لا تأمنوا شر الدسائس
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 13 سنة و أسبوعين و 6 أيام
الثلاثاء 06 ديسمبر-كانون الأول 2011 05:39 م

الشاعر الوطني الكبير مطهر الارياني قال في احدى روائعه وكانه يقولها اليوم:

ياقافلة بين ام سهول وامجبال

الله معش حامي وحارس

ياقافلة عاد المراحل طوال

وعاد وجه الليل عابس

ياقافلة رصي صفوف الرجال

واستنفري كل الفوارس

قولي لهم عاد الخطر مايزال

لاتأمنوا شر الدسائس

وفيما يخص ايامنا, مر شعبنا ووطننا بايام صعاب لم تنتهي بعد, تخللتها مماحكات سياسية ومماطلات اجرائية ومعارك عسكرية وتفاوضية لم تخلو من دسائس ومطبات مزروعة بين السطور. ورغم كل التجربة السياسية للمعارضة اليمنية الا انها تظهر لنا مدجنة شبيهة بحزب الوفد المصري, قادرة ومبدعة في التنظير وغبية او خائبة في فضح الدسائس. لهذا نذكرهم بقصيدة الشاعر المبدع مطهر الارياني. ولو عدنا الى ما مر بنا نجد الاتي:

مرت المعارضة بتجربة ليست قليلة مع نظام صالح ليس اولها وثيقة العهد والاتفاق, وحرب اعدام الوحدة اليمنية في 1994م, بل وكل الاتفاقات التي ابرمها بعد ذلك مع انصاره وخصومه التي لم ينفذ منها شيئ, بل ورط المعارضة في كل الخروقات التي تنسبها اليه بمشاركتها في اقرارها وتنفيذها. لكننا لا نراها قد اخذت العبرة من الدروس, بل مازلنا نسمعها تكرر مقولة ان كل عمل سياسي ينتهي بصفقة.

في الاشهر الاخيرة اندلعت في بلادنا ثورة شبابية لم تجرؤ المعارضة على الانظمام اليها مباشرة, بل اعتقدت انها يمكن ان تستغلها في الخروج بصفقة سياسية في تفاوضها مع صالح, التي لم تفلح. اضطرت المعارضة الى الانضمام الى شباب الثورة مستغلة قلة خبرتهم في السياسة فجعلت من نفسها المفاوض باسم الثورة دون ان تفكر في اشراكهم معها لتخفيف الضغوطات الاجنبية والمحلية عليها مقدمة التنازلات تلو التنازلات حتى جعلت من الثورة صفقة سياسية تعيدها الى الحكم.

قبلت المعارضة بمبادرة الخليج وهي تعلم انها مبادرة نظام صالح, لكن وللانصاف نشهد بان المعارضة حققت نجاحا عظيما بسبب اعتماد صالح على خبراء سياسيين وقانونيين وعسكريين تبلدت عقولهم من كثرة اعتمادها على القات في الابداع اللفظي, معتقدين ان الزمن متوقف عند تجربة وثيقة العهد والاتفاق وحرب 1994م. تورط صالح بخبرائه مستخدما اعمال القتل والبلطجة ورفض التوقيع وتقديم التعديلات التي تفضحه الى ان وقع بالتزامات تجاوزت حلفائه في الخليج وصلت الى ان صارت قرارا دوليا اكثر تعقيدا من حيله تشمل مبادرة حلفائه والتشريعات الدولية.

تلكأ صالح في التوقيع فجاءته إشارات بان الوضع قد اختلف ولا يمكن التلاعب بمقررات دولية. استمرت بطانة صالح المتوقفة عند العام 1994م بتوريطه في حركات صبيانية مرصودة من المجتمع الدولي ومحرجة له, فماطل عبر نائبه في تشكيل اللجنة العسكرية بل ولم يخجل في اعلان رفضه لتشكيلها علنا مما استدعى تدخلا دوليا أرغمه على التشكيل في اليوم التالي لاعلان الرفض.

تقول الحكمة العربية بان المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين, لذا فنحن ملزمين بقراءة قرار تشكيل اللجنة العسكرية عدة مرات, لنجد بان القرار ليس قرار عبد ربه بل قرار صالح وندلل على ذلك بالاتي:

1- ذيل القرار بانه صادر برئاسة الجمهورية, والكل يعلم بان عبد ربه غير مسموح له بالعمل من رئاسة الجمهورية, ويمكن لمن يشكك في قولنا هذا ان يدلنا على أي دليل بان عبد ربه يستقبل السفراء او يودعهم او يلتقي بممثلي الاتحاد الاوروبي والولايات المتحدة والخليج في رئاسة الجمهورية, لا بل ان قرعة تشكيل الحكومة تمت في منزله تحت معسكر الحرس العائلي.

2- يعلم الجميع ان عبد ربه عسكري متمكن في الاعمال العسكرية وألاعيبها تشهد له تجربته في حرب 13 يناير المشؤومة, لكنه في الدسائس السياسية لا يفقه شيئا. لذا فان ما ورد في النقطة الثانية من قرار تشكيل اللجنة العسكرية يشتم منه رائحة دسائس صالح ومستشاريه, حيث الغت هذه النقطة أي معنى للمبادرة واليتها وللجنة العسكرية عندما اعطت لعبد ربه كل مهام اللجنة العسكرية متبوعة بالحق في الاستعانة في اعمالها بمن يراه مناسبا دون الرجوع الى اللجنة. فاي معنى لهذه اللجنة طالما وكل مهامها محصورة في رئيسها ومن يستعين بهم حتى ولو كانوا عائلة صالح.

وحتى لا نكون مجحفين بحق النائب وقراره نعود الى بنود الالية التنفيذية للمبادرة الخليجية التي يحدد بندها (15) بان يمارس النائب وحكومة الوفاق الوطني مهام السلطة التنفيذية مشتملة على كل ما يتعلق بتنفيذ المبادرة ومنها تشكيل اللجنة العسكرية المحددة مهامها في البندين (16 و 17) من الالية. وبالعودة السريعة الى نصوص الدستور اليمني في مادته (105) نجد بان من يمارس السلطة التنفيذية نيابة عن الشعب هو رئيس الجمهورية والحكومة ضمن حدود الدستور, مما يعني بان مهام السلطة التنفيذية لرئيس الجمهورية قد انتقلت الى النائب وحكومة الوفاق الوطني وفقا للمبادرة الخليجية واليتها التنفيذية حيث نجد في المادة (119) بان المهام جميعها قد انتقلت الى النائب والحكومة. يضاف الى ذلك ان الصفة الموسومة بها تسمية الحكومة (الوفاق الوطني) وبنود الية المبادرة التي تقرر بان يكون اتخاذ القرارات بالتوافق, لا تسمح بان يعطي عبد ربه لنفسه كل الصلاحيات دون أي اعتبار لشركائه التوافقيين.

من خلال ما تقدم نود ان نضع احتمال استخدام هذا الاسلوب في تشكيل الحكومة, بان يقدم رئيس الحكومة المكلف قائمة باسماء اعضاء حكومته معطيا لنفسه مهام الوزراء وحق الاستعانة بمن يراه مناسبا لتنفيذ تلك المهام. فكيف سيكون عليه الحال؟ وكيف ستنفذ الحكومة مهامها بعناصر من خارجها؟ وماذا سيكون موقف الوزراء؟ لهذا نلفت انتباه المعارضة ورعاة المبادرة واليتها الى الخطر الذي ينتظرنا اذا ما تم التغاضي عن هذا الخرق الفاضح للالية والوفاق, ومؤشراته الخطيرة.