وقفاتٌ مع الرئيس هادي على ضفاف المبادرة الخليجية
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 12 سنة و شهرين و 25 يوماً
الثلاثاء 28 أغسطس-آب 2012 04:12 م

ما من شك أنه سيكتب للرئيس هادي عمرٌ تاريخي جديد، إنْ هو استطاع أن يعبر باليمن من عنق الزجاجة إلى فضاء الحرية والديمقراطية والحداثة والسلام والأمن والاستقرار والتنمية .. وحقٌ على كل يمني بعد ذلك أن يعتز بالرئيس هادي وأن تُدرّس سيرته- وسيرة الأبطال أمثاله ممن صنعوا تاريخ اليمن الحديث - في كل مناهج التعليم كرجل عظيم من رجالات اليمن القلائل الذين آثروا اليمن على أنفسهم ومصالحهم وأهوائهم، وأخمدوا نار الفتنة والحرب الأهلية، وحقن دماء الآلاف من اليمنيين.

فالتاريخ والزمان والسنن الربانية تكفلت بتخليد الأبطال والمخلصين دوماً، كما قال تعالى: (وتركنا عليه في الآخرين) . أي تركنا له الذكر والثناء الجميل.

كما أنّ التاريخ لن يرحم المخلوع صالحاً وزمرته وعائلته ورجالاته المناكيد من اللعنات التي ستطاردهم إلى يوم الدين يوم يقف الناس بين يدي الله رب العالمين، فلم تشهد اليمن دموية ولا نهباً للخيرات والثروات ولا إفساداً كالذي شهدته اليمن إبان حكم المخلوع صالح .

إلا أن تخليد هادي كرجل عظيم من رجالات اليمن مرهون بالسير بنجاح نحو تحقيق التسوية السياسية والانتقال السلمي للسلطة، إلى نهاية الطريق، والعبرة بالخواتيم، كما قيل، وإن غداً لناظره لقريب.

الوقفة الثانية:

يظهر أنّ الرئيس هادي فيما بقي من أيام حكمه وسلطته التي من المفترض أن تنتهي في ال 25 من فبراير 2014م، تمكّن من أن يقضي على كثير من أسباب التوتر الأمني على صعيد أبين عدن، وتعز إب، ومأرب الجوف، وغيرها من المحافظات، إلا أنه من الملاحظ أنه لا تزال بعضاً من بؤر التوتر ملتهبة، لم يستطع هادي بعدُ إخمادها، وكلما حاول إطفاءها كلما عادت واشتعلت من جديد، على النحو الذي يجري من اختلالات أمنية في صنعاء وصعدة وعدن.. ولعلّ من أهم أسباب بقاء هذه الاختلالات الأمنية أن الرئيس هادي لا يزال متأثراً بثقافة سلفه صالح، فصالح تعامل دوماً مع شعبه تعاملاً مضللا تارة، وتارةً أخرى تعاملاً غامضاً يمتاز بالحيل والتلبيس.

لقد كانت كل الجرائم التي تقع في عهد المخلوع صالح لا يعلن فيها عن الفاعل، أو يعلن عن فاعل غير حقيقي، وهو الأمر الذي استمر عليه الرئيس هادي، للأسف، فكل الجرائم التي وقعت في ولاية الرئيس هادي، بدءاً بتفجير السبعين وكلية الشرطة، وانتهاءاً بأحداث الداخلية والدفاع، لا يزال الفاعل الحقيقي مجهولاً غير معلن عنه، وإن كان معلوماً لدى الجميع أشهر من نار على علم.

هذه الضبابية والغموض التي يتعامل بها الرئيس هادي مع شعبه، جعلت المجرم يعاود الكرة بعد الكرة، ليتمادى في جرائمه وعبثه وفساده، وكما قيل من أمن العقوبة أساء الأدب.

إن الواجب على الرئيس هادي بأجهزته الأمنية والعسكرية أن يكون أكثر صراحة مع شعبه، وأن يعلن عن المجرمين، وأن يشهّر بهم وأن تظهر صورهم على شاشات التلفزة ووسائل الإعلام، ومن المتيقن بعد ذلك أن معدلات الجريمة والتمرد العسكري والأمني ستنخفض إلى أدنى مستوياتها، كما قال تعالى : (ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب) .

