اليمن.. بين ألتأييد الإلهي لعبدالملك وصناديق الأقتراع
بقلم/ عبدالفتاح الحكيمي
نشر منذ: سنة و 5 أشهر و 23 يوماً
الخميس 08 يونيو-حزيران 2023 05:16 م
 

سواء أراد الرجل التشبه بنظام الولي الفقيه والعمامة السوداء أو ارتدى تاج الجدة فيكتوريا أو جلس على عرش امبراطور اليابان واستعار رداءه الوثير؟ يتساءل الناس كل هذه الحشود الضخمة في الساحات على مدار أسابيع وأشهر السنة وعبدالملك الحوثي لا يستطيع إقناعها بانتخابه عبر صناديق الاقتراع..

ما هو مأزق الرجل الحقيقي، وعقدة النقص الشخصية ولماذا خوفه من الصناديق، ما علاقة مزاعم النسب وادعاء الحق الإلهي والأصطفاء بفقدانه الشرعية الشعبية ومبالغة أتباعه في الولاء وتعظيمه.. وما علاقة إن مظاهر القمع والأنتقام الشامل ضد اليمنيين وغيرها كعقاب على رفض الناس الولاء والطاعة.

قد يظهر للبعض إن الحوثي نجح عسكرياً(مؤقتاً) لكنه شخص فاشل سياسياً. يسوق طوابير البشر بالإكراه إلى ميادين وساحات العروض ولكنه لا يضمن ولاءهم له في صناديق الاقتراع. وهذه الاستعراضات جوهرها انتقامي أيضاً يقصد بها إذلال آلاف اليمنيين قسراً غير مقتنعين بسلطته وجماعته عليهم.

* معركة استباقية *

يعتبر حديث القيادي في جماعة الحوثي يوسف الفيشي عن القائد المقدس والشعب التابع ورفض الديمقراطية والنظام الجمهوري والدعوة إلى حكم شبيه التسمية بالملكي البريطاني أو غيره حد زعمه أكثر تعبيراً عن أزمة شرعية عميقة يعيشها زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي لجهة عدم إقرار معظم أبناء اليمن له بالسلطة والحكم، والتسمية تحمل رغبة دفينة للأستبداد بأي طريقة. والحديث الصادر عن الفيشي متزامن مع توجهات إقليمية ودولية لتدارس وقف شامل لحرب اليمن وتسوية سياسية مستقبلية تتضمن طبيعة نظام الحكم المتوزان القائم على المواطنة المتساوية والشراكة بين جميع المكونات اليمنية يلخص كذلك باختصار رفض الحوثيين لأي عملية سلام حقيقية لا تمنحهم حق السيطرة والتحكم بمصير ومستقبل اليمنيين وإرادتهم وثرواتهم.

وتلك معركة استنزاف خبيثة بدأها الحوثي من الآن وبمدى زمني سيطول أكثر من سنوات حرب السلاح نفسها التي قد تتوقف ذات يوم.

إنها حرب قادمة لاستكمال الإستيلاء على الثروة والسلطة. وبقدر تظاهرهم بإمكانية تقاسم الثروة بعد واقعة تعطيل موانئ تصدير النفط والغاز، يبدو استحالة تقاسم السلطة والنفوذ بالشراكة مع الجميع إلا بشرط سيطرة وتحكم الحوثي كمالك لها خارج صناديق الاقتراع.

وبتعبير الفيشي نفسه: لا ديمقراطية ولا حزبية ولا جمهورية، فقط القائد المقدس والشعب التابع).

ويعكس حديث قيادات الجماعة المضطرب عن أنظمة حكم مختلفة في أذهانهم من ولاية الفقيه والأمامة كممارسة، والملكية والإمبراطورية، ثم الحق الإلهي والأصطفاء، وواقع الممارسة مدى اضطرابهم وفشلهم في تأسيس وتحشيد قاعدة جماهيرية ثابتة تشرعن لسلطتهم عبر صناديق الإقتراع.

وحتى دعاوى عبدالملك الحوثي وعائلته بالإنتساب الكاذب إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يندرج ضمن عقدة نقص شرعيتهم الشعبية باستجداء العواطف الدينية..

