الوجه الكالح.. في متشابهات بشار وصالح
بقلم/ أ د فؤاد البنا
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و 27 يوماً
الخميس 26 مايو 2011 06:35 م

بين اليمن وسوريا علاقات تاريخية وجغرافية وحضارية متشابكة ، فسوريا هي الجزء الأكبر من بلاد الشام التي تمثل شمال الجزيرة العربية ـ إذا أكملنا هذه الجزيرة بنهر الفرات ـ واليمن هي جنوب الجزيرة ، وقد ربط القرآن بين الأرض المقدسة في بلاد الشام وبين بلاد اليمن في سبع آيات من القرآن الكريم ، منها قصة نبي الله سليمان مع الملكة بلقيس ، وعَدَّ الرسول (ص) الشام (أرض الرباط) وعَدَّ اليمن (أرض المدد)، ودعا للمنطقتين في حديث صحيح قال فيه: "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا" ، وتحتل الشام واليمن قائمة بلدان العالم في الأحاديث الشريفة الصحيحة التي وردت في فضائل البلدان .

ويتشابه البلدان اليوم في عدد السكان ، وفي العَلَم سوى أن العلم اليمني خالي من أي نجمة بعد الوحدة ـ لأن صالح صار النجم الأوحد ـ ، وفي الاسم ، حيث كانت اليمن الشمالي قبل الوحدة الجمهورية العربية اليمنية ، وفي أسماء بعض المدن المشتركة بين البلدين ، مثل: جبلة ، السخنة ، البيضاء ، وإذا كان أعلى جبال اليمن يسمى جبل النبي شعيب ، فإن أحد أعلى جبال سوريا يسمى جبل النبي يونس!.

وتضم اليمن وسوريا أقدم عاصمتين مازالتا مأهولتين إلى اليوم وهما: صنعاء ودمشق ، والمؤرخون على خلاف أيهما أقدم.

وكل هذا التشابه أمر لطيف، لكن الغريب أن هناك تشابه يقترب من التطابق بين البلدين في شؤون الاستبداد والفساد والحكم العسكري الطائفي الأسري ، كما سيتضح من هذه المقالة .

* تشابه المباني والمعاني:

 ينتمي النظامان الحاكمان في سوريا واليمن إلى خانة الأنظمة الشمولية ذات النَّفَس العسكري ـ الأسري ـ الطائفي ، ففي سوريا يتحكم العسكر والمؤسسة الأمنية منذ عقود بمجريات الحياة ، وينحدر الحكام من الأقلية النصيرية ، ويُمسك بمقاليد الأمور عدد من أفراد أسرة "الأسد" ، ولاسيما إخوان بشار وأبناء عمومته .

ولا يختلف الحال في اليمن ، فالرئيس ينتمي إلى أقلية طائفية باسمها يحكم ، وإن كانت مقاليد الأمور ومفاصل النظام بيد المأمونين من آل الصالح ، ولاسيما الأبناء وأبناء الأخوة ، وأبناء العمومة والأصهار والأنساب ، وكانت الأسرة تركز على المفاصل العسكرية لكنها منذ ما يزيد عن العقد من الزمن قد تسللت إلى المفاصل المدنية ولاسيما في المجال الاقتصادي .

يقف الأسد على رأس حزب البعث ، ويتربع صالح على رأس حزب المؤتمر الشعبي العام ، شكّل الأسد مجموعة من الأحزاب المجهرية دخل معها في تحالف سماه "الجبهة الوطنية" ،وشكّل صالح لنفسه عدداً من الأحزاب التي تدين له بالولاء أكثر من المؤتمر نفسه ، ودخل معها في تحالف سماه "التحالف الوطني" ، وتصور معي أن عبده الجندي وياسين عبده سعيد وقاسم سلام الذين تعودوا عبادة الأصنام حتى وصلوا إلى عبادة صنم صالح ، محسوبون على المعارضة اليمنية ، ولن ينسى أحد ما فعله ياسين عبده سعيد في الانتخابات الرئاسية عام 2006م ، واسمحوا لي أن أقفز فوقه لأن تذكر أمثال هذا المسخ وأفاعيلهم وأقوالهم يثير القرف والاشمئزاز ويتسبب في الغثيان والطرش!!.

