مسارات السلام والمصالحة في اليمن
بقلم/ طعيمان جعبل طعيمان
نشر منذ: 3 سنوات و 4 أشهر و 4 أيام
الأربعاء 18 أغسطس-آب 2021 07:42 م
 

ورقة مقدمة من الباحث طعيمان جعبل طعيمان القيت في ندوة أقامامها المعهد الأوروبي للسلام ( EIP)

حول "رسم مسارات السلام والمصالحة في اليمن بناء على احتياجات حقوق الانسان".

,,,,      ,,,,         ,,,,,,        ,,,,,,,,        ,,,,,

السلام هو ذاك الهدف المنشود، بعد كل هذا الخراب والدمار الذي حل باليمن، وليكون لدينا سلام حقيقي في اليمن، ولنعيش معاً بسلام فلابد أن نتقبل بَعضُنَا البعض، بإختلافاتنا وبكل ما لنا وما علينا، لذا يجب أن نمتلك قدر عالي من الاحترام والتقدير، ونخلص النوايا من أجل إحلال السلام.

السلام يحتاج لعوامل داعمة ومساعدة لتحقيقه، ومن هذا المنطلق نستطيع تناول عملية السلام من خلال ستة محاور هي :

المحور الأول: الأولويات الأكثر أهمية في الوقت الراهن، والأولويات العاجلة في حال توقف الحرب؟

باعتقادي أن الأولوية الأكثر أهمية في الوقت الراهن، هي معالجة الأوضاع الإنسانية، لكن هذه الأوضاع تزداد سوء كل ما توسعت دائرة الحرب، فالحرب وصلت إلى مناطق لم تصلها من قبل، فالأولوية هي إيقاف الحرب، واما المتطلبات التي أرى أنهُ يجب أن تعالج فأبرزها (توفير المتطلبات الاساسية لحياة الانسان، خاصةٌ للنازحين الذين شردتهم الحرب من بيوتهم، فكثير منهم فقد أهله ومنازله ومصدر رزقه.

* أي أنهُ يجب الاهتمام بـ :

1- الإيواء، إيواء النازحين والفارين من جحيم الحرب.

2- توفير المعونات الغذائية.

3- تقديم الخدمات الطبية والصحية اللازمة.

4- يجب ألا تترك بناتنا وأبنائنا بدون الذهاب للمدارس.

5- يجب فتح الطرق الرئيسية للعبور والتنقل بشكل كامل: ليس من المعقول أن تسافر مسافة لـ 20 ساعة، وأنت بإمكانك الوصول في ساعتين هنا معاناة حقيقية. يوجد بين المسافرين المريض، والمعاق، والعاجز، والكبار في السن، والأطفال، والنساء.

6- يجب العمل على استئناف العملية الإقتصادية في البلاد، من خلال تفعيل الصادرات وفتح الموانئ لتصدير والاستيراد للمنتجات الأساسية التي تعاني اليمن من شحتها بسبب الحرب وإغلاق الموانئ، فلا مبرر "لإيقاف عملية تصدير النفط " فهو ضروري لدعم خزينة الدولة، ولا مبرر لإغلاق المنافذ البرية والبحرية، خاصةٌ أنها ليست ضمن دائرة الحرب.

7- صرف رواتب موظفي الدولة بشكل كامل وشامل وفي أي نطاق سيطرة كانوا.

* الاولويات في حال توقف الحرب:

1- يجب الاسراع في العمل على إطلاق المختطفين، وتبادل الأسرى الشامل، والمخفيين قسرياً.

2- توفير الضمانات الحقيقية لعودة النازحين إلى منازلهم وقراهم ومدنهم.

3- رفع وإزالة الألغام والمتفجرات ومخلفات الحرب التي تمت زراعتها.

4- تفعيل خطة أمنية واقتصادية وسياسية شاملة.

 

المحور الثاني : تحديات تعيق بناء السلام؟

البداية من محافظتي التي كانت تعيش بسلام، فهي لم تشهد أي حروب أو أي مشاكل تُذكر، يجب تصحيح هذا المفهوم اولاً، مأرب لم تعتدي على أحد، هي محافظة مسالمة، وجدت نفسها تقاوم مشروع إقليمي يستهدف كامل اليمن، والمنطقة بشكل عام.

