اليمنية تشتري طائرة جديدة وتجدد مطالبتها بالإفراج عن طائرات لا تزال محتجزة لدى الحوثيين طائرة وفد قطري رفيع المستوى تحط في سوريا لأول مرة منذ سقوط الأسد أحمد الشرع يُطمئن الأقليات: ''بعد الآن سوريا لن تشهد استبعاد أي طائفة'' مواجهات في تعز والجيش يعلن احباط هجمات للحوثيين قرار اتخذته أميركا مؤخراً يتعلق بمواجهة الحوثيين واتساب يوقف دعم هذه الهواتف بدءًا من 2025.. القائمة الكاملة صلاح يكتب التاريخ برقم قياسي ويتفوق على أساطير الدوري الإنجليزي أسطورة ليفربول يخضع لمحمد صلاح اعتراف الحوثيين بخسائر فادحة نتيجة الغارات على صنعاء الموساد يكشف تفاصيل صادمة حول عملية البيجر المفخخة ضد حزب الله
هناك قاعدة شرعية في ديننا الإسلامي تقول: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" ولو تأملنا في سياق ثورات الربيع العربي لوجدنا أن رد الفعل الإقليمي والدولي تجاهها تحكمه مصالح الدول التي هي قريبة أو بعيدة من مصدر الثورة، وعندما تكون اليد الطولى والكلمة العليا للمصالح؛ فإن المفاسد في قانون هذا المجتمع ليس لها مكان في الإعراب أو الاهتمام، ما دامت بعيدة عن الدول التي تنتمي إليه. وبناء على ما سبق فإن المواقف المساندة أو المناهضة لثورة ما من دولة ما؛ تنبني على مصالح الأخيرة؛ سواء كانت تنتمي إلى المجتمع الإقليمي؛ أي قريبة من مصدر الثورة، أو تنتمي إلى المجتمع الدولي؛ أي بعيدة عن مصدر الدولة. وعندما يسيطر غول المصالح؛ فإنه مهما كان حجم المفاسد المترتبة على بلوغها كأنها لم تكن شيئا مذكورا، بمعنى أدق: لا يهم المجتمع الدولي أو الإقليمي - إذا سلمت مصالحهما أو مصالح دولهما - حجم الكارثة التي قد تحل بالشعوب الثورية؛ فكما لا يوجد للمفاسد أي مكان للإعراب في قانون مصالح الغاب؛ فإن الشعوب الثورية تحتل المكانة نفسها؛ فلا تهمهم الشعوب ولا حجم المفاسد التي تنزل بهم، وهذا الموقف طبعا يبقى تحت الطاولة، أما فوق الطاولة فهو دائما مع الشعوب.
إن هذه المصالح والحرص عليها؛ قد تجعل دولة ما متناقضة في مواقفها إلى حد الاشمئزاز، فإيران - مثلا - ظهرت في ربيع الثورات في صورة تناقض مخزي، سماه أوباما "نفاق إيراني" ومع أنني أوافق أوباما في توصيفه، بيد أنني لا أبرء ساحة هذا الأخير مما وصف به إيران، فإذا كانت إيران منافقة فهو من يصنع النفاق ويصدره؛ فالمصالح تجعل الجميع منافقين أو متناقضين بل وفي تمام التناقض، وهكذا يكون السائد عندما تكون المصالح هي السيد، فلا فرق ساعة ذلك بين إيران الإسلامية وأمريكا المسيحية، واليابان البوذية، فالجميع سواسية عند لعبة المصالح، فتذوب القيم الإسلامية عند الأولى، والقيم الإنسانية عن الثانية والثالثة، وتسود فقط قيم المصالح، أو قانون الغاب، وظهور تلك الدول في صور الذئاب.
