المشهد العراقي اليوم (2 من 2)
بقلم/ علي ناصر محمد
نشر منذ: 17 سنة و 10 أشهر و 11 يوماً
الثلاثاء 16 يناير-كانون الثاني 2007 03:53 م

وحدة العراق هدف دائم والحل بتعاون محلي - إقليمي


المخرج من المستنقع العراقي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل هو موقف شجاع للخروج من النفق المظلم، إذ أصبح العراق ساحة مفتوحة للحرب والإرهاب يؤوي القوى المعادية لأميركا التي جاءت من أنحاء العالم بحجة الحرب والجهاد لتحرير العراق من الاحتلال وإلحاق هزيمة سياسية وعسكرية ونفسية لأكبر دولة في العالم، وأصبح من الصعب أن نميز بين المقاومة الشعبية الوطنية العراقية وبين القوى الإرهابية التي تحصد أرواح الأبرياء. وللأسف، فإن أميركا لم تستفد من تجربة الجيش السوفياتي والمجاهدين في أفغانستان، ومن تجربة الجيش الفرنسي في الجزائر، ومن تجربة الجيش المصري في اليمن، ومن الدروس والعبر لحروبها وخسائرها الكبيرة في فيتنام.

أتذكر عندما زرت فيتنام عام 1976 سمعت قصصاً كثيرة ومثيرة عن العمليات الحربية التي قادها الثوار الفيتناميون في مواجهة القوات الأميركية لتحرير التراب الفيتنامي وإسقاط عاصمة الجنوب سايغون، حيث أجبر الأميركيون على الانسحاب بطريقة مذلة لقيادتهم وجنودهم وحلفائهم الذين تخلوا عنهم، حتى ان بعض الجنود كانوا يحاولون التعلق بالطائرات العمودية هرباً من النار وزحف الثوار على أحياء المدينة ومعسكراتها وقصورها ودور الضيافة فيها وعلى السفارة الأميركية، تلك الحرب التحريرية كان يقودها قادة عسكريون وسياسيون يحملون في قلوبهم مبادئ وقيماً أهمها قضية تحرير جنوب فيتنام وتحقيق الوحدة الفيتنامية، وكان في مقدمهم الجنرال جياب، وتحت إمرتهم كانت تنفذ القرارات والعمليات، فعندما يأمرون بالهدنة والحوار ووقف إطلاق النار مع القوات الأميركية يتوقف المقاتلون، وعندما يأمرون بإطلاق النار ينفذونه بلا هوادة أو مماطلة أو خوف من الموت.

جربنا في اليمن مثل هذا الصراع والحروب والتدخلات الإقليمية والدولية وما سمي حينها بالحرب بين الملكيين والجمهوريين التي استمرت أكثر من سبع سنوات أكلت الأخضر واليابس، وكان يقودها قادة معروفون للطرفين، فعندما يقرون الهدنة يلتزم بها الجميع وعندما يعاودون القتال يعود الجميع الى مواقعهم.

وبعد أن أنهكت الحرب أطراف الصراع الداخلية والإقليمية والدولية لجأ الجميع الى الحوار فانسحب الجيش المصري من اليمن بعد اللقاءات التي تمت بين الأطراف المعنية في جدة والاسكندرية والخرطوم وحرض وغيرها، وفي النهاية احتكم الجميع الى لغة الحوار والمصالحة الوطنية بدلاً من لغة السلاح التي كان ضحيتها أبناء الشعبين اليمني والمصري، بينما تحمل الجانب السعودي والمصري والسوفياتي أعباء هذه الحرب التي وضعت أوزارها في بداية السبعينات، وتحقق الأمن والاستقرار في اليمن.

وفي الحروب بين الشمال والجنوب في اليمن احتكم الجميع الى لغة الحوار لتحقيق الوحدة سلمياً عام 1990. وفي لبنان لجأ الجميع الى الحوار في لوزان والطائف بعد حروب استمرت أكثر من خمسة عشر عاماً توجت باتفاق الطائف، ونأمل أن تحتكم القوى السياسية الفاعلة في لبنان هذه الأيام الى لغة الحوار البنّاء لتجاوز الأزمة التي يمر بها الشعب اللبناني الشقيق مستفيدين من الدروس والعبر التي مروا بها جميعاً.

ما حدث في فيتنام وأفغانستان يتكرر في العراق، فأميركا دخلت هذه المغامرة غير المدروسة من غير موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفي يوم سقوط بغداد لبس الرئيس جورج بوش كل ملابس الحرب وظهر كالطاووس على ظهر إحدى السفن الحربية وهو يضحك ويلتقط الصور التذكارية مع جنوده منتشياً بنشوة النصر الرباني الذي وعد به، إذ يزعم أنه يحمل رسالة خاصة مستمدة من الله لنشر الحرية والديموقراطية في العالم(؟) وهو الذي توعد صدام حسين بالانتقام منه عند زيارته الأولى للعراق بعد اعتقال صدام، حيث أحضر الى قاعدة عسكرية خارج بغداد وقال بوش له: «كيف تجرؤ على محاولة قتل والدي؟ سيكون إعدامك النهاية المحتومة، لكن ليس الآن بل في الوقت الذي أقرره أنا وحدي». وهذا ما حدث في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2006 عندما كان الناس يودعون عاماً ويستعدون لاستقبال عام جديد.

ها ان الرئيس الأميركي بوش اختفت من على وجهه الابتسامة بعد الخسائر التي مني بها جيشه وتزايد عدد القتلى، حيث فاق 3000 قتيل ناهيك عن آلاف الجرحى ومئات البلايين من الدولارات، وتسببت هذه الخسائر المادية والمعنوية في تدني شعبية بوش الى أدنى مستوى، وفي اختفاء بعض صقور إدارته من حوله، وبدأ الاحتكام الى صوت العقل والحكمة عندما بادر بعض الحكماء في أميركا أمثال بيكر وهاملتون وكارتر للبحث عن مخرج ديبلوماسي لهذه الكارثة التي حلت بأميركا وبجيشها واقتصادها ورجالها ونسائها، فهم يشعرون بالخطر على بلادهم وعلى أبنائهم الذين يموتون كل يوم، ويخشون حقد شعوب العالم وكراهيته الشعب الأميركي بسبب الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش وصقوره في العراق وفلسطين وسورية ولبنان وأفغانستان وأخيراًَ في القرن الأفريقي.

كانت لجنة بيكر – هاملتون تقدمت بمقترحات وتوصيات مهمة للخروج من هذه الأزمة وذلك بطلب تعاون دول الجوار في حل المشكلة الأميركية والعراقية، وتباينت وجهات النظر بين مؤيد لهذه المقترحات ومعارض، وإنني أخشى أن الدول التي يتحدثون عنها اليوم ويطلبون مساعدتها ليس في يدها وحدها الحل ما لم تحصل معجزة، فهي غير قادرة على كبح جماح الإرهاب الذي انطلق وخرج من قمقمه بقوة لا مثيل لها في تاريخ شعوب العالم وتفوق كل تصور.