ويتشابه النظامان في كثرة التشكيلات العسكرية ، حيث يملكان بجانب الجيش الرسمي جيشاً احتياطياً يسمى الحرس الجمهوري ، والغريب أن وصفه (الجمهوري) وهو الحرس العائلي، بمعنى أن الجمهورية أصبحت مرادفة للصالح أو الأسد!

وتمتد الشمولية إلى كل نواحي الحياة ، ورأس الحربة دوماً في هذه الشمولية هي الأجهزة الإعلامية التي لا تني عن التسبيح بحمد بشار وتمجيد علي صالح آناء الليل والنهار ، حيث لا تنطفئ نيرانها كما لم تنطفئ نيران المجوس ، ويبدو أن رياح الثورة هي التي ستطفئها هنا وهناك ، بعد أن تسببت في إشعالهما في البداية!. والغريب أن الصحيفة الناطقة الأولى باسم النظامين في صنعاء ودمشق ، تسمى صحيفة "الثورة" ، وليس لها من صلة بالشعب إلا الاسم كالحرس (الجمهوري)!.

وتبرز وسائل الإعلام التقليدية وغير التقليدية مظاهر تأليه الزعيمين ، حيث تنتصب ملايين اللوحات في شوارع المدن اليمنية والسورية تحمل صور الزعيمين اللذين أتيا بما لم تأت به الأوائل!!. إضافة إلى اكتظاظ الدوائر والمكاتب الحكومية بهذه الصور ، بل وأصبحت هذه الصور جواز مرور ووسيلة لتهريب كل ما هو محظور فوق السيارات والشاحنات!.

وبسبب هذا التشابه الشمولي ، فإن النظامين يحاربان سائر الأحزاب الأخرى ، ولاسيما الإخوان المسلمين ، وهنا يوجد فرق بين النظامين وهو أن النظام السوري مازال يتبنى قانوناً يحكم بالإعدام على كل من ينتمي إلى حركة الإخوان ، بينما يقتل نظام صالح الإخوان بجانبه المعنوي، عبر السب والاتهام والتشويه ، حيث نسب لهم كل عيوب الدنيا وآفات العالم ، لدرجة أنه اتهمهم بالعمالة لأمريكا وإسرائيل ، وأفتى بأنهم مرتدون ويتخذون من الإسلام أداة للوصول إلى السلطة... إلى آخر القائمة المتناقضة التي لا تخرج إلا من فم صالح وأمثاله من أعداء الحق الذين وصفهم الله بالتناقض في قوله تعالى: {بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج} [ق: 5].

 وتفوّق صالح في وسيلة من وسائل القتل المعنوي ضد الإخوان ، وهي استخدام استراتيجية العصا والجزرة ، ومداومة أساليب الترغيب والترهيب ، وصولاً إلى ما أسميها بطريقة القتل المأمونية ، نسبة إلى الخليفة العباسي المأمون الذي قال: بلوتُ رعيتي بالسيف والكرم ، فكان الكرم أنجع فيها!.

* ضخامة الصوت وقتامة الصورة:

يتفق نظام صالح ونظام الأسد في أن كليهما صاحب صوت مرتفع في الحديث عن أمور كثيرة جميلة في دائرة عمارة البلد والإنجاز التنموي والرقي العمراني والتقدم الحضاري ، لكن الفعل غالباً ما يكون باهت الحضور قاتم الصورة ، وفق الحقائق على الأرض والأرقام المقارنة التي لا تحابي أحداً .

