النيابة العامة بمحافظة شبوة تنفذ حكم الإعدام بحق الحجري. البنك المركزي اليمني يضع سفراء الاتحاد الأوروبي امام تداعيات توقف الصادرات النفطية وتقلبات أسعار الصرف أول رد من الحكومة اليمنية على قرار تصنيف كندا مليشيا الحوثي جماعة إرهابية أول رد من الرئيس أردوغان على العمليات العسكرية في سوريا الكويت تقدم منحة مالية لليمن مخصصة ندوة توعوية بمأرب تناقش مخاطر الدخان وآثاره على الإنسان والبيئة . الرئيس الكوري الجنوبي يعلن حالة الطوارئ العسكرية ويتهم المعارضة بـالسيطرة على البرلمان والتعاطف مع كوريا الشمالية مرض الإيدز يتسع بشكل مخيف .. الفتيات يشكلن 70% من المصابين ما مصير محمد صلاح في ليفربول؟ نادي صامت ولاعب ممتعض بسبب رحيله عن مانشستر يونايتد.. فان نيستلروي يشعر بخيبة أمل
مأرب برس - خاص
المكان، شقة تقع بالدور الأرضي في شارع خلفي تبلغه عن طريق إحدى تفرعات شارع "مُصدّق" بالدقي، كُتب على يافطة متوسطة الحجم معلقة بجانب الباب الذي يقابلك حين "تَهِم" بالنفاذ إليه ـ وقليلٌ ما تهم نتيجة لسوء أوضاع المركز ـ "مركز الشباب اليمني"، وتحت اسم المركز، وببنط أصغر، يترنح العنوان.. الباب يفضي بك إلى صالة لا تزيد عن عشرة في أربعة أمتار، تتراص فيها كراسي خشبية قديمة لن ترى ما يشبهها إلا فيما حفظه أرشيف السينما المصرية من ثلاثينيات أو أربعينيات القرن الماضي عندما يصور لنا مشهداً في قهوة شعبية، أو في تقرير لمراسل الجزيرة عن مدرسة بلا سقوف، وجدرانها غير مكسوة بالاسمنت في إحدى القرى الأفريقية الأكثر نئياً في العالم!
كانت هذه الصالة هي المكان المناسب الذي اعتادت ملحقيتنا الثقافية أن تخصصه لكل اللجان التي تأتي من الداخل للالتقاء بالطلبة والاستماع لهمومهم ومشاكلهم( كما يُقال).. ومع علم الملحق الثقافي (عبد الحكيم الفسيّل) بعدد الطلاب اليمنيين المبتعثين إلى مصر والذين يتجاوز عددهم الألف طالب ( وقد أشار إلى ذلك لاحقاً ـ قبل أن يتلو الورقة المتضمنة مطالب تقدم بها الطلاب الحاضرون ووقعوا عليها ـ بغرض التهوين من عدد الحاضرين وبالتالي فقدان الورقة لشرعيتها ـ كما أحسستُ منه، وأتمنى ألا يكون هذا الإحساس في محله!).. مع علمه بعدد المبتعثين في مصر، لا نعلم سبباً كون هذا المكان الضيق الذي لا يتسع لأكثر من خمسين شخص على طريقة الباصات القديمة مكاناً مناسباً للاجتماع كما تردد الملحقية دوماً..
على العموم، احتشد الطلاب في هذه الصالة.. في مؤخرتها خلف الكراسي، وعند الباب، وفي الممر الضيق بين الكراسي الذي يصل الباب بالمنصة المعدة للضيوف، وفي الفتحات الجانبية التي تؤدي إلى الغرف والحمامات الداخلية!.. جلس جزء منهم ـ من أتى باكراً ـ على الكراسي، إضافة إلى بضع طالبات جلسن في المقدمة، بينما تكدس بقية الطلاب في الأماكن التي ذكرتها آنفاً..