المطلوب من الدول العربية وجامعة الدول العربية والحكماء العرب الاضطلاع بدورهم في المساعدة للخروج من هذه الأزمة الطاحنة الخطيرة، لأن انهيار الوضع في العراق سيسحب نفسه على أوضاع المنطقة كلها بحكم موقعه الاستراتيجي، وإمكان تفجير البركان في أي بلد عربي. وعلى الجميع أن يخاف الله في هذا الشعب الذي عانى طوال تاريخه من الحروب والصراعات والانقلابات الدموية.

وحدة العراق هي الحل:

تستمد فكرة وحدة العراق قوتها من الإجماع العربي والإقليمي، فطوال فترة الحروب الماضية حافظت الدول الإقليمية عليها على رغم تحفظ البعض على السياسات المنتهجة في العراق، وبقيت الوحدة الهاجس الأساسي في السياسات الإقليمية، وإن ما يجري اليوم من نزوع بعض الأطراف بدافع طائفي أو مذهبي أو اثني لتمزيق العراق سيمتد أثره سلباً ليس على العراق فحسب وإنما على المنطقة عموماً طائفياً وسياسياً، فوحدة العراق لا تعني إلغاء خصائص مكونات العراق الأخرى، ووحدته هي لمصلحة دول المنطقة وشعوبها عموماً. ولا شك في أن إيران وتركيا وسورية والأردن والسعودية يهمها وحدة العراق وأمنه واستقراره، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على استقرار هذه الدول والمنطقة، ويمكن الإضافة أن وحدة العراق وأمنه واستقراره تشكل مخرجاً للأزمة التي وقعت فيها الولايات المتحدة وتلتقي في هذا الصدد مصلحة واشنطن مع مصلحة بغداد ومع مصلحة دول جوار العراق.

لكن ردود الأفعال على تقرير بيكر – هاملتون أظهرت بوضوح لا لبس فيه أن العنصر الإسرائيلي في السياسة الأميركية هو الوحيد الذي يرى مصلحته متناقضة مع وحدة العراق وأمنه واستقراره، لهذا فالتحدي اليوم أمام الولايات المتحدة في الخروج من المأزق العراقي هو مدى قدرتها على الفصل بين المصلحة الأميركية والتأثير الإسرائيلي في السياسة الأميركية حيث لا تخفي إسرائيل مصلحتها في تفتيت العراق ودول المنطقة ايضاً. وفي تقديري أن الحل يكمن في الآتي:

1 – أن تتفق الأطراف كلها على وحدة العراق واعتبارها قضية مقدسة لا تُمس، وأن أي معالجات أو حلول للمشاكل يجب أن تكون في إطار هذه الوحدة وتحت مظلتها.

2 – عقد مؤتمر للدول الإقليمية والدولية التي لها علاقة بالأوضاع في العراق، بإشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

3 – عقد مؤتمر وطني يضم القوى والأحزاب والحركات وممثلي القوى الفاعلة والمؤثرة في العراق.

4 – تشكيل حكومة وحدة وطنية من أطراف الصراع في العراق.

5 – وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف.

6 – إحلال قوات عربية محلها يجرى التشاور في شأنها مع الأمم المتحدة والقيادة العراقية، لمدة عامين، وتشكيل قيادة مشتركة عراقية - عربية لقيادة هذه القوى، إذا ارتأت هذه الأطراف أن وجودها يخدم استقرار العراق كما يحدث اليوم في جنوب السودان ودارفور والصومال وجنوب لبنان.

7 – بناء جيش وطني عراقي يجسد الوحدة الوطنية، وحل الميليشيات التي يتعارض وجودها وبقاؤها مع أمن العراق واستقراره، وسحب السلاح ووضع حد للأعمال الإرهابية.

8 – عودة العناصر التي سرحت من الجيش والأمن ممن ليس لهم علاقة مباشرة بالجرائم في حق المواطن العراقي.

9 – وضع حد للتدخلات الخارجية، الدولية منها والإقليمية، أياً كان نوعها ومصدرها.

الولايات المتحدة الأميركية تملك مفاتيح الحل في المنطقة، والحل لا يكون إلا باتخاذ مواقف متوازنة إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي بدلاً من الانحياز الكامل الى إسرائيل في هذا الصراع، واستخدام الولايات المتحدة والدول الغربية نفوذها بإلزام إسرائيل احترام قرارات الأمم المتحدة وتنفيذها من أجل تحقيق السلام، فإسرائيل تشكل عبئاً على الإدارة الأميركية وعلى الشعب الأميركي وعلى الدول الغربية المنحازة إليها. ويعرف العالم كله ان مصلحة هذه الدول الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتجارية ومصلحة شعوبها تكمن في العلاقات مع العرب وليس مع إسرائيل وحدها، لأن لها تأثيراً في اللوبي اليهودي في موسم الانتخابات الرئاسية. ونحن لا نطلب موقفاً منحازاً إلينا، لكن المطلوب هو الوقوف الى جانب الحق والعدل في المنطقة، بما يؤدي الى استئصال أسباب التوتر ووضع حد للحروب والاهتمام بمصالح الشعوب. أضف الى ذلك ان استمرار التأييد الأعمى وممارسة الظلم ضد العرب ينذر في المستقبل المتوسط والبعيد بعواقب غير حميدة للجميع بمن فيهم إسرائيل.

في تقديرنا أن حل القضية الفلسطينية حلاً عاجلاً «عادلاً وشاملاً» استناداً الى قرارات الأمم المتحدة والانسحاب من الجولان وجنوب لبنان وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمنطقة والبدء بمفاوضات جادة من أجل عملية السلام، سيسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق وفي أفغانستان وفي هذه المنطقة التي عانت من الحروب والتوترات على مدى أكثر من قرن، كما سيسهم في مساعدتها على النمو والتطور.

ولا شك في أن تقديم الدعم والمال لشعوب هذه المنطقة الفقيرة سيساهم في تجفيف منابع الفقر والإرهاب، فالإنسان يحب الحياة ولا يريد الموت أحياناً إلا من أجل الحياة الحرة الكريمة ومن أجل الأهداف النبيلة الكبرى، وأحياناً يموت الإنسان لأنه لا يفقد شيئاً يجعله يندم أو يخسر في هذه الدنيا، وإذا احتلت أرضه واستبيحت كرامته وعرضه فلا معنى حينها للحياة. وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها صرفوا مئات البلايين في هذه الحروب بلا جدوى، فإن اعتماد استراتيجية تنموية دولية لمساعدة هذه الشعوب الفقيرة سيمكنها من النهضة والتطور والخروج من ثالوث الفقر والجهل والمرض التي تعاني منها شعوب المنطقة، فهي تحتاج اليوم الى الغذاء والدواء والأمن والاستقرار بدلاً من ضخ عشرات البلايين في الحروب وشراء الأسلحة للجيوش التي لا تستخدم إلا لقمع هذه الشعوب، والعنف لا يولد إلا العنف.

