هل تغرق اليمن في المستنقع الأميركي؟!
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 14 سنة و 11 شهراً و 13 يوماً
الأحد 03 يناير-كانون الثاني 2010 07:15 م

أضحى من نافلة القول بأن السياسة الأميركية باتت تشكل ثقلاً وعبئاً عالميا كبيراً يصعب حمله أو احتماله ، ففي كل بلد تُدخِل أميركا أنفها فيه ، يتحول هذا البلد إلى حالة من الغليان الشديد والفساد والدمار والحروب اللامنتهية ، لعلّ من النماذج المقروءة لكل ذي عينين النموذج الصومالي والأفغاني والعراقي والإيراني، وأخيراً النموذج اليمني.

ما يهمنا في هذا المقام هو الحديث عن النموذج اليمني ، الذي برز فجأة على الساحة الدولية ، كبلد يأوي الإرهاب ويحتضن الإرهابيين ، رغم أنه معروف تاريخياً بأن الأرض اليمنية أرض طيبة والشعب اليمني شعب طيب وكريم ، رغم قوته وشراسته .

مما يؤكد أن الخلل ليس في الشعب اليمني الكريم ، وإنما في السياسة الأميركية الاستعمارية ، وفي من يلهثون وراء هذه السياسة ويجرون خلفها بلا وعي أو بصيرة .

إن السياسة الأميركية التي تقع تحت وطأة اللوبي الصهيوني ، هي التي جعلت من دولة باكستان تقف على كف عفريت ، وتتحول إلى بركة من الدم ، نتيجة استجابة حكومة زرداري للضغوط الأميركية ، لتصفية القيادات الوطنية الحية في الشعب الباكستاني ، وهو السيناريو ذاته الذي تريد أميركا تكراراه في اليمن ، لولا أنّ الوضع اليمني يعد أكثر تعقيداً وصعوبة من الوضع الباكستاني ، فاليمن عبارة عن مخزن للبارود ، وأي لعب بالنار يمكن أن يجعل من اليمن قنبلة يطال شرارها كل شيء ، وأول الدول التي ستتضرر، هي دول الخليج، والمصالح الأميركية في الجزيرة .

كما أنّ السلطة في اليمن بعد عهد ما يسمى ب\"الأغلبية الكاسحة\" وضمان عدم المساءلة والمراقبة والمحاسبة ، صار الدستور والقانون عبارة عن أهواء الحزب الحاكم ، وبعبارة أكثر مصداقية وصراحة ، صار الدستور والقانون هو شخص الحاكم، فهما وجهان لمسمى واحد .

على كل الأحوال والتقديرات فإن ارتماء الحكومة اليمنية في أحضان المشروع الأميركي مقابل حفنة من الدولارات يعد جرماً كبيراً ينذر بكوارث يصعب احتمالها ، سيما وأن الحكومة اليمنية تعيش أبأس أيامها وأصعبها وأنكدها، ولا يكاد ينام أحد المسئولين إلا على كوابيس الحوثيين والانفصاليين واللقاء المشترك، وباتت الدولة مغيبة بشكل كامل إلا على العاصمة صنعاء .

إنّ التعاون اليمني الأميركي لضرب المواطنين وإزهاق الأرواح البريئة ، والعبث بجماجم النساء والأطفال مقابل ما يسمى بمواجهة تنظيم القاعدة أو مقابل حفنة من الدولارات النجسة ، يجعل السلطة في اليمن تفقد شرعيتها ودستوريتها ، لدى شعبها وقواه الحية ، سيما وأن معظم الأحزاب اليمنية تعتبر السلطة الحالية في الأصل سلطة باغية جائرة استولت على الحكم بقوة التزوير الانتخابي ، وبالتالي فإنه في هذه الحالة لن يفرق المجتمع بين السلطة اليمنية والإدارة الأميركية ، سيما إذا ما التقت السياستان على قتل المواطن اليمني وإراقة دمه ، الذي يفترض أن تحميه السلطة وتدافع عنه ، فهذه أولى مهامها ، التي تخلت عنها بل وانتهكتها .

وهذا بعينه هو ما فسّر ذلك الحشد الجماهيري وراء تنظيم القاعدة بعد الضربة الظالمة وفي اليوم التالي منها مباشرة ، بالطبع ليس حباً في تنظيم القاعدة ، ولكن نكاية في السلطة العمياء ، التي لا تفرق بين مطلوبيها وبين الأبرياء من النساء والأطفال ، وربما يزداد الالتفاف الشعبي خلف كل مطلوب للسلطة أو منازع لها ، لذات السبب الآنف الذكر.

ونزعاً للفتيل ، وحقناً للدماء ، وحرصاً على العلاقة بين السلطة اليمنية وشعبها ، في هذا الوضع الحرج ، يجب ما يأتي:

1) على الحكومة اليمنية ألا تتبع القذة الأميركية ، فالسياسة الأميركية حالياً باتت أشبه بالغراب ، الذي قال عنه العرب قديماً : ومن يكن الغراب له دليلاً .. يمر به على جيف الكلاب.

