آخر الاخبار

مليشيات الحوثي تُدرج مادة دراسية طائفية في الجامعات الخاصة. اللواء سلطان العرادة: القيادة السياسية تسعى لتعزيز حضور الدولة ومؤسساتها المختلفة نائب وزير التربية يتفقد سير اختبارات الفصل الدراسي الأول بمحافظة مأرب. تقرير : فساد مدير مكتب الصناعة والتجارة بمحافظة إب.. هامور يدمر الاقتصاد المحلي ويدفع التجار نحو هاوية الإفلاس مصدر حكومي: رئاسة الوزراء ملتزمة بقرار نقل السلطة وليس لديها أي معارك جانبية او خلافات مع المستويات القيادية وزير الداخلية يحيل مدير الأحوال المدنية بعدن للتحقيق بسبب تورطه بإصدار بطائق شخصية لجنسيات اجنبية والمجلس الانتقالي يعترض إدارة العمليات العسكرية تحقق انتصارات واسعة باتجاه مدينة حماةو القوات الروسية تبدا الانسحاب المعارضة في كوريا الجنوبية تبدأ إجراءات لعزل رئيس الدولة أبعاد التقارب السعودي الإيراني على اليمن .. تقرير بريطاني يناقش أبعاد الصراع المتطور الأمم المتحدة تكشف عن عدد المليارات التي تحتاجها لدعم خطتها الإنسانية في اليمن للعام 2025

وجع الحقيقة
بقلم/ أمين اليافعي
نشر منذ: 16 سنة و 9 أشهر و 3 أيام
السبت 01 مارس - آذار 2008 03:39 م

مأرب برس - خاص

منذ دعوة الفيلسوف الألماني الشهير "نيتشه" إلى الاعتقاد بأن "الله قد مات"، سارت أهم المدارس الفلسفية والفكرية ـ التي صاغت اللبنات الأساسية للحياة في أوروبا الحديثة ـ على وحي هذه الدعوة. وكان نيتشه ملهماً كبيراً لأغلب الفلاسفة والمفكرين اللاحقين له كما يقول الناقد "جون كروشانك" في كتابه "البير كامي وأدب التمرد"، وهو ما يعني ـ بهذه الدعوة ـ أن القيم المطلقة التي كانت بمثابة الوسيط بين الله والإنسان قد ماتت.. وكانت إحدى المشكلات ـ يضيف كروشانك ـ التي واجهت جيل ما بعد نظرية "موت الله" هي خلق قيم جديدة في عالم متناقض، دون بعث الحياة ـ في الوقت ذاته ـ في إله ينظرون إليه على أنه الإله الذي بارك هذه القيم مباركة مطلقة، أو الذي جسد شخصه مبدأ التوافق والترابط!

ونظراً للفراغ القيّمي الذي خلفته هذه الدعوة، سعت المدارس الفلسفية والفكرية في أوروبا لملئه.. لكن أهم ما رست عليه في الأخير ـ ولا يخلو "الرسو" من التأثيرات السياسية والاقتصادية ـ على قيمة "الحرية" كقيمة مطلقة ( قد تنزل ـ عند القليل من الغربيين ـ إلى النسبية، لكنها مثلت للأغلبية ـ خصوصاً راسمي اتجاهات ومسارات شعوب أوروبا ـ الإله الجديد).. وذلك كون "الحرية" كقيمة مطلقة عبرت عن مطلبين ملحين اتفقت عليهما النخبة: تكريس مركزية الفرد، وقطع الطريق أمام بعث الحياة في الإله القديم حتى لا تعود القيم المطلقة على حد تعبير كروشانك..

يمكننا القول أنه و بهذه المقدمة نستطيع الولوج إلى التساؤل الملّح والمتعلق بمدى استيعابنا – كمسلمين - لفكرة أن تتساقط كل القيم والمقدسات التقليدية تحت وطء أقدام قيمة ما، لتصبح هذه الأخيرة الإله البديل لمجتمع من المجتمعات؟.. وعن هذه القيمة تتناسل كل سلوكيات ورؤى أفراد المجتمع دون أن يقبل عليها أي مساومات أخلاقية تحت لافتات عديدة كالتهذيب والتقنين ووو..!

