكم وفي أحزاب المعارضة وفي الشارع الجنوبي والشارع الشمالي والشرقي والغربي وتحتاج فقط إلى تنظيم ودعم لتتمكن من تصحيح أوضاع البلاد والعباد.

إيلاف - هل تعتبر نفسك معارضاً للنظام اليمني، وما رأيك بالمعارضة من الخارج؟ وبدعوة الرئيس التي يطلقها بين الحين والآخر لعودة معارضيه؟

- أنا لا اعتبر نفسي معارضا للنظام بل مقاوما له، فالمعارضة لا تكون إلا في الدول الديمقراطية أما الأنظمة الدكتاتورية الأسرية المتسلطة فليس أمامنا إلا أن نتحول إلى مقاومة سلمية لتغيير وعي الناس بشأن هذه الأنظمة قبل التعامل معها بالاعتصام والاحتجاج والمظاهرات، والمقاومة في الخارج يجب أن تتعاضد مع المقاومة في الداخل من أجل التحرر من الاستبداد والاستعباد، والفقر والتجويع، ولا ننسى أن مناضلي 48 و62 بدؤوا من الخارج وامتد نشاطهم إلى الداخل، وكانت كتابات الشهيد الزبيري والأستاذ النعمان نبراساً للمناضلين في الداخل ضد الإمامة والكهنوت والتسلط.

إيلاف - أين تكمن المشكلة في النظام الحالي وهل بالإمكان إصلاحها دون تغيير النظام؟

- المشكلة الرئيسية في النظام الحالي هي جمع أفراد الأسرة الحاكمة بين التجارة والحكم، يريدون أن يكونوا تجارا أصحاب شركات وفي نفس الوقت يتركون شؤون الحكم والشركات لزملاء دراسة يعبثون عبثا كبيرا بالحكم وبالتجارة، فلا أصبحوا تجارا ناجحين ولا رأيناهم حكاما عادلين، والرئيس يتحمل مسؤولية كبيرة في ذلك لأنه عيّن شبانا صغارا في مناصب كبيرة، وكلما اشتكى إليه أحد من تصرفاتهم تكون الإجابة" إلا أولادي" وبالتالي تستمر المشكلات ويستمر الاحتقان، وهو احتقان حقيقي وليس مفتعل كما يظن الرئيس، وإذا سقط حكم الرئيس فالمسؤولون عن السقوط هم أولاده وأولاد أخيه ولا أحد غيرهم، على الحكم أن يعمل على تطبيق الدستور بمنع كل من يتولى مسؤولية عامة من تأسيس شركات خاصة أو المشاركة في أي مناقصات عامة حتى يستقيم له الأمر.

الحراك الجنوبي

إيلاف - كيف تقرأ حاضر ومستقبل الحراك الجنوبي المتفاعل وفق المعطيات الراهنة على الصعيدين السياسي والجماهيري؟

- أولا يجب التأكيد على أني لا ألوم الأخوة في الجنوب على حراكهم ودفاعهم عن مصالحهم فهذا شيء طبيعي ومن حقهم تقرير مصيرهم بأنفسهم ومن حقهم التحرر من الاستحمار كما تحرروا من الاستعمار، ولكن الشيء الوحيد الذي أختلف معهم فيه هو أني لا أتمنى أن يؤدي حراكهم إلى تقوية النظام الحالي بحجة الدفاع عن وحدة يغتالها النظام كل يوم منذ إعلانها حتى اليوم.

الذي أتمناه هو أن تجتمع قوى الخير في الشمال والجنوب للاتفاق على صيغة جديدة ووحدة حقيقية تخلص المجتمع من الحكم الفردي الأسري، وتلقي بالفاسدين خلف الحدود ليمارسوا تجارتهم خارج البلاد وليتركونا ندير بلدنا بشكل أكثر نظافة وأكثر عفة بعيدا عن امتصاص دماء الجائعين والمحرومين، ولكن وفي إطار التحليل وليس التمني فإن سلبية الشارع في المحافظات الشمالية على ما يحدث في الجنوب وعدم تحرك قوى الشمال للدفاع عن مصالحها في صنعاء وتعز والحديدة لا يمكن أن يؤدي الحراك الجنوبي إلا إلى انفصال مؤكد، أو حرب أهلية طاحنة، وسوف يُسفر ذلك عن سقوط النظام ولكن بعد خراب مالطا.

