صلاح يكتب التاريخ برقم قياسي ويتفوق على أساطير الدوري الإنجليزي أسطورة ليفربول يخضع لمحمد صلاح اعتراف الحوثيين بخسائر فادحة نتيجة الغارات على صنعاء الموساد يكشف تفاصيل صادمة حول عملية البيجر المفخخة ضد حزب الله ترامب يتعهد بإنهاء حروب أوكرانيا ومنع اندلاع حرب عالمية ثالثة ترمب يثير الجدل بشأن استعادة قناة بنما ويكشف عن لقاء مع بوتين مواجهات وتطورات خطيرة في مخيم جنين بالضفة الغربية هاكان من سوريا يتوعد : لا يمكن التسامح مع سلب إسرائيل للأراضي السورية شابة سعودية حذرت سلطات ألمانيا من منفذ حادثة الدهس العثور على أحد الضباط اليمنيين المفقودين من أصل سته آخرين بعد خروجه من معتقلات الاسد وهو في وضع شبه منهار
جلس الشيخ مصطفى زين العيدروس بحلته الإسلامية القشيبة على أحد المقاعد في الصف الأمامي في قاعة (عدن مول) يرنو بنظره صوب قلب المنصة التي راحت تكشف عن لوحة كبيرة كُتب عليها: "المؤتمر التأسيسي للمجلس الأعلى لأبناء وأهالي عدن".
بدا واضحاً أن الشيخ مصطفى زين العيدروس - بطلته البهية ووجهه البشوش- يعد نفسه لحدث ما، سيبدو في ما بعد لافتاً للانتباه بالنسبة إلى كثيرين حداً غير متوقع البتة.
راحت مجاميع من الناس تتداعى إلى قاعة عدن مول صباح الأحد الموافق 29/5/2011م؛ وكثير منها لم يكن يملك فكرة واضحة عن أهداف المؤتمر ولا حتى من هو راعيه باستثناء أولئك الذين تولوا إدارة المؤتمر، وتلك المجموعة التي راحت تتجه بنظرها صوب العيدروس وكأنها فرغت لتوها من قراءة فنجان كشف الطالع؛ في حين راح عدد كبير من هؤلاء الناس ينهمكون في أحاديث جانبية قبل بدء الاجتماع الذي من المفترض أنه سيتحتم عليه أن يناقش موضوعاً بذاته لا أن يغرق في تفاصيل أخرى لا علاقة لها بالموضوع الأساس، وراح عدد أخر يبذلون محاولات للدخول إلى قاعة الاجتماع في ظل انتشار دعوات حضور جعلتهم يتساءلون على أي أساس تم توجيه مثل هذه الدعوات، وبالتالي سبب حصرها، على نحو عنصري، على ناس دون غيرهم طالما ينعقد مثل هذا المؤتمر تحت الشعار اللامع: "من أجل عدن".
بالنسبة إلى كثيرين من سكان عدن؛ عدن باعتبارها حاضناً دائماً ودافئاً لكافة قاصديها دون تمييز، فإن انعقاد مثل هذه المؤتمرات فكرة من الأهمية بمكان الاهتمام بها، بل ومساندتها من خلال إبداء الحرص التام على انعقادها في ظل الشكوى التي لطالما جاهر بها كثيرون عن ضياع حقوقهم على كافة الصُعد والمستويات خلال الفترة الفائتة وقد تجاوزت طبقاً لكثيرين أربعين عاماً ويزيد.
بالنسبة لي فإن الأمر تبدى على نحو مُحفّز لا يخلو من التفاؤل بحيث أطلقتُ العنان لنفسي في أن أتصور أن هذا المؤتمر، طالما تقرر أن يكون من أجل عدن، سيكون مختلفاً ولا شك عن تلك المحاولات التي شهدناها خلال الأسابيع الفائتة والتي قال عنها باذلوها أنها تمت من أجل عدن أيضاً؛ في حين أتضح تالياً أنها من أجل خدمة مصالح حفنة من الناس ليس غير..!
