جريمة الإستخفاف بالعقول وخداع الذات
بقلم/ عبدالله عبدالكريم فارس
نشر منذ: 13 سنة و 8 أشهر و 21 يوماً
الجمعة 01 إبريل-نيسان 2011 01:39 م

في قدرة عجيبة غير حصرية على خداع الذات، وفي تشابه مع زخم القوة والسيطرة الذي رافق خليجي عشرين، والذي دفع بالرئيس صالح لأن يعود من عدن ليعلن إنقلابه على الحوار، وبقيادات حزبه إلى إدراج تعديلات لإزالة مواد تحديد فترة الرئاسة، مما يعني هتكاً لعرض الدستور ومشاعر الشعب، ومنحه الحكم مدى الحياة وتوريث الحكم.

في عهد المقبور نيكولاي تشاوشيسكو، الرئيس الذي لم يتوقع في اسوأ كوابيسه أن يحصل له ذلك الإنهيار والمحاكمة الفورية وصولاً إلى الإعدام بتلك السرعة والقوة.

إبنه الأكبر، الإبن البكر الذي كانت أمه إيلينا المغدورة أيضاً تهذبه لوراثة حكم رومانيا، نفّذ جدارية ضخمة، من عجائب المنجزات السطحية التي لا تسمن ولا تغني. رُسم عليها نافذة تطل منها العين زوراً على سمآء فسيحة وخضرة بهيجة، - والتي لم تخلو طبعاً من تعظيم للقائد الرمز على طول وعرض تلك الجدارية المرسومة التي سميت يومها بـ"نافذة الأمل".

لم يكن هدفها إقتصادياً أو سياحياً، بل تمجيد القائد الضرورة، هو الهدف الرئيس من ورآء إقامة تلك الجدارية المهزلة.

منذ بعثرة تلك الميزانية السخية لإقامة جدارية تدغدغ غرور الرئيس ونجله وسط مدينة يعيش أهلها أتعس حالات التقشف، إلى زوالها وحتى اليوم، لا أحد يعرف بالضبط أي "أمل" مريض ذو قيمة إضافية كان لايزال يعشعش في مخيلات الأب والإبن والعائلة الحاكمة... خاصة بعد عقود كاملة من فشلهم الذريع في إدارة موارد وإقتصاد وطاقات البلاد؟

ربما لم يدر بخلد رساموا تلك الجدارية أن تلك النافذة كانت قادرة على خداع الطير، حيث كانت السلطات تقوم بدفع ساكني المدينة من محيطها إلى تجميع ذلك الكم الهائل من جثث الضحايا قبل أن تتحول الجيف إلى أوبئة.

- عشرات، بل مئات الطيور المخدوعة كانت ترتطم وهي طائرة فتقضي ببراءة على سطح تلك الجدارية، ظناً منها بأن تلك النافذة هي فضاء حقيقي.

لم تستطع البلدية، ولا أحد، آنذاك التذمر أو تفسير جدوى، ومردود، وعوائد، ومنافع، وتكاليف تلك النافذة الزائفة في عهد الديكتاتور. كل ما فعلوه هو تجيـيش الناس بقوة السوط لتجميع الجثث وتنظيف نثار اللحم والدم والريش من على تلك الجدارية، والإشادة بذلك المنجز العظيم للقائد الملهم والإبن الفذ، -الذي كان إلى جانب نشاطاته الوطنية جداً، مغرماً ومهووساً بممارسات ممنهجة، من ضمنها، هواية الإنتهاك القسري لأعراض بنات بلاده من أبطال العاب الأولمبياد.

لقد أستطاعت تلك النافذة الجدارية الزائفة قبل هدمها إستدراج وخداع بعض الطيور إلى حتفها الأخير - بسبب ضآلة عقولها -، تماماً كما هو مفعول ذلك الشعور الزائف لحشد جمعة الكذب بالتسامح، لكن تلك الجدارية المطلية بألوان الخداع البصري لم تستطع أن تخدع الريح... أو الضوء... أو الشعب.