آخر الاخبار

مليشيات الحوثي تُدرج مادة دراسية طائفية في الجامعات الخاصة. اللواء سلطان العرادة: القيادة السياسية تسعى لتعزيز حضور الدولة ومؤسساتها المختلفة نائب وزير التربية يتفقد سير اختبارات الفصل الدراسي الأول بمحافظة مأرب. تقرير : فساد مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة إب.. هامور يدمر الاقتصاد المحلي ويدفع التجار نحو هاوية الإفلاس مصدر حكومي: رئاسة الوزراء ملتزمة بقرار نقل السلطة وليس لديها أي معارك جانبية او خلافات مع المستويات القيادية وزير الداخلية يحيل مدير الأحوال المدنية بعدن للتحقيق بسبب تورطه بإصدار بطائق شخصية لجنسيات اجنبية والمجلس الانتقالي يعترض إدارة العمليات العسكرية تحقق انتصارات واسعة باتجاه مدينة حماةو القوات الروسية تبدا الانسحاب المعارضة في كوريا الجنوبية تبدأ إجراءات لعزل رئيس الدولة أبعاد التقارب السعودي الإيراني على اليمن .. تقرير بريطاني يناقش أبعاد الصراع المتطور الأمم المتحدة تكشف عن عدد المليارات التي تحتاجها لدعم خطتها الإنسانية في اليمن للعام 2025

السير نحو الانفصال إثما مشتركا
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 14 سنة و 10 أشهر و 29 يوماً
الإثنين 04 يناير-كانون الثاني 2010 07:03 م

لم يكن مطلب الانفصال واردا في خيال الجنوبيين لأنهم وحدويون بامتياز ولولا تنازلهم في سبيل الوحدة لما توحدنا فالفضل في تحقيق الوحدة تعود إليهم أولا ثم لغيرهم ثانيا، لأنهم تنازلوا عن موقع الصدارة كي نتوحد بينما آخرون استثمروا الوحدة وغنموا دون أن يخسروا مواقعهم بل زادوا عليها مغانم أخرى.

نشأ الانفصال كفكرة سياسية لدى بعض القيادات الجنوبية الوحدوية التي ضحت من أجل الوحدة ووجدت نفسها خارج الحلبة مجردة من كل شيء حتى من الوطنية ومتهمة بالخيانة والعمالة ، كان الوقوع في خطأ الانفصال نتاجا لصراع سياسي ماكر مالت نتائجه لطرف على آخر ، وكان الأمر سيكون نفسه لو تفوق الجنوب في ابتلاع الوطن وانهزم الشمال ، كان أهل الشمال سينعتون بالانفصاليين والخونة من قبل الجنوبيين المنتصرين، إذا فا التاريخ دوما كان فيما مضى يكتبه المنتصرون ، لكن مع تطور وسائل الإعلام صار التاريخ يصنع نفسه مهما حرفه الآخرون ، ونحن هنا ينبغي أن نفرق بين خطايا البيض السياسية ومواقفه التي حققت الوحدة ، إننا أمام ظاهرة لها شبها في التاريخ الإسلامي حين لمع نجمع معاوية بانتصاره السياسي وتفوقه على الإمام علي كرم الله وجهه الذي خسر في ميدان السياسة، لكن معاوية برغم انتصاراته السياسية لم يكن في الوعي الاجتماعي والتاريخي هو الأفضل على أية حال حتى في نظر بطانته ومناصريه وأبرزهم عمرو بن العاص الذي عيره أكثر من مرة بأفضلية علي بن أبي طالب واستحقاقه منه.

واجه أبناء اليمن عموما وأبناء الجنوب خصوصا تعسفات ظالمة بصمت وقهر لايمحى تجلى هذا القهر بثلاث وقائع سياسية قاتلة :

الأولى : إحالة قسرية للكفاءات العسكرية إلى التقاعد وعدد ضخم من الموظفين المدنيين والعسكريين دون سبب مقنع أو مبرر ، مع استمرار فتح التوظيف العسكري.

الثانية : تهميش أبناء الجنوب في الوظائف والمناصب السيادية إلا من أمن جانبه وأظهر الكثير من السمع والطاعة والقبول بالتبعية.

الثالثة: النهب المنظم لأراضيهم في عقر دارهم ،فالأراضي المؤممة في عهد الدولة الاشتراكية لم تعاد إلى أصحابها وانما خصخصت لصالح العابرين من الشمال والجنوب على السواء وهم ليسوا أصحاب هذا الامتياز.

ظل أبناء الجنوب صامتين عشر سنوات ، وبعدها تحرك العسكريون ورفعوا صوتهم وكسروا جدار الخوف والصمت معا فتجمهروا وتظاهروا وصار صوتهم مدويا فاستجابت السلطة لمطالبهم، عن ذلك قال رئيس الحكومة إن هذا الملف سوي معظمه برصد مبلغ يزيد عن 50 مليار ريال، ولقائل أن يقول لماذا لم تبادر السلطة طيلة العشر السنوات المنقضية من الصبر المرير لمنحهم حقوقهم ليس في الوظيفة فقط ولكن في الوقائع الثلاث المشار إليها قبل أن تدفع بهم ظروفهم إلى ميدان المواجهة السياسية والحقوقية مع السلطة ؟ مجرد سؤال.