نعم تبدى الأمر لي على نحو مُحفّز خصوصاً وقد رأينا كوكبة من الوجوه التي تتصدر المشهد السياسي والثقافي والاجتماعي والرياضي في عدن تداعت إلى القاعة بخلاف تلك الوجوه الشابة التي نراهن عليها في حدوث التغيير المأمول في المشهد اليمني بأكمله.
لكن الأمور سرعان ما راحت تتكشف لنا على نحو تلقائي مخيب للآمال تماماً، إذ توجب علينا سماع محاضرات عامة من شخصيات سياسية يمنية عبر اتصالات هاتفية توالت علينا من أمريكا وبريطانيا وبلاد واق الواق؛ وكأننا في حصة مدرسية لتلقي فيتامينات معرفة ناقصة لدينا؛ في الواقع بدت القاعة فرصة مناسبة لكثيرين للكسب السياسي على حساب الموضوع الأساس: مؤتمر تأسيسي لأبناء وأهالي عدن. بل ولقد راح صوت أحدهم يدوي في القاعة رافضاً افساح الحديث لشخصية بذاتها نيل فرصتها في الكسب السياسي مثلما فعل غيره لمجرد أن اسمه ينتهي بـ"القباطي" مع ان هذه الشخصية أكاديمية معروفة في الوسط العدني منذ زمن بعيد بل ومن أسرة شاركت في محطات ثورية سابقة في الجنوب؛ ولكم أن تتصوروا الهرج الفاضح الذي عصف بالقاعة؛ بل ولكم ان تتصوروا أيضاً ما هو أبشع حين راح أحدهم وبدلاً من أن يقول بالروح بالدم نفديك يا يمن، أو بالروح بالدم نفديك يا عدن، راح يصرخ بشكل هستيري: بالروح بالدم نفديك يا هشام...!
هل سأل أحدكم لماذا كل هذا يحدث أصلاً..؟ وهل هذه هي (المدنية النيّرة) التي لطالما كانت ميزة عدن وساكنيها ومدعاة للتذكير بها صباح ومساء كل يوم..؟
أنظروا: بعد مضي دقائق كثيرة من بدء وقائع المؤتمر تذكر أحد الحاضرين في القاعة أنه يجب أن نقف دقيقة حداد على أرواح الذين قضوا نحبهم في ساحات التغيير.
اللافت للانتباه أن أغلب من فرضوهم علينا لنسمعهم في القاعة راحوا يتحدثون عن مفردات حضارية راقية يجب أن نتقيد بها في حياتنا، وسلوكياتنا، مثل: الديمقراطية، واحترام الرأي والرأي الآخر، وعدم فرض الوصاية، ودعم حق الحريات العامة والخاصة، ونبذ العنف، ورفض الإقصاء والهيمنة، وهلم جرا من هذه المفردات الكبيرة المعنى العميقة الدلالات.
لكن ما أن حل موعد أول اختبار بسيط، لنطابق أقوالنا مع أفعالنا، تساقطت الأقنعة في القاعة على نحو تراجيدي شديد الإحباط..!
تولى من بيده ميكرفون القاعة الإشارة إلى أن الشيخ مصطفى زين العيدروس هو من تولى رعاية المؤتمر؛ ومن ثم تم فرض اسمه ليكون رئيساً بالتزكية.
هل ثمة مفاجأة هنا؛ بل أساساً هل ثمة شيء هنا له علاقة بالديمقراطية..؟!
لقد تم التعامل مع الحضور وكأنهم (أكواز مركوزة) جيء بهم إلى القاعة لهز الرأس عمودياً.
حسناً.. هل يتذكر أحدكم الآن كيف تم تنصيب الرئيس صالح رئيساً للحزب الحاكم في المؤتمر الذي عقد في ستاد 22مايو بـ"المدينة ذاتها عدن" قبل بضع سنوات...؟!
صحيح تماماً.. أنتم محقون: وفق العملية ذاتها بالتزكية وهز رؤوس الحاضرين بشكل عمودي..!