هذه السياسة الحازمة في التعامل مع المخربين والمجرمين، ذات أهمية بالغة وكبيرة في مسيرة اليمن، لأن عدم الإعلان عن عصابات الإجرام والقتل والإرهاب والفساد في الأرض، تجعل الرئيس هادي نفسه موضع اتهام في المستقبل القريب أو البعيد، فكل هذه الجرائم إنما وقعت في عهده، وعليه أن يُبرّأ ساحته، وأن يكون أكثر شفافية ووضوحاً مع شعبه، وأن يفرض للدولة هيبتها وسلطانها، وذلك بالأخذ على أيدي المجرمين وتقديمهم لمحاكمات علنية عاجلة، إذ لا نص في المبادرة الخليجية بتاتاً ينص على الحصانة المطلقة، بل المبادرة الخليجية تنص على الحصانة المقيدة بتاريخ التوقيع على المبادرة الخليجية وأن الجرائم التي وقعت بعد التوقيع لا تشملها الحصانة كما هو نص المبادرة الخليجية ومذكرتها التفسيرية.

وبالتالي فتمديد الحصانة وجعلها مفتوحة مطلقاً، هو السبب الرئيس الذي رفع من معدلات التمرد على قرارات الرئيس هادي، ومالم يرجع الرئيس هادي عن هذه السياسة ويستعمل سياسة الصرامة والحزم في ردع المجرمين فقد تتعثر المبادرة الخليجية في آخرها ونهاياتها، فجرائم الدماء بارود يمكن أن ينفجر في أي لحظة، وهو ما جعل الرئيس المصري محمد مرسي يدرك ذلك جيداً فيقلب النظام في مصر رأساً على عقب لمقتل 16 جنديا مصرياً في سيناء، بينما الرئيس هادي تكتفي أجهزته الإعلامية بنشر خبر مقتل المئات من الجنود وخبر الأنهار من الدماء وأكوام الأشلاء، كمادة إعلامية ولا يتجاوز ذلك إلى إجراءات أمنية ولو في حدها الأدنى كإقالة المعنيين أو قادة الأجهزة الأمنية المكلفة بالحماية والأمن والاستقرار، رغم أنّ أصابع الاتهام بل الحقائق والأدلة الدامغة تؤكد أن جل جرائم التمرد والإرهاب وراءها الزعيم وزمرته المجرمة.

إنّ هذا العجز والضعف الشديد الذي تعيشه أجهزة الدولة اليمنية تنم عن سياسة خاطئة من جهة وممارسات خاطئة للسلطة، من جهة أخرى، فليس هناك أمر يسقط الحكومات بل الإمبراطوريات كالاستهانة بالدماء والتستر على مافيا الجريمة والفساد، وليس التستر وغض الطرف عن هذه الجرائم الدموية مما يجلب الأمن والاستقرار كما يتوهم البعض.

الوقفة الثالثة:

لوحظ أنّ الرئيس هادي لم يلبي ولو جزءاً أو قدراً مقبولاً من مطالب شباب الثورة حتى على المستوى الممكن منها، رغم أنه صاحب صلاحيات مطلقة كما نصت عليه المبادرة الخليجية، فكل مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، إنما تستمد سلطتها من الرئيس هادي، رغم ذلك لا تزال الدولة تسير بآلية النظام السابق، رغم اتساع المطالب الشعبية بإقالة الفاسدين، إلا أن مملكة الفساد الصالحية لا تزال تربض على صدور اليمنيين، فيما الرئيس هادي لم يحرك ساكناً وهو ما جعل هوامير الفساد ينتهزون المرحلة الانتقالية لمزيد من الفساد والعبث بخيرات ومقدرات الوطن، وإلا فهل من إشكال على الرئيس هادي لو أقال مثلاً بعض المحافظين المشتهر فسادهم كالشمس في رابعة النهار، كمحافظ الحديدة وريمة وصعدة؟!!.

إنّ الرئيس هادي قام ببعض الإجراءات في هذا الصدد كنقل الفاسدين أو ربما في بعض الأحيان ترقيتهم، ولم يسع للقضاء على رموز الفساد قضاءاً مبرماً، بدليل أن الفساد هو هو كما في عهد المخلوع صالح يضرب بجذوره في كثير من مفاصل الدولة، وأحسب أن اليمانيين بحاجة إلى ثورة جديدة ضد الفساد، بعد ثورتهم الأولى التي كانت ضد العائلة والاستبداد.

ولذا أعتقد أن الرئيس هادي عليه أن يعيد قراءة المبادرة الخليجية وأن يستفيد من نصوصها، وألا يتهاون بالدماء ومسلسلات التمرد والإرهاب، وأن يتحول خطابه الإعلامي إلى ممارسة على أرض الواقع، وحينذاك سيجد الرئيس هادي نفسه محاطاً بالتفاف شعبه وأمته وجيشه وأمنه، مالم فلنقرأ على المبادرة الخليجية السلام، وستدخل اليمن لا سمح الله في مزيد من أنهار الدماء، سيما إن بقي الرئيس المخلوع وعائلته وأبناءه يعبثون بأمن البلاد وخيراتها، في ظل سياسة النفس الطويل جدا والهادئ جدا، الذي ينهجه الرئيس هادي ومن معه.

والله من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين،،

Moafa12@hotmail.com