المبادرة الخليجية واليتها – لا ضمانات عملية ولا نزاهة في المراقبة وانحياز الضامنين
بقلم/ د. محمد البنا
نشر منذ: 13 سنة و يومين
الإثنين 12 ديسمبر-كانون الأول 2011 04:08 م

يعلم الجميع ان النظام العائلي الذي حكم اليمن 33 سنة بالدسائس والمكائد والفتن, زرع فيها الحروب والضغائن وشوه تاريخ اليمن وحضارة شعبها, وشغل الناس بهموم توفير لقمة العيش والخوف من بطش اجهزته القمعية. جاءت ثورة الشباب السلمية لتعيد للشعب اليمني ثقافته الحقيقية المتحضرة, وتعيد لابناء الشعب ثقتهم ببعضهم البعض, وتوقف الحروب الوهمية بعد ان كسرت حاجز الخوف والقلق. نجحت الثورة الشبابية في خلخلت النظام العائلي بل وفي زعزعة ثقة الانظمة المحيطة بنفسها, فتداعت لحماية نفسها بحماية تابعيها. مارست مجموعة دول الخليج ضغوطا سياسية وامنية ومالية ضد المعارضة التي جعلت من نفسها وصيا على ثورة الشباب, مستغلة ضعف ثقافتهم بالمكائد السياسية وتشتتهم بين اكثر من ائتلاف. بسبب صمود الشباب في الساحات وتحملهم لكل انواع الاذى الجسدي والمادي والمعنوي, لم تفلح منظومة امن العائلة في تحقيق أي اختراق مهم لتفكيك الثورة الشبابية, فنقلت الملف الى حلفائها في الخليج وزودتهم بملفات المعارضة لممارسة الضغوط عليها واقناعها بالموافقة على مخططات نظام العائلة تحت مسمى المبادرة الخليجية.

نتيجة لمعرفة المعارضة بدسائس نظام العائلة ومشاركة بعض اطرافها له في مكائده ودسائسه السابقة فقد استطاعت الخروج من تلك المكائد وايقاعه فيها, لكنها تناست ان حلفائه الخليجيين لن يتركوه يقع قبل ان يضمنوا ولاء معارضيه لهم. غيرت دول الخليج مبادرتها عدة مرات استجابة لمقترحات النظام العائلي حتى بعد ان اهانها مجتمعة في عقر دارها, فاوقعت المعارضة في مصيدة الالية التنفيذية للمبادرة.

بالمرور السريع على بنود المبادرة الخليجية في نسختها الاخيرة واليتها التنفيذية نلاحظ ان الالية ماهي الا تعديل للمبادرة مستخدمة الفاظا ترضي كل طرف وتوزيع بنود الالية بشكل تمويهي وعلى النحو التالي:

1) دون مخالفة للدستور حددت المبادرة اقرار البرلمان لقوانين عدم الملاحقة القانونية والقضائية في اليوم التاسع والعشرين من الاتفاق, يليها استقالة الرئيس في اليوم التالي (ويصبح النائب الرئيس الشرعي بالانابة), ويقوم مباشرة بالدعوة الى انتخابات رئاسية خلال 60 يوم.

2) ابتدات الالية التنفيذية بالتاكيد على الغاء العمل بالدستور واحلال المبادرة واليتها محل أي ترتيبات دستورية او قانونية دون أي حق بالطعن فيهما.

3) الغت الالية استقالة الرئيس معتبرة ان المرسوم الرئاسي رقم (24) لعام 2011م يفي بالغرض مشيرة في المرحلة الاولى الى ممارسة النائب وحكومة الوفاق مهام السلطة التنفيذية, وهو ما يعني مهام الرئاسة والحكومة اللتان تشكلان السلطة التنفيذية.

4) جعلت بند تشكيل اللجنة العسكرية خلال 5 ايام تحت الرقم (16), وجعلت بند تشكيل لجنة تفسير مرجعية عند أي خلاف حول بنود المبادرة واليتها بعد 15 يوم تحت الرقم (25).

منذ بدا العمل بالاتفاق قام نظام العائلة بخرق الاتفاق وعلى النحو التالي:

1- ابتدا الوفاق الوطني بخرق الالية وتجاوز الخمسة ايام المحددة لتشكيل اللجنة العسكرية بالتزامن مع حرب حقيقية على مدينة تعز المسالمة وابنائها دون أي تحرك من قبل المراقبين المحايدين والضامنين.

2- عند ازدياد عدد ضحايا الالية التنفيذية في تعز وافتضاح التواطؤ مع نظام العائلة اصدر النائب قراره بتشكيلها ناسفا الهدف من تشكيلها وضاربا بعرض الحائط مبدأ التوافق الوطني باعطاء نفسه الحق فقط في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنفيذ المهام المناطة باللجنة والإستعانة بمن يراه مناسباً لتسهيل أعمالها.

3- تشكلت حكومة الوفاق من المؤتمر الذي يعتبر ثورة الشباب ازمة سياسية واحزاب المشترك التي تعتبرها ثورة. لكن وفي كلمة النائب للحكومة في اول اجتماعاتها, اعتبر النائب ثورة الشباب (ازمة سياسية شكلت علامة مؤلمة في علاقاتهم) قائلا: جاء تشكيل حكومة الوفاق الوطني تعبيراً صادقاً على رغبة السلطة والمعارضة في الخروج من الأزمة السياسية المدمرة التي شكلت علامة مؤلمة في علاقاتنا الوطنية. وهو ما يعتبر فرضا لوجهة نظر جانب السلطة قبلته المعارضة.