مأرب لم يتجاوز تعداد سكانه في الوضع الطبيعي 300 ألف نسمة، وبفعل الحرب لجاء إليها الملايين، حتى وصل العدد لأكثر من (3) مليون نسمة، أصبحت مأرب وجهه لكل من يريد السلام، والعيش بأمان، لكل من يبحث عن بصيص أمل في استعادة الدولة المخذولة، لكل من يريد أن يجد سكن يأويه وأفراد أسرته، لكل من يبحث عن الأمان، لكل الخائفين المطاردين والمستجيرين الملهوفين، اللاجئين لنزوح، بسبب الحرب أو بسبب الممارسات الغير قانونية، في المناطق المسيطر عليها من قبل الجماعات المسلحة في الشمال والجنوب.

في حقيقة الأمر مأرب تدافع، ولا تُهاجم، وهي بهذا لا تدافع فقط عن نفسها أو أهلها، بل تدافع عن الدولة، عن المدنية، عن الديمقراطية، عن حرية الرأي والتعبير، عن المستضعفين الذين فروا إليها من الممارسات العنصرية، التي تمارس في حقهم بسبب (السلالية والمذهبية الدينية، المناطقية والحزبية السياسة ...الخ.).

لا يمكن عزل مأرب عما يحدث في اليمن عموماً، لذا يجب العمل على إيقاف الحرب، باتفاقية شاملة، وخطة مدروسة، مرضية وحاسمة، وفق ضمانات حقيقة، وليس كما هي العادة منذُ بداية النزاعات في اليمن، فالتاريخ مليء بإتفاقيات فاشلة دون ضمانات حقيقية، ولا رادع حقيقي، يُـتـخذ في حق الطرف الخارج عن هذا الإتفاق، والذي يعرقل عملية صنع السلام الحقيقي.

اطلب من الجميع مراجعة كل الإتفاقيات في اليمن – ستجدون أن السبب الحقيقي في فشلها – عدم وجود رادع حقيقي لطرف المعرقل، والناكث لكل المعاهدات والمواثيق – أصبحت الإتفاقيات في اليمن – استراتيجية تخديريه – يقوم بها طرف ويمتهنُها للوصول إلى أهدافه، والإنقضاض على الطرف الأخر على حين غرة، وللأسف نلمس خذلان كبير من جميع دول العالم ومنظماته وعلى رأسها مجلس الأمن بالأمم المتحدة.

وقعت الدولة عشرات الإتفاقيات مع جماعة الحوثي، لم تنجح أي إتفاقية ..

كما كانت أخر اتفاق في اليمن في العام 2019م بين الشرعية وطرف أخر تم استحداثه وتمويله للأسف، من قبل دولة لها مصالحها وطموحاتها الخاصة في اليمن، الإتفاق مضى عليه قرابة العامين، تخيلوا إتفاق واضح المعالم مخط ومنظم ومزمن، وبرعاية ودعم دولي، تم توقيعه بحضور رؤساء وامراء وملوك دول، لم يتم تنفيذه، ولا المضي فيه.

وأشير هنا لضرورة تنفيذ هذا الاتفاق مع شقة الأمني، فهذا الاتفاق يعتبر معيار للمصداقية ونجاح أي اتفاقات قادمة.

فلا نريد أن يصل اليمنيين لقناعة بعدم جدوى هذه الإتفاقيات، -هذا لا يعني أني أو غيري ضد السلام أو ضد كل إتفاقية تخدم عملية السلام - لكننا نطالب بإتفاقيات حقيقية، بضمانات رادعه وصارمة، لا تتهاون مع من يعرقل التنفيذ.

المحور الثالث: الحديث حول التهميش السياسي والاقتصادي على أساس مناطقي، فيما يتعلق بمحافظتي وكيف يمكن معالجة ذلك وإعادة بناء الثقة بين اليمنيين؟

لا يمكن إنكار وجود عنصرية تجاه مأرب من قبل النخبة السياسية الحاكمة، فلم ينظر لمأرب كشريك حقيقي رغم المطالبات لمتكررة لذلك، ولا زلنا نقول (نحنُ في مأرب شركاء معكم في الوطن، ولسنا رعايا)، مارب قدمت، وتقدم، وستقدم الكثير، من أجل اليمن الكبير، ولن تتوقف، ونحنُ هنا لا نقول هذا من باب المنة، أو الفضل، وإنما من باب الإنصاف والمراجعة الصحيحة لعلنا نُسهم في بناء وطن للجميع.