لقد تعود النظامان على التأشير يميناً والسير يساراً ، تعودا على الحديث عن الغنى مع اتخاذ سياسات الإفقار وزيادة البطالة ، الحديث عن ضرورة الارتقاء بالتعليم كماً وكيفاً ، مع زيادة التردي في الخدمات التعليمية وارتفاع نسبة المتسربين من التعليم وعدد الأميين ، الحديث عن العلم والتكنولوجيا كرافعة حضارية لا غنى عنها ، مع اتساع رقعة الخرافيات والبداوة والتخلف ، التشدق بضرورة الإصلاح ومحاربة الفساد مع اتساع الخرق على الراقع ، حيث لا يوجد مرفق حكومي واحد في البلدين لم تطله أصابع الفاسدين ولم تعبث به أيدي الفاسدين .

تعود نظام صالح ونظام الأسد على التغني بالأوطان وعزف النشيد القومي ، وعلى التفاخر بالعرب والعروبة إلى حد يقترب أحياناً من الفكر النازي او الاستعلاء اليهودي ، لكن الواقع شهد بتحالف النظامين مع الشيطان ضد الأوطان والتآمر على دول عربية شقيقة ، وممارسة شتى صور الابتزاز ضد الدول الخليجية خاصة ، وحتى في القضايا الدعائية التي يحرص النظامان على الحضور فيها لمداعبة العاطفة القومية والعبث بالمشاعر الدينية للجماهير ، لم يعودا يأبهان بها كثيراً ، ولذلك وقف نظام الأسد البعثي مراراً ضد النظام البعثي في العراق ، سواء مع إيران في حربها ضد صدام أو مع الحرب الأطلسية ضده في 1991م ثم في 2003م ، أما النظام اليمني فقد وقف ضد غزة في قمة الدوحة الشهيرة، وعمل على تجفيف منابع الدعم المالي داخل اليمن!.

ولأن الإناء الفارغ أكثر جلبة من الإناء الممتلئ فإن إناء النظام اليمني أكثر جلبة ، والعربة السورية أكبر ضجة ، بينما تشير أرقام التنمية البشرية في البلدين إلى عدم وجود أي منجزات ذات بال ، فضلاً عن المعجزات التي يتحدث عنها أصحاب النفاق السياسي وأهل الإعلام الرسمي المبتذل ، فالبنية التحتية هزيلة ، ونسبة الأمية والبطالة والفقر في ارتفاع ، مما نتج عن ذلك رخص قيم قطاعات عريضة وسط هذين الشعبين الكريمين اللذين اشتهرا بالأنفة والعزة ، لكن عقوداً من الإفقار سلبت الكرامة عن أعداد غير يسيرة منها ، حتى شاعت وسطهما الكثير من الظواهر غير الأخلاقية ، أهونها ظاهرة "الزواج السياحي"!.

وبسبب الفقر والفاقة ، وهروباً من الاستبداد ، ظلت مجاميع من اليمنيين والسوريين تتغرب في أصقاع الأرض وتتشظى في أقطار الدنيا ، معرضة نفسها لشتى صنوف الأخطار ، لتبحث عن ملاذ آمن وحياة كريمة ، ولهذا فإن أبناء هذين الشعبين يحسدان المغترب ويهنئان المتشرد من وطنه!!.

* أحزابٌ ديكوريَّة وبرلمانات وَرَقِيَّة: 

مع كل ما يقوم عليه النظامان من مؤسسات استبدادية ، ومع كل ما يسلطانه من قمع ضد الخصوم وأصحاب الرأي الآخر ، فإن هذين النظامين يزعمان أنهما نظامان ديمقراطيان ، وأنهما يمتلكان شرعية دستورية وينحدران من قبل الشعب!.

ونعيد التأكيد على أن الفكر السياسي في العالم كله لا يتردد وفق معاييره العلمية في وضع هذين النظامين ضمن خانة الأنظمة البوليسية الديكتاتورية ، وهذا ما تؤكد عليه كل المنظمات والجهات والتقارير ذات الصلة بالحريات والديمقراطية والشفافية في العالم .