ما أنفق في حروب اليمن وأفغانستان والقرن الأفريقي وحرب الخليج الأولى والثانية والحرب الأخيرة على العراق، يكفي لتحويل هذه المنطقة الى جنة خضراء، ولإكساب الولايات المتحدة السمعة والصدقية في العالم بدلاً من الكراهية والنقمة.

* رئيس المركز العربي للدراسات الاستراتيجية - الرئيس السابق لليمن الجنوبي – قبل التوحيد.

- الحياة الندنيه


أتذكر عندما زرت فيتنام عام 1976 سمعت قصصاً كثيرة ومثيرة عن العمليات الحربية التي قادها الثوار الفيتناميون في مواجهة القوات الأميركية لتحرير التراب الفيتنامي وإسقاط عاصمة الجنوب سايغون، حيث أجبر الأميركيون على الانسحاب بطريقة مذلة لقيادتهم وجنودهم وحلفائهم الذين تخلوا عنهم، حتى ان بعض الجنود كانوا يحاولون التعلق بالطائرات العمودية هرباً من النار وزحف الثوار على أحياء المدينة ومعسكراتها وقصورها ودور الضيافة فيها وعلى السفارة الأميركية، تلك الحرب التحريرية كان يقودها قادة عسكريون وسياسيون يحملون في قلوبهم مبادئ وقيماً أهمها قضية تحرير جنوب فيتنام وتحقيق الوحدة الفيتنامية، وكان في مقدمهم الجنرال جياب، وتحت إمرتهم كانت تنفذ القرارات والعمليات، فعندما يأمرون بالهدنة والحوار ووقف إطلاق النار مع القوات الأميركية يتوقف المقاتلون، وعندما يأمرون بإطلاق النار ينفذونه بلا هوادة أو مماطلة أو خوف من الموت.

جربنا في اليمن مثل هذا الصراع والحروب والتدخلات الإقليمية والدولية وما سمي حينها بالحرب بين الملكيين والجمهوريين التي استمرت أكثر من سبع سنوات أكلت الأخضر واليابس، وكان يقودها قادة معروفون للطرفين، فعندما يقرون الهدنة يلتزم بها الجميع وعندما يعاودون القتال يعود الجميع الى مواقعهم.

وبعد أن أنهكت الحرب أطراف الصراع الداخلية والإقليمية والدولية لجأ الجميع الى الحوار فانسحب الجيش المصري من اليمن بعد اللقاءات التي تمت بين الأطراف المعنية في جدة والاسكندرية والخرطوم وحرض وغيرها، وفي النهاية احتكم الجميع الى لغة الحوار والمصالحة الوطنية بدلاً من لغة السلاح التي كان ضحيتها أبناء الشعبين اليمني والمصري، بينما تحمل الجانب السعودي والمصري والسوفياتي أعباء هذه الحرب التي وضعت أوزارها في بداية السبعينات، وتحقق الأمن والاستقرار في اليمن.

وفي الحروب بين الشمال والجنوب في اليمن احتكم الجميع الى لغة الحوار لتحقيق الوحدة سلمياً عام 1990. وفي لبنان لجأ الجميع الى الحوار في لوزان والطائف بعد حروب استمرت أكثر من خمسة عشر عاماً توجت باتفاق الطائف، ونأمل أن تحتكم القوى السياسية الفاعلة في لبنان هذه الأيام الى لغة الحوار البنّاء لتجاوز الأزمة التي يمر بها الشعب اللبناني الشقيق مستفيدين من الدروس والعبر التي مروا بها جميعاً.

ما حدث في فيتنام وأفغانستان يتكرر في العراق، فأميركا دخلت هذه المغامرة غير المدروسة من غير موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفي يوم سقوط بغداد لبس الرئيس جورج بوش كل ملابس الحرب وظهر كالطاووس على ظهر إحدى السفن الحربية وهو يضحك ويلتقط الصور التذكارية مع جنوده منتشياً بنشوة النصر الرباني الذي وعد به، إذ يزعم أنه يحمل رسالة خاصة مستمدة من الله لنشر الحرية والديموقراطية في العالم(؟) وهو الذي توعد صدام حسين بالانتقام منه عند زيارته الأولى للعراق بعد اعتقال صدام، حيث أحضر الى قاعدة عسكرية خارج بغداد وقال بوش له: «كيف تجرؤ على محاولة قتل والدي؟ سيكون إعدامك النهاية المحتومة، لكن ليس الآن بل في الوقت الذي أقرره أنا وحدي». وهذا ما حدث في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2006 عندما كان الناس يودعون عاماً ويستعدون لاستقبال عام جديد.

ها ان الرئيس الأميركي بوش اختفت من على وجهه الابتسامة بعد الخسائر التي مني بها جيشه وتزايد عدد القتلى، حيث فاق 3000 قتيل ناهيك عن آلاف الجرحى ومئات البلايين من الدولارات، وتسببت هذه الخسائر المادية والمعنوية في تدني شعبية بوش الى أدنى مستوى، وفي اختفاء بعض صقور إدارته من حوله، وبدأ الاحتكام الى صوت العقل والحكمة عندما بادر بعض الحكماء في أميركا أمثال بيكر وهاملتون وكارتر للبحث عن مخرج ديبلوماسي لهذه الكارثة التي حلت بأميركا وبجيشها واقتصادها ورجالها ونسائها، فهم يشعرون بالخطر على بلادهم وعلى أبنائهم الذين يموتون كل يوم، ويخشون حقد شعوب العالم وكراهيته الشعب الأميركي بسبب الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش وصقوره في العراق وفلسطين وسورية ولبنان وأفغانستان وأخيراًَ في القرن الأفريقي.

كانت لجنة بيكر – هاملتون تقدمت بمقترحات وتوصيات مهمة للخروج من هذه الأزمة وذلك بطلب تعاون دول الجوار في حل المشكلة الأميركية والعراقية، وتباينت وجهات النظر بين مؤيد لهذه المقترحات ومعارض، وإنني أخشى أن الدول التي يتحدثون عنها اليوم ويطلبون مساعدتها ليس في يدها وحدها الحل ما لم تحصل معجزة، فهي غير قادرة على كبح جماح الإرهاب الذي انطلق وخرج من قمقمه بقوة لا مثيل لها في تاريخ شعوب العالم وتفوق كل تصور.

