هيئة حماية الفضيلة اليمنية قراءة في العمق
بقلم/ د. محمد معافى المهدلي
نشر منذ: 16 سنة و 6 أشهر و 7 أيام
الثلاثاء 03 يونيو-حزيران 2008 07:10 م

مأرب برس - خاص

لقيت دعوة الذارحي والزنداني بإنشاء هيئة حماية الفضيلة ردود أفعال شتى بين مؤيدين ومعارضين، ولعلّ مما يلفت النظر والتساؤل مدى حجية أقوال المعارضين لهذه الهيئة، حيث أنشأت العشرات أو المئات من الهيئات والجمعيات المختلفة ذات التخصصات المتنوعة، بيد أنها لم تلق كل هذه الاعتراضات، رغم ما يظهر على هذه الهيئة من نبل المقصد، وسمو الرسالة، وجمال الهدف والغاية .

والواجب أن نتساءل جميعا لم تأخر ظهور هذه الهيئة طوال عمر تاريخ الثورة اليمنية؟!، حتى كادت السفينة أن تغرق، لِمَ لم ينتفض سوى هذين الرجلين وسط مجتمع مسلم مؤمن، كان يجب عليه أن ينشأ هذه الهيئة منذ وقت مبكر من عمر الدولة اليمنية الحديثة .

أعتقد أن هذه الدعوة ليست بجديدة، فقد سبقتها دعوات قديمة كثيرة، خافتة، منها الدعوة إلى شرطة للآداب العامة، فيما أذكر أواخر الثمانينات، غير أن الدعوة لم تلق حظها من الدعم والمساندة من القيادة السياسية، أو أن الحاجة لم تكن ملحة إليها على هذا النحو، أو أنها أخمدت في مهدها من أتباع الشهوات الذين يريدون من المجتمع أن يميل إليهم ميلا عظيما .

 

إن هذه الدعوة ما كان يجوز أن تتأخر كل هذه المدة من عمر الثورة اليمنية المباركة، القائمة على الإسلام والدستور والثوابت الوطنية، والتي لم تقم في الأصل الثورة- إلا لإقامة هذا المجتمع الفاضل، المنشود، كما هو واضح في مقدمة أهداف الثورة اليمنية، وكان الأولى أن تبذل الرئاسة ومنظمات المجتمع المدني والعلماء والساسة، الوسع في إنشاء هذا المجتمع الفاضل المترابط، من أول يوم للثورة اليمنية، وبالتالي فالسؤال الذي يجب أن يطرح أو قل الأسئلة التي يجب أن تطرح هي :

لم تأخر إنشاء هذه الهيئة، كل هذه العقود من عمر الدولة اليمنية ؟ ! .

ولِمَ تبنى هذه الدعوة فقط الزنداني والذارحي، وكان الواجب أن ينادي بها كل المجتمع بمختلف هيئاته ومنظماته وأحزابه، كونها إحدى أهم ركائز المجتمع الفاضل، وأهم ركائز الإسلام الحنيف، وتشكل أصلا من أصوله الأساس وهي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41 .

وقال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ..}آل عمران110 .

 

وبالتالي فنعتقد أن هذه الدعوة بإنشاء هيئة لحماية الفضيلة لَمْ تخرج عن الدستور ولا عن أهداف الثورة اليمنية، ولا عن الإسلام كإطار ديني وثقافي للمجتمع اليمني .

والذين يطرحون التساؤلات والاعتراضات على هذه الهيئة يضعون أنفسهم في مربع التساؤلات عن مدى إيمانهم بثوابت المجتمع اليمني وأصالته ومدى وإيمانهم بأهداف الثورة والجمهورية .