ما شدني هذه المرة، كان نسبة الحضور الكبيرة مقارنة مع لقاءات سابقة مشابهة (أهمها مع وزير الشباب والرياضة)، إضافة إلى التزام الطلاب بالوقت المحدد للحضور، وربما يكون لأهمية اللجنة هذه المرة ـ من الناحية العملية ـ سبباً في هذه الاحتشاد والحضور في الوقت المحدد.. لكن الفرحة عادةً لا تكتمل، فاللجنة البرلمانية لم تحضر إلا بعد مضي أكثر من ساعة ونصف الساعة على الساعة السادسة مساء من الموعد المقرر للقاء!.. كان حضورها المتأخر ـ وهي تمثل أعلى سلطة تشريعية في البلد ـ رداً على سؤالٍ ظل يشاغلني عن السبب وراء "إمتطاط" وقت المشاريع في اليمن بشكل يثير الاستغراب، فالمشروع الذي يتطلب شهراً لتنفيذه يمتد إلى سنوات عديدة (وكما لا يُخفى عليكم أن أغلبها لا يُنفذ)!..
بدأ اللقاء بكلمة ترحيبية للملحق الثقافي، كانت الكلمة حذرة ولا تخلو من الارتباك بعد الشكاوى المتكررة التي رفعها الطلاب إلى الداخل من سوء تعامل الملحق معهم، تبعتها كلمات قصيرة لأعضاء اللجنة البرلمانية (د. سالم الجنيدي، وصادق البعداني، وعبد الرحمن معزب) أكدوا فيها على أهمية التعليم الأكاديمي، ودوره في تنمية اليمن باعتبار الكادر البشري أهم ثروة للوطن، إضافة إلى تأكدهم من سلامة عمل الملحقيات، والسماع لهموم الطلاب ومشاكلهم حتى يستطيعوا أن يُوجِدوا ظروف مناسبة لتعلم إخوانهم وأبنائهم المبتعثين ـ على حد تعبيرهم، ولم يخفوا أمنيتهم أن تكون قاعة اللقاء أكبر من هذه القاعة!.. وعندما ردد البعداني بيت الزبيري الذي يقول: (لا يرتقى شعب إلى أوج العلا ما لم يكن بانوه من أبناءه)، طرأ تساؤل غريب إلى ذهني: هل كان الزبيري يعاني مما نعاني منه الآن أثناء دراسته في مصر وباكستان في عهد الحكم الإمامي!..
بعد انتهاء كلمات أعضاء اللجنة البرلمانية التي كانت مختصرة جداً، أمسك الملحق الثقافي بالورقة المقدمة من الطلاب، والمتضمنة مطالبهم ليتلوها. بدأت الورقة بالترحيب في اللجنة البرلمانية ـ الوزارية(ضمنت اللجنة مندوبين عن وزارة التعليم العالي والمالية) والتمني لهم بطيب الإقامة، ثم دلفت إلى المطالب التي تلخصت ـ كما تلاها الملحق ـ في: زيادة المنحة المالية لجميع الطلاب بنسبة إلـ 30% ( فصاح الحاضرون: الورقة مكتوب بها زيادة 50% على الأقل، ليش المغالطة!..)، تابع الملحق القراءة ( بعد تصحيح الرقم دون الشعور بالذنب أو الحرج لمغالطته، بل كان متحمساً للدفاع عن رقمه!): مساواة مبتعثي التعليم العالي والجهات الحكومية الأخرى بموفدي الجامعات من حيث: المنحة المالية، وبدل الطباعة، وبدل الكتب، وتذاكر السفر للطالب وأسرته، تطبيق الفقرة 2 من المادة (42) من قانون البعثات والمنح الدراسية رقم (19) لسنة 2003م، والخاصة بالرعاية الصحية للموفدين، اعتماد 200 كجم وزن زائد لدى الخطوط الجوية اليمنية لكل طالب خريج بدل الـ 70 كجم، إعفاء الطلاب من الرسوم المفروضة عند تعميد أوراقهم وأوراق أبنائهم لدى القنصلية بالسفارة، حل جميع المشاكل العالقة الخاصة ببـعض الطلاب سواء مع جهات الإيفاد في الداخل أو مع المؤسسات الأكاديمية المصرية أو مع الملحقية الثقافية، إيجادُ محامٍ بالسفارة اليمنية بالقاهرة، وتوفير الدعم اللازم له لتكون مهمته الرئيسية متابعة القضايا و المشكلات التي تواجه الطلاب اليمنيين وتمثيلهم القانوني والدفاع عنهم أمام جهات الاختصاص.