فلا زالت مطالب القضية المأربية، حاضرة بقوة في أذهان المأربيين والتي انطلقت بإسم كل أبناء مأرب بشكل علني، منذُ 2011م. وتمثل في أساسها مطالب تتركز حول اشراك أبناء مارب، والنظر إليهم كعناصر فاعلة في المجتمع، دون تهميش أو إقصاء، وللأسف لم تحقق منها شيء يُذكر رغم أن مأرب بقية تدافع عن اليمن ومشروعية الدولة. وقدمت مالم يقدمه غيرها.

مارب اليوم تمثل محور ارتكاز بقاء الدولة، وهي حامل لواء الجمهورية والوحدة والديمقراطية، مأرب اليوم ليست مأرب الأمس، ويجب النظر إليها على هذا الأساس، واشراكها بشكل فعلي في كل القرارات المصيرية، وفي كل منعطفات العملية السياسية، وكل مفاوضات السلام. مارب اليوم لها قراراها ولها ثقلها التي فرضته بنفسها وتضحياتها وصمودها.

لأحدكم أن يتخيل نسبة تمثيل المأربيين على مستوى القرار العام لمصير البلاد في السلم والحرب، أين تمثيل مارب في كل مفاوضات السلام؟ أو كم نسبة تمثيل مأرب في الوظيفة العام في الحكومة، أوفي المناصب السيادية، في السفارات بالخارج، أو حتى على مستوى المنح الدراسية والعلاجية. نعم نعاني من خلل كبير يتمثل في الاقصاء، والتهميش.

لا يجب إقصاء مأرب فهي اليوم تمثل ثقل حقيقي ميداني على أرض الواقع، وهذا ما يجب أن يدركه الجميع.

اما على مستوى اليمن ككل، فكثير من الأزمات والحروب، بل أن الصراع الحالي في اليمن هو في الأساس بسبب العنصرية والتهميش السياسي على أساس (سلالي / عرقي، او مذهبي/ ديني، أو حزبي، أو مناطقي)

مثلاً الخلاف في اليمن مع الجماعة السلالية المسلحة هو في الأصل خلاف (سلالي / عرقي، ومذهبي/ ديني) تعتقد جماعة الحوثي أن سلالة معينة من البشرية وهبها الله وأعطاها الحق الإلاهي في الحكم والملك دون غيرها، كما أنهُ تم توظيف مذهب ديني لخدمة هذه الفكرة. وهذا يتنافى مع أسس بناء الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية وحرية الإختيار....

اما الخلاف مع الجماعة المسلحة جنوب البلاد والتي تم شحنها وتغذيتها بتأجيج فكرة المناطقية، فهو في أساسه مغلف باسم المناطقية لكنه يعمل لصالح الداعمين والموجهين، من خلال تأجيج الأوضاع، وخلق حالة من عدم الإستقرار لإيجاد مبررات لصراعات في اليمن لا تنتهي، وأبسط مثال على ذلك خلاق حالة من عدم الإستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي، وعدم السماح بعودة رئيس الجمهورية، والحكومة، ومجلس النواب، إلى العاصمة المؤقتة عدن التي تقع ضمن سيطرتها، في المناطق الجنوبية المحررة، والهدف التي تعمل على تحقيقه هو عرقلة الموانئ اليمنية، من خلال إيجاد حالة من الصراع الدائم وعدم الاستقرار الامني والسياسي.

أعتقد أن العنصرية بكافة أشكالها من المصائب التي يبتلى بها الإنسان، وبالتالي هي مرض يجب علاجه، قبل أن يستفحل ويصبح ظاهرة إجتماعية تمس المجتمع الواحد وتفكك نسيجة الإجتماعي المتناسق والمتنوع، وبالتالي يفقد المجتمع قيم التعايش فيما بينه البين، فالتعايش ميزة إجتماعية.

