عن الثورات المُصَغَّرة وأبْطَالُها
بقلم/ مروان المنصوب
نشر منذ: 12 سنة و 9 أشهر و 6 أيام
الجمعة 09 مارس - آذار 2012 02:09 ص

(1)

حاجة مش مفهومة

من أكثر الدلالات التي تبين لك أن شخص ما مصاب بانفصام الشخصية هي أن يكون المرء في مكان ما على صورة وفي مكان آخر على صورة مغايرة تماماً للصورة السابقة , أو تجد جماعة ما "ضحية" و"جلاد" في وقت واحد , تماماً كما تفعل جماعة الحوثي ففي الوقت الذي تجده منابرهم في صنعاء تُمْطَركَ بوابل من المَدَنِية والانفتاح على الآخر تجد ذلك من خلال من يتحدثون باسمهم في القنوات الفضائية وغيرها من وسائل الإعلام في المقابل وعلى أرض المملكة المقدسة (صعدة ) وهي بالمناسبة تَحُدها الولايات المتحدة غرباً , وشمالاً إسرائيل (كما سنبيّن ذلك لا حقاً) إذ الخطر الداهم لا يتوقف ليل نهار , في مملكة أنصار الله لا مجال للحياة إلا لأصحاب (الصرخة ) وآلات تقبيل ركب سي دي /عبده .. وعبده هذا كائن نادر الظهور لأن الحروب الكونية التي يخوضها لا تتيح له الفرصة حتى لاحتساء كوب من الشاي أو لقاء جمال بن عمر .

(2)

دعونا نسترجع قليلاً :

في أكثر أشهر الثورة اشتعالاً واتقاداَ وفي أكثر مراحل النظام (البائد) تدهوراً وانفراطاً تحديداً في أشهر ( مارس , إبريل , مايو) من العام الفائت كان جيش عبدالملك الفاتح (عفواً عبدالملك الحوثي ) يقود الحملات لفتح حجة , والجوف وتحريرهما من رقة الهيمنة والاستكبار العالميين إذ تبعد الأولى عشرات الكيلومترات عن العاصمة واشنطن , وتقع الثانية على مرمى حجر من تل أبيب بمعنى أن جيوش (الصرخة) وصلت إلى التخوم ولم يبقى إلى القليل لِتُنجز النصر,كان على الحملات العسكرية ألا تتوقف حيث كنا على بعد ساعة من الزمن لنرى إخوتنا في غزة ورام والله وجنين يدخلون مرحلة (ما بعد الاستعمار) الذي دام أكثر من 50 عام, كان على متحدث جيش الفتح أن يُفصح لنا عن الأسباب التي أدت إلى توقف الفتوحات العظيمة التي كادت أن تحول مجرى التاريخ برمته.
في الحقيقة ليس هناك مبرر يمكن لأحدهم أن يقنعك به عن جدوى تلك الحروب أو الطائل من ورائها لأن الحقيقة لها وجه واحد وصورة واحدة , المعارك التي حدثت في الجوف وحجة وأطراف عمران التي شردت مئات الآلاف وأودت بحياة المئات لا يمكن أن نسميها فعلاً ثورياً لا يقبل النقاش بل طعن في الظهر وقلب الطاولة على الجميع بل وأعاقت صوت الثورة في العالم , لم تكن تلك المعارك إلا عامل قوة للمخلوع صالح وتحقيقاً لنبوءاته التي تحدث بها عن تفكك اليمن واشتعال الحروب الأهلية .

(3)
من فين نجيب لكم صالح ؟!.

في الانتخابات الرئاسية السابقة في الـ 2006 حصل المخلوع صالح على ما يساوي 90% من أصوات صعدة , ((هذا للتذكير فقط)) وبالمناسبة , شخصياَ أتفهم موقفهم من العملية السياسية ومقاطعتهم للانتخابات وهذا حق لهم ولا يختلف عليه اثنان وحتى انتخابهم صالح أيضاً من حقهم , لكني أتفهم أيضاَ أن تلك المقاطعة لا يمكن أن تكون من أجل (سواد عيون الثورة ) لأن من ينشد الثورة لا يمكن أن يرسل مليشياته كقطعان ضالة تتحسس طريق الفوضى واللإستقرار لتعشعش فيه , ولأن يخشى على ضياع الثورة لا يمكن أن يحول قرية كاملة إلى سجن كبير يموت سكانها من الجوع والمرض إن لم يسبق كل ذلك قذائف الهاوزر والرشاشات الثقيلة .

