منظومة الفساد
بقلم/ جمال محمد خالد
نشر منذ: 17 سنة و 6 أشهر و 6 أيام
الثلاثاء 05 يونيو-حزيران 2007 07:13 م

مأرب برس - خاص

سيرك متحرك، مستوطن، ثابت، متغير. مثل الماء عديم اللون والطعم والرائحة. يستوطن مستعمرات جغرافية، وله انتشار وطني. مرض مستعصي لا تهدده العلاجات ولا تدمره المضادات، فهو ليس بكتيريا ولا فطر ولا فيروس ولا كائن طفيلي بسيط. علاجه الوحيد هو التدخل الجراحي الذي لا يجيده سوى القليل من المهرة من الجراحين، ونسبة النجاح متدنية جدا.

ما هذا الكائن الغريب وكيف يعرف أو يوصف؟ معقد التركيب لدرجة عدم معرفة وحدته التركيبة، فليس له خلية تتكرر بانتظام وليس له بناء معماري واضح بحيث يتكون من مجموعة من الطوب أو الحجار. كلما حدثت نفسي عن أسرار انتشاره، وعمق توغله في وطني الغالي، جادت نفسي بالآهات وتألمت من فرط الجرح.

فعلى المستوى الشعبي ساد مفهوم الفساد، وتبطن تحت مفردات غريبة، حق الدولة ـ أحمر عين ـ أسس عيالك ـ أمن مستقبل أسرتك. وانبثقت من قريحة عامة الناس عبارات تصف النزيه بــالأخبل ـ الغبي ـ الضعيف ـ الجبان ـ (مابش منه) .

لا يرحمك أقرب الناس إليك ـ أقاربك ـ وربما زوجتك وأولادك.

وعلى مستوى الطفولة أمل المستقبل، لا تعجب فقد ساد مفهوم الفساد وتستر في مخيلة النشء الواعد. فيُنظر لأبن المسئول اللص السارق (الباتر) بإعجاب وتقدير. فهو يمتطي سيارة أخر موديل، ويلبس أفخر اللباس ولا يتورع أن يفتخر على أقرانه بأبيه المسئول ، الضابط ، المدير.......ولا يتورع أحدهم أن يخبر من يحب ومن لا يحب أن والده أركان حرب منطقة عسكرية قد باع كمية كبيرة من السلاح لتسديد نفقات مناسبة من مناسباتهم مثل ختان أخوه الصغير أو زواج أخوه الكبير. عالم منحرف لا يفقه مفهوم الوطن ويعجز أن يحمل من ذكريات وطنه شيئا سوى ذكرى أنه نهب وسلب ومغنم.

وعلى المستوى الحكومي، فالوظيفة العامة مغنم، أشبه بشبكة أمان اجتماعي، فلا ينجز أثناء الدوام أي أمر فيه مصلحة الوطن أو مصلحة العامة، استيقاظ نشط ومجيء مبكر الساعة التاسعة أو العاشرة ففطور وقراءة المجلات ثم الخروج لشراء الولعة والمغادرة الساعة الثانية عشرة.

على مستوى من يدير البلاد وشئون العباد، لا نسمع إلا عن أبار نفط تختفي بقدرة قادر وسيل هادر من الوعود ثم تتبخر وتشكل غيوم شؤم، تسقط مطر جوع وفقر ومرض. تلاعب في الاتفاقيات وتحايل في المناقصات ومشاريع أشبه بأشباح ومنجزات ترتل لها الإذاعات والنشرات والمنشورات، ويبكي لها كل ناظر وكأنه مجلس عزاء على وطن الأشقياء.

لك الله أيها الوطن النهب الوقف لهم ولذراريهم

لك الله يعالم من الأموات

ويقظة في ظلام السبات

وشمعة تهددها العواصف العاتيات

لك الله يجرح الماضي

وأنين الحاضر

وخوف الأتي

لا أملك سيف فأقتل

ولا خنجر فأغمده في سحيق الجرح

ولا دمعة فأسقى صحراء البؤس

ولا هوى أتحايل به على نفسي

توبة من التفكير في مصيرك!!

ففى ذالك غاية الألم وكل الندم

عاجز عن المساعدة

فكثير حولي هم

عازفون ماهرون

وراقصون مبدعون

ولست ثوبا أبيض

ولا مددا أسود

ولا تسترخي عضلات قلبي

فأستعيد الشهيق والزفير

هناك في عميق مأساتك

يموت الكل

ويصرخ الكل

ويستنجد الكل

ولا تضيف الأسماء المتبادلة

سوى نمط راقي من الفاجعة

قُصم ظهرك

وهُتك ستار مجدك

فنظر لك العالم شامتاً أو طامعاً

فهل يستحيل الظلام نور أسود؟

وهل يفك الأسر أشباح رجال؟

دع عنك الحزن وأركض بعيدا

لن تجد من يساعدك

فجميعهم وجدوا من أجلك

من أجل تحديد مصيرك

من أجل حفر قبرك!!.