المطلوب من الدول العربية وجامعة الدول العربية والحكماء العرب الاضطلاع بدورهم في المساعدة للخروج من هذه الأزمة الطاحنة الخطيرة، لأن انهيار الوضع في العراق سيسحب نفسه على أوضاع المنطقة كلها بحكم موقعه الاستراتيجي، وإمكان تفجير البركان في أي بلد عربي. وعلى الجميع أن يخاف الله في هذا الشعب الذي عانى طوال تاريخه من الحروب والصراعات والانقلابات الدموية.

وحدة العراق هي الحل:

تستمد فكرة وحدة العراق قوتها من الإجماع العربي والإقليمي، فطوال فترة الحروب الماضية حافظت الدول الإقليمية عليها على رغم تحفظ البعض على السياسات المنتهجة في العراق، وبقيت الوحدة الهاجس الأساسي في السياسات الإقليمية، وإن ما يجري اليوم من نزوع بعض الأطراف بدافع طائفي أو مذهبي أو اثني لتمزيق العراق سيمتد أثره سلباً ليس على العراق فحسب وإنما على المنطقة عموماً طائفياً وسياسياً، فوحدة العراق لا تعني إلغاء خصائص مكونات العراق الأخرى، ووحدته هي لمصلحة دول المنطقة وشعوبها عموماً. ولا شك في أن إيران وتركيا وسورية والأردن والسعودية يهمها وحدة العراق وأمنه واستقراره، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على استقرار هذه الدول والمنطقة، ويمكن الإضافة أن وحدة العراق وأمنه واستقراره تشكل مخرجاً للأزمة التي وقعت فيها الولايات المتحدة وتلتقي في هذا الصدد مصلحة واشنطن مع مصلحة بغداد ومع مصلحة دول جوار العراق.

لكن ردود الأفعال على تقرير بيكر – هاملتون أظهرت بوضوح لا لبس فيه أن العنصر الإسرائيلي في السياسة الأميركية هو الوحيد الذي يرى مصلحته متناقضة مع وحدة العراق وأمنه واستقراره، لهذا فالتحدي اليوم أمام الولايات المتحدة في الخروج من المأزق العراقي هو مدى قدرتها على الفصل بين المصلحة الأميركية والتأثير الإسرائيلي في السياسة الأميركية حيث لا تخفي إسرائيل مصلحتها في تفتيت العراق ودول المنطقة ايضاً. وفي تقديري أن الحل يكمن في الآتي:

1 – أن تتفق الأطراف كلها على وحدة العراق واعتبارها قضية مقدسة لا تُمس، وأن أي معالجات أو حلول للمشاكل يجب أن تكون في إطار هذه الوحدة وتحت مظلتها.

2 – عقد مؤتمر للدول الإقليمية والدولية التي لها علاقة بالأوضاع في العراق، بإشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

3 – عقد مؤتمر وطني يضم القوى والأحزاب والحركات وممثلي القوى الفاعلة والمؤثرة في العراق.

4 – تشكيل حكومة وحدة وطنية من أطراف الصراع في العراق.

5 – وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف.

6 – إحلال قوات عربية محلها يجرى التشاور في شأنها مع الأمم المتحدة والقيادة العراقية، لمدة عامين، وتشكيل قيادة مشتركة عراقية - عربية لقيادة هذه القوى، إذا ارتأت هذه الأطراف أن وجودها يخدم استقرار العراق كما يحدث اليوم في جنوب السودان ودارفور والصومال وجنوب لبنان.

7 – بناء جيش وطني عراقي يجسد الوحدة الوطنية، وحل الميليشيات التي يتعارض وجودها وبقاؤها مع أمن العراق واستقراره، وسحب السلاح ووضع حد للأعمال الإرهابية.

8 – عودة العناصر التي سرحت من الجيش والأمن ممن ليس لهم علاقة مباشرة بالجرائم في حق المواطن العراقي.

9 – وضع حد للتدخلات الخارجية، الدولية منها والإقليمية، أياً كان نوعها ومصدرها.

الولايات المتحدة الأميركية تملك مفاتيح الحل في المنطقة، والحل لا يكون إلا باتخاذ مواقف متوازنة إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي بدلاً من الانحياز الكامل الى إسرائيل في هذا الصراع، واستخدام الولايات المتحدة والدول الغربية نفوذها بإلزام إسرائيل احترام قرارات الأمم المتحدة وتنفيذها من أجل تحقيق السلام، فإسرائيل تشكل عبئاً على الإدارة الأميركية وعلى الشعب الأميركي وعلى الدول الغربية المنحازة إليها. ويعرف العالم كله ان مصلحة هذه الدول الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتجارية ومصلحة شعوبها تكمن في العلاقات مع العرب وليس مع إسرائيل وحدها، لأن لها تأثيراً في اللوبي اليهودي في موسم الانتخابات الرئاسية. ونحن لا نطلب موقفاً منحازاً إلينا، لكن المطلوب هو الوقوف الى جانب الحق والعدل في المنطقة، بما يؤدي الى استئصال أسباب التوتر ووضع حد للحروب والاهتمام بمصالح الشعوب. أضف الى ذلك ان استمرار التأييد الأعمى وممارسة الظلم ضد العرب ينذر في المستقبل المتوسط والبعيد بعواقب غير حميدة للجميع بمن فيهم إسرائيل.

في تقديرنا أن حل القضية الفلسطينية حلاً عاجلاً «عادلاً وشاملاً» استناداً الى قرارات الأمم المتحدة والانسحاب من الجولان وجنوب لبنان وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمنطقة والبدء بمفاوضات جادة من أجل عملية السلام، سيسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق وفي أفغانستان وفي هذه المنطقة التي عانت من الحروب والتوترات على مدى أكثر من قرن، كما سيسهم في مساعدتها على النمو والتطور.

ولا شك في أن تقديم الدعم والمال لشعوب هذه المنطقة الفقيرة سيساهم في تجفيف منابع الفقر والإرهاب، فالإنسان يحب الحياة ولا يريد الموت أحياناً إلا من أجل الحياة الحرة الكريمة ومن أجل الأهداف النبيلة الكبرى، وأحياناً يموت الإنسان لأنه لا يفقد شيئاً يجعله يندم أو يخسر في هذه الدنيا، وإذا احتلت أرضه واستبيحت كرامته وعرضه فلا معنى حينها للحياة. وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها صرفوا مئات البلايين في هذه الحروب بلا جدوى، فإن اعتماد استراتيجية تنموية دولية لمساعدة هذه الشعوب الفقيرة سيمكنها من النهضة والتطور والخروج من ثالوث الفقر والجهل والمرض التي تعاني منها شعوب المنطقة، فهي تحتاج اليوم الى الغذاء والدواء والأمن والاستقرار بدلاً من ضخ عشرات البلايين في الحروب وشراء الأسلحة للجيوش التي لا تستخدم إلا لقمع هذه الشعوب، والعنف لا يولد إلا العنف.

