القربي: واشنطن حاولت استنساخ الحل التونسي والمصري دون إدراك لخصوصية اليمن
بقلم/ متابعات
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 4 أيام
الجمعة 29 يوليو-تموز 2011 05:01 م
 
 

أثناء زيارة وزير الخارجية اليمني الدكتور أبو بكر القربي للعاصمة البريطانية لندن، التقته «الشرق الأوسط» وأجرت معه حوارا حول مستجدات الساحة اليمنية. تحدث القربي حول الدور الإقليمي والدولي للمساعدة في حل الأزمة اليمنية. وتحدث عن مساعي نائب الرئيس بالتشاور مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة بهذا الخصوص. وأشار القربي إلى أن المبادرة الخليجية هي الأرضية المناسبة للحل مع الأخذ في الاعتبار رؤية الأمم المتحدة. وأكد القربي أن الأمور إذا قدر لها أن تسير سيرا حسنا فإنها تتجه نحو الإعلان عن انتخابات مبكرة في البلاد. تحدث القربي عن ملف «القاعدة» في اليمن، وقضايا أخرى ضمن هذا اللقاء. فإلى الحوار:

حاوره/ محمد جميح

* بداية ما هي طبيعة زيارتك للمملكة المتحدة؟

- كما تعرفون زارنا في اليمن الكثير من المبعوثين من بريطانيا وألمانيا والولايات المتحدة. وهناك تواصل مع صناع القرار من الأوروبيين والخليجيين. ونحن في اليمن نفضل أن تتم اللقاءات على أعلى المستويات مع مسؤولي هذه الدول لشرح الصورة بشكل أدق، والتعرض لبعض الرؤى التي تجانب الصواب فيما يخص الشأن اليمني.

وأنت (كأعلامي) تدرك أن ما يكتب عن اليمن قد تضخم بشكل يصعب فيه على المحلل المختص متابعته، فما بالك بوزير منشغل بمهام أخرى. وفوق هذا فإن ما يصل لصناع القرار في هذه الدول هو عبارة عن ملخصات مبتسرة لا تعكس الصورة كاملة ودقيقة. لهذا نحن في اليمن نريد أن تتم مثل هذه اللقاءات مع المسؤولين من الأشقاء والأصدقاء حتى نعطي صورة واضحة عن حقيقة الأوضاع في اليمن بشكل متوازن بغض النظر عما يجري تناوله في وسائل الإعلام التي غالبا ما تتناول ما يدور بشكل تنقصه الدقة والموضوعية.

* وما هي طبيعة الدور الأوروبي والأميركي تجاه ما تشهده الساحة اليمنية اليوم من حراك شعبي تسميه المعارضة ثورة وتسمونه أزمة سياسية؟

- الحقيقة أن الدور الغربي يأتي ضمن جهود «أصدقاء اليمن» للإسهام في إيجاد مخارج مناسبة للأوضاع في اليمن، وتلك الجهود تعود إلى ما قبل الأزمة الحالية حيث كان لمجموعة «أصدقاء اليمن» دور فيما يخص مشروع الإصلاحات الوطنية، الدستورية والانتخابية، والتوفيق بين الحزب الحاكم والمعارضة ممثلة باللقاء المشترك. وقد جاءتنا توصيات الأصدقاء الأوروبيين فيما يخص التعديلات الدستورية والانتخابية بعد انتخابات 2006. ولكن الأطراف السياسية في اليمن لم تتفق على طبيعة هذه التعديلات أو الإصلاحات قبل الأزمة الحالية رغم الجهود التي بذلت واللقاءات التي عقدت بين السلطة والمعارضة في هذا الخصوص. ثم جاء ما سمي بـ«ثورات الربيع العربي» فحاولت أحزاب اللقاء المشترك توظيف التحرك الشعبي في اليمن لصالحها للحصول على المزيد من التنازلات من الحزب الحاكم. والأصدقاء الأوروبيون قبل مارس (آذار) الماضي وبعده استمروا في محاولة تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين في البلاد. أما الجانب الأميركي فقد حاول استنساخ الحل التونسي والمصري على الواقع اليمني دون إدراك لخصوصية الوضع السياسي والاجتماعي والقبلي التي تبدو بشكل واضح ذات تأثير فعال على سير الأمور في اليمن عكس ما عليه الوضع في الحالتين التونسية والمصرية. ولكن ما حدث في ليبيا وسوريا، وكذلك تطورات الحالة اليمنية كل ذلك ربما دفع الأميركيين أخيرا إلى التفكير في أن المعالجات اللازمة في الحالة اليمنية ينبغي أن تراعي خصوصية الوضع في اليمن.

