مصير علي محسن الأحمر
بقلم/ منير الماوري
نشر منذ: 16 سنة و 4 أشهر و 6 أيام
الجمعة 15 أغسطس-آب 2008 09:35 م

استكمالا لموضوع الأسبوع الماضي عن التغييرات العسكرية داخل القوات المسلحة وتبريرها بفشل الجيش في حرب صعدة يمكن التأكيد مجددا بأن هذا التبرير قد ينطلي على بعض الصحفيين الأجانب، وعلى سفراء بعض الدول الأجنبية، ولكنه لن ينطلي على أي مواطن يمني ولا حتى على المقاتلين الحوثيين الذين تعايشوا في الجبهة مع ضباط وأفراد القوات المسلحة والأمن ولمسوا شجاعتهم رغم أن كثيرا منهم سقط بنيران صديقة جاءتهم من الخلف، أو بقصف جوي وأخطاء متعمدة و غير متعمدة يفترض محاكمة المتسبيين فيها إن كانت دماء اليمنيين تهم السلطة الحاكمة. ومثلما لا يجوز تحميل المقاتلين الشجعان مسؤولية الفشل في صعدة فلا يجوز أخلاقيا تحميل القادة المعزولين ممن لم يشاركوا في حرب صعدة مسؤولية الفشل المفترض، لأن الفشل تتحمله السلطة السياسية وحدها، وليس اللواء علي محسن الأحمر وأنصاره.

وكنت قد كتبت مقالا قبل أكثر من سنة تحت عنوان " علي محسن في خطر" تنبأت فيه بما حدث بالفعل لاحقا من صدور قرارات عسكرية تستهدف شبكة الرجل داخل القوات المسلحة، لخلخلة قواته، وهو استنتاج يمكن أن يتوصل إليه بدون عناء أي متابع لسلوك السلطة خلال العقود الثلاثة الماضية أو أي محلل سياسي محايد. وعندما جرى نشر ذلك المقال في أكثر من موقع جاءت معظم التعليقات لتصب في خدمة نظرية المؤامرة بأن الماوري يحاول أن يختلق فتنة بين الرئيس وعلي محسن خدمة لأسياده، وهي نغمة تطلقها السلطة على كل من يتحدث عن ألاعيبها المكشوفة. و بدلا من إحسان الظن بهذا الماوري ولو لمرة واحدة بصفته محلل مستقل لا تهمه أصلا مصلحة علي محسن ولا مصلحة الرئيس بل يهمه القارئ الذي يستحق أن يعرف حقيقة ما يدور، وتهمه البلاد التي هو جزء منها، وليست ملكا لأحد كي يورثها لأبنائه، فقد جرى إدراج تلك التوقعات في خانة المؤامرة، كما جرى تجاهل آخر توقع نشرته "المصدر" في هذا العمود بأن إيقاف حرب صعدة سوف يتمخض عنه حركة واسعة في القوات المسلحة تحت شعار " تشبيب الجيش". ولم استند في توقعي المشار إليه إلى مصادر استخبارية ولا تنجيمية كما يظن سيف الحاضري بل من خلال سماعي لخطاب الرئيس عن الاهتمام بالشباب وإتاحة الفرص لهم داخل القوات المسلحة. وكوني "من المتحاملين دوما وأبدا على الرئيس ومتخصص في انتقاده، فإن كلمة " الشباب عندما يقولها لا تعني لي سوى " أحمد وأقرانه، أما الآباء الذين يجب أن يتقاعدوا ويستريحوا فهو لا يعني بها نفسه بل يعني " علي محسن الأحمر وأنصاره".

و لو أن قرار التعيينات العسكرية الأخيرة والقادمة في القوات المسلحة شمل عزل أولئك المتهمين بنهب أراضي الجنوب المدرجة أسماؤهم في تقرير الدكتور صالح باصرة، رئيس لجنة دراسة ظاهرة نهب أراضي عدن، لكنت أول صحفي يؤيد هذا القرار، ولكني أرى بعيون مراقب عن بعد لا تربطه أية مصلحة مع الأطراف المتصارعة بأن قرارات مثل هذه ليس لها من هدف سوى تجهيز البلاد للتوريث، وهو ما أكدته في الحلقة السابقة من هذا المقال، ودعوت كل القوى الحية في المجتمع اليمني أن تسارع لإيقافه قبل أن تعود الإمامة قولا وفعلا في ثياب الديمقراطية والجمهورية. وأعتقد أن أي مواطن يمني يحق له أن يتساءل من هو المسؤول عن إشعال حرب عبثية لا جدوى منها سوى تحميل قيادات عسكرية معينة مسؤولية خسارتها بعد تزويد المتمردين بالعتاد والسلاح من مخازن الحرس الجمهوري وقصر السلاح، في سبيل التمهيد للتوريث وتبرير التغييرات التي شملت قادة عسكريين لا علاقة لهم بحرب صعدة.

مشكلة الرؤساء في العالم الثالث اعتقادهم بأن الجميع متشبثون بالسلطة مثلهم، ولن أبالغ إن قلت أن الرئيس لو كان طلب عام 2004 أو قبل ذلك من علي محسن خلع البدلة العسكرية وارتداء بدلة مدنية، لما تردد في ذلك ولما اعترض على التخلي عن الفرقة والتفرغ لمنتدى منارات. ولكن الرئيس على ما يبدو يريد إخراج الفرقة من صنعاء وتخليها عن حراسة الإذاعة والتلفزيون، لأن الفرقة هي الخطر وليس علي محسن بذاته.