إن الأميركان ينفذون مخططاً صهيونياً للسيطرة على العالم وإفساده وتخريبه ، عملاً بالخرافات التوراتية والإنجيلية ، وما دعاوى الإرهاب التي يزعمها الأميركان إلا الشماعة التي يعلقون عليها مبرراتهم الخسيسة للتدمير والتخريب ، وما حادثة محاولة تفجير الطائرة الأميركية مؤخراً على يد الشاب النيجيري ، إلا من هذا القبيل ، فالمحققون من المحللين السياسيين ينظرون إلى الحادثة على أنها أشبه بالأفلام الهندية التي لا يحسن مخرجوها السيناريو ولا الإخراج ، لأنه من المستحيل أن يتجاوز أي مسافر المطار تلو المطار وفي جعبته مسمار أو إبره ، فضلا عن المتفجرات والقنابل .

وهذا يجعلنا ندعوا وبصوت عال إلى التريث في استقبال الروايات الأميركية للأحداث والوقائع ، سيما وأننا نرى أنها في الأغلب الأعم لا تعدوا سوى ظنون وأوهام ، يذهب لأجلها شعوب ودول ، كالرواية الأميركية الشهيرة عن ما أسموه ب \"أسلحة الدمار الشامل\" العراقية!!!.

2) يلزم في الأوقات العصيبة والمحن المتتالية أن يكون ثمة شفافية واضحة بين الحكومة اليمنية وشعبها ، وصمت الحكومة اليمنية عن نفي أو إثبات خبر القصف الأميركي لمواطنين يمنيين آمنين في قراهم الطينية ، يؤكد صحة هذا الخبر ، أعني أن القصف أميركي، بمباركة يمنية ، لا العكس كما صورته وسائل الإعلام .

بيد أني أحسب أن الحكومة اليمنية في وضع لا تحسد عليه ، فنفي الخبر يعد كارثة بالنسبة لها، لأن معناه أنّ السلطة في اليمن تضرب شعبها وتقتله ، وأن الذي يحكم اليمن جنرال عسكري لا يرحم ، أشبه بلينين أو ستالين ، كما أن الاعتراف بالقصف الأميركي معناه أن لا حكومة مركزية في اليمن ذات سيادة ، أي لا دولة ولا سيادة ، سيما وأن هذه ليست المرة الوحيدة التي تنتهك فيها السيادة اليمنية، وإزاء هذان الخياران المران لزمت السلطة الصمت ، وهو يعد الخيار الأقذى والأشد كلفة لأنه لا معنى له إلا أن الحكومة الموقرة تتاجر بدماء شعبها وأنها تبيعه في سوق النخاسة الأميركي .

3) على النظام في اليمن سرعة تغيير مساره ، لأنّه كما يبدوا لكل بصير ، أن النظام في صدام مباشر مع شعبه ، ليس على صعيد محور واحد أو محافظة واحدة ، بل على كل المحاور والمستويات والمحافظات والأحزاب والمنظمات والقبائل ، بل في صدام مع نفسه وذاته .

ويلزم لهذا سرعة الاستجابة لدعوات أحزاب المعارضة (اللقاء المشترك) في الجلوس على مائدة الحوار الوطني الذي لا يستثني أحداً ، وإنا لننتظر بفارغ الصبر أن نرى الحاكم والمعارضة يجلسون لمناقشة قضاياهم والخروج باتفاق واحد لا يخلفه أحد ، لنزع فتيل فتنة عمياء لا يعلم مداها إلا الله عز وجل ، وفي ظني أن هذه بداية الانفراج لو حسنت النوايا وغلّب الجميع المصلحة الوطنية على المصلحة الحزبية الضيقة .

4) ما يتعلق بمقاومة ومواجهة تنظيم القاعدة ، كما سبق وأن بينا أن ثمة تهويلا أميركيا كبيراً لهذا التنظيم ، لأغراض استعمارية ، والصواب أن يتم التعامل معه بعيداً عن الرؤية الأميركية ، ووفق الخصوصية الوطنية ووفق الدستور والقانون اليمني ، وحينها سينكشف الغطاء ويتضح الطريق ، وتسهل المعالجة ، وسنجد أن هذه الفئة أو العصابة ليست بذاك القدر من الخطورة والتهويل ، لأنها سوف تصبح عصابة في وجه دولة ونظام وشعب ودستور وقانون ، بخلاف ما تريده السلطة الآن من إضفاء نوع من المبررات لأعمال القاعدة من خلال مسلكها الأخير في الإبادة الجماعية والقتل والتخريب ، وبدعم أميركي لا وطني .

5) لا يجوز أن يغيب الحكماء والمصلحون في هذا الظرف العصيب من تاريخ اليمن المعاصر ، وعلى الوجاهات الإجتماعية والعلماء وحكماء السياسة اليمنية المبادرة لنزع الفتيل بين السلطة وباقي الفصائل اليمنية ، سواء كانوا أحزاباً أو منظمات أو حراكا أو حوثيين ، من خلال الضغط على السلطة لإعلان مصالحة وطنية ، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، لا حزبية ، تتولى التهيئة لانتخابات حرة ونزيهة ، لا تتجاوز ستة أشهر .

أحسب أن هذه الحلول هي المخرج الأكثر أمناً للوضع اليمني ، وبدون هذا فليس من خيار أمام الحكومة اليمنية إلا أن تخوض إلى أذنيها في المستنقع الأميركي ، وأن يستمر مسلسل الدم على الساحة اليمنية ، وإلى لا نهاية ، أو إلى نهاية لا يعلم مداها إلا الله .

والله تعالى من وراء القصد ، والحمد لله رب العالمين ،،

Moafa12@hotmail.com