* ماذا تقولون لمن تلتقونهم من صناع القرار فيما يخص سياسة الحكومة وموقفها إزاء الوضع الراهن في اليمن؟

- نؤكد على النقاط التالية: أولا: الحزب الحاكم والحكومة مع التغيير الذي يجب أن يلبي طموحات الشعب اليمني وليس الأفراد أو الأحزاب. وثانيا: التغيير المنشود يجب أن يكون وفقا للدستور، وأن يخضع لمبادئ انتقال السلطة التي حددها الدستور دون تجاوز المؤسسات الدستورية القادمة. وثالثا: إننا من هذا المنطلق ندعو إلى انتخابات مبكرة تنتقل فيها السلطة من خلال صناديق الاقتراع التي ستعكس إرادة الشعب اليمني، وبعيدا عن أي توافقات قد لا تلبي مطالب الشعب.

* طالت مدة الأزمة في اليمن، دون أن يحدث التغيير المنشود، ما هو المخرج لتعقيدات المشكل اليمني الراهن؟

- الحقيقة أن تعقيدات المشهد السياسي في اليمن مرتبطة بتعقيدات الأوضاع الاقتصادية في البلاد، حيث لا يمكن الفصل بين المسارين المتوازيين. هذه نقطة، كما أن تعقيدات الوضع السياسي في البلاد مرتبطة كذلك بالخطأ في فهم العملية الديمقراطية، حيث إن المعارضة في اليمن لم تستفد من التجربة الديمقراطية في البلاد لتهيئة نفسها في السباق الديمقراطي للوصول إلى السلطة، وكل ما رأته المعارضة من التجربة الديمقراطية في البلاد هو قدرتها على وقف إجراء الانتخابات في مواعيدها، وإعاقة عمل المؤسسات الدستورية والديمقراطية التي سمحت للمعارضة بهذا القدر من الممارسة. كل تلك العوامل أدت إلى مزيد من الغموض والتعقيد في المشهد السياسي اليمني. واليوم لا تزال المبادرة الخليجية هي الأرضية المناسبة لأي حلول للأوضاع في اليمن. وضمن المبادرة الخليجية تجري بعض النقاشات من أجل جعل هذه المبادرة قابلة للتطبيق. ففيما يخص الفترات الزمنية الواردة في المبادرة يبدو أن هناك بعض الصعوبة في الالتزام بها، نظرا لأن المهام المطلوب إنجازها خلال هذه الفترات المحددة تتطلب وقتا أطول. فعلى سبيل المثال تنص المبادرة على تقديم رئيس الجمهورية استقالته خلال شهر من تاريخ التوقيع عليها، وبعد الاستقالة بستين يوما يفترض أن تتم انتخابات رئاسية تشرف عليها حكومة وفاق وطني من السلطة والمعارضة. غير أن فترة الستين يوما غير كافية أصلا للإعداد للانتخابات كما اعترفت كافة الأطراف، نظرا لجسامة المهام الأمنية والفنية التي يتطلبها إجراء الانتخابات خلال ستين يوما. وإذا لم نتمكن من إجراء الانتخابات في موعدها فإن البلاد سوف تدخل في فراغ دستوري. إذن المطلوب اليوم فهم روح المبادرة الخليجية وتطبيقها بالدعوة إلى انتخابات مبكرة يحدد تاريخها بالتوافق بين الأطراف اليمنية حتى تكون لدينا فترة زمنية كافية للإعداد لانتخابات حرة ونزيهة ومشاركة دولية في الرقابة عليها.

* لكن المعارضة تقول إنها لا تثق بأي انتخابات تتم في ظل السلطة الحالية، وهناك مشكلة السجل الانتخابي ولجنة الإشراف على الانتخابات التي لا تزال محل خلاف. فكيف يمكن الحديث عن انتخابات في الظرف الراهن؟

- قلنا للمعارضة: إن المخاوف التي لديهم ستنتفي في حال تم الاتفاق على صياغة قانون الانتخابات وإشراك المجتمع الدولي فيها، وقلنا لهم إن الباب سيفتح لمراقبين دوليين من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والجامعة العربية. وتبقى مسألة السجل الانتخابي فإن كانت الفترة الزمنية التي تسبق الانتخابات المبكرة كافية لتعديل السجل ومراجعته، وفتح الباب لتسجيل الناخبين الجدد، فذلك ما نريد، وأما إذا كانت هذه الفترة لا تسمح بذلك فما علينا إلا المضي في الانتخابات، والناخبون الجدد سيسمح لهم بالانتخاب باستخدام البطاقة الوطنية إذا تم التوافق على ذلك. وأود أن أقول: إنه يجب أن تنطلق الأطراف المعنية في اليمن من تغليب المصلحة الوطنية، وأن تسعى لبناء الثقة فيما بينها بعيدا عن المماحكات السياسية، والانتباه إلى أن الأوضاع التي يعيشها اليمن تحتم البعد عن هذه المماحكات، والبعد عن النظر للأزمة بمنظار ضيق لا يتجاوز المصالح الحزبية، بحيث يكون هدف الجميع هو إنقاذ اليمن من خطر الانزلاق إلى العنف الذي لا يربح فيه أحد، ولن يخرج منه أي طرف منتصر.