عندما تستهين السلطة بمواطنيها شمالا (حروب صعدة الستة) وجنوبا (الحراك) ويمنيا (قضايا التنمية والتحديث) تجبرهم إلى الخروج عن الشرعية، وما تصرف القبائل في الاختطاف واستعادة الحقوق وفرض الشروط إلا لأن السلطة لا تمتلك مشروعا في بناء دولة القانون ورد الاعتبار للمواطن اليمني شماله وجنوبه ، رد الاعتبار الحاصل فقط يحظى به أصحاب النفوذ والفيد وممارسة الفساد وعلى عينك ياقاضي ، وبدلا من إحالة رئيس جامعة صنعاء للتحقيق والتوقيف ، أحيل المناهضون للفساد من الأكاديميين إلى التحقيق والتوقيف، وبسبب التطرف السياسي الخاطئ للسلطة نشأ تطرف سياسي ينادي بالانفصال، وهو تطرف اجتماعي يقابله تطرف رسمي مماثل ظهر على نحو ما وتحت مسميات مختلفة ( الحراك ، الحوثيون ، القاعدة، السخط الاجتماعي العام وتسارع وتيرة الاحتجاج الاجتماعي بسبب رداءة الخدمات الضرورية مثل الماء والكهرباء والتعليم والصحة والطرقات ...الخ).

إن الاستهانة بمطالب الناس وصراخهم وعدم احترامهم يدفعهم دفعا إلى الكفر بالوطن برمته وليس بقيمه الجامعة فقط مثل الوحدة والديمقراطية ، إننا ذاهبون حتما إلى الانفصال كلما تأخرنا في انجاز المطالب الاجتماعية وتدارك الأخطاء السياسية القاتلة.

نخشى أن يتم الانفصال السياسي القاسي في البلاد إلى دولتين أو أكثر ، ثم نستمر في مشروع الحروب الحدودية والفتن الداخلية لنصبح نموذجا حيا لصومال يمني جديد يعيق تحقيق ابسط الضرورات للإنسان اليمني شماله وجنوبه.

إن الخطوات التي يمكن أن تمنع الانهيار السياسي للوطن دولة وشعبا ونظاما سياسيا جامعا هو تسليم السلطة إلى الشعب والانزياح عنها ، إن الدلائل تشير بما لا يدع مجالا للشك بأن الرئيس الصالح لا ينوي مغادرة السلطة مهما كان المآل، والعقلاء في الوطن قد لا يمانعون بقاءه حتى يتذكره الله من عنده ولكن عليه أن يحتفظ بمنصبه بعيدا عن شركائه في الأسرة والقبيلة والبلاط أو يورثها لهم ، ليكون شريكا في السلطة مع الشعب لا مالكا لها مع الأسرة والقبيلة على حساب الشعب والأمة التي تعيش على هامش الوطن. بكل تأكيد لو توفر لكل مواطن يمني سبيل آمن للهجرة والعيش الكريم لما بقي في الوطن أحد، وربما يهاجر الرئيس الصالح ليبحث لنفسه عن قبيلة وشعب يحكمه فلا يجد.

اليوم لكي نثبت حبنا للوحدة والوطن ينبغي أن تسلم السلطة بكل مفاصلها للجنوبيين كي نحافظ على الوحدة ، ليحكموا ونجرب عدالة حكمهم ونظامهم فقد يصبحون صورة سيئة فنرفضهم ونتذكر حسنات من سبقهم ، أو قد يكونوا صورة حسنة فيكون استحقاقهم للسلطة بكفاءتهم وجدارتهم مثمرا ومفيدا، وإذا كان الشماليون قد حكموا اليمن منفردين منذ 1994 فلنترك الجنوبيين أن يحكموا لفترة دستورية واحدة لنحكم عليهم ولنثبت لهم أننا نضحي من اجل الوطن والوحدة بالتنازل عن الحكم كما سبق لهم أن تنازلوا عن دولتهم لصالح الوحدة والوطن ، إن السلطة تدعي حبا بالوطن ولن تكون صادقة في دعواها ما لم تقدم الدليل العملي في ترك السلطة للشعب الذي لم يعد يطيق بقاءها ابتداء من الوظائف الصغرى مرورا بالمناصب السيادية العليا.

إن الادعاء بأن السلطة حصلت على الحكم بثقة الشعب أكذوبة سخيفة تثير الغثيان ، فلو جرت انتخابات حرة ونزيهة لما حصل أي حزب يمني بما في ذلك الحزب الحاكم على أغلبية مطلقة، وهذا ينطبق على انتخابات 1993 حيث حصل المؤتمر الشعبي العام على نسبة 40 في المائة وهي كثيرة عليه بسبب السيطرة على المال والإعلام والجيش وجحافل الأمن والتعصب القبلي والتحريض الديني على الكافرين والملحدين من الحزب الاشتراكي القادم من الجنوب وكأن الآخرين من جحافل الشمال إنما كانوا من المبشرين بالجنة.