والسؤال المطروح حاليا، هو ما هو مصير اللواء علي محسن بعد التغييرات الأخيرة التي استهدفت أنصاره؟ هل سيتم إبعاده هو الآخر، وتعيينه ملحقا عسكريا في واشنطن؟ مثلما تم تعيين علي صالح الأحمر بعد عزله من الحرس الجمهوري لصالح نجل الرئيس، أم سيتم إحالته إلى رف العاطلين عن العمل في مجلس الشورى، ليتسنى الاستعانة به عندما يتعرض النظام لمخاطر داخلية أو خارجية؟

في تقديري الشخصي أن اللواء علي محسن سوف يتجنب قدر إمكانه الدخول في صراع لا يرغب به مع الرئيس، ولكنه قد يجد نفسه مجبرا على خوض معركة تجنبها طويلا، خصوصا إذا اكتشف أن الاتفاق الأخير بين الرئيس وعبدالملك الحوثي عن طريق فارس مناع يشمل التحالف ضده لكسر شوكته، وتحميله مسؤولية مقتل حسين الحوثي، مقابل منع تحالف الفضيلة من لعب دور أمني ضد الحوثيين والعلمانيين. وبما أن علي محسن ليس مجرد قائد فرقة بل دولة كبيرة داخل دولة صغيرة، وعلاقاته الواسعة بجهات اعتمد عليها الرئيس في بقائه في الحكم، تجعل من علي محسن قوة عظمى. والرئيس من جانبه أدرك الموقف وضحى بعلاقته مع السعودية حين أوقف الحرب، بعد أن رأى أن أكثر المشائخ مع علي محسن، وحزب الفضيلة أيضا معه وهمزة وصل بينه وبين المجتمع. وبما أن الرئيس يدرك كل هذا فلا غرابة أن يتحالف مع الحوثي ضد علي محسن لأن علي محسن ألد أعداء الحوثي والحوثي هو صاحب القوة التي أعجزت الرئيس، أي أننا مقبلون على حرب جديدة، مع الحوثي تتغير فيها التحالفات أو تصبح أكثر وضوحا.

ولهذا فمن المرجح أن علي محسن لن يستسلم للأمر الواقع، ولن يتفرغ لشؤونه الخاصة مثلما فعل من قبله عبدالإله القاضي، وصالح الضنين، وعبدالملك السياني، ومحمد القاسمي وغيرهم، ومثلما سيفعل أيضا اللواء مهدي مقولة، وعبدالعزيز الذهب، ومحمد علي محسن عندما يأتي دورهم.

 ومهما كان موقف هؤلاء سليما وسلميا فإن مجرد وجودهم في المجتمع سوف يظل يقلق الرئيس، ويقض مضاجعه لأن قصقصة أجنحتهم لا تعني بأي حال من الأحول إنهاء شبكة علاقاتهم الواسعة بين القبائل وداخل الجيش، إضافة إلى احتمال توفر إمكانات مالية كبيرة لديهم في الداخل والخارج قد تمكنهم من زعزعة نظام لم يعودوا جزءا منه. وليس من الصعب على أي منهم في ظل الأوضاع الحالية العثور على دعم إقليمي أو دولي بعد أن فقد النظام الحالي مصداقيته مع الجميع، وبالتالي فإن السلطة تجبرهم على معاداتها بعد أن كانوا أعمدة قوية فيها، ولا غرابة في ذلك لأن السلطة موهوبة جدا بالفطرة في صنع الخصوم وزيادة أعدادهم. ولكن ما يميز الخصوم الجدد هو ما يلي:

< معظمهم من أفراد الأسرة أوالقبيلة الحاكمة

< معظمهم يعرفون أدق أسرار الحكم

< معظمهم ذو روابط عسكرية متجذرة داخل القوات المسلحة

< معظمهم مستاؤون من خطة توريث الحكم

ولهذه الأسباب وغيرها فإن البلاد قد تشهد على الأرجح موجة اغتيالات وتصفيات وحوادث سير وتسميم غير مسبوقة، إن لم تشهد مصادمات عسكرية للسيطرة على دار الرئاسة وتلفزيون صنعاء وإذاعة الصباحة. ولن يستفيد من استمرار الوضع كما هو عليه سوى أربعة أشخاص في اليمن يجلسون وراء مكاتب وثيرة ويقيسون درجة حرارة الصراع كل دقيقة من خلال قربهم من الرئيس، وهيمنتهم على قنوات الاتصال به. وهؤلاء الأربعة يشكلون تحالفا أقوى من تحالف أحزاب اللقاء المشترك وأكثر تأثيرا من حزب المؤتمر شبه الحاكم، وذلك من خلال عضويتهم في مجلس رئاسة ظل رباعي، لا ينتمي إليه أي شخص من سنحان. وقد تمكن ثلاثة من هؤلاء الأربعة من إفساد العلاقة بين الرئيس وعلي محسن كي يضمنوا استمرارهم في الهيمنة على مفاصل صنع القرار، ولن يهدأ لهم بال إلى أن يتمكنوا من إبعاده تماما عن طريقهم، بحجة أن فرقته تلتهم نصف الميزانية العسكرية، لصالح مشائخ يعادون الرئيس. 

*صحيفة المصدر