لكننا الآن في فترة توهج ثورية يتداعى لها الناس من كل حدب وصوب بغية تحقيق أهداف عظيمة تحترم عقولنا مثل: الديمقراطية، واحترام الرأي والرأي الآخر، وعدم فرض الوصاية، ودعم حق الحريات العامة والخاصة، ونبذ العنف، ورفض الإقصاء والهيمنة، وهلم جرا من هذه المفردات الكبيرة المعنى العميقة الدلالات؛ ومع هذا، ورغم كل ذلك، وجدنا بعضنا يقدمون صورة الشيخ مصطفى زين العيدروس كنسخة لصورة الرئيس صالح بغض النظر عن كوننا على علم بالفروقات بين الرجلين وتاريخ كل منهما..!
لقد تم تزكية العيدروس مثلما فعل غيرهم من قبل مع الرئيس وإن تغيرت الوجوه واختلفت بعض التفاصيل: النتيجة واحدة وفق الأسلوب ذاته. بل وبالطريقة ذاتها كانوا يدفعون بعدد من الأسماء المُعدة سلفاً لفرضها - كوصاية- على الحضور كلجنة تحضيرية للمؤتمر المفترض انه يسير وفق أسس ديمقراطية بحسب ما جاء في مسودة مشروع النظام الأساسي للمجلس الأعلى لأبناء وأهالي عدن التي تم توزيعها في قاعة الاجتماع بشكل محدود..!
من الطبيعي أن يسود هرج ومرج في القاعة؛ ولقد تذكر أحد الحاضرين أن الشخصيات التي صعدت إلى المنصة ينقصها العنصر النسائي، وكذلك كان العنصر الشبابي مفقوداً وهو الذي كان محور حديث من تحدثوا على اعتبار أن الثورة في اليمن ثورة شباب...!
ليست لدي أية اعتراضات على شخصية العيدروس، وبل وليست لدي خصومة أو مصالح من أي نوع معه، والأمر ذاته مع بقية الأسماء التي صعدت إلى المنصة.
لدي خصومة تحديداً مع أولئك الذين يقولون شيئاً ويفعلون ضده؛ في الواقع لا أطيق مجموعة من الناس المفترض أنهم من النخبة؛ ومع ذلك نجدهم يعملون على مخاطبة كل أعضاء أجسادنا باستثناء عقولنا.....!
ما الذي يمنعنا من القيام بما ينبغي القيام به لنبدو ديمقراطيين فعلاً أو على الأقل نطابق بين ما نقوله وندعو له، وبين ما نفعله فعلاً..؟!
تبلغ خطورة أي فعل عندما يكون تأثيره المباشر يمس وعي العامة.
بإمكان المرء قبول أي شيء باستثناء تسطيح وعيه. وفي المثال بعاليه نحن أقرب إلى ثقافة تحاول بلوغ هدفها بغض النظر عن كيفية ونوعية الوسائل المتاحة أو المستخدمة.
بودي تدارك ما حدث بعد كل ما جاء بعاليه واصلاح مساره؛ بودي فعلاً تداركه بما يؤدي إلى احترام وعي العامة ليس أكثر؛ مع أن أول أهداف مسودة مشروع النظام الأساسي للمجلس الأعلى لأبناء وأهالي عدن ينسف ديمقراطية هذا الكيان بشكل لا لبس فيه.
لسائل أن يسأل: وهل ثمة فرق أصلاً بين (أبناء عدن) و(أهالي عدن) لنهضم وفقه الإصرار على إطلاق مثل هذه التسمية على هذا المجلس..؟
ولحين يتمكن أحدكم من الإجابة على السؤال، دعونا نركز على التالي:
جاء في المادة الرابعة في هذا المشروع ما يلي: "يقوم المجلس الأعلى لأبناء وأهالي عدن على المؤسسية والتوافقية والطوعية في عمل وتكوينات المجلس"..!
هل رأى أحدكم من قبل كيف يمكن ربط ثلاثة مفاهيم متضادة مثل: المؤسسية، التوافقية، والطوعية في كيان ديمقراطي - ليس فيه أي وصاية من أي نوع- من المفترض أنه سيتعين عليه العمل الهادف لاستعادة مكانة عدن ودورها التاريخي على مختلف الأصعدة......؟!!