ومن جهة ثانية الأستعانة بالقوة المسلحة لحماية احتكار المَسْيَدة والتمثيل السلالي وتحجيم خطر المنافسين والخارجين من أهل المذهب والجماعة قبل غيرهم.

*عُقدة عبدالملك * 

يعيش عبدالملك الحوثي في واقع افتراضي متخيل لا يريد استبعاده من ذهنيته، وهو اعتبار الحشود التي يسوقها قسراً إلى الساحات والميادين على أنها انعكاس لحجم شعبيته الحقيقي وبيعة الناس الوهمية له.

وهو من هذه الناحية لا يرفض الديمقراطية والتعددية الحزبية الحقيقية الحديثة من ناحية عقائدية فقط، ولا من نظرية الحكم السياسية الخاصة(ولاية البطنين) التي قد تستهويه مختلطة بجمهورية ولاية الفقيه الجعفري وتقمصه دور خميني وحسن نصر الله، وإنما كون ذهابه إلى صناديق الإقتراع أيضاً في انتخابات تنافسية مع الآخرين سوف يكشف ضآلة حجمه الحقيقي وتعريته ونزع الشرعية الصِّوَرية الكاذبة التي تظهرها ضخامة حشود الإحتفالات القسرية المعتادة للجماعة.

ولأن القيادات السياسية التابعة للجماعة الحوثية تعرف حقيقة حجمهما ورفض الناس لاستمرار حكم زعيمهم يلجأون إلى المبالغة في تعظيمه وتمجيده درجة القداسة والتأليه لتعويض رفض الناس له، كونهم يعرفون تماماً نقطة ضعفه بعدم شرعية وجوده وبقائه في السلطة المغتصبة، فيظهرون اخلاصهم الزائف له لمعرفتهم أيضاً بميل شخصيته الضعيفة واستهوائه التملق والنفاق، وأن الرجل يعيش أزمة ثقة حتى بمن يتكلفون الولاء له في الظاهر.

وما قاله يوسف الفيشي مؤخراً عن تمليك عبدالملك الحوثي للسلطة واخضاع الناس لولايته المجروحة لا يخرج عن عقدة افتقاد الشرعية الشعبية التي تعيشها جماعة الحوثي كلها ليصبح قهر الناس على الطاعة الوسيلة الوحيدة المتاحة ليستمر في نهج الطغيان والإستيلاء على الأموال العامة والخاصة وتسخير المجتمع ومقدرات البلاد لنزوات التسلط العنصري والإستبداد السلالي ؟؟

. بينما لو توفرت للحوثيين قاعدة جماهيرية صادقة طوعية وكبيرة من الناس لطالبوا بالسلام والديمقراطية والانتخابات وصناديق الاقتراع قبل غيرهم، وليس السلطة أو الموت.

ولن يلجأوا كما يحدث الآن إلى معركة مبكرة مفتعلة حول طبيعية النظام السياسي في أي تسوية سياسية قادمة، حسمها مؤتمر الحوار الوطني الذي شاركت فيه جماعتهم ب٣٩ مندوباً..

وما قيل عن تصفية رئيس كتلتهم في المؤتمر الدكتور أحمد شرف الدين واغتياله في الحصبة إلا بسبب دعوته إلى مسمى((الدولة المدنية الحديثة)) ورفضه لهيمنة القوى الكهنوتية والتقليدية المتخلفة على الحكم. ومن المحتمل أن الحوثي قد يقلل من الإعتماد على معادلة ومظاهر القوة العسكرية والقبضة الأمنية الفاحشة فيما لو توفر لديه البديل الشعبي الذي سيظل يفتقده طوال حياته إلى يوم يبعثون.

ولعل كل مظاهر الحشود الكرنفالية المتوالية طوال أشهر السنة التي تنفق عليها مئات المليارات من المال العام ومرتبات الموظفين هي محاولة تعويض نفسية بائسة لا أقل ولا أكثر من شخص معزول عن الجماهير في الواقع، ويصعب عليه التكيف مع حجمه الحقيقي الضئيل.

* شرعية عبدالملك بالأرقام *

مَثَّل إجراء الانتخابات البرلمانية التكميلية في ٢٤ دائرة انتخابية في أبريل ٢٠١٩م توفي ممثلوها السابقون صدمة عميقة لنفسية عبدالملك الحوثي بعد المقاطعة الشعبية والحزبية الشاملة لها..