ما أنفق في حروب اليمن وأفغانستان والقرن الأفريقي وحرب الخليج الأولى والثانية والحرب الأخيرة على العراق، يكفي لتحويل هذه المنطقة الى جنة خضراء، ولإكساب الولايات المتحدة السمعة والصدقية في العالم بدلاً من الكراهية والنقمة.

* رئيس المركز العربي للدراسات الاستراتيجية - الرئيس السابق لليمن الجنوبي – قبل التوحيد.

- الحياة الندنيه

أتذكر عندما زرت فيتنام عام 1976 سمعت قصصاً كثيرة ومثيرة عن العمليات الحربية التي قادها الثوار الفيتناميون في مواجهة القوات الأميركية لتحرير التراب الفيتنامي وإسقاط عاصمة الجنوب سايغون، حيث أجبر الأميركيون على الانسحاب بطريقة مذلة لقيادتهم وجنودهم وحلفائهم الذين تخلوا عنهم، حتى ان بعض الجنود كانوا يحاولون التعلق بالطائرات العمودية هرباً من النار وزحف الثوار على أحياء المدينة ومعسكراتها وقصورها ودور الضيافة فيها وعلى السفارة الأميركية، تلك الحرب التحريرية كان يقودها قادة عسكريون وسياسيون يحملون في قلوبهم مبادئ وقيماً أهمها قضية تحرير جنوب فيتنام وتحقيق الوحدة الفيتنامية، وكان في مقدمهم الجنرال جياب، وتحت إمرتهم كانت تنفذ القرارات والعمليات، فعندما يأمرون بالهدنة والحوار ووقف إطلاق النار مع القوات الأميركية يتوقف المقاتلون، وعندما يأمرون بإطلاق النار ينفذونه بلا هوادة أو مماطلة أو خوف من الموت.

جربنا في اليمن مثل هذا الصراع والحروب والتدخلات الإقليمية والدولية وما سمي حينها بالحرب بين الملكيين والجمهوريين التي استمرت أكثر من سبع سنوات أكلت الأخضر واليابس، وكان يقودها قادة معروفون للطرفين، فعندما يقرون الهدنة يلتزم بها الجميع وعندما يعاودون القتال يعود الجميع الى مواقعهم.

وبعد أن أنهكت الحرب أطراف الصراع الداخلية والإقليمية والدولية لجأ الجميع الى الحوار فانسحب الجيش المصري من اليمن بعد اللقاءات التي تمت بين الأطراف المعنية في جدة والاسكندرية والخرطوم وحرض وغيرها، وفي النهاية احتكم الجميع الى لغة الحوار والمصالحة الوطنية بدلاً من لغة السلاح التي كان ضحيتها أبناء الشعبين اليمني والمصري، بينما تحمل الجانب السعودي والمصري والسوفياتي أعباء هذه الحرب التي وضعت أوزارها في بداية السبعينات، وتحقق الأمن والاستقرار في اليمن.

وفي الحروب بين الشمال والجنوب في اليمن احتكم الجميع الى لغة الحوار لتحقيق الوحدة سلمياً عام 1990. وفي لبنان لجأ الجميع الى الحوار في لوزان والطائف بعد حروب استمرت أكثر من خمسة عشر عاماً توجت باتفاق الطائف، ونأمل أن تحتكم القوى السياسية الفاعلة في لبنان هذه الأيام الى لغة الحوار البنّاء لتجاوز الأزمة التي يمر بها الشعب اللبناني الشقيق مستفيدين من الدروس والعبر التي مروا بها جميعاً.

ما حدث في فيتنام وأفغانستان يتكرر في العراق، فأميركا دخلت هذه المغامرة غير المدروسة من غير موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفي يوم سقوط بغداد لبس الرئيس جورج بوش كل ملابس الحرب وظهر كالطاووس على ظهر إحدى السفن الحربية وهو يضحك ويلتقط الصور التذكارية مع جنوده منتشياً بنشوة النصر الرباني الذي وعد به، إذ يزعم أنه يحمل رسالة خاصة مستمدة من الله لنشر الحرية والديموقراطية في العالم(؟) وهو الذي توعد صدام حسين بالانتقام منه عند زيارته الأولى للعراق بعد اعتقال صدام، حيث أحضر الى قاعدة عسكرية خارج بغداد وقال بوش له: «كيف تجرؤ على محاولة قتل والدي؟ سيكون إعدامك النهاية المحتومة، لكن ليس الآن بل في الوقت الذي أقرره أنا وحدي». وهذا ما حدث في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2006 عندما كان الناس يودعون عاماً ويستعدون لاستقبال عام جديد.

ها ان الرئيس الأميركي بوش اختفت من على وجهه الابتسامة بعد الخسائر التي مني بها جيشه وتزايد عدد القتلى، حيث فاق 3000 قتيل ناهيك عن آلاف الجرحى ومئات البلايين من الدولارات، وتسببت هذه الخسائر المادية والمعنوية في تدني شعبية بوش الى أدنى مستوى، وفي اختفاء بعض صقور إدارته من حوله، وبدأ الاحتكام الى صوت العقل والحكمة عندما بادر بعض الحكماء في أميركا أمثال بيكر وهاملتون وكارتر للبحث عن مخرج ديبلوماسي لهذه الكارثة التي حلت بأميركا وبجيشها واقتصادها ورجالها ونسائها، فهم يشعرون بالخطر على بلادهم وعلى أبنائهم الذين يموتون كل يوم، ويخشون حقد شعوب العالم وكراهيته الشعب الأميركي بسبب الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش وصقوره في العراق وفلسطين وسورية ولبنان وأفغانستان وأخيراًَ في القرن الأفريقي.

كانت لجنة بيكر – هاملتون تقدمت بمقترحات وتوصيات مهمة للخروج من هذه الأزمة وذلك بطلب تعاون دول الجوار في حل المشكلة الأميركية والعراقية، وتباينت وجهات النظر بين مؤيد لهذه المقترحات ومعارض، وإنني أخشى أن الدول التي يتحدثون عنها اليوم ويطلبون مساعدتها ليس في يدها وحدها الحل ما لم تحصل معجزة، فهي غير قادرة على كبح جماح الإرهاب الذي انطلق وخرج من قمقمه بقوة لا مثيل لها في تاريخ شعوب العالم وتفوق كل تصور.

المطلوب من الدول العربية وجامعة الدول العربية والحكماء العرب الاضطلاع بدورهم في المساعدة للخروج من هذه الأزمة الطاحنة الخطيرة، لأن انهيار الوضع في العراق سيسحب نفسه على أوضاع المنطقة كلها بحكم موقعه الاستراتيجي، وإمكان تفجير البركان في أي بلد عربي. وعلى الجميع أن يخاف الله في هذا الشعب الذي عانى طوال تاريخه من الحروب والصراعات والانقلابات الدموية.

