من اليمن إلى بلاد العرب.. لماذا نخجل من واقعنا؟
بقلم/ عدنان السيد حسين
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 8 أيام
الثلاثاء 08 سبتمبر-أيلول 2009 11:52 م

ها هي الجولة السادسة من الحرب بين الحوثيين والجيش اليمني التي بدأت في العام 2004. وإعلان الجيش وقف العمليات العسكرية لم يعش سوى أربع ساعات فقط، لتعود الأعمال الحربية من جديد.

أسلحة حديثة للمتمردين، ما مصدر التسليح والتمويل؟ والجيش يستخدم الطائرات والمدافع في منطقة صعدة الواقعة في الشمال بالقرب من الحدود السعودية، فكيف تستعاد وحدة اليمن؟.

يصعب معالجة المشكلات الداخلية في اليمن دون معرفة الطابع القبلي المسيطر، فضلاً عن العوامل الداخلية والخارجية الضاغطة، على الجمهورية اليمنية منذ قيام الوحدة بين شطري الشمال والجنوب في العام 1990. ويبقى السؤال مطروحاً حول المصادر الخارجية التي تموّل وتسلّح المتمردين وغيرهم داخل اليمن، وفي بلدان عربية أخرى؟ الأخطر من كل ذلك هو احتماء أي فريق مسلح في الداخل بالعامل الديني، والتذرع بالحريات الدينية بينما تتهدد وحدة الدولة على هشاشتها. هذا الخطر موجود في اليمن حيث عادت أجواء الفتن الطائفية فضلاً عن القبلية المتجذرة في المجتمع، وهو يخيّم على العراق منذ العام 2003 مع الاحتلال الأميركي للعراق.

من كان يتوقع من العراقيين، أو العرب الآخرين، وقوع فتنة بين أهل السنّة وأهل الشيعة في بلد اختلطت فيه الأنساب؟ بتنا نقرأ في وسائل إعلام عربية وللأسف الشديد عبارات جديدة كالجنوب الشيعي، والوسط السنّي، والشمال الكردي. بل صرنا نسمع بأحياء سنّية وأخرى شيعية داخل بغداد، وكأن المخزون التاريخي من الفتنة لم ينضب بعد!

وفي لبنان فسيفساء طائفية لا تعبّر عن غنى ثقافي وفكري بقدر ما هي فتن متنقلة، وبأشكال مختلفة بين مرحلة وأخرى. فكيف يقوم نظام سياسي مستقر في هذا البلد الجميل؟ وفي مصر، الدولة العربية الأكبر التي كانت نموذجاً للانصهار الوطني، نجد فتنة بين إسلاميين وأقباط مسيحيين، ومطالبات من هنا وهناك بالحريات الدينية وسط تدخلات خارجية واضحة بدءاً من الولايات المتحدة الأميركية!

وفي فلسطين، انقسام جغرافي سياسي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وكل فريق يتهم الآخر بالدعم الخارجي، دعم إيراني ودعم أميركي وهكذا دواليك. والنتيجة هي تهديد قضية فلسطين في الصميم كقضية وطنية تحررية شغلت اهتمامات العرب والعالم طوال ستة عقود!

ويمكن التوقف عند مشكلات السودان، وتهديد أمن وادي النيل بانتشار الولاءات الدونية: عرقية وقومية وطائفية وثقافية. وكأن هذه الدولة العربية مهدّدة بالانفجار السكاني من خلال تفتيت قبلي- سياسي مدمّر! هذا بالإضافة إلى سقوط الصومال كدولة موحدة تحت وطأة الحروب القبلية بعدما تخلّت عنها الأمم المتحدة منذ العام 1993! بالطبع يصعب الحديث عن استقرار الجزائر على الرغم من المجهودات الكبيرة التي قامت بها الحكومة في السنوات الأخيرة. ثمة أسباب كامنة في المجتمع لتجدد القتال الداخلي بين الجيش وجماعات إسلامية تستظل بالإيمان الديني.. فماذا يبقى من مشاريع التنمية الجزائرية التي نهضت في سبعينيات القرن الماضي؟

ويمكن الحديث عن فتن طائفية وعرقية وقومية وإقليمية جهوية في بلدان أخرى بحيث نستنتج غياب فكرة الدولة، وفكرة المواطنة عن بلاد العرب. هذا الواقع المرير، لا نتحدث عنه، أو أننا نخجل منه. وكثيراً ما نشيح بأبصارنا عنه، ظناً منا بأن الوقت كفيل بالمعالجة، أو طمعاً بمساعدة تأتينا من وراء البحار. يتباهى بعضنا بالثقافة الإسلامية، وهو في داخله ومسلكه طائفي. وبعضنا الآخر يعتزّ بقوميته العربية فيما هو طائفي وقبلي وإقليمي حتى النخاع!

أما الليبراليون العرب فقد ضاقوا ذرعاً بالحريات العامة وحقوق الإنسان، فصاروا ديكتاتوريين عندما تولوا السلطة أو اقتربوا منها. حالهم البائسة تشبه حال الماركسيين الذين تخلّوا عن البروليتاريا المسحوقة، فانضموا إلى موائد الكبار بحثاً عن مال أو جاه.. وهكذا تتجلى الازدواجية الاجتماعية بأبشع أشكالها، متناسين قول الله تعالى في كتابه الكريم: «يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون». نحتاج إلى ثورة ثقافية بيضاء، ثورة في المفاهيم والأفكار على قاعدة إنسانية الإنسان أولاً. ثم تتدرّج في تأصيل مفاهيم الوطن والمواطنة والدولة والمجتمع وسيادة القانون.

والثقافة المرتجاة تنمو في المدرسة، والجامعات، وعبر وسائل الإعلام التي يجب ألا تغرق في العصبيات، وثقافة التسطيح والاستهلاك المادي. ولا بأس هنا من الانفتاح على العالم كله شرقاً وغرباً نأخذ ما يناسبنا من إبداعات الحضارات الإنسانية، أما التذّرع بأصالة الفتنة فإنه وبال عظيم.

أساس هذه الثقافة المنشودة إقرار المساواة بين الناس في حقوقهم وواجباتهم. أليس العدل واجباً دينياً عند كل مسلم ومسلمة؟ بلغ الشطط بنا مبلغاً خطيراً، فالأوطان مهدّدة، والدولة المؤسسة بعيدة المنال، والكفاءات العلمية والفنية تهاجر بحثاً عن الكرامة والخبز، فماذا يبقى لنا غير الثورة الثقافية البيضاء؟

من اليمن إلى بلاد العرب، ومن جبال صعدة إلى جبال أطلس، وصعوداً إلى جبال طوروس، فتنة متنقلة لا تبقي ولا تذر. أين حكماء العرب وحكماء المسلمين العالمين بأمور دينهم ودنياهم؟ العبرة في العمل.

*نقلاً عن صحيفة "أوان" الكويتية