الذين وضعوا اليمن خلف ظهورهم
بقلم/ علي أحمد العمراني
نشر منذ: 14 سنة و 5 أشهر و 3 أيام
الإثنين 12 يوليو-تموز 2010 08:36 م

قبل أكثر من ثلاث سنوات، أثير لغط حول مزرعة للرئيس في أبين، وكتبت حينها مطالبا فخامته أن يعلن أن كل ما آل إليه أثناء توليه الحكم يعتبر ملكية عامة للدولة.على أن يتجه بعد ذلك إلى كل الذين أثروا من المال العام أو استغلوا نفوذ الحكم ويسترد منهم كل ما أخذوا بغير حق.ولا زلت اليوم عند رأيي ذاك تماما،بل إن مرور الزمن وتطور الأحداث يؤكد صواب ذلك الرأي أكثر، ويجعلني أكثر تمسكا به من أي وقت مضى.حيث أرى أن كثيرا مما تعانيه اليمن اليوم وتتعرض له من بؤس ومخاطر يعود في جوهره إلى استغلال النفوذ والإثراء غير المشروع والجشع. ولا زلت أرى أن الجمع بين الإمارة والتجارة خطأ فادح وظلم صارخ يجب أن يتوقف.

عندما طُرح موضوع أراضي الحديدة في مجلس النواب كان من بين الذين وردت أسماؤهم في تقرير اللجنة -المكلفة من المجلس - رئيس مجلس النواب الشيخ يحيى الراعي وعضو المجلس الشيخ حميد الأحمر.وقدم الشيخان، للجنة، وثائق تؤكد مشروعية امتلاكهم للأرض.

ومهما تكن صحة تلك الوثائق التي قدمها الشيخان الراعي والأحمر، غير أن أثر النفوذ السياسي في كثير مما تملكه أمثال الشيخين في الحديدة وغيرها صعب أن يُخْفَى. وهذا ما قلته في المجلس عندما اقترحت أن يتبرع كلاهما بتلك الأرض لجامعة الحديدة.وقال أحد الزملاء النواب من الحديدة هل نسيت الأكوع الذي يسيطر هناك على مساحة أكبر كثيرا من مساحة دولة عربية ؟. فقلت لقد عنيت رئيس مجلس النواب الحالي وابن رئيس المجلس السابق باعتبارهما زعيمين سياسيين بارزين، وقصدت أن يكونا قدوة ونموذجا يحتذى في التنازل والتبرع بما يعتبرانه حقا لهما،وينظر إليه آخرون على أنه موصوم بشبهة استغلال النفوذ، فقال : والأكوع هو قريب رئيس الجمهورية . فأجبت : إذن،هو من باب أولى،ولا يصح أن يستغلقرابته للرئيس من أجل الثراء والتملك،فما بالنا وهو يتهم من آخرين بالسطو على مال ليس له.

وقد احتج معقبا،حينذاك،النائب عبد العزيز جباري على استخدام كلمة "يتبرع "على اعتبار أن الأرض المعنية منهوبة في نظره ، ورددت عليه أن التبرع يصح في تقديري ما لم يتضح الحق لغير الشيخين صراحة وبالفعل، وفي حالة أن تكون الوثائق التي تقدم بها المعنيان الأحمر والراعي صحيحة، وما يشوبها ضمنا أو صراحة هو أثر النفوذ السياسي.

وقلت حينها : لقد تسابقنا في العشرين سنة الماضية على الثراء والكسب بالحق قليلا والباطل كثيرا، وحان الوقت أن نتسابق اليوم في الاتجاه الآخر الصحيح،وهو اتجاه أو طريق العطاء والبذل الذي يؤكد صحة ومعنى الشعارات التي ترفع هذه الأيام: " اليمن أغلى" أو "اليمن في قلوبنا". ولابد أن يدرك الذين أثروا بغير حق في المرحلة الماضية وأخذوا ما ليس لهم،وكان النفوذ السياسي أو الفساد وسيلتهم إلى الثراء أن اليمن لم تكن في قلوبهم ولم يرحموها قط،بل لقد وضعوا اليمن العزيزة وأهلها، خلف ظهورهم، أو بالأصح ، تحت أقدامهم،علموا أو جهلوا،شاءوا أم أبوا.. والحق إن جشع البعض كان أقسى على النفس مما يفعله الغزاة والأعداء في بلد يحتلونه ويستبيحونه ، ولا شك أن تلك القسوة والبشاعة والجشع سبب ما يجري في بلادنا اليوم في أكثر من مكان. 