وحدة العراق هي الحل:

تستمد فكرة وحدة العراق قوتها من الإجماع العربي والإقليمي، فطوال فترة الحروب الماضية حافظت الدول الإقليمية عليها على رغم تحفظ البعض على السياسات المنتهجة في العراق، وبقيت الوحدة الهاجس الأساسي في السياسات الإقليمية، وإن ما يجري اليوم من نزوع بعض الأطراف بدافع طائفي أو مذهبي أو اثني لتمزيق العراق سيمتد أثره سلباً ليس على العراق فحسب وإنما على المنطقة عموماً طائفياً وسياسياً، فوحدة العراق لا تعني إلغاء خصائص مكونات العراق الأخرى، ووحدته هي لمصلحة دول المنطقة وشعوبها عموماً. ولا شك في أن إيران وتركيا وسورية والأردن والسعودية يهمها وحدة العراق وأمنه واستقراره، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على استقرار هذه الدول والمنطقة، ويمكن الإضافة أن وحدة العراق وأمنه واستقراره تشكل مخرجاً للأزمة التي وقعت فيها الولايات المتحدة وتلتقي في هذا الصدد مصلحة واشنطن مع مصلحة بغداد ومع مصلحة دول جوار العراق.

لكن ردود الأفعال على تقرير بيكر – هاملتون أظهرت بوضوح لا لبس فيه أن العنصر الإسرائيلي في السياسة الأميركية هو الوحيد الذي يرى مصلحته متناقضة مع وحدة العراق وأمنه واستقراره، لهذا فالتحدي اليوم أمام الولايات المتحدة في الخروج من المأزق العراقي هو مدى قدرتها على الفصل بين المصلحة الأميركية والتأثير الإسرائيلي في السياسة الأميركية حيث لا تخفي إسرائيل مصلحتها في تفتيت العراق ودول المنطقة ايضاً. وفي تقديري أن الحل يكمن في الآتي:

1 – أن تتفق الأطراف كلها على وحدة العراق واعتبارها قضية مقدسة لا تُمس، وأن أي معالجات أو حلول للمشاكل يجب أن تكون في إطار هذه الوحدة وتحت مظلتها.

2 – عقد مؤتمر للدول الإقليمية والدولية التي لها علاقة بالأوضاع في العراق، بإشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

3 – عقد مؤتمر وطني يضم القوى والأحزاب والحركات وممثلي القوى الفاعلة والمؤثرة في العراق.

4 – تشكيل حكومة وحدة وطنية من أطراف الصراع في العراق.

5 – وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف.

6 – إحلال قوات عربية محلها يجرى التشاور في شأنها مع الأمم المتحدة والقيادة العراقية، لمدة عامين، وتشكيل قيادة مشتركة عراقية - عربية لقيادة هذه القوى، إذا ارتأت هذه الأطراف أن وجودها يخدم استقرار العراق كما يحدث اليوم في جنوب السودان ودارفور والصومال وجنوب لبنان.

7 – بناء جيش وطني عراقي يجسد الوحدة الوطنية، وحل الميليشيات التي يتعارض وجودها وبقاؤها مع أمن العراق واستقراره، وسحب السلاح ووضع حد للأعمال الإرهابية.

8 – عودة العناصر التي سرحت من الجيش والأمن ممن ليس لهم علاقة مباشرة بالجرائم في حق المواطن العراقي.

9 – وضع حد للتدخلات الخارجية، الدولية منها والإقليمية، أياً كان نوعها ومصدرها.

الولايات المتحدة الأميركية تملك مفاتيح الحل في المنطقة، والحل لا يكون إلا باتخاذ مواقف متوازنة إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي بدلاً من الانحياز الكامل الى إسرائيل في هذا الصراع، واستخدام الولايات المتحدة والدول الغربية نفوذها بإلزام إسرائيل احترام قرارات الأمم المتحدة وتنفيذها من أجل تحقيق السلام، فإسرائيل تشكل عبئاً على الإدارة الأميركية وعلى الشعب الأميركي وعلى الدول الغربية المنحازة إليها. ويعرف العالم كله ان مصلحة هذه الدول الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتجارية ومصلحة شعوبها تكمن في العلاقات مع العرب وليس مع إسرائيل وحدها، لأن لها تأثيراً في اللوبي اليهودي في موسم الانتخابات الرئاسية. ونحن لا نطلب موقفاً منحازاً إلينا، لكن المطلوب هو الوقوف الى جانب الحق والعدل في المنطقة، بما يؤدي الى استئصال أسباب التوتر ووضع حد للحروب والاهتمام بمصالح الشعوب. أضف الى ذلك ان استمرار التأييد الأعمى وممارسة الظلم ضد العرب ينذر في المستقبل المتوسط والبعيد بعواقب غير حميدة للجميع بمن فيهم إسرائيل.

في تقديرنا أن حل القضية الفلسطينية حلاً عاجلاً «عادلاً وشاملاً» استناداً الى قرارات الأمم المتحدة والانسحاب من الجولان وجنوب لبنان وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمنطقة والبدء بمفاوضات جادة من أجل عملية السلام، سيسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق وفي أفغانستان وفي هذه المنطقة التي عانت من الحروب والتوترات على مدى أكثر من قرن، كما سيسهم في مساعدتها على النمو والتطور.

ولا شك في أن تقديم الدعم والمال لشعوب هذه المنطقة الفقيرة سيساهم في تجفيف منابع الفقر والإرهاب، فالإنسان يحب الحياة ولا يريد الموت أحياناً إلا من أجل الحياة الحرة الكريمة ومن أجل الأهداف النبيلة الكبرى، وأحياناً يموت الإنسان لأنه لا يفقد شيئاً يجعله يندم أو يخسر في هذه الدنيا، وإذا احتلت أرضه واستبيحت كرامته وعرضه فلا معنى حينها للحياة. وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها صرفوا مئات البلايين في هذه الحروب بلا جدوى، فإن اعتماد استراتيجية تنموية دولية لمساعدة هذه الشعوب الفقيرة سيمكنها من النهضة والتطور والخروج من ثالوث الفقر والجهل والمرض التي تعاني منها شعوب المنطقة، فهي تحتاج اليوم الى الغذاء والدواء والأمن والاستقرار بدلاً من ضخ عشرات البلايين في الحروب وشراء الأسلحة للجيوش التي لا تستخدم إلا لقمع هذه الشعوب، والعنف لا يولد إلا العنف.

ما أنفق في حروب اليمن وأفغانستان والقرن الأفريقي وحرب الخليج الأولى والثانية والحرب الأخيرة على العراق، يكفي لتحويل هذه المنطقة الى جنة خضراء، ولإكساب الولايات المتحدة السمعة والصدقية في العالم بدلاً من الكراهية والنقمة.

* رئيس المركز العربي للدراسات الاستراتيجية - الرئيس السابق لليمن الجنوبي – قبل التوحيد.

