ولماذا علي محسن الأحمر 2-2
بقلم/ الحاج معروف الوصابي
نشر منذ: 16 سنة و 3 أشهر و 23 يوماً
الثلاثاء 19 أغسطس-آب 2008 08:40 م

 مارب برس - خاص

من المؤكد أن الدخول هنا كمن يلقي بنفسه إلى أمام الضرغام الهائج أو على حقل ألغام معقد التركيب لكنا على كل حال قد عزمنا أمرنا واستعنا بالله وحده تحدونا القضية العامة وحبنا لهذا البلد الذي عاهدنا الله سبحانه أن نكون له وحده بعد أن جردناها نية لله من قبل ومن بعد ، وأعيذ هذا القلم برب الناس أن يعزف يوما على التناقضات الشخصية لصالح أو على طرف بدافع من رغبة مادية دنيئة أو لباعث في الأعماق يقوم على السخط أو الرضا تجاه الأشخاص ، إنما السبيل على الممارسات والسياسات الذي نحسب أن فيها التجاوز وبآلية الحكمة التي تسير خطابا يرتجى منه في اقل الأحوال أن يحقق الحد الأدنى على الأقل أوان يسدد ويقارب ما بلغ.

اتسم الرئيس علي عبدا لله صالح منذ أوائله بذكاء نادر ومختلف عن أقرانه في المنطقة العربية - يسمونه فطري في مقابلة الذين اكتسبوه عن التأهيل المعرفي - رغم تطابق الحكام العرب مع بعضهم في كثير من الجوانب إلا أن جوانبا أخرى فاتهم الصالح و تفوق بها عليهم في كثير من القضايا ذات الشأن الداخلي ، قد تكون البيئة الاجتماعية ذات التخلف المركب عامل مساعد وكذلك الظروف المختلفة ، لكن ديناميكيته العقلية وطبيعته النفسية التي عرف بها منذ درج في الصعود هي أو هما المكون والفاعل الأساس ، ويأتي دور المستشارين - في حال إن قيل عنهم - في مثل التعينات للمفاصل الوسطى وفي الموقف الذي يعبرون فيه عن دهشتهم وعجبهم بكل هذا الإبداع والإعجاز في السياسات والمواقف والقرارات التي يتخذها فخامته ، ثم في استخلاص العبر والدروس والمعجز والممتع والوطني الخالد والقومي العظيم للأمة ومستقبلها من كل ما جاء منه ، إن قرر ، أو خطب ،أو حاور .

وصل فخامته إلى السلطة وقد استعد بحزمة من الأفكار والقرارات كأدوات ومقومات عامة لاستراتيجيا تحكم اتجهت بكلها إلى بناء نظام فردي محكم مسور ومسيج ، ولم تتجه لبناء دولة ذات مؤسسات وميادين لأن هذه الأخيرة ببساطة ضرة تسير في اتجاه معاكس مع مشروع الدولة ، فأما أن يكون المشروع الخاص الذي يتضخم بصاحبه في مقابل أن يضمر ويهزل المشروع العام ، وإما أن يكون الأخير على حساب الأول ، وقد كان أن عبئ الجميع وساروا في هتاف خالد بالروح بالدم نفديك يازعيم ، فشعب بهذه السعة السكانية والامتداد الجغرافي ليس أكرم وأعظم من أمنية له سوى أن يقدم روحه ، ويسفح دمه بين يدي ومرضات سيده، لا أن يفتديه زعيمه ، وتلك هي ثقافة الثورة والعهد السبتمبري التليد الذي قضى على الحكم الفردي الوراثي إلى غير رجعة.

أدرك الصالح ومنذ أول وهلة أهمية القوات المسلحة والمؤسسة الأمنية ، فحوطها وبناها تحت إمرة الأقربين وشيجة ودم ، حتى لا تتمرد أو تقلب عليه في يوم ما كما فعلت بغيره على حد رده للجزيرة ذات لقاء .

ثم ثنى الصالح ببناء القبيلة ذات العصبية وصهرها وهي المواتية في الأصل على الولاء و الحمية فجعلها ذات الحق واليد والنصرة والصيحة ، وإنما الآخرون الساقة ، فجيرها إليه وأتاح لها كلا وما يليه بحسب الطاعة في المنشط والمكره ، وان لا تنابسه في أمر الكرسي بشفه ، فضلا عن المنازعة. 

ثم اعتلى الصالح على صحوة حزب كبير وهو الشعبي العام الذي حمله إلى اليمن كلها بسذاجة وبله وبذات الحدة والصرخة والحمية كقبيلة كبرى دون أدنى شيء من مضامين الوعي السياسي ما عدا الحمية والعصبية الحادة ، وفي ذات المرحلة بني عرش المال بالسيطرة على المؤسسات والمفاصل الاقتصادية وسبل التجارة والاستثمار المختلف بصورة شابكت معها كبار التجار والمستثمرين والمسئول الذي سابق هو الآخر من على مقعده يهتبل فرصة أو يبحث عن ما يعتقده حقا بصورة جعلت من الفساد عملية ممنهجة تسير وفق خطة على ما يبدو حتى صار ثقافة على حد بعض السفراء أو هو ملح التنمية في تعريف المخضرم باجمال ، عند هذه النقطة تداخل الاقتصادي والسياسي في تماهي خطير يصعب الفصل أو تحديد نقطة البداية لخارطة المتاهات ، ومن أثم أصبح المال المتعولم ثقافة واتجاه وهو مقوم آخر في إستراتيجية الصالح .