إن هذين النظامين لا يمتلكان أي شرعية دستورية ، بدلالة شعورهما بالخوف الدائم ، ولجوئهما إلى الحوائط العسكرية والأمنية ، فالجيش يبنى على أساس عشائري أسري ، لا يمتلك حظاً من الوطنية ، ومع ذلك لا يوثق به ، ويتم إيجاد جيش أسري أكثر ولاء يسمونه وياللعجب بالحرس الجمهوري ، وخوفاً من أن يصدق بعض أفراد هذا الحرس العائلي بأنه جمهوري يحتاط القادة بإيجاد جيش أقل عدداً وأكثر صرامة في الولاء يسمونه بالقوات الخاصة ، ومع اشتداد الظلم يشتد الخوف ، فيزيدون الجيوش جيشاً أضيق دائرة وأكثر حقداً على الشعب يسمونه الحرس الخاص ، هذا على مستوى الجيش ، أما على مستوى المؤسسات الأمنية والاستخبارية فإن الأمر أشد وأنكى ، حيث كل جهاز أمني رقيب على الآخر ، فقط في قضية الولاء للأسرة الحاكمة ، ولذلك فإن عدد الأجهزة الأمنية في سوريا يصل إلى حوالي 15 جهازاً ، واليمن ليس بعيداً عن هذا الوضع ، بحيث إذا فرط جهاز أو سقط احتل مكانه جهاز آخر!.

ولهذا فإن المؤسسة العسكرية والأمنية في البلدين تحظى بنصيب "الأسد" من الميزانية العامة للدولة ، إذ تحتل سوريا المركز الأول في الوطن العربي ، بنسبة اقتربت من 60% من الميزانية العامة ، أما في اليمن فإن النسبة الرسمية المعلنة تزيد عن 30% ، وهي من أعلى النِّسب على مستوى العالم ، فكيف لو جمعنا إليها الميزانية غير المعلنة ، والصرفيات غير المباشرة؟!.

وبالنسبة للبرلمان ، فإن البرلمان السوري أهون من أن يسمى برلمان ، وقد رأينا كيف وقف أعضاؤه لدقائق يصفقون للرئيس الأسد بطريقة منظمة ومبتذلة ، ولم يسمحوا له بالكلام بسبب هتافاتهم المتهافتة التي نسوا في غمرتها أنهم ممثلون للشعب وأن من واجبهم مساءلة الرئيس عن الدماء التي سالت ، ذلك أن أغلبهم "أحجار على رقعة الشطرنج" تحركهم المخابرات بالريموت كنترول!.

ومع أن البرلمان اليمني أقل سوءاً من نظيره السوري ، فإن الغرائب تتزاحم وسط ممارسات أغلبيته المرتاحة ، والتي سرقت الراحة من أغلبية اليمنيين ، فرئيس البرلمان هو أحد كبار المحرضين لصالح على التعنت ضد الشعب الذي لم يعد يمثله ، بل صار يمثل به ، لأنه لا يمثل إلا صالح ، أما رئيس الكتلة البرلمانية للمؤتمر فهو الذي ما فتئ يقوم بدور الشيطان في الوسوسة لأعضاء البرلمان ، حيث يتحرك هنا وهناك بطريقة إبليسية ، في كل قضية يريد أن يغتصب فيها حقاً من حقوق الشعب ، سواء كانت اتفاقية أو قانوناً أو قرضاً أو ميزانية أو حساباً إضافياً ، وهو ذاته ـ أي البركاني ـ الذي أعلن على الملأ بصوت وقح فكرة قلع العداد الرئاسي ، لكي يكون صالح رئيساً أبدياً ، وكان البرلمان بأغلبيته المؤتمرية يمضي في مؤامرة تسير بخطى وئيدة من أجل التوريث!!.

