العلماء واللحوم المسمومة (مواقف مرتبكة)
بقلم/ د.فيصل الحذيفي
نشر منذ: 14 سنة و 8 أشهر و 10 أيام
الإثنين 05 إبريل-نيسان 2010 03:19 ص

أود التنويه إلى أنه وقع بين يدي بيان وفيه أسماء من أطلقوا على أنفسهم علماء اليمن وفي سلافه موقفهم من زواج الصغيرات، ففيهم العالم الذين نعترف بعلمه وهم قلة في ذلك البيان لا نوافقهم على رأيهم لأنه غير ملزم وغير مقدس، ومعظم من وردت أسماءهم في البيان أدعياء متعالمون دخلاء، منهم خطيب الجمعة والمشتعل في الميدان الدعوي وحقل العمل الإسلامي، وأنا أطلب منهم أن ينشروا سيرتهم الذاتية على الملأ ليعرف الناس من هم علماؤهم وهل هم علماء أم لا ؟ كي نعرفهم ونستفيد من علومهم التي اجتهدوا في انجازها حول الدين وشؤون المسلم المعاصر ومستجداته.

وقد وددت أن أرد على القراء والمعلقين ممن يدافع على العلماء ذوي اللحوم المسمومة وهو ذم بصيغة المدح حيث يجري تشبيههم بالزواحف السامة كالعقارب والحنشان وغيرها، ومن جهة أخطر أن هذا الوصف يصبغ القداسة - بدون وجه حق - على بشر يصيبون ويخطئون مهما كان فضلهم وعلو كعبهم في العلم.

أما شدة استغرابي وامتعاضي يعود لأمرين: « الأول » : فإن تفشي ظاهرة سب الذات الإلهية وسب الإسلام والرسول بين فئات اجتماعية بعينها تستمر بالتصاعد دون انتصار من أحد يجرم هذا الفعل الشنيع أو موقف يذكر من العلماء. « الثاني »: لقد قرأنا في التاريخ أن قريشا آذت رسول الله بأبشع الصور فلم نسمع أن الرسول (ص) قال عن نفسه بأن لحمه مسموم وهو رسول من الله إلى البشرية ورحمة للعالمين ولم يثأر لنفسه من أشد قومه غلظة «اذهبوا فأنتم الطلقاء» ولا تزال حادثة ثقيف تهز ضمير ووجدان المسلم، والمتمعن بموقف الرسول صل الله عليه وسلم بجوابه لجبريل الذي استأذنه بتنفيذ العقوبة عليهم بقوله : « اللهم اهدي قومي فإنهم لا يعلمون ». إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين فأجاب جبريل« لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده ».

وفي هذا السياق واقتداء بالرسول نريد أن نسمع من خطيب جمعة وواعظ أن يدعو الله بهداية الكفار والعلمانيين والاشتراكين إلى الطريق القويم أسوة بدعاء الرسول للكفار بالهداية « اللهم أيد الإسلام بأحد العمرين » ولا أخفيكم غضاضتي أنني أسمع في كل خطبة جمعة الدعاء التالي: « اللهم اهلك الاشتراكين والعلمانيين....الخ» ولا أدري كيف يصبغ هؤلاء الخطباء الكفر على مسلم له برنامج سياسي يخالف قناعاتهم، ومن ذلك:« اللهم مزقهم بددا واجعلهم وأموالهم وأولادهم غنيمة للمسلمين، اللهم نكل بهم فإنهم لايعجزونك » فهل سيكون الله نصيرا لمسلم عاجز وجاهل ومتخلف، يريد من الملائكة أن تحارب عنه دون الأخذ بأسباب القوة « وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة» إن مثل هذا الدعاء يفهم منه حنينا إلى عهود الرق والجواري من حروب تدور بين دار الإسلام ودار الكفر ليجد البعض استمتاعا جنسيا بما فوق الأربع من الزوجات الإماء ومادون السبع من الصغيرات .

لقد كتبت مقالا منهجيا تحت سؤال : من هم العلماء ؟ وكان بمثابة دعوة رجال الفكر والعلم للنقاش ليطمئنوا لأنفسهم، ولنطمئن لفتواهم ودعوتهم، ونستأنس بآرائهم ومواقفهم.

http://marebpress.net/articles.php?lng=arabic&id=6715

وفي كلا الحالات ينبغي أن نتفق على أن جدالنا نحن والعلماء حول موضوعات الدنيا هي وجهات نظر لا أحد يملك قداسة الحجة، وحول موضوعات الدين ستضل كذلك وجهات نظر حتى تستقر في وعي الناس حكما اجتهاديا بالإذعان إليها إن ثبت للعامة أن أصحاب الفتوى هم حقا علماء.

وفي هذه السياق أدعو العلماء الحقيقيين إلى مناقشة إصدار فتوى اجتهادية بإقامة حد الزنا بالاعتماد على فحص الحمض النووي فهو أصدق من شهادة أربعة شهود يمكن شراءهم بحفنة من المال لقتل الخصم إن أراد أحد فعل ذلك، أو إقرارها للتأكد من سلامة الشهود على الأقل، فهل من يفتي بوجوب تسجيل الفحص النووي ضمن البطاقة الشخصية لكل فرد مسلم وأنا أضمن لكم انخفاض فاحشة الزنا إلى الرقم صفر هذا إذا كنتم تستهدفون الحفاظ على الفضيلة وسيظهر الواقع من هم المهووسون جنسيا والفتاكون بالشرف والعرض. فتشديد الشرع بأربعة شهود لإثبات وقوع جريمة الزنا إنما كان لسلامة الإثبات وصدقيته، فإذا توافر الإثبات وصدقيته بوسائل علمية أكثر دقة من شهادة الشهود مثل الفحص الجيني فهل يجوز أن نخضع ذلك للنقاش أم لا ؟.