ما من شخص وجد في نفسه شيءٌ من العنصرية إلا حولته إلى "مأزوم نفسياً"، حتى وإن حمل أعلى الشهادات والمناصب، فإنهُ لا يصلح لأن يكون رجل دولة أو يبقى في منصب عام، يُـفترض برجل الدولة خدمة الناس جميعاً كواجب، وظيفي، وإنساني، وأخلاقي. بغض النظر عن أي إعتبارات أخرى. إني أنظر إلى "العنصري" بنظرة ازدراء.

إن ترسيخ مبادى الدولة، والمواطنة المتساوية، والعدالة الإجتماعية، أمر بالغ الأهمية، ولن نستطيع بناء اليمن الذي يتسع الجميع، ويحتوي الجميع، ويكون للجميع، إلا بالقضاء على كل أشكل العنصرية. فلا خيار أمام اليمنيين إلا القضاء على العنصرية بكافة أشكالها، والبدء في ذلك يجب أن يكون من مؤسسات الدولة.

بدون وجود الدولة الضامنة للمواطنة المتساوية سـتـتـشـظـــى البلاد، وسيتحول إهتمام الناس إلى الروابط الضيقة، وبالتالي سيتم تفريخ جماعات لا تنظر للمصلحة العامة للبلاد ككل، بل ستكون نظرتها قصيرة وضيقة سريعة التفاعل والإنفجار في أي وقت، كــ "قنبلة موقوتة".

المحور الرابع: ضروريات لتحقيق المصالحة؟

إن تحقيق المصالحة يجب أن يتم من خلال، دور داخلي: يتعلق باليمنيين أنفسهم، ودور خارجي: يتعلق بالدول الاقليمية ودول دائمة العضوية والأمم المتحدة.

اولاً الدور الداخلي: لن تتم المصالحة إلا عبر اليمنيين أنفسهم لذا يجب على اليمنيين الوعي بما وصلت إليه البلاد. وإدراك الخطر، والعمل على تلافي الأمر. وايجاد قناعة يمنية – يمنية، صادقة ومُخلصة، لإنهاء الحرب، والوصول لاتفاق شامل وحقيقي يراعي مصلحة اليمن، فاليمن يجب أن تبقى في نظر اليمنيين وجميع الأطراف المتصارعة فوق كل إعتبار، وقبل كل شيء:

- العمل على تقريب وجهات النظر لإيجاد رؤية واضحة متفق عليها مبنية على المحاور المتفق عليها وهي كثيرة، وتأجيل النظر في المحاور التي يوجد فيها خلاف جوهري. فما يجمعنا أكثر مما يفرقنا، فنحن شركاء في الوطن. وهو الأهم.

- تحديد حدود واضحة لمصالح البلاد العامة، بحيث تبقى ثوابت وطنية لا يحيد عنها اليمنيين.

- يجب إيجاد قناعة حقيقية بالتخلي عن فكرة الحق الإلهي في الحكم، فاليمن دولة ديمقراطية، أجمع على ذلك اليمنيين، فمن يرى في نفسه الكفاءة فـ يـقدم نفسه لليمنيين لإختياره عبر صناديق الإقتراع. كما يتم أيضاً التداول السلمي لسلطة عبره، ويكفل للجميع حرية الرأي والتعبير والانتماء.

- نزع السلاح من ايدي الجماعات المسلحة في اليمن، فلا يمكن القبول بجماعات مسلحة، تهدد الدولة والمجتمع، وتبتزه في كل حياته السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.

ولتحقيق هذا يجدر بناء طرح هذا التساؤل:

* هل سيتخلى اليمنيين عن جميع إرتباطتهم الخارجية، والأيدلوجية، والسياسية، والعنصرية السلالية والمناطقية، والإتفاق على أن تكون مصلحة اليمن هي المعيار الذي يحكمهم، ويوجه سلوكهم؟

لا يخفى على الجميع أن الحرب في اليمن، طال مداه فقد شارفنا على السنة السابعة من الحرب، إن طول مدة الحرب لها تبعات كارثية، ليس فقط بالأثر المباشرة من قتل، وتهجير، ودمار للاقتصاد وغيره، بل حتى في خلق بيئة خصبة من فئة المستفيدين من الحرب، (تجار الحرب) وهم بكل أسف أصبح لهم تأثير بالغ في قرارات جميع الأطراف، فلا يمكن بناء أسس لسلام طالما هؤلاء التجار مؤثرين في عملية صنع القرار.