وظل البرلمان اليمني ، رغم شكله الديمقراطي إذا قورن بالبرلمان السوري ، يمثل الحكومة ويمثل بالشعب أو يمثل عليه في أحسن الأحوال ، ونضرب المثل في هذه الفترة التي قيل فيها إن نظام صالح قدم تنازلات ضخمة للشعب ، فقد شكَّلَ لجنة رئاسية في بداية الثورة بعد أن سقط حوالي ثلاثين شهيداً في عدن بجانب عشرات الجرحى ، تحت قيادة عبدالقادر هلال للتحقيق في الأحداث ، فخرجت بتقرير تم التكتم عليه ، ولكن ما رَشَحَ منه يؤكد مسؤولية رجال الأمن عن قتل وجرح عدد كبير من الضحايا ، وبعدها بأسبوع تقريباً أعلن عن تشكيل لجنة برلمانية ، وهي التي يُفترض أنها منحازة بالكلية للشعب ، فما كان منها إلا أن خرجت بتقرير يبرئ رجال الأمن ويتهم (عصابات) بالقتل ، ويتهم وسائل الإعلام بالتهويل ، ويتحدث عن عشرة أفراد هم كل القتلى والجرحى في الأحداث!!.

والخلاصة أن سوريا واليمن مملكتان بثوب جمهوري ، أو جمهوريتان بمضمون ملكي ، فأسرة الأسد وآل الصالح يتحكمون بكل مفاصل الجيش والسلطة ، وقد ورث بشار السلطة عن أبيه بعد تعديل الدستور السوري خلال خمس دقائق بدون (معلم) ، أما في اليمن فقد كادت سفينة التوريث أن تصل إلى مبتغاها لولا رياح الثورة!

و تم تجاوز المضمون إلى الشكل والمسمى إلى الأسماء ، بفضل بطانات السوء ومراحيض النفاق ، حيث سميت كل المؤسسات بأسماء العائلة الحاكمة ، فمسجد الصالح ومؤسسة الصالح وجمعية الصالح ومستشفى الصالح ومدينة الصالح الرياضية ، السكنية ، الطبية ، أما في سوريا فالأمر أشد فإضافة إلى ذلك هناك مطار الأسد ، وبحيرة الأسد ، وبحيرة الباسل ، وهو الابن الاكبر الذي كان يعده حافظ الأسد لخلافته لكنه قُتل في حادث مروري ، وانتقل الأمر إلى بشار طبيب العيون ، لعله يكون أبعد (نظراً) في إدارة شؤون الشعب ، ولكنها لا تعمى الأبصار وإنما تعمى القلوب التي في الصدور!!.

* تشابه الثُّوَّار وتطابق الفُجَّار:

وبالنظر إلى رزوح الشعبين السوري واليمني تحت نير القهر وضيم الفساد عقوداً من الزمن ، مما أشاع الفاقة والحرمان ، بجانب استلاب الكرامات والحريات ، واصطباغ البلدين بصبغة التخلف ، فإن شروط الثورة الشعبية توافرت ونضجت بل وأصيبت بالهرم ، فهيأ الله ظروفاً أشعلت أوار الثورة ، وكان عود الثقاب صناعة تونسية وهو محمد البوعزيزي!

وهكذا تشابهت الثورتان في الخلفيات والمبررات ، وتشابهت في البدايات ، حيث اندلعت من الجنوب في البداية ، ثم ما فتئت تتوسع حتى انتشرت في كل أقاليم اليمن وسوريا .

وتشابهت الثورتان في كونهما سلميتين بالكامل ، ولأن النظامين تعاملا معهما بذات الطريقة ، فإن هذا يضيف نقطة تطابق إلى هذه المقارنة .