- الحياة الندنيه

أتذكر عندما زرت فيتنام عام 1976 سمعت قصصاً كثيرة ومثيرة عن العمليات الحربية التي قادها الثوار الفيتناميون في مواجهة القوات الأميركية لتحرير التراب الفيتنامي وإسقاط عاصمة الجنوب سايغون، حيث أجبر الأميركيون على الانسحاب بطريقة مذلة لقيادتهم وجنودهم وحلفائهم الذين تخلوا عنهم، حتى ان بعض الجنود كانوا يحاولون التعلق بالطائرات العمودية هرباً من النار وزحف الثوار على أحياء المدينة ومعسكراتها وقصورها ودور الضيافة فيها وعلى السفارة الأميركية، تلك الحرب التحريرية كان يقودها قادة عسكريون وسياسيون يحملون في قلوبهم مبادئ وقيماً أهمها قضية تحرير جنوب فيتنام وتحقيق الوحدة الفيتنامية، وكان في مقدمهم الجنرال جياب، وتحت إمرتهم كانت تنفذ القرارات والعمليات، فعندما يأمرون بالهدنة والحوار ووقف إطلاق النار مع القوات الأميركية يتوقف المقاتلون، وعندما يأمرون بإطلاق النار ينفذونه بلا هوادة أو مماطلة أو خوف من الموت.

جربنا في اليمن مثل هذا الصراع والحروب والتدخلات الإقليمية والدولية وما سمي حينها بالحرب بين الملكيين والجمهوريين التي استمرت أكثر من سبع سنوات أكلت الأخضر واليابس، وكان يقودها قادة معروفون للطرفين، فعندما يقرون الهدنة يلتزم بها الجميع وعندما يعاودون القتال يعود الجميع الى مواقعهم.

وبعد أن أنهكت الحرب أطراف الصراع الداخلية والإقليمية والدولية لجأ الجميع الى الحوار فانسحب الجيش المصري من اليمن بعد اللقاءات التي تمت بين الأطراف المعنية في جدة والاسكندرية والخرطوم وحرض وغيرها، وفي النهاية احتكم الجميع الى لغة الحوار والمصالحة الوطنية بدلاً من لغة السلاح التي كان ضحيتها أبناء الشعبين اليمني والمصري، بينما تحمل الجانب السعودي والمصري والسوفياتي أعباء هذه الحرب التي وضعت أوزارها في بداية السبعينات، وتحقق الأمن والاستقرار في اليمن.

وفي الحروب بين الشمال والجنوب في اليمن احتكم الجميع الى لغة الحوار لتحقيق الوحدة سلمياً عام 1990. وفي لبنان لجأ الجميع الى الحوار في لوزان والطائف بعد حروب استمرت أكثر من خمسة عشر عاماً توجت باتفاق الطائف، ونأمل أن تحتكم القوى السياسية الفاعلة في لبنان هذه الأيام الى لغة الحوار البنّاء لتجاوز الأزمة التي يمر بها الشعب اللبناني الشقيق مستفيدين من الدروس والعبر التي مروا بها جميعاً.

ما حدث في فيتنام وأفغانستان يتكرر في العراق، فأميركا دخلت هذه المغامرة غير المدروسة من غير موافقة مجلس الأمن والأمم المتحدة، وفي يوم سقوط بغداد لبس الرئيس جورج بوش كل ملابس الحرب وظهر كالطاووس على ظهر إحدى السفن الحربية وهو يضحك ويلتقط الصور التذكارية مع جنوده منتشياً بنشوة النصر الرباني الذي وعد به، إذ يزعم أنه يحمل رسالة خاصة مستمدة من الله لنشر الحرية والديموقراطية في العالم(؟) وهو الذي توعد صدام حسين بالانتقام منه عند زيارته الأولى للعراق بعد اعتقال صدام، حيث أحضر الى قاعدة عسكرية خارج بغداد وقال بوش له: «كيف تجرؤ على محاولة قتل والدي؟ سيكون إعدامك النهاية المحتومة، لكن ليس الآن بل في الوقت الذي أقرره أنا وحدي». وهذا ما حدث في 31 كانون الأول (ديسمبر) 2006 عندما كان الناس يودعون عاماً ويستعدون لاستقبال عام جديد.

ها ان الرئيس الأميركي بوش اختفت من على وجهه الابتسامة بعد الخسائر التي مني بها جيشه وتزايد عدد القتلى، حيث فاق 3000 قتيل ناهيك عن آلاف الجرحى ومئات البلايين من الدولارات، وتسببت هذه الخسائر المادية والمعنوية في تدني شعبية بوش الى أدنى مستوى، وفي اختفاء بعض صقور إدارته من حوله، وبدأ الاحتكام الى صوت العقل والحكمة عندما بادر بعض الحكماء في أميركا أمثال بيكر وهاملتون وكارتر للبحث عن مخرج ديبلوماسي لهذه الكارثة التي حلت بأميركا وبجيشها واقتصادها ورجالها ونسائها، فهم يشعرون بالخطر على بلادهم وعلى أبنائهم الذين يموتون كل يوم، ويخشون حقد شعوب العالم وكراهيته الشعب الأميركي بسبب الأخطاء التي ارتكبتها إدارة بوش وصقوره في العراق وفلسطين وسورية ولبنان وأفغانستان وأخيراًَ في القرن الأفريقي.

كانت لجنة بيكر – هاملتون تقدمت بمقترحات وتوصيات مهمة للخروج من هذه الأزمة وذلك بطلب تعاون دول الجوار في حل المشكلة الأميركية والعراقية، وتباينت وجهات النظر بين مؤيد لهذه المقترحات ومعارض، وإنني أخشى أن الدول التي يتحدثون عنها اليوم ويطلبون مساعدتها ليس في يدها وحدها الحل ما لم تحصل معجزة، فهي غير قادرة على كبح جماح الإرهاب الذي انطلق وخرج من قمقمه بقوة لا مثيل لها في تاريخ شعوب العالم وتفوق كل تصور.

المطلوب من الدول العربية وجامعة الدول العربية والحكماء العرب الاضطلاع بدورهم في المساعدة للخروج من هذه الأزمة الطاحنة الخطيرة، لأن انهيار الوضع في العراق سيسحب نفسه على أوضاع المنطقة كلها بحكم موقعه الاستراتيجي، وإمكان تفجير البركان في أي بلد عربي. وعلى الجميع أن يخاف الله في هذا الشعب الذي عانى طوال تاريخه من الحروب والصراعات والانقلابات الدموية.