إيلاف - هل تعتقد أن التحرك المناطقي والمذهبي في بعض المناطق المحسوبة مذهبيا على الشوافع إضافة إلى الحراك الجنوبي قد يؤسس لدولة مؤسسات مستقرة محكومة بنظام فيدرالي أو أي نظام آخر يتم الإجماع عليه؟

- لا أدري لماذا تنتابني قشعريرة عندما اسمع كلمة شافعي أو زيدي، فالكل يعاني بقدرٍ متساو ومصدر المعاناة واحد، وهو حكم الفرد أو حكم الأسرة الواحدة، ولا أظن أن المناطق الزيدية تحظى بامتيازات على المناطق الشافعية، وأنا شخصيا لم أسأل نفسي يوما واحدا هل أنا شافعي أم زيدي إلا بعد أن وصلت إلى أمريكا وبدأت أسمع هذه النغمة من أبناء الجاليات في الخارج، وكانت نغمة غريبة على أذني.

المشكلة في نظري لن يحلها النظام الفيدرالي أو النظام المركزي، لأنها أعقد من ذلك بكثير وتحتاج إلى زوال النظام الحالي الذي حوّل البلاد إلى مزرعة خاصة بالرئيس وأولاده وأولاد أخيه يمارسون التجارة والحكم في وقت واحد ويحرمون البلاد من استثمارات عظيمة بسبب نهمهم للعمولات والدولارات وإرهاب المستثمرين، وفرضهم الإتاوات.

إيلاف - ما رأيك باتفاق الحكومة مع الحوثيين في قطر وبتوقيته وما أحيط به من تكتم ومستقبله؟

- اتفاق الحكومة مع الحوثيين تم تحت إغراء المال القطري للجانبين، وضغط الحراك الشعبي في المحافظات الجنوبية والشرقية، ومثلما كانت الأموال التي تعهدت بها قطر هي سبب سيلان لعاب الطرفين للاتفاق حولها، فسوف تكون سببا للخلاف عندما يحين موعد توزيعها، وطريقة إعمار المناطق المتضررة، حيث سيختلف الجانبان على طريقة التوزيع.

نحن للأسف لدينا حكومة متسولة وقادة عسكريون متسولون، ومتمردون متسولون، ولا توجد قضية في كل ما يجري سوى البحث عن المال والتسول.

وأذكر هنا أن الحكومة طلبت من الانتربول الدولي القبض على النائب يحي الحوثي، وتراجعت الآن وعادت تطلب من الانتربول إلغاء الطلب، وهذا اعتراف جلي من الحكومة بأنها تُسيِّس كل شيء وتستغل الشرطة الجنائية للقضايا السياسية، وبالتالي فلن يصدقها أحد في المستقبل، ومجمل القول فإن أي اتفاق يتم خلف الغرف المغلقة لن يُكتب له النجاح، والشعب اليمني يُدرك أن ما يجري هو صراع بين عصابات نافذة في صنعاء وعصابات متمردة في صعده.

إيلاف - كيف تفسر بروز اللواء علي محسن الأحمر في الآونة الأخيرة سياسياً وإعلامياً؟

- بروز اللواء علي محسن تفرضه قوة الرجل، وحجمه في النظام، وسيبرز أكثر بعد غياب الرئيس، إذا لم يؤدي الغياب إلى سقوط النظام.

النظام والفوضى

إيلاف - تتعالى أصوات السياسيين والإعلاميين –وأنت من بينهم- لدعوة النظام إلى الرحيل ولكن كيف وإلى أين وماذا بعد؟