وعودا على بدء، فإن إيران ظهرت في موقف الداعم والمساند تارة، والضد والمناهض تارة أخرى، فجميع ثورات الشعوب العربية نالت الدعم والاستحسان بل وعين الرضا من إيران، إلا ثورة شعب سورية فقد كانت عين السخط له بالمرصاد، لترصده في عداد العملاء لدولة إسرائيل، ولما كان لروسيا مصالح مع إيران لم يسعها إلا أن تقف الموقف نفسه، وإن كنا لا نعيب الموقف الروسي بقدر ما نعيب النظام الإيراني، فهذا الأخير يعلن عن أسلمت تشريعاته، لكن كلمة المصالح – كما سلف - أعلى من كلمة الدين، فكان الشعب السوري عميل للموساد ويريد أن يكثر في سورية الفساد، وعلى بشار أن يصب عليه سوط عذاب، ولا يهم إيران حجم المفاسد التي ينزلها بشار الذئب بشعبه، ولا يهمها سيلان شوارع سورية بدماء شعبها؛ هكذا اقتضت مصلحة إيران، وهكذا كان موقفها مناهضا بدرجة امتياز لثورة شعب سورية، وفي الوقت نفسه كان موقفها على النقيض تماما مما حدث في البحرين، أي مساندا وبدرجة امتياز للثورة هناك على الرغم من أنها أخذت منحى طائفيا، فقد كانت شيعية ولم تكن شعبية ألبتة، وهذا ما جعل إيران تقم ولا تقعد، وتبكي ولا تضحك، ولما كان ذلك كذلك، فقد بدت قناة العالم وكأنها متخصصة في الشأن البحريني بكاء وعويلا، ولما جاء دور الشعب السوري، فقد جفت العيون وطويت الصحف, ولم يكن له في هذه القناة نصيب إلا من اتهام أو إساءة.
وأنا هنا لا أتهم إيران وحدها فهناك دول عربية وإسلامية تقف الموقع نفسه، فتجدها تارة مناهضة ومساندة تارة أخرى، بيد أني ركزت على إيران لأن موقفها تجاه ثورتي سوريا والبحرين متناقضا إلى حد الاشمئزاز، وإلا فإنني لا استطيع أن أبرئ ساحة أي دولة من الوقوع في شراك التناقض، فمثلا دولة الأمارات الشقيقة لليمن، رضت على نفسها أن تخلع بزتها – وقد كنا نراها دوما في بزة الأسود – لتلبس هذه المرة بزة ليست من مقامها ومكانتها، عندما رضيت بما قامت به شركة دبي من تآمر على ميناء عدن، حين استطاعت الذئاب اليمنية أن ترسي المناقصة لشركة دبي على حساب استمرار جوع اليمنيين وتدهور اقتصادهم، للأسف الذي يعقد صفقة مع ذئاب أو حتى يرضى بها ويغض الطرف عنها إنما يجعل نفسه في صورة ذئب، سواء كان فردا أو دولة أو مقاطعة في دولة، فالدولة الحريصة على المال والشرف مثلها مثل الفرد أو المرء الواحد، فهذا الحرص يجعل الدولة/ المرء اشد بشاعة وفتكا على الشعوب الضعيفة من ذئبين جائعين أرسلا في غنم، هكذا مثل الرسول صلى الله عليه وسلم للمرء الحريص على المال والشرف (الثروة والسلطة) مهما كان موقع هذا الفرد ملكا أو رئيسا، إن شره على شعبه أشد من شر ذئبين جائعين أرسلا في غنم من دون راعي، أن وجه الشبه في الحالين هو كثرة الدماء وكثرة الأشلاء، وهي الصورة نفسها لما يحدث في سوريا وليبيا واليمن.