وأُعلن صِوَرِيّا فوز ٢٤ مرشحاً، منهم ٢١ مستقلاً يمثلون الحوثي بعد رفض الأحزاب الفاعلة الإعتراف بشرعية الإنتخابات ومنظموها.. وجرت في كل من أمانة العاصمة وتسع محافظات أخرى في ظل مقاطعة شعبية لكل المسجلين السابقين في جداول الناخبين، إلّا بضعة مئات في بعض الدوائر من أفراد المليشيات العسكريين المسجلين حديثاً.

ويكفي أنه إلى اليوم لم تعلن نتائج أرقام التصويت الحقيقية للفائزين المزورين وعدد الأصوات التي حصل عليها كل شخص. أراد عبدالملك الحوثي بهذه التجربة فقط قياس حجم شرعيته الشعبية المخزية وليس الإعتراف بالعملية الانتخابية والتنافس للوصول إلى السلطة عبر صناديق الاقتراع.

والنتيجة استيلاء الحوثة على الدوائر المتوفى ممثلوها السابقون إلى درجة لم يتمكنوا معها من تزوير بطاقات التصويت نظراً للوقت الطويل الذي تستغرقه عملية كهذه لتعبئة مئات آلاف الأسماء والبطاقات..

وتأكد لاحقاً حصول المرشحين الفائزين على ٦٠٠ إلى ٨٠٠ صوت كمتوسط لكل منهم في دوائر انتخابية يتجاوز عدد الناخبين المسجلين فيها ٤٠ إلى ٥٠ ألف ناخب !!.

* عقوبة السماء*

وبالحسابات الدينية لمزاعم نظرية الإصطفاء والحق الإلهي في الحكم وعقدة شرعية بيت بدر الدين الحوثي في الحكم يمكن إرجاع تدني شعبية هؤلاء الانتخابية إلى عقوبة إلهية أيضاً تكشف عدم انتسابهم بأفعالهم القبيحة البشعة للبشرية عدا مزاعم الإنتماء ل-آل بيت النبوة.

. ويفسر ذلك الحديث القدسي: إن الله تعالى إذا أحب عبداً دعا جبريل، فقال" إني أحب فلاناً فأحببه،فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء، فيقول: إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء،ثم يوضع له القبول في الأرض، وإذا أبغض عبداً دعا جبريل، فيقول: إني أبغض فلاناً فأبغضه.. إلخ.. وهذا الحديث صحيح متفق عليه، إذ لو كان لعبدالملك الحوثي وأقاربه قبولًا عند الله لحصل له شبه إجماع أو أغلبية أو حتى ١٠% من الموالين والأنصار الحقيقيين في الانتخابات وصناديق الاقتراع وليس تلك المحصلات المخزية. ولعل الله تعالى جعل هذه المسألة واحدة من عقوباته الدنيوية النفسية المؤلمة يجاهد الحوثي قدر الإمكان في إخفاء حقيقتها وإنكارها. فهل ابن سلالة النبوة وحفيد رسول الله(ألمصطفى المزعوم) مغضوب عليه من رب العالمين إلى هذه الدرجة.

ومن مظاهر عقدة فقدان عبدالملك للشرعية تعتبر كل خطاباته الدينية الكثيرة المتزلفة أيضاً محاولة للتظاهر أمام الله والملأ بالورع والتقوى وطلب القبول للخروج من جحيم عزلته ومعاناته جراء رفض الناس له دون أن يتجاوز ذلك طرف لسانه إلى قلبه وعمله وسعيه في أرض الله التي أفسد فيها وبغى بلا وازع أو مراجعة. ويمكن تفسير واعتبار سياسات وكل إجراءات وقوانين وممارسات الحوثي القمعية تجاه مختلف شرائح المجتمع كونها عقاباً جماعياً وردود أفعال سادية على رفضهم الإعتراف بسلطته وعدم الرضى عنه..

من قانون الخمس ونهب المدخرات، إلى نهب مرتبات الموظفين والمتقاعدين، إلى نهب الأموال العامة والخاصة بكافة الأساليب التحايلية إلى عرقلة ومحاربة التجارة والأستثمار، وتشويه مناهج التعليم بسيرة الرموز السلالية واستبدال ثقافة الجمهورية والحرية والعدالة بخرافة الخنوع والكهانة..

