آخر الاخبار
لماذا طالت الثورة..؟
بقلم/ أحمد محمد عبدالغني
نشر منذ: 13 سنة و 4 أشهر و 28 يوماً
الثلاثاء 26 يوليو-تموز 2011 07:37 م

هاهو الشهر السادس من عمر الثورة الشعبية اليمنية يؤذن بالرحيل، ومع قدوم الشهر السابع يستقبل الناس شهر رمضان المبارك، وإذا كان السؤال الذي يطرح نفسه على كل لسان لماذا طالت الثورة..؟ وهل كان الناس آخذين في حسبانهم أنهم سيصلون إلى هذه المرحلة، وهل كانوا يتوقعون أن تمر هذه الشهور بهذه الصورة التي تجمع في مشاهدها بين الواقعية والمثالية، وبين الإصرار الذاتي والمعاناة المفروضة، وبين الممكن واللاممكن من الفرص...الخ.

طبعاً من حق الناس أن يرددوا هذا السؤال ويكرروه، فهو سؤال منطقي، ومنطقيته جاءت من واقع ما شاهدوه وما عايشوه من أحداث وتطورات. فالناس في بلادنا تعاطوا مع الثورة وفي أذهانهم خطوات الحسم الثوري الذي حققته ثورتا تونس ومصر، وكلما مرت الأيام أخذوا يستعرضون في أذهانهم المقارنات الزمنية فيشعرون بالإحباط عندما يروا هذه المقارنات تزداد اتساعاً.

الأمر الثاني، أن الثورة والثوار اليمنيون واجهوا خلال هذه الفترة أقسى درجات العنف والإرهاب، فقد تفننت أجهزة النظام القمعية، في مواجهة الاعتصامات السلمية في كل المحافظات اليمنية، باستخدام مختلف أنواع الأسلحة، ابتداءً بقنابل الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والرصاص المطاطي، ثم بقنابل الغاز الكيماوي المحرم دولياً والرصاص الحي، وانتهاءً باستخدام القناصة في قتل الأبرياء بطريقة مرعبة عبرت عنها مجزرة يوم الجمعة 18 مارس 2011م وما قبلها من مجازر وما بعدها كذلك.

وفي ظاهرة خطيرة ونوعية استخدمت السلطة أساليب الحرب الجرثومية حيث تمت مواجهة بعض المسيرات السلمية بمياه المجاري والمياه العادمة المخلوطة بمحاليل السموم، كما قامت هذه السلطة بتعطيل أجهزة النظافة وإبقاء المخلفات تتراكم في الشوارع أسابيع كي تتعفن فتؤذي الناس بروائحها وتعمل على نشر الأمراض فيما بينهم. طبعاً لم تكتف السلطة باستخدام هذه الوسائل والأساليب، بل راحت تفرض عقاباً جماعياً على المواطنين بصورة عكست درجة الحقد الذي يكنه هذا النظام تجاه شعبه وتجاه الحياة الإنسانية، ومن أهم وسائل العقاب الجماعي:

- تعطيل الكهرباء وجعل الناس يعيشون في الظلام الدامس أشهراً..

- إخفاء المشتقات النفطية، خاصة مادة الديزل، والتي كان لها أثرها الواضح في تعطيل المزارع وإيقاف حركة نقل البضائع وإغلاق المصانع وحتى المخابز، ونتيجة لذلك انعدمت المواد الغذائية في الأسواق وارتفع سعرها، ولم يعد ممكناً القدرة على شرائها.

- تعطيل المصالح والخدمات العامة بما في ذلك المستشفيات والمراكز الصحية.

الأمر الثالث: أن حالة التوحد والانسجام الذي حققته الثورة على المستوى الشعبي وعلى مستوى الساحات في الأشهر الأولى، أوجد حالة من الهيجان والذعر لدى أنصار النظام ولدى حلفاءه الإقليميين، وهو ما دفع هذه الأطراف جميعاً نحو العمل لإخراج النظام من مأزقه ودعمه المادي والمعنوي والسياسي اللامحدود. ولم تكن طائرات الأشقاء التي تصل تباعاً إلى مطار صنعاء حاملة الأموال والأجهزة والمعدات إلاّ نموذجاً على ما قامت به تلك الأطراف من دور.