انتهى الملحق من قراءة الورقة المقدمة، ثم أشار إلى بدء مداخلات الطلاب ـ دكتوراة، ماجستير وبكالوريوس ـ التي تعددت كـ"كم"، بينما دار مضمونها بشكل أو آخر حول المطالب التي تضمنتها الورقة عدا بعض الاقتراحات والشكاوى. تمنت الاقتراحات أن تُعيد الحكومة سياسة الابتعاث في التخصصات العلمية لتكون الوجهة صوب دول غرب أوربا أو أمريكا الشمالية بدل مصر التي لم تعد حتى الأولى على مستوى الوطن العربي في مثل هذه التخصصات، وأيضاً، إقامة المكتبات والأنشطة الثقافية لرفع الرصيد الثقافي عند الطالب المبتعث.. أشتكى البعض ـ من طلبة الماجستير والدكتوراة ـ من ضياع سنة بكاملها بعد اجتيازهم للامتحانات التمهيدية بنجاح، لكن نتيجة عدم دفعهم للرسوم المستحقة للجامعة، تم منعهم من التسجيل والبدء في سنة جديدة، وبعضهم أشتكى من عدم تمكنه من خوض الامتحانات لمواد بعينها نظراً لعجزه عن دفع رسوم كل المواد، بينما اشتكت الطالبات من صعوبة إيجاد السكن.. كما كانت المفاجأة لنا كبيرة حين نفت اللجنة البرلمانية علمها بخبر فقدان الطالب اليمني أيمن أحمد سعيد الذي اختفى قبل أكثر من عام، وقد كتبت عن قضيته كثير من الصحف والمواقع اليمنية والمصرية، كما قدم والده مناشدات عديدة للسفارة اليمنية في القاهرة ولوزارة الخارجية ولمجلس النواب ولمنظمات حقوق الإنسان الدولية، و أشار أحد الأخوة الدارسين إلى أن هناك ملف كامل بمجلس النواب مخصص لهذه القضية.. ومع كل التوضيحات والتوصيفات التي قدمها الطلاب للجنة حول القضية، تابعت الأخيرة إصرارها بعدم معرفتها بشيء عن قضية الطالب المفقود بين أقسام الشرطة المصرية.
لن أناقش هنا قضية الزميل أيمن، فلأيمن ربٌ يحميه (بالتأكيد ليست سفارتنا ولا حكومتنا!)، ولنتابع الحديث عن مشاكلنا الأخرى التي ـ باعتقادي ـ سوف تستمر في التفاقم، خصوصاً وأن أهم مشكلة يعاني منها الطلاب هي المشكلة المالية، والحلول التي تنفذها الوزارة بطيئة جداً و عشوائية تعتمد على تقديرات شخصية من قبل الوزير أو المسئول المالي مثلاً عند اعتماد نسبة الزيادة لكل دولة، لا عن دراسة لأوضاع البلد المبتعث إليه ( فعلى سبيل المثال في مصر، كانت هناك زيادتين في السنتين الماضية من 240 دولار في الشهر إلى 290 دولار ثم حالياً 355 دولار، دون أن يحلا المشكلة).. والسبب في مصر أن هناك عوامل أخرى أدت إلى ارتفاع الأسعار بجانب موجة الغلاء العالمية.. فالانتقال إلى السوق الحر الذي تقفز نحوه الحكومة المصرية مؤخراً، ورفع الدعم عن المواد، جعل التضخم يسير بخط أخر غير التعريف المعتاد له بأنه الارتفاع المتزايد في أسعار السلع الاستهلاكية كل سنة عن السنة الماضية، بل صارت المواد الاستهلاكية تزيد كل شهر عن الشهر الفائت!.. أيضا، الارتفاع الجنوني في إيجارات الشقق خصوصاً بعد حرب حزيران 2006م في لبنان وما خلفته من أوضاع سياسية متردية إلى الآن، جعل السياح والطلاب الخليجيين يتدافعون صوب مصر بإعداد تفوق بكثير ما كان عليه الوضع قبل الأزمة اللبنانية، والذين لا يتوانون ـ أعني الخليجيين ـ عن دفع أي مبلغ مقابل إيجار شقة ما!.. إضافة إلى مشكلة استمرار تدهور الدولار أمام العملات الأخرى، والجنية المصرية خصوصا.. وقد قرأت أخباراً في الصحف المصرية الحكومية أن الحكومة المصرية تعتزم تثبيت الدولار عند 3.5 (ثلاثة ونصف) جنية بدل الـ 5.5(خمسة ونصف) جنية سعره الحالي دون أن تشير إلى معالجة ما لارتفاع الأسعار نتيجة ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنية المصر في السنوات الماضية.. وهو ما يعد كارثة بكل المقاييس لو حدث هذا الأمر، ولن تنفع معه الزيادة ولو كانت بنسبة 200%!