بيد أن ثمة أطروحات تطرح لها بعض الوجاهة، نعرج على بعضها، وهي الخوف والخشية من تكرار السلبيات التي رافقت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الجارة المملكة العربية السعودية، ومع أن هذه السلبيات لا ينكرها أحد، وهي شيء طبيعي لأي عمل، لكن أن نلغي أي عمل لأن فيه بعض السلبيات المرافقة له فشيء يصطدم مع كل نواميس الكون والحياة القائمة على الخير والشر والتدافع بينهما، فضلا عن مصادمة الشريعة الغراء، كما أن هذا لا يعني الحط من الدور الكبير الذي تقوم به هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، في الجارة السعودية، كما لا يجوز أن تحملنا مواقفنا السياسية أو العصبية الجاهلية لإلغاء كل إيجابي في هذا البلد، أو ذاك، مع أنّ الإسلام يدعو المؤمنين إلى الإخاء والترابط وإن اختلفت ديارهم وتباعدت أوطانهم، واختلفت وجهات نظرهم، سيما بين الإخوة والجيران، والواجب هو التعاون والتراحم والتعاضد والاستفادة من نقاط الخير والإيجاب في هذا البلد أو ذاك، والحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها، والواجب هو الدعوة إلى تقارب الإخوة والاستفادة من بعضهم، والتعاون على البر والتقوى، والواجب هو إشاعة هذه الثقافة الإسلامية العربية الأصيلة، بدلا من ثقافة التناطح والتهاجر والتهارج .

 

المسألة الأخرى وهي خشية البعض من أن تتحول هذه الهيئة إلى ملاحقات ومطاردات، أو تدخلا في "الحريات الشخصية"، وهذه من العبارات العائمة التي يجب أن توضح، من أصحابها والمنادين بها، أعني ما المراد بالحريات الشخصية، هل المراد بها مثلا التمرد على النظام، أو يراد بها الفسق والفجور، أو يراد بها إتاحة الحريات على النمط الغربي، أو يراد بها ممارسة الحريات الشخصية، بمعنى ما كان شأنا خاصا صرفاً، لا يجوز التدخل فيه من أي أحد .

فيجب إذن توضيح المراد من هذا المصطلح العائم الموهم لأكثر من معنى، لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإن كان المراد بالحريات الشخصية على النمط الغربي، فلا شك أن هذا أمر مرفوض دينا ونظاما، بلا خلاف .

وأما إن كان المراد بالحرية الشخصية، الخصوصية التي لا يجوز شرعا ولا قانونا اقتحامها أو مضايقتها، فهذه أمور قد كفلها الدستور والقانون، وهذه الهيئة كغيرها من منظمات المجتمع، معنية بالحفاظ على هذه الحريات وحمايتها وعدم انتهاكها، إلا بنص قانوني أو دستوري، وبأمر قضائي .

وبالتالي فإثارة هذه الزوبعة في غير مكانها وغير زمانها .

لكن يبقى القول أن الواجب هو عقد دورات تدريبية للعاملين في هذه الهيئة لتطوير أنفسهم، وتطوير عملهم وأدائهم على النحو الذي يحقق النجاح والثمرة المرجوة، في كبح جماح الشر والفساد، وتنمية الفضيلة والخير في المجتمع، وتعزيز وحدته وترابطه وإخائه .

 

شكرا للشيخين هذه الدعوة، سائلين الله تعالى أن يكتب لها القبول والنجاح، ونشد على يدي الشيخين في مواصلة هذا العطاء المبارك، لنرى هذه الدعوة واقعاً ملموساً في مجتمعنا، في ظل أملنا الكبير وغير المحدود أن تستجيب القيادة السياسية لهذه الرؤية الإيجابية والخيرة، وأن تحظى بالدعم والتوجيه والمساندة، كأسٍ من أسس الحكم في الإسلام .

قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ }الحج41 .

ويبقى أيضا للمجتمع دوره في تبني هذه الدعوة ومناشدة صنّاع القرار في البلد، للعمل على إنشاء هذه الهيئة، كواجب ديني ودستوري وقانوني، من واجبات الحكومة، وأن تحظى هذه الهيئة بالرعاية والعناية والشخصية الاعتبارية المحترمة والفاعلة في المجتمع .

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل
.