إن البلاد تسير بوتيرة عالية من الدحبشة السائدة إلى الصوملة المتوقعة وهي صورة تبدو للعقلاء أكثر قتامة من الدحبشة التي سنتذكرها بشيء من الرضا ، إن تهاوي هيبة الدولة والنظام والقانون سيدفع الناس إلى صراع اجتماعي إجرامي متعدد الصور ومتشعب الجريمة. سنتحارب جماعات تحت راية الله وجماعات تحت راية الوحدة وجماعات تحت راية القبيلة وجماعة تحت راية المذهب وجماعة تحت راية الدفاع عن المصالح الذاتية. ولكي لا نصل إلى ذلك فالوقت لا يزال سانحا أن نلتفت جميعا: سلطة ومعارضة ومجتمع مدني في الشمال والجنوب بجدية إلى خطورة المآلات المفزعة.

يظل الحل المرضي للجميع ونحن نبحث عن مخارج هو رحيل السلطة وتغييرها سلما أو عصيانا شاملا ، وهذا يقتضي على الحراك الجنوبي أن يلعب السياسة بمهارة واحتراف ليتحول من حراك جنوبي يدعو إلى الانفصال إلى حراك يمني يدعو إلى تغيير السلطة ، ومن نتائج التغيير يجب وجوبا قاطعا أن تتضمن نصوص التعديلات الدستورية المتوقعة أن تنتقل العاصمة من صنعاء المحاطة بالقبائل والمعسكرات وفي هضبة مهددة بالجفاف إلى عدن كمدينة رحبة وسيطة أجدر بأن تكون عاصمة مدنية لليمن الجديد، إن نقل العاصمة إلى عدن أحد أبرز شروط الحفاظ على الوحدة اليمنية ولم الشمل والتغيير السياسي بالدفع بالبلاد من دولة الدحبشة والقبيلة إلى الدولة المدنية الحديثة.

إن التعويل بالإبقاء على الوحدة بالوسائل الأمنية والعسكرية سيزيد نفور الناس من الوحدة ولن يكون بوسع هذه الأدوات قتل كل الناس المعترضين على خيارات السلطة المتنافرة مع المجتمع، إذا ما خير الناس بين الحكم القهري والانفصال سيكون الميل لغير صالح الوحدة، لذلك فإن التوازي بين الوحدة بالتراضي والحكم القهري مرفوض بفعل التعسف السلطوي على الإنسان. إن التاريخ والجغرافيا والعقل كلها ضرورات تدفع إلى البحث عن سبل التراضي بين الإنسان والوطن في صيغة مقبولة للانتقال نحو المستقبل.

إن مطلب الانفصال لم يكن هدفا جنوبيا للحراك إنما كان تعبيرا عنيفا في الرفض القاطع للسياسات الخاطئة ولو أدى ذلك إلى الانفصال والتضحية بالوحدة، إن مطلب الانفصال منح الناس الجرأة والتحدي على قول ما كان يستحي الإنسان الوحدوي في الجنوب قوله أمام ضميره لأنه يتعارض مع مبادئه وطموحه. لكن جسارة الأخطاء السياسية وفداحتها دفعت بشذوذ الخطاب إلى الواجهة ليصبح جوهرا لا عرضا ، إن عدم الاستماع إلى الناس والاستخفاف بأوضاعهم والتهوين من أخطاء السياسة بما في ذلك عدم احترام قرارات لجان السلطة ذاتها (تقرير باصرة هلال وتقارير أخرى) جعلت من القبح الانفصالي سلاحا في مواجهة القبح السلطوي ، وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها ، فالسلطة بادرت بالقبح وليس بالتحية فلا ينبغي أن تتوقع الإحسان تجاه قبائح سياستها المتعددة ، فمشكلات المواطن اليومية في المياه والكهرباء وتدهور التعليم وانتشار الأمراض والرشوة والمحسوبية وانتهاك القوانين كلها قبائح سياسية تنتجها السلطة وتؤكد ثبوت قطعي لفشلها وعجزها وهي تصر بكل قبح على الاستمرار في الحكم ، وعلى الناس أن يشكروها على عذاباتها المصبوبة عليهم، ومن لم يفعل فهو خائن وموتور وعدو للوطن ، وبهذا المعيار الخطابي لم يعد هناك وجود للمواطن الصالح سوى في صفوف الحزب الحاكم أما غيرهم فهم في مستنقع الخيانة ويستحقون القتل والسحل والخطف والتعذيب والقتل. لقد وصل حال السلطة من الهوان والتردي إلى قتل مواطنيها واختطافهم وإرهابهم وتهديدهم وإهانتهم وإذلالهم والسخرية منهم ومصادرة حرياتهم وقمعهم ونعتهم بأوصاف مستفزة لا تليق بمواطنتهم بالرغم من أنها تملك وسائل الردع القانونية ابتداء بالقضاء والسجون وهي وسائل العنف الشرعية في مؤسسة الدولة بعيد عن أساليب العصابات والمافيا.

hodaifah@yahoo.com