ولو أسقطنا هذا التساؤل على الدعوات الإسلامية الموجهة للغرب العلماني( الزاحف بقوة نحو التيارات اليمنية المتشددة) بغرض الحوار معه، وإيجاد أرضية مشتركة لهذه الحوار حتى نمنع تفجر قضايا تتعلق بالإساءة للمقدسات الدينية مثل قضية الرسوم ، وتكون هذه الأرضية على قاعدة تقنيننا الأخلاقي للحرية التي تفترض أن لها حداً قيمي ما يجب أن تقف عند أعتابه!.. لأدركنا حجم ما نقع به من خلط وعدم تمييز بين المجتمع الغربي ـ الجاهلون بحركته التاريخية ومسار تطورها، وبين المستغربين المسلمين ـ كالتيارات العلمانية ـ ممن يعيشون بيننا، ونعتبرهم صورة طبق الأصل عن الغرب ، وتعودنا أن نقيم معهم المناقشات والمشاحنات، ونحتكم معهم دائماً في ذلك إلى قيمة أخلاقية مطلقة.. ويكمن عدم التمييز ـ كما يذهب المفكر الكبير عبد الوهاب المسيري ـ في كون العلمانيون المسلمون لديهم إيمان بالقيم الأخلاقية المطلقة بعكس علمانية الغرب التي لا تؤمن بوجود أي قيمة تنبع عن أساس أخلاقي!.. وعادة ما تصدمنا ردة فعل الغرب (أخرهم وزير الداخلية الألماني فولغانغ شويبله) تجاه سعينا الحثيث للحوار معهم، ورفضهم لأرضيتنا المشتركة التي تقوم على تقييد إلههم الجديد (الحرية) بقيم أخلاقية معينة!!

هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، نفتقر إلى امتلاكنا لأدوات ثقافية وسياسية واقتصادية خلاّقة ورشيدة تستطيع أن تبرز الجوهر الجميل للإنسان المسلم بعيداً عن صورة المتعجرف التسلطي، زير النساء، الإرهابي الذي أصبحنا نشاهده كماركة مسجلة باسمه على شاشات مؤسسة ترويجية ضخمة كـ"هوليود"!

في ذات الوقت، فإن المؤسسات التي نصّبت نفسها وصيّاً للقيام بمهمة الدفاع عن الرسول، ودحض كل الافتراءات المسيئة للإسلام، وتحسين صورة المسلم عند الغرب.. كانت كالذي أراد أن يكحلها، فأعماها!.

فالحكومات الإسلامية التي كانت أحد الأوصياء في مرحلة مبكرة من نشر الرسوم، وقومت الدنيا ولم تقعدها حينها، لاذت بالصمت هذه المرة بعد خلو الأجواء من تهديدات أمريكية بشأن قضية الإصلاحات!.. وسارت هذا الحكومات على الخط السابق من تكريس الصورة السيئة عن المسلمين في تضييقها للحريات، ومصادرة الرأي الآخر، وقتل المعارضين البارزين، وتزييف إرادة الشعوب وقمعها!.. بينما فزّت المؤسسات الدينية ـ الوصي الآخر ـ للقيام بمهمة الدفاع عن طريق ملايين الفتاوى، وشمرت عن سواعدها لتعريف المجتمعات الأخرى بفضائل المسلمين لمنع تكرار الإساءة، وهرع آلاف المشائخ لتقدم الصفوف، وأفكارهم ما زالت بحلتها القديمة المتحجرة في ماضي سحيق والتي ترفض الآخر كلياً، ظانين أن من سيحادثهم لا يختلفون ـ ربما بالشكل ـ عن الحاضرين لهم خطبة الجمة أو الجالسين إلى حلقاتهم التي يعقدونها عقب كل صلاة! ( لا أستطيع أن استوعب كيف لملتقى انبثق عن مؤسسة كـ"جامعة الإيمان" القيام بمهمة التعريف بالإسلام الحقيقي، وتحسين صورة المسلمين عند الغرب وهي مدرجة لديهم في قائمة المؤسسات الإرهابية، وبعض قادتها كانوا على اتصال حميم مع زعيم القائدة!.. بل ولا يقف الأمر عند هذا الحد فحسب، فهذه المؤسسات تثير الرعب في أوساط المسلمين أنفسهم بنهجها الثيوقراطي، وسلوكها الإقصائي العنيف!.. ولا تزال حادثة اغتيال جار الله عمر ( وآخرين ممن اختلفوا معها في الرأي بينما كانوا يؤدون الفروض الخمسة في جامعٍ واحد!!) حاضرة بقوة في الأذهان، فكيف بالآخر الذي لا يؤمن بالله؟!!).. أما الشارع العربي فكان له نصيب في تكريس الصورة السيئة بمظاهراته "الشغبية"، وتخريب ممتلكاته العامة والخاصة والتي لا تمت بصلة إلى من نشر الرسوم!!..

