العاصفة التي هزت شموخ الإصلاح
بقلم/ عارف علي العمري
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 20 يوماً
الثلاثاء 22 مايو 2007 01:48 م

مأرب برس - خاص

تلوح الفتن, وتشتد الأزمات, وتبلغ المماحكة السياسية ذروتها بين الحاكم والمعارضة, لكن الرئيس يظل يحتفظ بخيوطه ذات الصلة الوثيقة بالقيادات ذات العيار الثقيل في المعارضة, يستخدمها متى ما شاء ككروت سياسية, بحسب تعبير الرئيس في حوار مع قناة الجزيرة أجراه معه احمد منصور في برنامج بلا حدود في الانتخابات الرئاسية الماضية, يوظفها لمصلحة سياسته ويعتبر تلك الخيوط نوع من أنواع اللعب على رؤؤس الثعابين, التي يجيد البرع والرقص فوقها .

مصالح متبادلة وعلاقات وثيقة

في الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي جرت المنافسة فيها بين مرشح المعارضة فيصل بن شملان ومرشح الحزب الحاكم على عبد الله صالح, والتي كان البعض من المراقبين لا يرى في فيصل بن شملان سوى أداة لصراع خفي بين قبطي حاشد, حاشد الكبرى متمثلة برجل المال حميد الأحمر, وحاشد الصغرى ( سنحان ) متمثلة بالرئيس صالح, وحين كانت المعارضة قاب قوسين أو أدنى من نجاح مرشحها, و ساحات المهرجانات تكتظ بمئات الآلاف من اليمنيين المناصرين للمعارضة والمتطلعين إلى التغيير بجدية وتفاؤل نحو ما يحمله المستقبل, في حال نجاح مرشح المشترك, جاءت كلمات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر التي أرسل بها من داخل بلاد الحرمين, والتي تتضمن وقوف صريحاً من الشيخ بجوار الرئيس, وتقول في مضمونها, أن الرئيس هو مرشحه الوحيد, جاءت هذه الكلمات لترفع من رصيد الرئيس صالح في حصد اكبر عدد من أصوات الناخبين, وتخفف من الثقل الجماهيري الذي اكتسبته المعارضة في مهرجاناتها الانتخابية,وبالتالي كانت كلمات الشيخ مزعجة للمعارضة , مقلقة للأبناء المتحمسين لنجاح شملان, معكرةٌ لصفوا التنافس, جاءت هذه التصريح بعد أن استطاع الشيخ الأحمر أن يمسك بمنتصف العصا, بين حزبه من جهة وحليفة التاريخي من جهة أخرى, فهو أعلن أن موقفه شخصي وليس ملزم للاصلاح, في حين كان الرئيس يأمل أن يضغط الأحمر على حزبه للتخلي عن فصل بن شملان, جاءت هذه التصريحات لتحرج ابنه حميد أمام حزبه, وتثير كثير من أسئلة الاستفهام حول العلاقة الحقيقية بين الشيخ والرئيس صالح, وان كان البعض يرى أنها علاقة حاشد الكبرى بحاشد الصغرى, وعلاقة أسرة الشيخ بأسرة الرئيس, لكن وقوف الشيخ الأحمر إلى جانب الرئيس لم يكن وقوفاً عابراً بل كان وقوفاً مدفوع الأجر يرمي الشيخ من ورائه إلى أشياء تخفى على كاتب السطور وقارئها على حد سواء.

في الجانب الأخر, كان الرئيس حريصاً على كسب ود الشيخ الزنداني وإدخاله في زاوية محرجة أمام حزبه, وبالتالي استخدامه كورقة سياسية, في معركته مع حزب الإصلاح , وظهر ذلك جلياً من خلال زيارتين متتاليتين قام بهما الرئيس إلى جامعة الإيمان, واتى موقف الشيخ الزنداني غامضاً من مرشح المشترك, ومراوغاً بالنسبة لمرشح المؤتمر, وانعكس ذلك على مئات الآلاف من اليمنيين الذين يرون في الشيخ مثل أعلى حتى في أمور السياسة , وتأثر بموقف الشيخ الآلاف من طلاب جامعة الإيمان, و كان لاستخدام الشيخين في العملية الانتخابية, اكبر الأثر في افتقاد المصداقية لدى الشعب في جدية حزب الإصلاح, لكن لم يكن الشيخ الزنداني ليترك حزبه بهذه السهولة, بل كانت هناك حوافز ومكاسب سياسية استطاع الشيخ الزنداني تحقيقها من خلال زيارة الرئيس له إلى الجامعة, فزيارة الرئيس سدة الطريق أمام بعض الكتاب المؤتمريون الذين صوبوا سهامهم نحو جامعة الإيمان, وبالتالي استطاع الشيخ أن يكسب ثناء هام من الرئيس يبرر به موقف أمريكا منه حين قال الرئيس ( جامعة الإيمان ليست وكراً من أوكار الإرهاب, بل هي معسكر من معسكرات الثورة والجمهورية ) .