لقد واجه النظامان الثورة بعنف شديد ، باستخدام (استراتيجية) مدروسة لجر الثورتين إلى مربع العنف ، لكن رباطة جأش الثوار وصرامتهم وقبل ذلك وعيهم،كل ذلك عصمهم من الانزلاق إلى هذا المربع المريع!.

والغريب ، والشيطان بجانب هذين النظامين لم يعد غريباً ، أنهما يرميان نبالهما عن قوس واحدة ، وينطلقان من ذات المشكاة .

لقد أطلق النظامان آليتيهما الإعلامية الضخمة وكلابهما المدربة لنهش سمعة الثوار ، باتهامهم أنهم مخربون ، ويتحركون ضمن (أجندة) أجنبية ما فتئت تحيك المؤامرات على النظامين بسبب مواقفهما الوطنية والقومية .

ورغم أن القتلى من المتظاهرين إلا أنهم يُتهمون بالقتل والإرهاب ، ولأن الثورة السورية اندلعت بعد الثورة اليمنية ، ورأى كيف أصبحت اتهامات صالح للشهداء بأنهم قتلة مثار سخرية العالم ، لهذا استفاد النظام السوري من التجربة فابتكر قصة "المندسين" الذين يتوسطون المتظاهرين ويطلقون النار على رجال الجيش والأمن ، ومن أجل إعطاء هذه الأكذوبة شيئاً من المصداقية تم التخلص من الجنود الذين يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين ، واتهام المندسين بأنهم من قتلوهم ، وفي كل الأحوال فإن هذا ينتصب في نظر النظام السوري كمبرر لإطلاق الأسلحة الثقيلة نيرانها على الصدور العارية ، ومن المؤكد أن الأسلحة الثقيلة لا تفرق بين شيخ وطفل أو رجل وامرأة!.

وفي الأسابيع الأخيرة عاد نظام صالح للاستفادة من قصة المندسين والعصابات الإجرامية ، حيث سقط جنود عديدون في أبين والبيضاء ومأرب ، واتهمت الأبواق المأجورة المشترك وشباب الثورة بالمسؤولية ، وهم الذين لم يذبحوا حتى اليوم دجاجة أو يكسروا زجاجة ، ولم يقطفوا زهرة أو يقلعوا شجرة!

وفي المقابل اقتبس النظام السوري من شقيقه اليمني عدم حصر المواجهة بين النظام والشعب كما كان الحال في تونس ومصر ، ومحاولة ذر الرماد في عيون الجهلة لإظهار المعركة كأنها بين الشعب نفسه بجانب النظام ، ولذلك ظهرت النسخة السورية من "بلاطجة" اليمن وهي "الشبيحة"!!

ويذكرني هذا التشابه والتواصي والاستفادة بين الطرفين وكل أنظمة القهر والقتل والفساد بقوله تعالى: {شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً}.

* (أسودٌ) في الداخل (نعاجٌ) في الخارج:

من طبائع الأنظمة الشمولية أنها تصرف طاقة الكره والحقد والقوة والجبروت في أفرادها ومؤسساتها نحو أبناء شعبها ، فلا يبقى في تعاملها الخارجي مع اعدائها إلا الهوادة والاستكانة والخضوع ، وهذا جامع آخر بين نظامي صالح والأسد .

على المستوى السوري انتهت آخر معارك النظام العسكرية مع العدو الصهيوني في سنة 73 ـ 1974م ، ومنذ ذلك الوقت لم تنطلق رصاصة واحدة ، بل لم يسمح هذا النظام لطلقة واحدة بالتسلل نحو الداخل الفلسطيني أو حتى الداخل السوري المحتل والمتمثل بهضبة الجولان ، وعند اندلاع الانتفاضات الفلسطينية كان الجولان يقف موقف المتفرج ، بفعل ضغوط وتثبيط النظام السوري!