ضف إلى ذلك أعمال الإرهاب التي مُورِست قُبيل الانتخابات ومحاصرة اللجان الانتخابية واقتحام مقار حزبية واعتقال بعض نشطاء في الحملة الانتخابية وكل هذا عشان زعلانين على مرشحهم اللي انتخبوه في 2006 .

(4)

بن عمر يفك اللغز ..

شعار الموت لإسرائيل والموت لأمريكا في طَرفة عين أصبح كأن لم يكن , وبعيداً عن مدلولات الشعار ومدى سطحيته , كان بن عمر (وهو ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والتي تعتبر فرع من فروع الإدارة الأمريكية) في زيارة خاطفة إلى المملكة الحوثية في حين كان الحوثيين يُطَهِرُون في طريقه كل تلك الشعارات (الموت لأمريكا .. الموت لإسرائيل ) وكأنها لم تكن هي ذات الشعارات التي يقاتلون (خلق الله ) تحت رايتها أو لم تكن هي تلك القطع القماشية التي فتحوا بها حجة والجوف وكانوا في طريقهم إلى عمران مروراً بمستوطنة  ارييل و بنيامين بكعوت , ووصولاً إلى نييورك...وصل بن عمر إلى مكتب فخم وجلس على كنب فاخرة كان سي دي /عبده (زاته) يشرح له مدى مدنيِّته وانْفِتَاحه على قوى الساحة بما فيهم الأم ريكان والإسرائليين حتى .. قلت في نفسي هذ وهو جمال بن عمر , كيف لو كانت كلينتون أو أوباما ؟ يمكن كان سيذيع فرمان بتقديم يوم الغدير إكراماً له واحتفاءَ بحضوره . كنتُ أود من بن عمر أن يهدي عبدالملك الحوثي في تلك الزيارة خريطة العالم عشان يميز ما بين حجة وتل أبيب .

(5)

ماذا عن تعز ؟!

في تعز وتحديداً بعد محرقة الساحة في نهاية مايو 2011م أوفدت المملكة الحوثية إلى تعز جيش مكون من خمسة أنفار مسلحين يذودون عنها وكأن أبناء تعز قد ضعفت حليتهم فلم يجدوا لهم منقذاً إلا أولئك , انتهت أحداث تعز(الأليمة) ولم تنتهي مهمة أنصار الله حتى الساعة لأن التمويل لا زال قائماً على أصوله , وبالنظر لطبيعة تعز الديمغرافية فإن مجرد السيطرة عليها ولو فكرياً ستمثل بالنسبة لهم مكسباً عظيماً لا يظاهيه شيئ , لكن هل من المعقول أن تتحول تعز من حاضنة التنوير والثقافة إلى زاوية ضيقة في قبَّة مهجورة يقف عليها (سيد) ؟!

(6)

ختاماً :

لا يتصور البعض أن ما نقوله في حق الحوثي هو محاولة لثني الناس عن طريقته أو التدليس على فكره بل هو مجرد انتقادات على الأساليب التي يستخدمونها بما فيها الانتشار والتوسع على أسنة البنادق وأزيز الرشاشات , الفترة الأخيرة شهدت العديد من المناشدات لجماعة الحوثي لتكوين حزب سياسي وتقديم أنفسهم للمجتمع بشكل مدني (كما يصرحون ) , من وجهة نظري لا يهم أن يشكل الحوثي حزب أو ينخرط في العمل السياسي لكن المهم هو السؤال التالي : هل سيتخلى الحوثي عن السلاح في حال وجود نظام يرتضيه اليمنيين ؟ وهل ستسمح الجماعة لقوى الأمن بالدخول لصعدة وأداء مهامها مثل بقية المحافظات ؟

أخشى ما أخشاه أن نموذج حزب الله في لبنان يُغري كثيراً الحوثيين (يد مع الساسة وأخرى على الزناد ) لنفرض – جدلاً – أن السلاح الذي مع حزب الله من أجل المقاومة , فماذا يقاوم الحوثي إذاً ؟