سيتساءل البعض: وأين يكمن الحل إذن؟ خصوصاً بعد فشل مشروع المقاطعة للحيلولة دون إعادة النشر، والأوراق القوية ـ كالمصالح الاقتصادية ـ التي بحوزتنا لا نستطيع أن نكوّن من خلالها قوة ضغط كبيرة تحول دون الإساءة إلى مقدساتنا كما فعلت إسرائيل بمطرقة "معاداة السامية"!.. والحل يكمن ـ حسب اعتقادي ـ في ما نحاول دائماً أن نتحاشاه، ونخفيه خلف تذرعات عديدة. فالرسوم لا اعتبرها إساءة لشخص الرسول ذاته، فالله قد كفاه المستهزئين ("إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) الحِجْر آية 95 .

كما أنني لا ألغي اللوم على ناشري الرسوم (رغم المسئولية الأخلاقية)، فلم بصلهم عنا شيء سوى عمامة محشوّة بالمتفجرات !.. لكن اللوم كل اللوم يقع على عاتق المسلمين وحدهم، لتقاعسهم عن الفعل الحضاري، ولسكوتهم عن اختزال سلوكياتهم في مجموعة أفعال تقوم بها الجماعات الإرهابية.. واعتقد كما علمتنا القاعدة القرآنية " وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ " الأنعام آية 108، بالمثل يكون، ولا تسيئوا في سلوكياتكم، فيسيء الآخرون إلى الله ومقدساتكم بغير علمٍ!.. فمقدساتنا ورموزنا لا يراها الآخر مثلما نراها نحن، ولا ننتظر منه أن يتعامل معها بالطريقة التي نراها تليق بمكانتها.. ولكنه سوف يستشف هذه الرموز، ويدرك مدى قدسيتها، ومكانتها اللائقة عن طريق تصرفاتنا الراهنة، خصوصاً مع غياب أي وسائل ترويجية ضخمة (كالوسائل الإسرائيلية على سبيل المثال) تحول دون اختزالنا في قالب سلبي معين ينسب نفسه، ويدعي زوراً أنه الوجه الأوحد للإسلام..

إذن، فالحل يكمن ـ بعد النقد الذاتي لغرض الإصلاح ـ في تبني مؤسسات ثقافية واقتصادية وسياسية ورياضية ضخمة لا تقف فقط عند حدود تجميل الصورة فحسب، بل تسعى إلى صناعة الصورة المثالية في عصر صناعة الصورة كما تفعل كل الدول المتقدمة والتي ليست بحاجة كبيرة للتجميل.. وأعتقد أنه لدينا نماذج فردية كثيرة يمكن أن تقتدي بخطاها هذه المؤسسات لإزاحة أي قالب سلبي مُسبق طُبِع عنّا في إذهان الآخرين، كأحمد زويل، ومهاتير محمد، ونجيب محفوظ، ومجدي يعقوب، وزين الدين زيدان (بدون النطحة!) وغيرهم الكثير.. أو كمؤسسة قنوات الجزيرة. وينبغي أن نفهم الآخر فهماً جيداً، ونقدّر حجم مخاوفه من كل ما هو إسلامي - التي بلغت أقصى مداها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر - عن طريق اصطفاء المؤسسات الموكلة للحوار معه، والتعريف بنا عنده، بعناية فائقة حتى يستسيغها في البدء، ويجلس للتحاور معها.. وليكن لنا عبرة في الضجة والمخاوف التي حدثت نتيجة الصور المنشورة مؤخراً للمرشح الديمقراطي "باراك أوباما" وهو يرتدي زيّاً إسلامياً أثناء زيارته لإحدى مناطق كينيا، على الرغم كون المرشح الديمقراطي يتحدث لغتهم الأصلية، ويعيش تبعاً لنمط حياتهم، وليبراليته مشهود لها، وتم تعميده بالكنيسة، ويدعم إسرائيل باستمرار!.. كل هذا لم يكن كافياً بجانب اسم الأب الإسلامي ليصبح المرشح أمريكياً مستقيماً، فيخرج علينا المتحدث باسمه مستنكراً الصورة بشدة، وكأنه بزيه هذا قد ارتكب جريمة تستدعي الخجل الشديد!.. فكيف لنا بشكل ولحية كشكل ولحية أسامة بن لأدن نصدرها بغرض ابتغاء تحسين صورة المسلم!!!.