- نحن لا ندعو النظام للرحيل ولكننا ندعو الفوضى للرحيل وندعو الرئيس للاستقالة، البعض يزعم أن بطانة الرئيس وحاشيته هي سبب بلاء اليمن ولكني أزعم أن الخلل هو في الرئيس وليس في بطانته، كبار المسؤولين حاليا معظمهم عملوا مع الراحل إبراهيم الحمدي وكانوا من أنزه المسؤولين، وأصبحوا حاليا يتقاسمون تبعات الفساد مع الرئيس شخصياً، بدون رحيل الرئيس لن ترى اليمن خيرا أبدا فقد جرّبناه 30 عاما فازددنا في كل عام فقرا عن العام السابق، وتضاعفت معاناتنا حتى وصلت إلى أقصى درجاتها، وإذا لم يترك الرئيس السلطة بإرادته فسوف يُزج بشعبٍ مسلح في حرب أهلية طاحنة مع الفاسدين، ويجب على أي سلطة قادمة أن تحافظ على مكونات النظام الحالي كي لا يتحول عناصر النظام إلى مقاومة كما حدث في العراق خصوصا أن لديهم أموالا طائلة يُمكن أن يمولوا بها عمليات إقلاق طويلة المدى للنظام الجديد.

إيلاف - ثمة تيار جنوبي يتهم كل من يتمسك بالوحدة بالتواطؤ مع مايسمونه "الاحتلال" وحتى قيادات تاريخية جنوبية اتهمت بذلك كعلي ناصر، في تقديرك من يقف وراء هذا التيار وبعضهم يتهم علي البيض بدعم فكرة الجنوب العربي وما إلى ذلك مارأيك بكل ذلك؟

- في تقديري الشخصي أن الرئيس علي ناصر محمد قد يكون متعاطفا مع أبناء أبين والضالع وحضرموت بنفس قدر تعاطفه مع أبناء مأرب وصنعاء والجوف، ولكن الداعم الحقيقي لحراك الجنوب هو علي عبدالله صالح بسياساته الاستفزازية التي تشعل هذا الحراك، أما البيض يا عزيزي فهو لا يدعم الحراك الجنوبي لأنه مشغول بزواج ابنته من فنان لبناني، ومشاريع أولاده في الشارقة وعدن وسويسرا، وكان البيض قد دخل التاريخ كوحدوي عظيم عام 1990م وخرج منه بعد أعوام قليلة كصاحب مشروع حضاري صغير في الشارقة، إلى أن تطور أمره إلى صاحب فندق كبير اشتراه من أموال حرام، هل يمكن أن نتوقع من زعيم كهذا أن يلتفت لمعاناة المواطنين في الضالع وأبين وشبوة والمهرة وحضرموت؟!، لا أظن ذلك مهما تفاءل المتفائلون.

 

علي ناصر محمد

إيلاف - ما رأيك بإصرار الرئيس علي ناصر بالتمسك بسلاح الوحدة وهل تتوقع منه عودة وشيكة وفق مصالحة شاملة قد يُضطر لها الحاكم؟

- هذا السؤال يمكن أن يوجه للرئيس علي ناصر محمد لأنه الأقدر على تقييم مدى صدق النظام في التوصل إلى مصالحة شاملة من عدمه، ولكن عودة علي ناصر بحد ذاتها تسبب ذعرا للنظام لأنه متمسك بسلاح الوحدة، وأصدقك القول أني شخصيا لو كنت جنوبيا لما تمسكت بالوحدة يوما واحدا بعد كل الذي جرى من اغتيالات وغدر ونهب وحرب وسلب، ولكن الرئيس علي ناصر مازال يعيش في حلم الوحدة الذي نشأ عليه وناضل من أجله وربما سيجد نفسه في النهاية مضطراً أن يدافع عن مصالح أبناء قومه في الجنوب لأن التضحية من أجل الوحدة لا تعني تسليم المصير لقوى الفساد والنهب والاستغلال والاستحمار فالبلاد بلادنا جميعا ولن نتركها نهباً لهذه القوى المتخلفة.

إيلاف - يدور جدل سياسي وإعلامي حول مستقبل العلاقة بين الرئيس وورثة الشيخ عبد الله الأحمر السياسيين خاصة حميد كيف ترى هذه العلاقة وفق المعطيات المتوافرة حتى الآن وبعد ماتردد عن عودة حسين الأحمر إلى عش الرئيس؟

- لا أعتقد أن الشيخ حسين الأحمر كان يوما في عش الرئيس كي يعود إليه، وأنا لا أعرف الرجل ولكني لا أرى غضاضة أن يتحاور مع الرئيس أو يرافقه في سفره إلى هنا أو هناك داخل اليمن أو خارجها، فالحوار مطلوب مع الآخر، وقد تحاور رب العالمين مع إبليس، والقرآن الكريم شاهد على ذلك، وسبق لقادة في المعارضة أن رافقوا الرئيس في سفريات كثيرة وتحاوروا معه، من بينهم أشخاص يحظون باحترام كبير، مثل الدكتور ياسين سعيد نعمان الذي رافق الرئيس إلى سقطرى والدكتور محمد عبد الملك المتوكل الذي رافق الرئيس في رحلة إلى حضرموت على ما أذكر قبل سنوات.