نعم كل الدولة –كما سلف- قد تقع في فخ المصالح، بيد أن هناك استثناءات قليلة؛ هي أقل من أصابع اليد الواحدة؛ إذ تبقى نسبة الدولة التي لا تلطخ مصالحها بأنات وأهات ودماء وأشلاء الآخرين، كنسبة الصالحين للطالحين، فعلى الرغم من أننا نعيش في عصر قد تكالبت فيه المصالح أو تذاءبت – إن جاز التعبير – إلا أن هناك دولا ما تزال تحرص كل الحرص ألا تخلع بزة الأسود ولا تشارك الذئاب في موائدهم، مهما تضررت مصالحها الذاتية؛ فالأسود دائما لا تأكل إلا من صيدها هي ومن المستحيل أن تشارك الذئاب أو تأكل معها في مائدة واحدة.
وما دام حديثنا انتقل من الحديث عن الذئاب إلى الأسود، فدعوني أختم بالمسك هنا لأتحدث عن تركيا؛ تركيا التي طالما اتهمت من الشقيق قبل الصديق أنها تسعى من وراء شفافية سياستها الخارجية إلى تحقيق مصالحها الذاتية، وما زلت أكرر مرارا أن سعي دولة أي دولة وراء مصالحها ليس عيبا ولا نقصا ولا موقع ذم من الآخرين، ولعل ما يميز تركيا – مثالنا الحسن والمسك – عن بقية الدول عامة؛ أنها تكاد الوحيدة - إسلاميا - من تتقيد بالقاعدة الشرعية الإسلامية التي تقول: "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" وتركيا المسلمة لا ترضى أن تسعى وراء مصالح ملطخة بدماء شعوب أخرى؛ فها هي تركيا على الرغم من أنها كانت تسعى منذ وقت طويل وليس بالقصير، وراء الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وقد كان بمثابة حلم لها سعت له سعيها، وعندما أقدمت إسرائيل على حرب غزة لم تجد تركيا بدا من التصدي لها وقطع الكثير من علاقاتها معها وتهديدها بالمزيد إن لم تقف عند حدها، وهي قامت بمثل هذا موقف وهي تدرك تمام الادراك أن قد يكلفها خسائر فادحة على رأسها توقها إلى الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فإسرائيل تضل مفتاح ذلك الباب، إذا لم تسوء العلاقة، بيد أن تركيا وما يمثل لها الانضمام من الأهمية القصوى لدول الاتحاد الاوروبي إلا أنه لم يعد بالنسبة لها شيئا مذكورا؛ إذا كانت فاتورة حسابه هي السكوت عن الدماء الفلسطينية التي أسالتها يد الغدر الإسرائيلة في عدوانها على غزة.
وإذا ما تركنا فلسطين إلى جارتها سورية، فإن الموقف التركي لا يقل شئنا عنه مع إسرائيل، فعلى الرغم من أن رسوخ العلاقات بين الدولتين (سوريا وتركيا) كان حديث عهد، أو ميلاد جديد إلا أن الأخيرة وقفت موقفا مشرفا - وليس متواطئا كما فعلت إيران – وهذا الموقف كان سببه القتل الجماعي الذي وقع على الشعب السوري من نظام بشار الذئب لأن الشعب طلب الحرية وتاقت نفسه إليها، وما كانت تركيا لترضى الاستمرار في هذه العلاقات إذا كان الاستمرار على حساب الدماء السورية، وهو للأسف ما ارتضته على نفسها ومن أجل مصالحها إيران الإسلامية؛ ومثلها روسيا الشيوعية، فإذا كانت الأولى لم يردعها دينها فإن الثانية لم تردعها إنسانيتها التي تتشدق بها، بيد أن الأخيرة كانت صريحة بما يكفي عندما تحدثت عن المصالح، لترفع الغطاء عن المجتمع الدولي فيزيد البله معرفة أكثر به؛ فهو يربط ما يحدث من دماء وأشلاء بمصالحه أو مصالح دوله، فإذا كانت هذه الأخيرة في مأمن – بتصريح مندوب روسيا – فليس مهما أن يستمر النظام السوري بامتصاص دماء شعبه والتهام لحمه وتهشيم عظمه.