في رحاب أهل الله ..مقام المراقبة
بقلم/ عارف الدوش
نشر منذ: 12 سنة و 4 أشهر و 9 أيام
الأربعاء 01 أغسطس-آب 2012 11:13 م

• المراقبة أساس للسلوك السوي الحق وتعبير عن استقامة خُلقية نفسية ومعنوية فلا يفلح من لم يراقب تصرفاته وأفعاله ولا يصل الى مبتغاه إلا من يقوم بمراقبة سلوكه وقلبه وعاتب نفسه على تقصيرها وأول رتبة في القرب من الله وهي القرب من طاعته والالتزام في جميع الأوقات والأحوال بعبادته فقرب العبد من الله أولاً بإيمانه وتصديقه ثم قربه بإحسانه وتحقيقه وقرب الحق سبحانه وتعالى في الحياة الدنيا بالعرفان وفي الآخرة كرم الشهود والعيان ولا يكون قرب العبد من الحق إلا ببعد قلبه عن الخلق وهذه من صفات القلوب دون أحكام الظواهر والكون وقرب الحق سبحانه وتعالى يكون بالعلم والقدرة وهو أمر عام للكافة وباللطف والنصرة وهو أمر خاص بالمؤمنين وبالأنس وهذا خاص بالأولياء المقربين قال الله تعالى " ونحن أقرب إليه من حبل الوريد "(ق: 16 ) وقال تعالى \\\"ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون "(الواقعة: 85 ) وقال تعالى "وهو معكم أينما كنتم"(الحديد:4) وقال تعالى "ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم"(المجادلة:7) وقال النبي صلى الله عليه وسلم مخبرًا عن الحق سبحانه"إذا تقرب العبد إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً وإذا تقرب إلي ذراعاً تقربت منه باعاً وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة\\\" رواه البخاري و" يقول الله تعالى في حديثه القدسي " من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب مني وما تقرب لي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ومازال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها وقدمه التي يمشي بها وإذا سألني لأعطينه وإذا استغفرني لأغفرن له وإذا استعاذني أعذته. " وَيُرْوَى عنْ عُمَرَ بنِ الْخَطّابِ قَالَ: حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا" فالمراقبة أساس المحاسبة والمحاسبة أساس التزكية والتزكية أساس السلوك والإحسان.

• ومقام المراقبة مقام جليل فمن شهد أن ربّ العزّة والجلال مطلع عليه ناظر إليه فإنه لن يفعل إلا ما كان طيباً وحسناً وسيستحي أن يرتكب الخطأ والعيب تحت نظر سيده ومولاه فإن الحياء لا يكون شعبة من الإيمان إذا كان حياء من الناس، بل إذا كان حياءً من الله الذي يراقب كل شيء ولا يخفى عليه شيء. وللمراقبة مراتب أولها مراقبة النفس في الأعمال والأفعال حتى ينهاها صاحبها عن المعاصي ويأمرها بأفعال البر والخير و المرتبة الثانية مراقبة القلب في استحضار النية الصادقة والخالصة لله تعالى في كل فعل وعمل كي لا يدخل عليه الشرك الخفي من أبواب الرياء والسمعة والشهرة " قال تعالى" أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى"( العلق 14) أما المرتبة الثالثة فهي مراقبة السر وهي ألا يلتفت العابد في عبادته إلى ما يلهيه عن مقصوده ولا يشتغل باطنه بما يشغله عن مشاهدة معبوده وهو ما يشار إليه بمقام المراقبة وهي معنى قوله صلى الله عليه وسلم" أن تعبد الله كأنك تراه\\\" وهي مرتبة خواص الخواص. والمرتبة الرابعة وهي مراقبة لا تتعلق بالطاعات فقط، وإنما في أغلب الأحوال والأوقات وفي كل الأعمال واللحظات والخطرات؛ لأنه محال أن تراه وتشهد معه غيره وهي مرتبة خاصة جداً وقد حدد النبي صلى الله عليه وسلم للإحسان معنى دوام المراقبة لله فى الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة فقال أبو هريرة رضى الله عنه: " كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزاً يوما للناس فأتاه جبريل فقال : ما الإحسان؟ قال: أن تعبد اللَّه كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ويؤكد السراج الطوسي أن معنى الإحسان الوارد فى الحديث هو المعنى عند أهل الله الصوفية وأن معنى قوله : أن تعبد اللَّه كأنك تراه يكون بدوام المراقبة والمشاهدة بالإيمان واليقين ويشير السراج الطوسى إلى أنه من أعظم النعم التى أختص بها أهل الله دوام المراقبة وهى التحقق بمقام الإحسان قال تعالى "وهو معكم أينما كنتم" (الحديد : 4) وهو المسمّى عند أهل الله مقام المراقبة وهو دون مقام الشهود وهو مقام يكون فيه العبد بحسب استعداده من حيث قوّة شعوره ورقّة وجدانه والله يتقرّب من عبده بحسب منزلته.

• وأهل الله مجمعون على أن مراقبة الله تعالى في الخواطر سبب للحفظ في حركات الظواهر فمن راقب الله في سره حفظه الله في حركاته في سره وعلانيته والمراقبة عندهم هي التعبد بأسمائه "الرقيب – الحفيظ – العليم- السميع- البصير " فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها: حصلت له المراقبة. وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذوق طعم الإيمان ووجد حلاوته فذكر الذوق والوجد وعلقه بالإيمان. فقال صلى الله عليه وسلم: "ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولا" وللوصول إلى مقام المراقبة لابد من توفر عاملين أساسيين هما دوام المجاهدة من جهة والسلوك على يد شيخ مرشد من جهة أخرى وهو ما يسميه أهل الله بالصحبة التي هي عماد ومحور المراقبة والتزكية والسلوك الحق ولذلك قالوا ما أفلح من أفلح إلا بصحبة من أفلح؛ لأن النفس بطبيعتها السيئة تعرف كيف تتخلص وتراوغ وتبرر لمن يريد مراقبتها لوحده. من ثمار مقام المراقبة الخوف والحياء من الله تعالى ثم محاسبة النفس على تقصيرها ثم اشتعال جذوة الفكر في القلب؛ لأن المراقبة باب التفكر وهو تردد القلب بالنظر للاستدلال والاعتبار والاتعاظ وأعلى ثمار مقام المراقبة الوصول إلى مقامي المشاهدة والقرب.