فلا يمكن صنع السلام بدون وجود المخلصين بدورهم الفاعل. فبسبب طول مدة الحرب دخلنا في استقطابات قائمة حسب المصالح المشتركة، فقد اليمنيين الثقة في قيادة الأطراف المتصارعة بشكل كبير، ولأن اليمن مليء بالخيرين والمصلحين والوطنيين ومحبي السلام، الذين للأسف وجدوا أنفسهم منبوذين من جميع الأطراف فكل طرف يستقطب من يروق له ويستبعد من يخالفه.

 

لذا أتقدم بفكرة مبادرة يمكن البناء عليها وتسهم في صنع السلام. حيث تركز على إستقطاب هؤلاء الخيرين، تحت مسمى (مجلس السلام اليمني، او صانعي السلام) أو أي مسمى.

يهدف هذا المجلس للعمل على كل محاور بناء السلام وصولاً إلى فرضه بالقوة أن أقتضى الأمر.

يتم اختيار أفراد المجلس بشكل دقيق، بحيث يكون أعضائه من المعروف عنهم:

1- أنهم لم يشتركوا في أتون الصراع خلال الحرب.

2- لم يتقلدوا أي مناصب خلال فترة الحرب.

3- يمتلكون قبول وتأثير ولهم مكانة اجتماعي.

4- شخصيات من انتماءات ومناطق متنوعة ولها تأثير على المستوى الوطني منهم (أعضاء مجلس النواب، "باعتبارهم ممثلين عن الشعب"، يضاف إليهم قادة عسكريين، وشائخ قبائل مؤثرين، ومشائخ دين، وأكاديميين مقبولين، وسياسيين معتدلين).

5- يشترط فيهم توفر الإخلاص والمصداقية والشفافية.

6- يراعى في المجلس التمثيل الاجتماعي السليم بحيث يمثل كل جغرافيا اليمن.

7- ..... الباب مفتوح لأي معايير أخرى يمكن اضافتها.

* لكي تنجح المبادرة لابد أن يتم تبنيها بشكل جدي من قبل القوى الضاغطة نحو السلام، ويتم دعم المجلس بكافة أنواع الدعم الممكنة، فمن خلاله نستطيع الخروج من عنق الزجاجة الذي وجدنا أنفسنا فيها.

**** المبادرة تستحق الإثراء بشكل أكبر لذا اكتفيت بطرحها بشكل مختصر حالياً.

ثانياً: الدور الخارجي: يعتبر هذا الدور عامل مهم ومساعد لتحقيق الدور الأول، فاليمنيين بحاجة ماسة لجميع الدول خاصة تلك المؤثرة والفاعلة بشكل مباشر في اليمن، كما لا يجب الإستغناء عن دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية المهتمه بدفع وبتفعيل عملية السلام من خلال مصالحة شاملة. كما يجب الضغط على القوى الإقليمية والدولية، لإيقاف جميع أشكال الدعم الخارجي لتغذية الصراع في اليمن، وحثهم على الدفع نحو عملية السلام. كما يجب تقريب وجهات النظر لهذه الدول حول المصالحة الشاملة، وإبعاد اليمن من مربع تصفية الحسابات الاقليمية، فهذا يعبث باليمن وللإسف أصبح اليمنيين أدوات لتنفيذ أجندة خارجية في بلادهم، دون مراعاة لمصلحة اليمن. كما يجب تدخل الأمم المتحدة لكف جموح الدول التي تثير الفتنه وتستغل الظروف لتمرير أجندتها في اليمن.

إن تفريخ أمراء حرب في اليمن وإنشاء قوات مسلحة في بلادنا، ذات ولائات وعقائد قتالية مختلفة، ولاجندة متباينة، لا تهدف لتحقيق هدف واحد، إنما هي خطر يزيد خطرها على ما نحن فيه. لان تفتيت اليمن لكينونات صغيرة وعسكرتها ضد بعضها البعض يصب في خدمة إشعال المزيد من الحروب الأهلية، على الجميع أن يدرك ذلك للعمل على ردم الفجوة. فالخطر يتصاعد.