وكانت عملية الانقاذ تسير في إطار الاسراع بتشكيل ثورة مضادة أخذت أشكالاً متعددة مثل:

- مساعدة وسائل الإعلام الرسمية على استعادة زمام المبادرة وشحنها بدفعة قوية من أساليب الكذب والتضليل وتزييف الحقائق والوقائع والدعايات المضادة.

- العمل على استهلاك الوقت عبر المبادرات والحوارات، وتوظيف بعض الأحداث في هذا الاتجاه، كما هو الحال لعلاج قيادات النظام في الرياض، التي تحولت إلى شكل من أشكال الحرب النفسية وشد الأعصاب.

- فتح حروب قبلية هنا وهناك لصرف الأنظار وإعطاء انطباع عام بأن الصراع هو صراع على السلطة وليست ثورة شعبية سلمية.

- استخدام الحصار الاقتصادي الشامل ضد الشعب اليمني، والعمل على تنفيذ حملة دعائية في أوساط الرأي العام لتغيير قناعات الناس وإيجاد نقمة تجاه الثورة والثوار بالترغيب والترهيب.

- العمل على تفكيك تماسك الساحات، والترويج بأن هناك من سيسرق الثورة.

- العمل على تفكيك تماسك الأحزاب والترويج بأن هناك سيطرة أحادية من قبل البعض..الخ.

- التخويف من البديل القادم.

- العمل على إيجاد حالة من الصراع الاجتماعي عبر إثارة الحقد والكراهية بين أبناء الوطن، والتصوير بأن الثورة تحمل صفة مناطقية، وقيام النظام بتوزيع الأسلحة على جميع أعضاء الحزب الحاكم في جميع المناطق وعلى مستوى الأحياء في المدن. حيث رافق ذلك عملية شحن نفسي إلى درجة أصبح معها أنصار النظام في حالة من الجاهزية لقتل كل من يخالفهم الرأي من جيرانهم ومعارفهم في الحارات والشوارع والأسواق.

وبالتأكيد فإن ما واجهته الثورة اليمنية وما واجهه الشعب اليمني خلال هذه الشهور، بقدر ما يؤكد مشروعية هذه الثورة وأنها ثورة إنسانية ضد الظلم والطغيان والتخلف، فإن ذلك يؤكد أن هذه الثورة لا يمكن أن ترتبط بالحسابات الزمنية التي يتصورها بعض الناس، فواقع التعقيدات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية اليمنية تجعل التعاطي مع الزمن يسير في إطار خصوصية تؤكدها الوقائع التاريخية التي عاشها اليمنييون من قبل.

وبإمكان أي باحث أن يعمل مقارنة بين ثورة 23 يوليو 1952م المصرية وثورة 26 سبتمبر 1962م اليمنية، فالثورة المصرية حسمت أمرها خلال ساعات، بينما ظلت الثورة اليمنية ثمان سنوات (62 – 1970م ) في حالة من الحروب والصراعات المضادة، وتحولت إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.

وهاهي الثورة الشعبية اليمنية 2011م تقف في مواجهة واضحة وجلية مع نفس التعقيدات ونفس التشكيلات ونفس الثقافة ونفس الواقع الاجتماعي بمكوناته الأساسية. وحتى دور الجيران برز بنفس السياسة ونفس الأهداف ونفس الأدوات التي استخدموها ضد ثورة 26 سبتمبر مثلاً..

ومن هنا فإن ما يجب على الثورة والثوار ألا ينشغلوا بموضوع التساؤلات التي تُطرح، لماذا طالت الثورة.؟ سواء كان ما يُطرح من باب الإشفاق أو من باب الشماتة والتيئيس، فكل من يقف خارج الحلبة يتعاطى مع المشهد في سياق ما يجب أن يكون نظرياً، لكنه لا يعلم حقيقة ما يعانيه ذلك الذي يخوض المعترك داخل الحلبة وما يقدمه من جهد وإمكانيات..

ويكفي الثورة والثوار اليمنيون فخراً أنهم استطاعوا خلال الأشهر الستة الماضية أن يحققوا انتصاراتهم السلمية رغم كل الأساليب القمعية التي وجهت لهم، واستطاعوا أن يعروا زيف النظام الحاكم ويكشفوه على الملأ، ويحشروه في الزوايا التي لم يكن يعهدها أو يتصورها، رغم كل ما يملكه من إمكانيات وما يتلقاه من دعم وخبرات الأشقاء والأصدقاء.