قبل أيام، قرأت في وسائل إعلامية منها صحيفة القدس العربي وموقع البي بي سي ، أن المليونير الأمريكي بيل غيتس مدير شركة المايكرو سوفت, يريد أن يقنع أثرياء أمريكا بالتبرع بنصف ثرواتهم للأعمال الخيرية ، وقد أقتنع البعض منهم، أمثال وارن بيفت الذي سبق وتبرع بمبلغ 37 مليار دولا لمؤسسة بيل وميلندا غيتس الخيرية في العام 2006.. والسيد وارن بيفت عصامي آخر مثل السيد غيتس، وثالث أغنى رجل في العالم، وهو شديد التفاني والالتزام ولانضباط في عمله، وهو مع ذلك كثير الإحسان ومغرم بأعمال الخير مثل ما ذكرت البي بي سي، ولا يفتر عن ذلك أبدا، وهو ماض في التبرعات إلى النهاية، ويحث غيره على الإحسان والتبرع، وله في ذلك أساليب عديدة مثل دعوة أثرياء إلى غداء خيري قيمته خمسة مليون دولار للفرد، وقد أعلن عزمه على التبرع ب99 % من ثروته البالغة 43 مليار، لأعمال الخير.أحد السعوديين علق على قرار وارن بيفت الذي تبرع ب37 مليار دولار، مقارنا وضعه بحال المليونير العصامي السعودي المعروف، صالح عبد العزيز الراجحي،الذي حجر عليه أبناؤه بحكم شرعي عند ما أراد أن يتبرع بملياري ريال سعودي من ماله لصالح بناء مساكن للمحتاجين، بحجة أنه مخرف ومجنون ، وعندما أراد أن يستأنف الحكم استعان أبناؤه ببعض رجال الدين لإقناعه أن يكف عن الاستئناف وفقا للمعلق السعودي !.

 بيل غيتس من جهته قرر أنه سيتبرع بتسعة وتسعين في المائة من ثروته البالغة 53 مليار دولار وقد جمعها بكده وذكائه وعصاميته.ولن يترك لورثته سوى واحد في المائة من تلك الثروة.وسبق له وقدم 28 مليار دولار من تلك الثروة لصالح مؤسسة الأعمال الخيرية التي أنشأها بيل مع زوجته ميلندا وهي أكبر مؤسسة خيرية في العالم.

 ولا بد من الإشارة إلى أن جهود مؤسسة بيل غيتس الخيرية تصل إلى بلدان إسلامية كثيرة يسود فيها الفقر والحرمان بسبب فساد واستغلال نفوذ يقوم به زعماء مسلمون، أكثرهم يؤدون الشعائر الإسلامية، لكنهم أبعد ما يكونون عن مقاصد الدين الحنيف ومقتضيات التدين الصحيح وقيم وأخلاق الإنسانية السوية.

ربما بسبب نشاط وإحسان بيل غيتس في بلدان إسلامية فقيرة، التبس الأمر على أحد فقهاء الدين الكبار عندنا، قبل سنوات، وبشر طلابه بعد صلاة الفجر بأن بيل غيتس اعتنق الإسلام.وما أجمل أن يكون المرء مسلما حقا. لكني أخشى أن أمثال ذلك الفقيه كانوا سيأخذون على يد بيل غيتس المسلم، ويمنعونه من التبرع بتسعة وتسعين في المائة من أمواله بحجة شبيهة بما استند إليه فقهاء آخرون في شأن المليونير السعودي المسلم الراجحي، أما الوصية فالثلث أقصى ما يمكن له أن يوصي به حتى وإن كان ما سيتركه لورثته هو أكثر من نصف مليار دولار. وللعلم فقد أقر بيل غيتس أن يوصي بإنفاق كل ما سيتبقى من ثروته على أعمال الخير خلال خمسين عاما.

في بلادنا أثرياء كثيرون بعضهم كون ثروته بفعل استغلال النفوذ السياسي والغش والاستغلال والتهرب والتهريب، وقلة منهم بالجدارة والمهارة والعمل، وآخرون خلطوا بين هذا وذاك.لكن أين هم جميعا من بيل غيتس أو وارن بيفت، أو جاكي شان،الذي تبرع هو الآخر بنصف ثروته للأعمال الخيرية.

أغلب الظن أن الأثرياء من قومنا لن يعتبروا بما حل بالمليونير الراجحي الذي جمع ثروة طائلة مديدة، وكانت سببا في شقائه وإيذائه آخر العمر، والنيل منه والحجر عليه، من قبل أبنائه، واتهامه بالخرف والجنون، وهم على الأرجح لن يـتأسوا بالسيد بيل غيتس أو يقتدوا بالسيد وارن بيفت، فأولئك "كفار" و هولاء مسلمون، مع أن منهم من يحتال على الزكاة ويتهرب عن دفع الضرائب ويدلس ويغش، ومنهم من يسلب وينهب ويتجاوز كل الحدود ، ويتعالى على الخلق .. ربما سيكون مهما أن يأتي اليوم الذي يسأل فيه كثيرون : من أين لك هذا؟ فكثيرون ماضون في سبيل الجشع والطمع والاستحواذ والتملك ، بغض النظر عن المشروعية والحق، وبغض النظر عن النتائج المدمرة المروعة على كل صعيد، وفي كل اتجاه، في الجنوب مثل الشمال ومثل الشرق والغرب.

Imrani3000@yahoo.com