4- تابع النائب خرقه للمبادرة موجها حكومة الوفاق قائلا: هذه الحكومة معنية منذ اللحظة بالوقوف أمام كل عناصر ومسببات الأزمة وتفكيكها ومعالجتها ووضع حلولاً عملية لكل وقائعها على الأرض. وهو ما لم تتظمنه المبادرة واليتها التي حددت بان تقوم حكومة النفاق الوطني مباشرة بعد تشكيلها باتخاذ الخطوات اللازمة لضمان وقف جميع اشكال العنف وانتهاكات القانون الانساني وفض الاشتباكات وضمان حرية التنقل في جميع انحاء البلد وحماية المدنيين والالتزام بكافة قرارات مجلس الامن ومجلس حقوق الانسان.

هذا فيما يتعلق بالنائب الامين العام للمؤتمر الماسك بزمام سلطة العائلة. اضافة الى هذه الخروقات فان راس نظام العائلة استمر بالاشارة الى وجوده وقيامه ببعض مهام المرحلة عبر مخاطبة رؤساء الدول بالتهاني والتعازي, وكذا اصدار قرارات جمهورية من مهام السلطة التنفيذية المنقولة للنائب وحكومة الوفاق. اغرى تساهل المراقبين والضامنين نظام العائلة فاضاف خرقا توافقيا بالتوجيه الى وزارة المالية قبل ان تؤدي حكومة الوفاق اليمين الدستورية, باعتماد مرتبات خريجي الجامعات الذين تم تعيينهم لتفكيك اعتصامات الشباب خلال الثورة الشبابية هذا العام, هادفا الى وضعها في مواجهة الشباب في هذه الظروف.

من جانب اخر نلاحظ مؤخرا تكرار اعلام المؤتمر لمقولة اعادة الاوضاع الى ما كانت عليه, وهو ما يسير الى اعادة صالح الى ما كان عليه لكنهم يتناسون ان تلك الاعادة تستلزم اعادة الشهداء والمال المنهوب. وهو ما يعتبر تحايلا على المبادرة واليتها.

اخيرا وحتى لا تشارك المعارضة في المتاجرة بدماء الشهداء نطالبها بالاتي:

1. مطالبة المراقبين الضامنين بالزام نظام العائلة بالوفاء بتنفيذ الاتفاق عبر تشكيل لجنة التفسير التي تجاوزت الفترة المحددة لتشكيلها في الالية (15 يوم).

2. الاعلان رسميا بان الاتفاق نص صراحة على ممارسة النائب وحكومة الوفاق مهام السلطة التنفيذية (الرئاسة والحكومة) في المرحلة الاولى من الاتفاق ومحاسبة أي شخص او جهة يقوم بممارسة تلك المهام.

3. مطالبة اللجنة العسكرية باعلان حضر تحرك القوات المسلحة والاسلحة والمعدات العسكرية خارج معسكراتها مطلقا الا بتعليمات رسمية من اللجنة مكتملة وتحريم مشاركتها في مواجهة الاحتجاجات السلمية.

4. الاعلان رسميا الى كل الجنود الرسميين بتحريم اطلاق النار على المواطنين غير المسلحين او على المباني السكنية او المرافق الحكومية والخاصة, وانحصار استخدام السلاح الخفيف على حماية المنشاءات المكلفين بحمايتها اثناء ممارستهم لمهام وظائفهم وعند الخطر وبعد التحذير.

5. الاعلان رسميا لكل المواطنين عسكريين ومدنيين بالامتناع عن حمل السلاح في الاماكن العامة او قرب المنشاءات الحكومية المدنية والعسكرية وعند المخالفة سيعتبر تواجدهم بالسلاح خطرا على تلك المنشاءات والقائمين على حمايتها وسيتم التعامل معهم على اساس ذلك.

6. تشكيل لجنة للتفاوض مع الحوثيين والسلفيين ومن يسمونهم بالحركات الاسلامية في ابين وكل فئات الحراك الجنوبي بالامتناع عن اللجوء الى السلاح اومهاجمة المؤسسات العسكرية والمدنية وتسليم تلك المؤسسات الى القوات الحكومية التي ترسلها اللجنة, وعند رفض أي منهم فعلى اللجنة ان تعلن عصيانهم للاوامر والتوجيه باخراجهم بالقوة بالتحالف مع اللجان الشعبية.

7. الاعلان رسميا للشباب المعتصمين في الساحات بالامتناع عن حيازة السلاح في الساحات على ان تقوم اللجنة العسكرية بتوفير الحماية اللازمة لهم في كل فعالياتهم في الساحة وخارجها.

8. الاسراع في تشكيل لجان تحقيق مستقلة في الانتهاكات التي وقعت خلال الثورة الشبابية بمشاركة من ممثلين عن الضحايا في تحقيقاتها.

9. الاسراع في توفير العناية الصحية الحقيقية خارج البلد لكل الجرحى والمعاقين بسبب الاعتداءات الغاشمة عليهم من قبل المسلحين.

د. محمد البنا