وبشأن علاقة الشيخ حميد الأحمر مع الرئيس فليس لي صفة استطيع أن أجيب على هذا السؤال نيابة عنه سوى صفة المحلل السياسي، ولذلك استطيع الاستنتاج بأن الرجل لم ولن يفرط في القضية الوطنية، ولكن السياسة هي فن الممكن، ولا يجب أن نتوقع منه أن يناطح النظام في وقت نحن نهاجمه كل يوم ونتهمه بالتفريط والتراجع، والشيء الذي يجب أن يدركه الشيخ حميد هو أن النظام ينظر إليه كمصدر تهديد محتمل لمصالح أولاد الرئيس، وعلى الأرجح سيغدر به النظام عندما تحين الفرصة بأسلوب ما كما غدر بالآخرين وعليه الحذر.

عبدالله عبد العالم

إيلاف - أثيرت حملة ضد عضو مجلس القيادة السابق عبد الله عبد العالم بالرغم من صمته حتى الآن كيف تفسر هذه الحملة وهل تتوقع خروجه عن صمته، وإذا فعلها هل تتوقع أن يكون ما لديه من معلومات قادرة على المواجهة؟

- لقد حاولت أن التقي عبدالله عبد العالم في دمشق قبل أعوام ولم أتمكن من ذلك لأن الرجل ما زال يؤثر الصمت وله عذره، ولا أظن أنه سيكشف عما لديه قبل رحيل الرئيس الحالي.

إيلاف - كنت تبحث –على حد علمي- في موضوع مقتل الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي هل توصلت إلى شيء جديد حتى الآن أم أن الحلقات الضائعة في هذا الموضوع لا يمكن أن ترى النور؟

- مقتل الشهيد إبراهيم الحمدي قضية لم تعد من الحلقات الضائعة بل من القضايا الواضحة وضوح العيان لكل لبيب ولا تحتاج إلى المزيد من البحث والعناء أكثر مما نشر مسبقا.

إيلاف - كشف عبدالله سلام الحكيمي لأول مرة عن مساعي ناصرية لتدويل قضية إعدام القادة الناصرين الذين دفنوا أحياء عقب فشل حركة 15 أكتوبر 1978م، ما رأيك بهكذا خطوة؟

- الأستاذ عبدالله سلام الحكيمي مناضل كبير وهو قادر على تبني قضية زملائه الشهداء، والجميع مستعدون لدعمه في ذلك، ولكني شخصاً ليس لديّ معلومات كافية عما جرى في تلك الفترة لأني كنت وقتها طفلا صغيرا لا أدري ما يدور، وهذا لا يمنع من مساندته في إيصال هذه القضية الإنسانية إلى منظمات حقوق الإنسان العالمية.

اللقاء المشترك

إيلاف - كيف تقيِّم أداء اللقاء المشترك وخاصة لجهة أحداث صعده وأحداث الجنوب التي يواجه صعوبات في مواكبتها وحتى في تسجيل مواقف من خلالها؟

- لقد مارس المشترك سياسة الحياد الإيجابي في أحداث صعده وكانت سياسة ناجحة، امتنع فيها المشترك من الانجرار مع السلطة في حرب لا طائل منها، ولكنه اعتمد سياسة الحياد السلبي في قضية الجنوب، الأمر الذي أدى إلى انفلات الأوضاع وخسران جزء من قواعده هناك، قوى المشترك لا يجب أن تذهب للتظاهر في الضالع أو أبين لأن الضالع وأبين لديها من يتظاهر فيها ويعتصم ويحتج ولكن على أحزاب المشترك أن ترينا قوتها ومشروعيتها في صنعاء وتعز والحديدة التي لايوجد لها منافس فيها، ومع ذلك يمكن القول أن تجربة المشترك تجربة رائدة في اليمن ومازال في نظر العالم الخارجي هو البديل الأمثل للحكم القائم حاليا.