المحور الخامس: الآليات والأطر التي يمكن اعتمادها لتحقيق العدالة والمساءلة.

إن ترسيخ الشراكة والتمثيل العادل المبني على الكفاءة والنزاهة، يمكن من خلاله تفعيل المساءلة من خلال تحمل كل طرف لمسؤوليته وتفعيل أجهزة الدولة بكافة أنواعها ومن ضمنها الجهاز المركزي لرقابة والمحاسبة، وإشراك الجهات الدولية في الرقابة المؤقتة للفترة الانتقالية.

ومن هذا المنطلق أرى أنهُ يجب إعتماد آليات تضمن تحقيق العدالة والمساءلة بحيث يمكن لليمنيين الوثوق بها من خلال:

- لجان التحقيق بشفافية عالية لتشخيص المشكلة والتوصية بالحلول المناسبة.

- العمل على جبر الضرر للضحايا وانصافهم من خلال: الإعتراف والإعتذار والتعويض المعنوي، والمادي، ويجب أن تتناسب التعويضات مع الضرر والإمكانيات المتاحة.

- محاسبة لكل من ارتكب الانتهاكات، الانسانية، والمادية. وإعادة كل المنهوبات في الحقوق الخاصة، والتي سيطر عليها الأخرين بدافع الإنتقام الشخصي أو السياسي أو العنصري والمناطقي.

- محاسبة كل من قام بأعمال أو أفعال مشينه سواء كان بدافع شخصي أو بدافع من أي جماعة مسلحة.

- الإصلاح المؤسسي لأجهزة الدولة، وبنائها وفق المعايير المناسبة التي تسهم في تفعيلها.

- العمل على دراسة شاملة للخروج بنظم وقوانين وتطبيقات وممارسات تضمن عدم تكرار ما حدث مرة أخرى.

* ملاحظة: أحد أبرز أسباب زيادة تفاقم الحرب في اليمن هي عدم التدخل الحاسم في تطبيق المبادرات والقرارات الخاصة بالأمم المتحدة التي تخص اليمن، واليكم بعض الأمثلة على ذلك:

- المبادرة الخليجية واليتها التنفيذية في 2011م. وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (2014) و (2051) الذي يخص الانتقال السياسي لسلطة لعام 2011 – 2012 م، وفق المبادرة الخليجية.

- مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل في 2014م. وقرار مجلس الامن رقم (2140) الذي يدعو لتطبيق مخرجات الحوار الوطني.

- مروراً بالقرار (2216) والقرار (2266) والقرار (2342) والقرار(2451) وصولاً للقرار (2564) والذي يدين بشدة التصعيد المستمر في مأرب.

* باعتقادي أن تفعيل الردع الحقيقي وتطبيق القرارات الأممية، سيحسم الصراع بشكل أسرع ويضمن تحقيق العدالة والمساءلة.

المحور السادس: العدالة الإنتقالية في اليمن.

لتحقيق عدالة إنتقالية فعالة نحتاج لإيجاد آلية قضائية وقانونية رادعة، وحاسمة، فمن خلالها يتم تفعيل العدالة الإنتقالية. اما التهاون والضعف فقد نالنا بسببه الكثير، فاليمن مرت بتجربة 2011م وكانت هناك حزمة من التدابير الضامنة لتحقيق العدالة الانتقالية، بل وصدر قانون العدالة الانتقالية، لكن ما وصلنا إليه اليوم هو بسبب عدم جدية وفاعلية التطبيق الحقيقي لهذه التدابير.

عدم جدية مجلس الأمن، والدول الراعية، في الحسم والمضي قدماً لتحقيق العدالة الانتقالية لعب دور كبير في التهاون، وساهم في التمادي الذي أوصلنا إلى ما نحن عليه اليوم، كما لعبت الحسابات السياسية الخاطئة وعدم الحزم في محاسبة المخطئ دور بارز، في ملامح المشهد اليوم. لذا يجب أن نتعلم من هذا الدرس جيداً.