ومع ذلك ملأ النظام الدنيا سباباً للصهيونية واتهاماً لإسرائيل ، وما برح يقتات من الشعارات المعادية لليهود والتي تداعب أحلام وأماني العرب القومية ، وهكذا جمع النظام بين سب إسرائيل قولاً والانبطاح لها عملاً، بل وتحول إلى حارس أمين وصارم لحدودها ، حيث لم تنجح بهذه الكفاءة لا مصر ولا الأردن ، أما لبنان فقد ظل موئلاً للمقاومة!.

ولم يقتصر التفريط بالسيادة الوطنية على الجولان ، بل بدا ذلك مرات كثيرة من خلال ضرب طائرات إسرائيلية لقواعد الجيش السوري عندما كانت في لبنان ، وضربها لمؤسسات حكومية وممارستها لاغتيال شخصيات مقاومة في عمق الأراضي السورية بل في قلب العاصمة دمشق ، وظل الرد السوري هو: سنرد في الزمان والمكان المناسبين! حتى صار هذا الرد محل تهكم وسخرية أحرار العالم!! وياليتهم أجَّلوا الرد العنيف على المظاهرات السلمية للشعب بالمثل ، لكنهم أسرع من البرق على شعوبهم وأبطأ من السلحفاة على أعدائهم!

ولم يختلف الأمر في الحالة اليمنية ، فقد وثبت إريتيريا بعد استقلالها ببضعة أشهر على عدد من الجزر اليمنية في البحر الأحمر وقتلت من فيها من جنود وأسرت وشردت آخرين ، وظلت سلطة صالح تتسلح بالحكمة والتوؤدة كما زعم منافقوها ، لكن الشعب الذي يخرج إلى الشارع يرفع الورود الحمراء ورايات السلم البيضاء لا يستحق شيئاً من الحكمة وهذا اللين بل استحق القنص بأحدث الأسلحة ، وقذف رؤوس الناس بالمدافع الرشاشة وفي أفضل أوقات لين صالح وعندما يكون مزاجه رائقاً فإن هؤلاء المسالمين يتعرضون للرش بمياه المجاري المخلوطة بمواد كيميائية مسمومة! .

وهكذا فإن الأسد وصالح وأضرابهما يطبقون المقولة العربية: أسدٌ علي وفي الحروب نعامة!. ولا أحد ينسى ما فعله الطيران السوري في حماة وفي سجن تدمر حيث قتل الآلاف في بضع دقائق ، وكذلك فعل الطيران اليمني في يافع والضالع ، فإن الحاكم ربُّ كُرْسِيِّه أما الوطن فله رب يحميه!.

ولما كان النظام اليمني ، إضافة إلى ما سبق ، يتيح للطائرات الأمريكية العربدة في أجواء اليمن وقتل يمنيين وانتهاك سيادة اليمن وفظ بكارة الوطن ، ولما كان النظام السوري أفضل شجرة من أشجار "الغرقد" التي تتولى حماية اليهود ، فقد ظلت الولايات المتحدة وأكثر دول الاتحاد الأوربي واقفة معهما إلى حد التخندق ضد شعبيهما ، حتى أنهما لم تقولا للأسد أو صالح عبارة: ارحل التي قالتها لمبارك وابن علي ، مع مرور أشهر من القتل والجرائم المفجعة بحق الشعبين السوري واليمني!.

ولا يقلل من ذلك بعض المواقف السياسية والإعلامية التي يحرص النظامان السوري واليمني على إعلانهما بين الفينة والأخرى مع الشعب الفلسطيني عامة ومع حركة حماس خاصة ، فإن ذلك ليس أكثر من ورقة ضغط على العدو حتى لا يستبدلهما ، بجانب كونها أداة لتجميل وجهيهما القبيحين أمام شعبيهما .

ولأهمية هذين النظامين كشجرتين من أشجار الغرقد في الاستراتيجية الغربية عامة و (الإسرائيلية) خاصة ، فقد ظهر من صُنَّاع وكتاب الاستراتيجيتين من أبدى تخوفه علناً من سقوط هذين النظامين ، وتداعيات ذلك على مصالح (إسرائيل) في المدى القريب ووجودها على المدى البعيد .