انتهت الانتخابات وأسدل ستارها على تجربة, لم يفكر فيها اليمنيون إلا في حقن الدماء, لكنها لم تنتهي أثارها سياسياً,فلا زالت تصريحات حميد النارية ,التي ازعجة البعض لم تنتهي بعد, وكان الاغبياء من قيادات الحزب الحاكم يرى انه لم يعد في يد الشيخ عبد الله ما يجعلهم يلتفتون له في المستقبل, فشنوا نيرانهم نحو نجليه , وتم المطالبة حينها بسحب حصانة رجل السياسة والمال ( حميد الأحمر) وتم تفتيش حقائبه في مطار صنعاء, وشنت عليه الصحافة المؤتمرية,حملة وصفة من قبل البعض حينها بالظالمة, ونال الشيخ حسين الأحمر ما نال أخيه, واتهم بالخيانة والعمالة لليبيا ضد مصلحة الوطن, وتم إيقافه في مطار القاهرة, وعدم السماح له بالدخول إلى مصر. وبرزت الكثير من الأقلام التي تقول بان علاقة الإصلاح بالشيخ قد انتهت, فاتي مؤتمر الإصلاح الرابع ليعيد انتخاب الشيخ الأحمر رئيس لهيئته العليا, لتتبدد سحب العتمة الانتخابية, وتتلاشى أمال أولئك الذين كانوا يعتقدون أن الإصلاح والأحمر قد تفارقا إلى غير رجعة .

داعي القبيلة ... وصرخات الدين

جاءت حرب صعدة, ولم يكن القادة وصناع القرار, يحسبون أي حساب أخر سوى حسم المعركة وإنهاء التمرد بقوة السلاح, لكن وبعد أن بداءت القوة العسكرية في التراجع, وتأخر موعد الحسم لا أكثر من أربعة أشهر, وتعاظم نفوذ الحوثيون يوماً بعد أخر, وإحكام سيطرتهم على كثير من مناطق صعدة, بداءت القيادات تفكر في أسلوب آخر وعلاج انجح, علاج لم تلتفت له منذ البداية, فرأى صناع القرار بعد حرب طويلة أن يتم إقحام الشيخين في هذه الحرب بوجه أو بأخر, فبادر الرئيس إلى الضغط على الشيخ الأحمر لتدخل في هذه الحرب, بغض النظر عن نية الرئيس من وراء ذلك, فأرسل الشيخ برسالته القبلية إلى أبناء صعدة, التي فشلت في بلوغ مرامها الذي قصده الشيخ الأحمر, وكان الرد من أبناء صعدة هو أن يقوم الشيخ بتوقيف الحملات العسكرية على بلدانهم, وهذا ما لا يطيقه الشيخ , وأصبح موقف الشيخ هذا محرج لحزبه أمام شركائه في المعارضة, ولاقى استياء من بعض أحزاب المعارضة.

بعد أن عاد داعي القبيلة لا يجدي شيء اتجه الرئيس مرة أخرى ميمماً وجهه شطر جامعة الإيمان, ورئيسها الزنداني فاستجاب الزنداني لما يريده ولي الأمر, والقاء خطبة له في القصر الجمهوري , استعرض فيها الأحداث التي تمر بها الأمة العربية ومن ضمنها أحداث صعدة, دون التركيز عليها بشكل كبير, لكن إعلام السلطة لم يركز إلا على مقتطفات قضية صعدة , صرخات الزنداني هذه والتي نادي فيها بحقن الدماء من فوق منبر القصر الجمهوري هي الأخرى لم تجدي شيئاً, ولم تخفف من وقع الرصاصات الغادرة فوق جلود العسكريين .

نهاية المطاف

 بعد ذلك كله اتجه الرئيس إلى طريقة أخرى, يجمع فيها بين الشيخين ويوحي للآخرين بقوة العلاقة التي تجمعه بهما, فقرر أن يلقي كلمة في مؤتمر علماء اليوم وبجانبيه كلاً من الأحمر والزنداني, والمشاهد للمؤتمر يرى أن صورة الشيخ توحي بالإرهاق الكبير الذي يبدوا على قسمات وجهه من اثر المرض الذي يعانيه, وانه لم يكن حضوره اختيارياً أكثر منه إحراجاً, ولم يكتفي الحاكم بهذا, بل إن إعلام السلطة روج بان الوساطة من العلماء قد وصلت إلى صعدة وفي مقدمتها الشيخ الزنداني وهو ما نفاه المكتب الإعلامي للشيخ بعد ذلك .

والمتتبع لعلاقة الشيخين بالرئيس يرى أن ما يجمعهما أكثر مما يفرقهما, وان كان العلاقة في ظاهرها تبادل للمنافع, ورد للجميل الذي يحرص كل طرف على تقديمه للأخر, وبين هذا وذاك يظل الرئيس هو الأقدر على استمالة رضاهم, بينما يظل حزبهم عاجزاً عن إقناعهم بعدم جدوى الوقوف في صف يرون في بقائه شرعية لاستمرار نزيف المال العام, وانتشار شريان الفساد في مرافق الدولة .