لماذا تمنعون نزول المطر
بقلم/ أ.د سيف العسلي
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و يوم واحد
الخميس 21 إبريل-نيسان 2011 05:38 م

أجواء اليمن ملبدة بالغيوم. وتنتشر في أرجائه أصوات الرعود. الأرض يابسة. و القلوب قاسية. و الأنفس شحيحة. و الضيق تغلب على السعة. والانتقام انتصر على التسامح. الكل يردد نفسي نفسي. الكل ينتظر المطر ما عدا قلة. و لكنهم لا يجرؤن على قول ذلك. و مع ذلك فانهم معروفون من لحن القول. الا ترى انهم يتضجرون من الغيوم ولا يطيقون سماع أصوات الرعود. وهل يمكن ان ينزل المطر بدون غيوم او رعود؟! الا ترى انهم يتضجرون حتى من مجرد وجود الغيوم و ينزعجون من أصوات الرعود لأنها ببساط مقدمة المطر.

الا ترى انهم مفرقون على الرغم من تمسكهم بصفة المشترك. فلو كان ذلك حقيقة لحرثوا الحقول بعيدا من حرارة الشمس و لأعدوا مجاري مياه الأمطار بعيدا عن أصوات الطبقات. و لا تعاملوا من الناس جميعا بعيدا عن الاستعلاء و الاحتقار. لذلك ما كانوا ينتظرون نزول المطر. بل كانوا يعتقدون انه لن ينزل أبدا على الرغم من وجود الغيوم و أصوات الرعود. و الدليل على ذلك انه عندما كانت الغيوم تعبر أجواءهم كانوا يغمضون ابصارهم و عندما كانت اصوات الرعود تذهب كآبة الصمت الرهيب كانوا يصمون أذانهم لانهم لا يرغبون حتى في تخيل نزول المطر.

لذلك فانهم حالوا و يحاولون منع نزول المطر لانهم ليسوا وحدهم المستفيدين منه. بل انهم قد لا يستفيدون منه على الاطلاق. لذلك فانهم لم يتوقعوه و لم يستعدوا لنزوله. ولو عملوا ذلك قبل نزول المطر لاكتشفوا أين يتفقون و أين يختلفون. وفي هذه الحالة لكان لديهم وقت لحل أي خلافات بينهم بطريقة عادلة. و هنا لكانوا سيفرحون بانتظار المطر. و عند نزول المطر و لا استمتعوا بمنظره الخلاب و بمنظر أوديتهم و شعابهم و اودية و شعاب غيرهم المخضبة بمجاري السيول. و هنا لكانوا سيستمتعون بنسمات الهواء بعد المطر.

و بما ان الناس في أمس الحاجة للمطر فانه سيهطل حتما. و لذلك كانت النفوس المطمئنة تتوقعه لأنها لا تيأس من روح الله ولذلك فإن المطر سينزل. و لذلك فقد استعدوا له قبل نزوله. اما المشتركون في الياس لم يصدقوا نزول المطر على الرغم من وجود مقدماته فعلا.

لكن المطر سيخيب ظنكم هذه المرة سيستمر في السقوط بغزارة. سيروي كل الاراضي سوى تلك التي اهملها اهلها فتحولت الى صلدا و بالتالي فانها لن تتحمل طمع هلها في الحرص على ان تروى هي وحدها بالسيل كله على الرغم من انها لن تصمد كثيرا امام مجاري السيل الهادة و التي لا تقدر على استيعابها. فهذا المطر لم ينزل فقط لان يروي بعض الارض و انما نزل ليروي كل الارض. و نتيجة لطمعهم هذا فان السيول سوف لن تبقّيَ في أرضهم إلا الصخور و الزبد أما ما ينفع الناس فقد ذهب جفاء. 

عليهم ان يدركوا انهم ان لم يغيروا ما في نفوسهم فانهم سيخسرون. و لا نريد لهم ان يخسروا. نقول لهم سينزل المطر فعلا و عندئذ لن يفيدكم ان تسابقوا لري أراضيكم. فستختلفون على ذلك نتيجة لضيق نفوسكم و قلة صبركم. فكل واحد سيحاول أن يسقي أرضه قبل الأخر خوفا من توقف نزول المطر. و بدلا من ان تعملوا على اصلاح مجاري السيول لأراضيكم فإنكم ستعملون فقط على منعها من ري اراضي بعضكم بعضا.

 فبدلا من منع المطر فإن عليهم ليس فقط إعداد الأرض لاستقبال المطر بل ان عليهم ان يعيدوا التراب إليها أولا. إن تحقيق ذلك يحتاج إلى تعاون اكبر و إلى تضحية اكبر و إلى جهد اكبر. فهل يتعظون من التجارب السابقة. اتمنى عليهم ان يفعلوا ذلك قبل قوات الان، لأن البديل في هذه الحالة ليس فقط تخريب الأرض و لكنه القضاء على الحرث و النسل!

عليهم ان يدركوا ان نزول المطر بدون استعداد له يعني تدمير البيوت و يعني سحب كل تربة صالحة للزراعة او حتى لرعاية الأغنام. و يعني أيضاً أن لا شجر ينمو و لا حشائش. و انه يعني أن لا حدود أو معالم للأرض و بالتالي عدم إمكانية إعادتها إلى وضعها السابق لشيوع ملكيتها. إن ذلك يعني أن الطرقات قد تقطعت. و في هذه الحالة فإنه لا يمكن حتى الحصول على أي معونة إنسانية من الخارج. 

نعم هناك غيوم ورعود و مطر فما عليهم إلا ان يستعدوا لذلك. عليهم ان يقاوموا الكراهية و الظلم و الفساد. عليهم ان يشعروا بالمصلحة العامة و ان يقدموا التنازلات المطلوبة من حمايتها و الحفاظ عليها. عليهم ان يدركوا ان كل فرد لا يمكن ان يعيش بمفرده او بدون وطن.

المطر له قيمة فقط في حال وجود مطر يمكن من الاستفادة منه. و إلا فإنه سيتحول إلى فيضانات تضر و لا تنفع. فلا خير لأي خير خارج الوطن. فهل يدركون ذلك أدعو إلى الله أن يوفقهم إلى ذلك إنه على ما يشاء قدير.