وما نعتب على العلماء الحقيقيين هو صمتهم فيما لا ينبغي الصمت فيه وجهرهم حيث لا نفع من ذلك، فلقد استمعنا إلى قرار الحكومة اليمنية برفع الفوائد الربوية على الريال إلى أكثر من عشرين في المائة تصل لدى البنوك التجارية في إقراض الناس إلى نسبة 27 في المائة وهذا ربا محرم شرعا بأحكام قطعية لاجدال فيها ولا اجتهاد حولها، ولم نسمع من العلماء موقفا أو بيانا وضغطا على مجلس النواب بحرمة الربا وسن قانون يلزم الحكومة بإلغاء الفوائد الربوية المحرمة شرعا وفقا لمواد الدستور« الإسلام دين الدولة ، والإسلام المصدر الرئيسي للتشريع» بينما يتصدون لقانون تحديد سن الزواج وهو ليس حكما قطعيا بل من القضايا المباحة المسكوت عنها، والقياس على زواج الرسول من عائشة هو قياس باطل ، ولا أحد يستطيع الحديث حول وجود نص ديني يتضمن حكما قطعيا بهذا الخصوص يسكت الجدل، ووجدنا العلماء الحقيقيين والأدعياء على السواء يستميتون على معارضة قانون تحديد سن الزواج ونحن نحمل الأغلبية المؤتمرية مسؤولية هذا العبث بإخراج اختصاص التشريع من قبة البرلمان إلى الشارع حيث لا اختصاص له في الإقرار من عدمه. وإن لجنة تقنين الأحكام في البرلمان ليسو أهلا ولا مفوضين من أحد بالحديث باسم الدين فلا كهانة في الإسلام .

ولو نال الإنسان اليمني ذكرا وأنثى قدرا معتبرا من التعليم النوعي لامتنع الجميع اختياريا بالوعي العقلي بالمصلحة أو الضرر حول الزوج المبكر وبالتالي فهل سيسعى العلماء لاستصدار قانون يلزم المجتمع بالزواج المبكر، فإذا كانت الإجابة « بلا » فما الداعي للاستماتة المثيرة للريبة حول معارضة تنظيم سن الزواج لمصالح الصغيرات وحمايتهن وحفظهن من الظلم والتعدي وبالتالي حفظ المجتمع بكامله.

إن الصراع القائم بين الفريقين ليس صراعا بين الدين والعلمانية كما قد يصوره بعض الأدعياء من العلماء المتصدرين بالفتوى والاعتراض والخطابة والكتابة في المواقع الالكترونية وإنما هو صراع بين الإنسانية والبهائمية، بين العقل وخرافات المجتمع، بين العلم والجهل، وبالتالي كان يفترض على من يصفون أنفسهم بالعلماء أن يقفوا مع تعليم الأطفال وعدم حرمانهم من حقوقهم التعليمية ، واستصدار قانون بإلزامية التعليم، وحث الآباء على القيام بواجب الرعاية والتربية والتوجيه الحسن والنافع، فالزواج المبكر يؤدي قسرا إلى صرف الصغيرات عن التعليم وهو شرط لازم لتطور المجتمع وتقدمه، وبالتالي فإن سبب تخلف المجتمعات الإسلامية دونا عن غيرها من الأمم يعود إلى سطوة التقاليد والعادات وفرض بعض رجال الدين التقليدين رؤاهم وقناعتهم الشخصية على المجتمع باسم الدين وليس دفاعا عن الدين.

فلو كانت مواقفهم دفاعا عن الدين، فالدين حرم الربا وهم سكوت عليه، وحرم الظلم وهم سكوت عليه، وحرم الغش والتزوير وهم سكوت عليه وما يجري من غش فاضح في الامتحانات وتزوير في الانتخابات مسؤولون عنه بسكوتهم، كذلك سكوتهم عن نكث الحكومة بتعهداتها وتعطيل قوانينها مثل تحريك قانون الأجور ورفع المرتبات لمواجهة غلاء المعيشة، إلا لأن العلماء الأدعياء المتواطئون مع السلطة ينطقون بما يأمرهم سيدهم وتصان منافعهم ويسكتون حيثما يؤمرون بينما نجد أن الدين وأحكامه القطعية التي ليست موضع خلاف تنتهك بشكل يومي.

ينبغي التفريق بوعي ناقد بين فتاوي القصر السياسي بأدوات العلماء الحنشان وبين الفتاوى الشرعية الاجتهادية ممن هم أهلا لها من العلماء الأعلام، وفي هذا الصدد ينبغي إعمال العقل من أي قارئ لبيب - مثلا - في تفسير فتوى بن باز في الستينات بتحريمه القطعي بعدم استعانة المسلم بالكفار والنصارى ولو للضرورة وهي فتوى موجهة ضد عبد الناصر الذي استعان بالخبراء السوفيات الملحدين، وحينها كان على عداء مع نظام الحكم في السعودية، وهو بن باز ذاته الذي أفتى في مطلع التسعينات بوجوب استعانة المسلم بالكافر ليشرع للنظم الخليجية باستقبال نصف مليون جندي غربي لضرب العراق واحتلال الجزيرة إلى اليوم، وكلاهما موثقة لا يحتملان التشكيك، وأترك للقارئ الواعي التفريق بين العالم والمتعلم والمثقف والباحث ، بين عالم الدين ومفتي القصر، فهؤلاء ليسوا علماء بل خدام سلطة يأتيهم البيان من وزارة الداخلية فيوقعون عليه ليصبح البيان السياسي فتوى ملزمة باسم الشريعة وهي منهم براء.

hodaifah@yahoo.com