لكن يبدو أن الحكومة لا تريد أن تحل مشاكل الطلاب، ولا أي مشاكل أخرى، وإن حلتها فهي تحلها على مضض وبعد فوات الأوان! فهناك مثلاً مشكلات بسيطة لا تحتاج إلى الكثير من الإجراءات لكي يتم تنفيذها، وستحل نسبياً أهم مشكلة يعاني منها الطلاب في تأخر صرف رواتبهم من ربع لآخر ( يتم صرف رواتب الطلاب بنظام الربع، والربع يتكون من ثلاثة أشهر) كاعتماد "الفيزا كارد" بدل المعاملات الروتينية بين وزارة المالية والتعليم العالي والملحقيات في الخارج ثم الملحقيات والبنوك التي يتم التعامل معها من قبل السفارات لصرف المرتبات للطلاب، هذه المعاملات التي تأخذ مدة تتجاوز النصف الشهر ( قبل سنتين كنا نستلم الربع في تأريخ عشرة إلى خمسة عشر من الشهر، والآن انتهى الشهر ولم نستلمه بعد، وسيفوتنا أهم حدث ثقافي في مصر المتمثل بمعرض القاهرة الدولي للكتاب، المعرض الأضخم في الشرق الأوسط).. مع بساطة هذا الإجراء؛ وقد تم تطبيق نظام مشابه (التحويل المباشر إلى رصيد شخصي للطالب في البنك) في الأردن، لكن عن طريق الملحقية وليس عن طريق الوزارة ـ والذي لا يستدعي موافقة مجلس النواب أو انعقاد الحكومة بكاملها لإقراره.. يبدو أن وزارة المالية والتعليم العالي لا تريدان أن تحلا هذا المشكلة، وهي أوفر ـ مادياً ـ على الوزارة من الإجراءات الروتينية العادية. ولا نعلم سبباً لمثل هذا التلكؤ، غير أننا نسمع عن مبالغ كبيرة يكسبها القائمون على الملحقيات من استمرار مثل هذا المعاملات!
كان أكبر ما يؤكد تلكؤ الحكومة بوزارتها المختلفة عن حل مشاكل الطلاب يتمثل في الاتهامات المتبادلة بين مندوبي الوزارتين (التعليم العالي والمالية) الذين تحدثوا في اللقاء بعد انتهاء مداخلات الطلاب بطلب من اللجنة البرلمانية لغرض توضيح بعض الإشكاليات، أبرزها تأخير صرف الربع.. فمندوب وزارة التعليم العالي يتهم المالية بالتلكؤ في صرف الرواتب بعد تقديم لهم كل الأوراق القانونية اللازمة بوقت مبكر، بينما رد مندوب المالية أن التأخير يتم في وزارة التعليم العالي، وأن المرتبات قد أصبحت بحوزة الأخيرة منذ وقت مبكر..
كانت هذه النهاية صادمة لنا بعد تجاوز الساعة الحادية عشر مساء، فبالرغم من ثقل اللجنة البرلمانية المشكلة بالنظر في همومنا ومشاكلنا، أصبحنا نحن من يستمع لهموم الحكومة دون أن تحرك اللجنة ساكناً حيال تبادل الاتهامات، وكأن المندوبين يقولون لنا: أطمئنوا.. لن نفعل شيئاً كالعادة!
انفض اللقاء، ثم نزحنا فاقدي الأمل إلى الشارع، أحسستُ ببردٍ قارس فأدخلت أطراف يدي في جيبي الجاكيت الجانبيين، عرفت بعدها سببا لإصرار الملحقية على الالتقاء بنا في هذه المكان الضيق، فالتكدس قد بعث الدفء، والملحقية تخاف علينا ـ بالطبع ـ من البرد!!!