الكهرباء النووية

إيلاف - كونك الصحفي اليمني الوحيد الذي تمكن من إحباط صفقة فساد ضخمة وإلغائها في مهدها وهي صفقة المفاعلات النووية لإنتاج الطاقة الكهربية كيف كان شعورك بعد أن قرر مجلس الوزراء إلغاء الصفقة.

- أولا الظروف ساعدتني لأن هناك طرف أمريكي في الصفقة، وبحكم الشفافية التامة في المعاملات المالية في أميركا فقد تمكنت من جمع المعلومات هنا بسهولة ومعظم الوثائق موجود في محرك غوغل للبحث ولا يحتاج الأمر إلى جهد كبير لاكتشافها، وإذا كان مجلس الوزراء قد اتخذ القرار السليم بإلغاء الصفقة، كما أن هيئة مكافحة الفساد قامت بواجبها خير قيام لفرض الإلغاء، علاوة على أن الصحافة اليمنية بمختلف أنواعها الحكومية والحزبية والمستقلة قامت بدور رئيسي في تعميم الفضيحة على جمهور المواطنين، ومع ذلك فإن ما يؤسف له حقا هو موقف الرئيس صاحب القرار الأول الذي أثبت للشعب اليمني أنه حامي الفساد الأول لأن الوزير المخطئ مازال في منصبه يسرح ويمرح كما يشاء وكأن شيئا لم يحدث، وقد بلغني أن الرئيس أصدر توجيهات بعزل الوزير ولكن كان هناك من انبرى ناصحا إياه بالتأني وانتظار الوقت المناسب لعزل الوزير وعدم إظهار الماوري وكأنه منتصر.

والقضية في الأساس ليست شخصية وليست انتصار أو هزيمة، فأنا لا أعرف الوزير المختص نهائيا ولا تربطني به أي صلة، ولايهمني عزلوه أم لم يعزلوه، ولكن عدم محاسبته على فعلته، أثبت لي أني كنت مخطئ في قناعتي السابقة أن الرئيس يريد إصلاح الأمور، ووقتها اتصل نجل الرئيس العميد أحمد علي عبدالله صالح بالمسؤول عن هيئة الاستثمار صلاح محمد سعيد العطار وأكد له نجل العطار أن معلومات الماوري صحيحة 100% ، ومع ذلك لم يتم اتخاذ أي أجراء، الأمر الذي يؤكد على أن الوزير لم يكن وحيدا بل هناك من كان يقف خلفه، لأن صفقة كبرى كهذه لا يمكن أن يسكت عنها الرئيس، وهذا الأمر يجعلنا نيأس من إصلاح النظام لأن رأس النظام لا يريد الإصلاح ولا يرغب به.

اليمن وأميركا

إيلاف - باعتبارك مُقيماً في واشنطن منذ فترة طويلة وقريب من مراكز المعلومات هناك، لخص لنا بسطور طبيعة العلاقات الأميركية اليمنية ومستقبلها على المدى المنظور وخاصة أن البيت الأبيض ينتظر رئيساً جديداً؟

- العلاقات اليمنية الأميركية يمكن تحليل مسارها عن طريق مصدرين للمعلومات، المصدر الأول هو المعلومات المصنفة في خانة السرية وهي متاحة فقط للموظفين الرسميين في أميركا أو لأفراد الأسرة الحاكمة في اليمن، وبالتالي فنحن لا نعرف على وجه التحديد ما ذا يدور خلف الكواليس.

المصدر الثاني هو المنافذ المفتوحة والمعلنة ويمكن تصنيف العلاقات اليمنية الأميركية بناء على المعلومات المستقاة من المصادر المفتوحة ومراكز الأبحاث إلى ثلاثة مستويات، المستوى الأول في الجانب العسكري، وهي علاقات قوية ومتينة وتبدي وزارة الدفاع الأميركية رضاها عن التعاون في المجال العسكري مع اليمن لأن البنتاغون يبحث فقط عن سماء مفتوحة لطائراته ومياهٍ لإبحار قواربه وسفنه، والبنتاغون راضٍ تماماً عن ما توفره شواطئ اليمن وأجواء اليمن بدون عوائق تذكر.