وحدة العراق هي الحل:

تستمد فكرة وحدة العراق قوتها من الإجماع العربي والإقليمي، فطوال فترة الحروب الماضية حافظت الدول الإقليمية عليها على رغم تحفظ البعض على السياسات المنتهجة في العراق، وبقيت الوحدة الهاجس الأساسي في السياسات الإقليمية، وإن ما يجري اليوم من نزوع بعض الأطراف بدافع طائفي أو مذهبي أو اثني لتمزيق العراق سيمتد أثره سلباً ليس على العراق فحسب وإنما على المنطقة عموماً طائفياً وسياسياً، فوحدة العراق لا تعني إلغاء خصائص مكونات العراق الأخرى، ووحدته هي لمصلحة دول المنطقة وشعوبها عموماً. ولا شك في أن إيران وتركيا وسورية والأردن والسعودية يهمها وحدة العراق وأمنه واستقراره، لأن ذلك ينعكس إيجاباً على استقرار هذه الدول والمنطقة، ويمكن الإضافة أن وحدة العراق وأمنه واستقراره تشكل مخرجاً للأزمة التي وقعت فيها الولايات المتحدة وتلتقي في هذا الصدد مصلحة واشنطن مع مصلحة بغداد ومع مصلحة دول جوار العراق.

لكن ردود الأفعال على تقرير بيكر – هاملتون أظهرت بوضوح لا لبس فيه أن العنصر الإسرائيلي في السياسة الأميركية هو الوحيد الذي يرى مصلحته متناقضة مع وحدة العراق وأمنه واستقراره، لهذا فالتحدي اليوم أمام الولايات المتحدة في الخروج من المأزق العراقي هو مدى قدرتها على الفصل بين المصلحة الأميركية والتأثير الإسرائيلي في السياسة الأميركية حيث لا تخفي إسرائيل مصلحتها في تفتيت العراق ودول المنطقة ايضاً. وفي تقديري أن الحل يكمن في الآتي:

1 – أن تتفق الأطراف كلها على وحدة العراق واعتبارها قضية مقدسة لا تُمس، وأن أي معالجات أو حلول للمشاكل يجب أن تكون في إطار هذه الوحدة وتحت مظلتها.

2 – عقد مؤتمر للدول الإقليمية والدولية التي لها علاقة بالأوضاع في العراق، بإشراف الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

3 – عقد مؤتمر وطني يضم القوى والأحزاب والحركات وممثلي القوى الفاعلة والمؤثرة في العراق.

4 – تشكيل حكومة وحدة وطنية من أطراف الصراع في العراق.

5 – وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأميركية وقوات التحالف.

6 – إحلال قوات عربية محلها يجرى التشاور في شأنها مع الأمم المتحدة والقيادة العراقية، لمدة عامين، وتشكيل قيادة مشتركة عراقية - عربية لقيادة هذه القوى، إذا ارتأت هذه الأطراف أن وجودها يخدم استقرار العراق كما يحدث اليوم في جنوب السودان ودارفور والصومال وجنوب لبنان.

7 – بناء جيش وطني عراقي يجسد الوحدة الوطنية، وحل الميليشيات التي يتعارض وجودها وبقاؤها مع أمن العراق واستقراره، وسحب السلاح ووضع حد للأعمال الإرهابية.

8 – عودة العناصر التي سرحت من الجيش والأمن ممن ليس لهم علاقة مباشرة بالجرائم في حق المواطن العراقي.

9 – وضع حد للتدخلات الخارجية، الدولية منها والإقليمية، أياً كان نوعها ومصدرها.

الولايات المتحدة الأميركية تملك مفاتيح الحل في المنطقة، والحل لا يكون إلا باتخاذ مواقف متوازنة إزاء الصراع العربي – الإسرائيلي بدلاً من الانحياز الكامل الى إسرائيل في هذا الصراع، واستخدام الولايات المتحدة والدول الغربية نفوذها بإلزام إسرائيل احترام قرارات الأمم المتحدة وتنفيذها من أجل تحقيق السلام، فإسرائيل تشكل عبئاً على الإدارة الأميركية وعلى الشعب الأميركي وعلى الدول الغربية المنحازة إليها. ويعرف العالم كله ان مصلحة هذه الدول الاقتصادية والسياسية والعسكرية والتجارية ومصلحة شعوبها تكمن في العلاقات مع العرب وليس مع إسرائيل وحدها، لأن لها تأثيراً في اللوبي اليهودي في موسم الانتخابات الرئاسية. ونحن لا نطلب موقفاً منحازاً إلينا، لكن المطلوب هو الوقوف الى جانب الحق والعدل في المنطقة، بما يؤدي الى استئصال أسباب التوتر ووضع حد للحروب والاهتمام بمصالح الشعوب. أضف الى ذلك ان استمرار التأييد الأعمى وممارسة الظلم ضد العرب ينذر في المستقبل المتوسط والبعيد بعواقب غير حميدة للجميع بمن فيهم إسرائيل.

في تقديرنا أن حل القضية الفلسطينية حلاً عاجلاً «عادلاً وشاملاً» استناداً الى قرارات الأمم المتحدة والانسحاب من الجولان وجنوب لبنان وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة بالمنطقة والبدء بمفاوضات جادة من أجل عملية السلام، سيسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق وفي أفغانستان وفي هذه المنطقة التي عانت من الحروب والتوترات على مدى أكثر من قرن، كما سيسهم في مساعدتها على النمو والتطور.

ولا شك في أن تقديم الدعم والمال لشعوب هذه المنطقة الفقيرة سيساهم في تجفيف منابع الفقر والإرهاب، فالإنسان يحب الحياة ولا يريد الموت أحياناً إلا من أجل الحياة الحرة الكريمة ومن أجل الأهداف النبيلة الكبرى، وأحياناً يموت الإنسان لأنه لا يفقد شيئاً يجعله يندم أو يخسر في هذه الدنيا، وإذا احتلت أرضه واستبيحت كرامته وعرضه فلا معنى حينها للحياة. وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفاؤها صرفوا مئات البلايين في هذه الحروب بلا جدوى، فإن اعتماد استراتيجية تنموية دولية لمساعدة هذه الشعوب الفقيرة سيمكنها من النهضة والتطور والخروج من ثالوث الفقر والجهل والمرض التي تعاني منها شعوب المنطقة، فهي تحتاج اليوم الى الغذاء والدواء والأمن والاستقرار بدلاً من ضخ عشرات البلايين في الحروب وشراء الأسلحة للجيوش التي لا تستخدم إلا لقمع هذه الشعوب، والعنف لا يولد إلا العنف.

ما أنفق في حروب اليمن وأفغانستان والقرن الأفريقي وحرب الخليج الأولى والثانية والحرب الأخيرة على العراق، يكفي لتحويل هذه المنطقة الى جنة خضراء، ولإكساب الولايات المتحدة السمعة والصدقية في العالم بدلاً من الكراهية والنقمة.

* رئيس المركز العربي للدراسات الاستراتيجية - الرئيس السابق لليمن الجنوبي – قبل التوحيد.

- الحياة الندنيه