* وماذا عن لقاءات نائب الرئيس مع المعارضة، وجهود مبعوث الأمم المتحدة؟

- منذ حادثة محاولة اغتيال فخامة الأخ رئيس الجمهورية ومعه عدد من القيادات السياسية والأمنية، والأخ النائب يعمل على عدة مسارات منها مسار التهدئة وإزالة التوترات الأمنية، التي أعقبت أحداث الحصبة وما تلاها من أحداث، كما أن مساعي النائب مستمرة لتأمين الطرقات وإزالة أنواع التقطعات القبلية، والمشاكل الأمنية لتأمين الاحتياجات الضرورية للمواطن اليمني من الخدمات التموينية والوقود وغير ذلك. والنائب كذلك مستمر في التواصل مع المعارضة والحوار لإيجاد مخارج مناسبة للأزمة على أساس من المبادرة الخليجية، وفي ضوء المشاورات مع مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة.

* وما هي نتيجة تلك المحادثات على الجانب السياسي؟

- لا نريد الخوض في النتائج الآن، لأن المسائل ما زالت قيد النقاش مع أطراف المعارضة، ومع المبعوث الدولي، ولا نريد أن نستعجل الأمور.

* ولكن ما هو المسار الذي تسير فيه لقاءات النائب مع المعارضة؟

- الخطوط العريضة للقاءات تدور حول التهيئة لانتخابات مبكرة يتم التوافق على تاريخها مع المعارضة حسب ما ذكرت لك.

* هل يعني هذا أن الرئيس سيظل في منصبه حتى يتم انتخاب رئيس جديد للبلاد؟

- إذا تم التوافق على الانتخابات المبكرة فسيظل الرئيس في منصبه مع تفويض النائب بصلاحياته.

* هذا يعني أن الرئيس ينوي العودة لليمن بصفته رئيسا للجمهورية؟

- لا يوجد ما يمنع من عودة فخامة الأخ رئيس الجمهورية إلى البلاد بعد أن يقرر الأطباء ذلك. فالأمر مرهون بقرار الفريق الطبي الذي يشرف على علاج الأخ الرئيس.

* يتردد على الساحة اليمنية أن الإمارات العربية المتحدة ربما تستضيف جولة محادثات بين السلطة والمعارضة للخروج بحلول للأزمة، ما صحة هذه المعلومات؟

- لا نية للذهاب إلى الأشقاء في الإمارات لهذا الغرض. الحلول موجودة أصلا، والمطلوب هو التوافق على تنفيذ المبادرة الخليجية وفق رؤية الأمم المتحدة، وهذا أمر يمكن أن يتم في صنعاء بالحوارات التي يجريها الأخ نائب رئيس الجمهورية مع الأطراف السياسية المختلفة.

* هناك حملة تتعرض لها المملكة العربية السعودية من قبل بعض الأطراف السياسية والإعلامية في اليمن تتهم المملكة بالانحياز للسلطة ودعم موقفها في وجه حركة الاحتجاجات التي تواجهها في الشارع، كيف تنظر إلى حقيقة الموقف السعودي من الأحداث في اليمن؟

- المملكة العربية السعودية في تصوري تقف على مسافة واحدة من جميع أطراف العملية السياسية في اليمن. وما يطرح في بعض وسائل الإعلام غير الرسمية لا يمثل موقفنا، ونحن نأسف لمثل هذه التصرفات في حق المملكة التي وقفت بكل إمكانياتها إلى جانب الشعب اليمني، ونؤكد أن مثل هذه المواقف تسيء لليمن قبل أن تسيء إلى الأشقاء في المملكة. وأريد أن أذكر أن المبادرة التي وقعت عليها الأطراف المعنية في اليمن هي مبادرة خليجية، وقد كان للمملكة دور كبير في صياغتها، وهذه المبادرة تنص على انتقال السلطة بشكل سلمي، فكيف يمكن أن تتهم المملكة بأنها منحازة في وقت قدمت فيه مع بقية دول الخليج مبادرة تؤدي إلى انتقال السلطة في البلاد؟ وفي تقديري أن الذين ينظرون لدور الأشقاء في المملكة هذه النظرة إنما يؤولون الموقف الإنساني الذي وقفته المملكة باستضافتها، وقيامها بعلاج فخامة الأخ الرئيس والإخوة في القيادة السياسية والحكومة الذين تعرضوا لمحاولة اغتيال غادرة. وهذا موقف إنساني تنطلق فيه المملكة من أخلاق عربية أصيلة معهودة في الأشقاء في السعودية.