المستوى الثاني في الجانب الأمني وهو سبب دائم لتوتر العلاقات لأن الأميركيين يكتشفون عدم الصدق في التعاون في هذا الجانب بالمقارنة مع الأشقاء في مصر والسعودية الذين تعتبرون الإرهاب خطرا يهدد الجميع ولا يعتبرون محاربته واجبا اضطراريا لإرضاء أميركا، كما أن السلطة في اليمن تتعامل مع الإرهاب كورقة للضغط وتفرج عن معتقلي القاعدة في كل وقت يغضب فيه الرئيس من أميركا أو يستشعر أن أميركا تشجع الجنوبيين ضده، وهذا هو الخطأ الكبير الذي يؤدي إلى توتر العلاقات وقد لا نستغرب لو أدرجت أميركا في المستقبل الرئيس اليمني في قائمة الداعمين للإرهاب بسبب تصرفاته غير الواعية لخطورة ما يفعل.

المستوى الثالث هو العلاقات الدبلوماسية التي تديرها وزارة الخارجية وهي علاقات تتراوح بين المد والجزر ولكن الدبلوماسيين بطبيعتهم يسعون لإنجاح مهامهم في تحسين العلاقات وليس تعكيرها وهذا كثيرا ما يتطلب تقديم تنازلات من الجانبين، والمشكلة العويصة هي أن السلطة في اليمن تعتبر التعاون مع أميركا في أي مجال إما أنه شر لا بد منه وإما أن العلاقة مع أميركا وسيلة للكسب المادي لمسؤولي البلاد الفاسدين ومن هنا يتراكم الخلل.

إيلاف - وفي السياق ذاته هل لديك معلومات مؤكدة عن حقيقة الموقف الأمريكي من أحداث صعده ومن الحراك الجنوبي ومن تعاطي الحكومة اليمنية مع قضايا الإرهاب والمنتمين إلى تنظيم القاعدة؟

- ليس لديّ معلومات عن حقيقة الموقف الأميركي من أحداث صعده ولكني أعرف أن المتمردين هناك يرفعون شعار "الموت لأميركا الموت لإسرائيل....." وبالتالي فإن الجواب يمكن أن يعرف من عنوانه.

الصحافة اليمنية

إيلاف - بوصفك صحفياً كيف تقيِّم أداء الصحافة اليمنية بمختلف ألوانها ووزارة الإعلام ونقابة الصحفيين، وكيف تنظر المنظمات الدولية المهتمة بالحريات إلى صحافتنا؟

- أولا أنا أحرص كل الحرص أن تكون كتاباتي عن اليمن منشورة في الصحافة اليمنية وليس في الصحافة الخارجية كي لا يساء التفسير، ورغم أن جمهور الصحافة المكتوبة مازال محدودا بالمقارنة مع جمهور الإعلام المسموع والمرئي إلا أن الصحافة اليمنية حققت تقدما كبيرا في السنوات الأخيرة وأصبحت تقود النضال وتحرر الوعي تمهيدا للتغيير المقبل في البلاد.

وقد قدم الصحفيون تضحيات كبيرة وتعرضوا للسجن والمضايقات والمتاعب علاوة على معاناتهم المعيشية ومحدودية المردود المالي من المهنة سواء في صحف الحكومة أو المعارضة، وأنا احترم زملاء المهنة وأتعاطف معهم حتى أولئك الناطقين باسم الحكومة لأن المعاناة في النهاية واحدة، والشيء السلبي الذي يمكن أخذه على الصحافة اليمنية هو أنها مازالت حتى الآن صحافة رأي ومقال ولم تتحول إلى صحافة معلومة وتحقيق وتدقيق، وهناك كثير من الأخبار التي نقرأها في الصحافة اليمنية الحزبية والمستقلة والحكومية نكتشف سريعا أنها أخبار بعيدة عن الصدق والدقة، ويمكن إدراجها في خانة الدعاية والدعاية المضادة وليس العمل الإخباري الرصين، والمزعج أيضا كثرة الإصدارات الصحفية وهيمنة صحف الأفراد وغياب صحافة المؤسسات المستقلة.