ثم جاءت الديمقراطية وأحسن استخدامها بحال لم يسبق إليه أي زعيم عربي آخر في الوقت الذي برق فيه الإرهاب كهم إقليمي ودولي

وتصاعد موجات ومسارات المقاومة في المنطقة ذات العصب والنكهة والشعار الإسلامي وقد أحسن الصالح تماما قراءتها منذ مطلعها الأول وأجاد بامتياز التوظيف ، وقد لعب الإعلام منذ أول وهلة دورا كبيرا كحادي للمرحلة على نحو أثبت فيه -الإعلام - انه احد أهم صناع الزعماء والاحداث.

إلى هنا يكون الرئيس الصالح قد استعصم بأكثر من جبل ، وقد حصن نظامه تماما بحصن من ورائه حصن ، من فوقه حصون ومن كل جهاته وتحته حصون ، فلا ثمة ما يقلق وقد تلاشت أو انتهت مراكز القوى التي كانت مثار قلق - خاصة إذا تناغمت مع بعضها - باستثناء من بقي وقد قلعت منها الأنياب والاظافر.، ولعله اجتر أنفاسه بعمق وهامس نفسه بقد جاء الأوان أن يمدد ولا يبالي بعد اليوم.

إلى إن جاءت الانتخابات الرئاسية الأخيرة وكأنها قلبت الموازين وكل الحسابات وقد كانت أشبه منها بالعاصفة أو الإعصار الذي أوشكت أن لا تبقي على شيء ، ورغم انه حيل بينها وبين ما تشتهي بإمكانات الداخل والخارج إلا أنها تركت أكثر من رسالة قرأها النظام أو قل الشعبي العام - إن صح التعبير – ولعل الفكرة التي اختمرت وتبلورت أنه لاثمة قلق من هذا الحراك الشعبي ولو كان الشعب كله ما دامت الأداة التقليدية وهي المؤسستين العسكرية والأمنية باقية في اليد فهي الغالبة في كل الأحوال والمرجحة لميزان القوى تماما ، لكن مكمن القلق أن صحة الأخ الرئيس وفقا لما يتكرر من التقارير غير مواتية وليس بيد أحد أن يحول دون مفاجآت قد تحصل في هذا السياق ، فان حصل وهذا قدر لا مفر منه فان قضية التوريث قد تحول دونها عوائق خطيرة وقد تكون مستحيلة ، فهذا الحراك الشعبي يمتد ويتبلور بحكمة وأشكال وأنساق وقد يتعانق مع اللواء علي محسن الأحمر الرجل القوي المقبول بامتياز لدى كل الأطياف ، فهو من جهة الأب الروحي للمؤسسة العسكرية خاصة الجيلين الأول والثاني ، وهو من جهة أخرى بمثابة شيخ القبيلة في كل اليمن بامتياز ،الأبي الكريم ، وفوق ذلك فهوا لاستراتيجي ،البعيد الغور ،الشد يد العقدة ، المخضرم المتمرس المتمترس ، العصري على أكثر من أفق ومجال ، ولعله تقاسم الحكمة سواء مع الشيخ عبد الله رحمه الله وان زاد عليه با الاستراتيجيا العلمية فضلا عن عوامل أخرى محلها الرجل والحراك العام تضافرت ففجرت القلق وأتت بكل هذه الأحداث الأخيرة .

إن البيئة والمشهد اليوم ومؤهلات الرجل جميعها أوجدت حالة حادة من القلق عند مركز القرار ، ومن المؤكد أن ذلك بالإضافة إلى نصائح وتوصيات أو بأدق وسوسة الدائرة الضيقة المغلقة على القرار من أوصل البلاد إلى هذه الحالة من الاختناق والأزمة الزئبقية التي تحسن التنقل من نقطة إلى أخرى ، ومن ميدان إلى غيره.

والذي أبغيه هنا أن يقف الجميع بمسئولية وروية ورشد تجاه المتغيرات الحاصلة وتلك التي تتجلى في الأفق ، وان يفوت العقلاء على البطانة الموسوسة بالسوء لفخامة الأخ الرئيس ، والتي جعلت كل من عداهم متآمرين ، فقد ظل الارياني على سبيل المثال يباعد بين الرئيس وحلفاءه الإسلاميين والرموز الاجتماعية الأخرى في تكرار ظل يتراكم في اللاشعور حتى إذا ما كانت الانتخابات الرئاسية الأخيرة ودخل الإصلاح بمرشح آخر اقفل الارياني الدائرة بقوله ، الم أكن أقول لك إن أعداءك هم هؤلاء لا غيرهم ؟ وقد نجح ومن معه بامتياز في حصول المفاصلة وكل هذا التباعد ، ثم جاء آخرون غايتهم أن يعيشوا هم المخلصون للقصر ما بقيت في عروقهم دماء فزاحموا المخلصين لهذا الوطن ووصفوهم بنعوت الخيانة والتآمر ..الخ وصولا إلى خوفهم على الامتداد المستقبلي للخلافة بان يجف هنا ويتحول إلى هناك ، وان كل العوائق قد زالت بما فيها الأحزاب باستثناء خطر صاحب الفرقة محل القصيد ،الذي كان وظل ولا يزال الرافعة والجسر والسياج .

لسنا هنا نباعد ، أو نبهت ، أو نزيد في الشحن أو نتزلف إنما الهم العام اكبر ، والتجليات خطيرة ، والقلق يزحم الجميع فنحن في سفينة واحدة فأي خرق هنا أو هناك لن يسلم من سوقه احد .