* ماذا عن ملف «القاعدة» في اليمن في ظل المعارك الحالية التي تدور مع عناصرها في محافظة أبين؟

- نحن في اليمن أكدنا لأصدقاء اليمن وللمجتمع الدولي حتى قبل الأزمة السياسية الحالية أن اليمن مستهدف من قبل عناصر التطرف والإرهاب، ودعاة التفرقة الطائفية والمناطقية، وهذا أمر واضح. ولكن فيما يتعلق بالأطراف الأخرى، فإنها لم تأخذ ما قلناه عن «القاعدة» بالجدية الكافية لمواجهة هذه العناصر، واليوم يتجمع عناصر «القاعدة» لإقامة إمارة إسلامية في بعض أجزاء البلاد، كما تندلع أعمال عنف طائفي في أجزاء أخرى مثل محافظة الجوف التي تشهد عنفا مستمرا بين عناصر تنتمي إلى أحزاب اللقاء المشترك نفسها، وغير ذلك من الأضرار الاقتصادية والإنسانية التي أسهمت فيها الأزمة السياسية والتي يجب معالجتها. وقد اطلعت على مقابلتك التي أجريتها مع الأخ محمد الصوملي قائد اللواء 25 ميكا في أبين الذي سلط الضوء فيها على كثير من القضايا التي تخص «القاعدة»، ودور القوات المسلحة في مواجهة هذه العناصر، وكذا دور المواطنين من أبناء المنطقة في هذه الجبهة. أعتقد أن «القاعدة» ووجودها في بعض مناطق البلاد أمر لم يعد محل خلاف، ولا يمكن القول بأن الدولة التي لا تدخر جهدا في محاربتها هي التي زرعتها. وأنا هنا أؤكد على أن ملف الإرهاب من الملفات التي لا ينبغي أن تختلف عليها الرؤى بين الفرقاء السياسيين في اليمن.

* لكنكم تتهمون من قبل المعارضة بأنكم توظفون «القاعدة» وملف الإرهاب في اليمن توظيفا سياسيا. وهناك تقارير تتحدث عن ذلك بشكل واضح. ما رأيك؟

- الحقيقة أنني سمعت هذه التصريحات وقرأتها في كثير من المواقع الإعلامية. وأنا أنظر إليها من باب المماحكات السياسية. والغرض منها هو تطمين الغرب بأنه لا توجد «قاعدة» في اليمن، وكل ما في الأمر - حسب هذه الرؤية - أن الحكومة جعلت من «القاعدة» فزاعة لتخويف الغرب، وللحصول على المال من الدول الغربية وكأنهم لا يعرفون حقيقة الأمر.

ولكن الواقع أن العالم اليوم يشهد ماذا تفعل «القاعدة»، ويدرك خطورة انتشارها في بعض مناطق اليمن، كما يشاهد العالم والغرب على وجه الخصوص المواجهات التي يخوضها الجيش وقوى الأمن لكبح جماح هذه العناصر.

واليوم وخاصة بعد أن أصبح وجود «القاعدة» في بعض المناطق خطرا ماثلا للعيان أدى إلى تهجير آلاف المواطنين من منازلهم في أبين، فإن الكل بدأ يدرك حقيقة الخطر الذي تمثله «القاعدة» في البلاد، ولا يمكن بعد كل هذا أن نقول إن «القاعدة» مجرد فزاعة حكومية للحصول على المزيد من المال من الدول الغربية.

* لكنكم سحبتم القوى الأمنية من مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، وتركها محافظ المحافظة، مع طاقمه الأمني والإداري، متخلين عن أحد ألوية الجيش الذي بقي وحيدا في مواجهة «القاعدة» هناك.

- أعتقد أن ما قاله قائد اللواء الأخ الصوملي في مقابلتك المنشورة معه في «الشرق الأوسط» يعد ردا على مثل هذا الطرح، فلا داعي لتكرار ما ذكر. أما فيما يخص خروج المحافظ من زنجبار فهذا تم ضمن تقديراتهم للمخاطر في حينها، والقوات المسلحة اليوم تحرز تقدما كبيرا في ملاحقة عناصر «القاعدة» وضرب تحصيناتهم في زنجبار وغيرها من المدن.