إلى قتل النفس التي حرم الله ومحاربة العقيدة، وما لا يحصى من فساد وإفساد في أرض الله. ويمكن قراءة مبالغة الحوثيين في الإحتفال الأعلامي التهريجي المفتعل وتضخيم أهمية عودة بعض الذين كانوا محسوبين على الشرعية أو مدسوسين في صفوفها مثل عبدالله النهاري وغيره وحتى صغار الجنود على أنها مبايعة لسيدهم، وأضفاء شرعية شعبية مفقودة على جماعته والتغطية على الجرائم والمظالم اليومية.

*والخلاصة

 وفي النهاية لا ادعاء النسب إلى بيت النبوة ولا حشر الناس إلى الساحات قسراً، ولا القوة العسكرية الزائفة ، ولا صناديق الإقتراع، ولا شعارات الثقافة القرآنية المضللة، ولا تغيير مناهج التعليم ومخيمات غسل أدمغة الأطفال وغيرها أقنعت الناس بمشروعية اغتصاب السلطة ونهب الثروة ؟؟.

وعندما يتكيف عبدالملك الحوثي مع حجمه الشعبي الحقيقي وتقييم تجربته العبثية الظالمة في التسلط على عباد الله، ويتصالح مع أبسط قواعد واخلاقيات المساواة بين البشر، ولا فرق بين أسود وأبيض إلا بالتقوى، والأنتساب لدين الله لا لغواية(أنا خير منه خلقتني) الأبليسية الملعونة. حينها فقط يكون قد استعاد إنسانيته المشوهة، وتخطى انحرافات وضلالات النفس الإمارة بالسؤ، وليرتدي تاج الجدة اليزابيت أو يجلس على عرش امبراطور اليابان.

وعندما يكتب أحد المنافقين المعجبين بتواضع عبدالملك بدر الدين الحوثي كان في زيارة له مؤخراً إلى صعدة أنه تبلد في مكانه وكادت تبتلعه الأرض ولا يصدق أن سماحة السيد العظيم بشحمه ولحمه جلس على الأرض القرفصاء وأخذ يعد لضيفه كأس الشاي ويقدمه لعبدالغني الزبيدي وهو على ركبتيه الشريفتين.

وحتى أدولف هتلر يا عبدالغني صاحب أفران الغاز كان أدهى في افتعال التواضع والتظاهر بالبساطة خصوصاً مع الصحافيين والكتاب وجوقات المطبلين والمزمرين..

وتعرفون ماهي قهوة هتلر المفضلة !!. وكادت تنطلي عليّ شخصياً حفاوة عبدالملك الحوثي بضيوفه بعد حروب صعدة السابقة، لأن عزيزنا الأستاذ عابد المهذري كتب بصدق وتأثُّر عاطفي أكبر وعميق، ولكن كان ذلك قبل سنوات على واقعة اغتصاب عبدالملك الحوثي للسلطة وتشريده وتهجيره لملايين اليمنيين ونهب أموالهم وممتلكاتهم ومظالمه التي لا تفيد معها مظاهر دعاية خادعة لا بكأس شاي ولا قارورة عسل بشمعه على طريقة(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا أنهم المفسدون هم المفسدون ولكن لا يشعرون)..

وإذا كان ترويج عبدالغني الزبيدي من باب الدعاية الانتخابية المبكرة فتلك بشرى لمن عقدته المستحكمة من صناديق الإقتراع، ولا يزال يخفي نتائج إنتخابات مجلس النواب التكميلية. 

** أثناء كتابة هذا المقال بلغني خبر توجيه عبدالملك الحوثي شخصياً بترحيل المعارض الشاب علي حسن السياغي وزملائه الثلاثة المشاركين في تشييع الشهيد المكحل من سجن الأمن السياسي بأب إلى صنعاء وهم في حالة فقدان للوعي بسبب إضرابهم عن الطعام حتى الموت.

وهكذا ما تكون من مظلمة للأحرار إلا وخلفها عبدالملك الحوثي وزبانيته. كل المجد والعزة لمن قال كلمة حق في وجه سلطان جائر، والخزي والعار لمن أراد علواً وفساداً في الأرض بالتمييز العنصري والسلالي البغيض.