* (استراتيجية) المخاتلة: 

وبسبب شدة القمع ، وللقبح الشديد الذي يتميز به هذان النظامان ، فإنهما يتبعان (استراتيجية) متشابهة في المخاتلة وقلب الحقائق وتزييف الوقائع ، وذر الرماد في عيون شعبيهما.

فما فتئ النظامان يرفعان شعارات براقة لكنهما يضعان حريات المواطنين وحقوقهم تحت أقدامهما ، ووصل التشابه في هذه القضية إلى بعض الجزئيات والتفاصيل الصغيرة ، كالاعتداء على حرمات النساء ، بما فيها سفك دمائهن ، حيث قتلت السلطة السورية خلال هذه الثورة عدداً لا يستهان به من النساء ، منها أربع في بانياس وحدها ، وفي اليمن اختُطفت عدد من النساء ، وأُطلقت نيران رشاش على امرأة في تعز وهي في شرفة منزلها ، فقط لأنها كانت تبدي تضامنها مع الشباب المحتجين سلمياً ، وذلك برشهم بالماء البارد!!.

ويستخدم النظامان الإسلاميين كفزاعة للغرب ولبعض تيارت المجتمع المحلي ، مستفيدين من مخزون التشويه الضخم الذي يحتل مكانة عريضة في العقل الجمعي العالمي ، بعد حملات ضخمة من التشويه طالت الإسلام نفسه في كثير من المرات .

ولذلك فإن هذه الثورة تُتهم بأنها إسلامية ، ويتم استعداء الغرب على هذا الأساس ، ووصل الأمر بأحد قادة النظام السوري إلى التصريح علانية بأن أمن إسرائيل من أمن سوريا ، وطبق النظام السوري ذلك عملياً يوم 15 مايو 2011م ـ وهو يوم النكبة وإعلان اغتصاب فلسطين ـ عندما سمح لأول مرة لجماهير فلسطينية وسورية بالاتجاه نحو حدود الاحتلال في هضبة الجولان والتظاهر هناك ، فردت إسرائيل بالنار الحية وقتل وجُرح العشرات ، فردت سوريا كالعادة بالتنديد ، وهي تحس بالراحة لأن الجماهير اجتازت الأسلاك الشائكة ودخلت مجاميع منها الأراضي المحتلة ، وشعر النظام بأن رسالته قد وصلت وهي أن الزمام سيفلت وأن الحماية ستنتهي إذا سقط النظام السوري ، ولمعرفة أمريكا بأن النظام السوري قصد إيصال هذه الرسالة ، فقد رد عليها الرئيس الأمريكي أوباما بنفسه عندما أدان الأحداث واتهم النظام بالضلوع في ذلك ، وذكَّره بأن التظاهر وسط جماهير الجولان المحتل أمر "مرفوض"!!.

ومع كل هذه العمالة والسفالة التي يمثلها نظاما الأسد وصالح إلا أنهما يكثران من رمي المعارضين بالانخراط في مؤامرات وأجندات أجنبية تستهدف سوريا واليمن ، وأضافا اتهام دولة قطر وقناة الجزيرة بتشجيع وتمويل هذه المؤامرة! .

ويستخدم النظام السوري فزاعة (إسرائيل) لتبرير السكوت عن الفساد وإجبار الشعب السوري على التنازل عن حقوقه وحرياته حتى لا تثب إسرائيل على سوريا أو تندلع فتنة طائفية ، وكذلك يفعل النظام اليمني بالحديث دوماً عن فزاعة الانفصال في الجنوب والفزاعة الطائفية في صعدة ، وهكذا تشابهت القلوب والقوالب ، فتعساً للجلادين وهنيئاً للأحرار!!.

*أستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز

ورئيس منتدى الفكر الإسلامي