لماذا يصر الحوثيون على إحراق أنفسهم أخلاقيا وسياسيا ؟
بقلم/ مأرب برس
نشر منذ: 10 سنوات و شهرين و 13 يوماً
الأحد 28 سبتمبر-أيلول 2014 11:40 ص

متغيرات الأرض التي أفرتها اتفاقية السلم والشراكة قلبت الطاولة رأسا على عقب على العديد من الأطراف التي كانت قد استعدت لتهيئة ميدان المواجهة وتفجير الوضع والدخول في أتون حرب دموية تأكل الأخضر واليابس .. لكن ثمة حكمة من بعض الإطراف السياسية نسفت تلك المخططات الجهنمية , وأصبحت مليشيات الحرب في ميدان المواجهة عرايا أمام الرأي المحلي والدولي . الحوثيون عندما تدفقوا على العاصمة صنعاء بالأسلحة الثقيلة لم يكن في حسبانهم أو مخططاتهم أن يدخلوها بأغصان الزيتون, وإنما كان السيناريو هو إسقاط صنعاء عسكريا بقوة الحديد والنار والدخول في مواجهة دموية مع الخصم الوحيد للحوثيين ,وهو التجمع اليمني للإصلاح , وقد وجد هذا الطموح الحوثي هوي كبير لدى أطراف محلية وإقليمية فعمدت إلى تقديم الدعم والإسناد بكل الوسائل , لتخلص مع أخر ثورات الربيع العربي في المنطقة وهي اليمن, ودك قوى التيار الإسلامي على غرار ما حصل في مصر وتونس وليبيا, وكل دولة وضع لها سيناريو خاص بها .

الحوثيون وجددوا أنفسهم عرايا بترسانتهم المسلحة وهيئات مقاتليهم البدائي الذي يثير الاشمئزاز والريبة والقلق من ساكني العاصمة صنعاء الذين لم يتعودوا على تلك الهيئات . أعتقد أن الحوثيين في هذه المرحلة التي وضعهم فيها التجمع اليمني للإصلاح يعجلون في إحراق أنفسهم سياسيا وأخلاقيا أمام الرأي المحلي .

 الحوثيون دخلوا صنعاء وكان هناك معالم أمل لدى الكثير من المواطنين أن يكونوا هم ملائكة الرحمة لإنقاذهم من الوضع المزري الذي وصلت إلية البلد جراء الحكومات الفاشلة والأنظمة الاستبدادية طيلة العقود الماضية . الحوثيون وبدلا من أن يقدموا أنفسهم للمجتمع اليمني كجبهة إنقاذ , تحولوا بين عشية وضحايا إلى مجاميع من العصابات والقتلة والمفسدين في نظر المجتمع.

لم يشهد تاريخ اليمن المعاصر من البربرية التي تعرضت لها العاصمة صنعاء ما شهدته الأيام الماضية من عنف ودمار ونزوح واقتحامات وترويع للمواطنين, أو القيام بأعمال الوصاية على منازل النازحين والمشردين من ساكني العاصمة صنعاء . الحوثيون اليوم يقدمون اليوم أكبر خدمة لكافة الأطراف التي تختلف معهم سياسيا , وتتساقط شعبيتهم في قلوب العامة قبل الخاصة .

الحوثيون اليوم أصبحوا بعد دخولهم إلى العاصمة صنعاء كأوراق في فصل الخريف تتساقط أوراقهم بطريقه ديناميكية مبكرة . عندما قبلت الأطراف السياسية أن يكون الجميع ضمن تحالف "السلم والشراكة " كان الهدف هو فتح صفحات بيضاء من كل الأطراف السياسية , لكن فعال مليشياتهم وعصاباتهم – هكذا بات يفكر عامة الناس وساكني العاصمة صنعاء – تؤكد انقلابهم المبكر على مشروع أخلاقي قبل أن يكون مشروع سياسي في فتح صفحات جديدة بين الأخوة الأعداء والانتقال إلى مرحلة الأخوة الأصدقاء .

خطابات عبد الملك الحوثي تحولت في أذهان العامة إلى موضع الإسقاط في الواقع المشاهد . أين دعوات المصالحة وأين اليد التي قيل أنها سوف تمتد للإخاء والعمل المشترك , كل ذلك تحول في نظر الخاصة والعامة إلى دعاية استعراضية مستهلكة , لأن مشاهد الأرض لتلك المليشيات التي دخلت وهي مثقلة بأفكار تصفية الحسابات , نسفت كل خطابات السيد .

أستغرب من هذا الجهل السياسي المركب في بعض القيادات الحوثية , التي باتت تعمل على تقديم مبدأ الانتقام على مبدأ التصالح والتسامح . الحوثيون وصلوا إلى عتبات القصر الرئاسي بمستشاريهم وقياداتهم التي ستتوزع على كل أركان الدولة اليمنية الجديدة التي يدعون ويزعمون أنها تهدف إلى بناء دوله مدنية حديثة – وكان ذلك أمل حقيقي يراود الكثير من الطبقات السياسية والإعلامية وفي مقدمتهم ناطق الحوثيين علي البخيتي الذي أعلن إنهيار الدولة بسبب الممارسات الخاطئة لتلك المليشيات . تحركات الحوثيين على أرض صنعاء توحي بجلاء أن الحوثيين ينتحرون في شوارع صنعاء وأزقتها , بسبب مسلسل الإرهاب النفسي , والعنف الأخلاقي الموجه ضد ابناء العاصمة صنعاء بشكل عام.

التاريخ يشهد أن القيادات العظيمة أو الحركات المنقذة في تاريخنا العربي والإسلامي كانت تتحول في لحظات النصر إلى منابر للرحمة وسمو الأخلاق وبث رسائل التطمين والإخاء . وحدها فقط هي جماعات العنف والانتقام التي كانت تمارس أعمال القمع والإرهاب في لحظات النصر , وهذا يخالف الموروث الثقافي أو المخزون الخطابي للحركة الحوثية ولزعيمها . أعتقد أن الحوثيين يؤسسوا في هذه المرحلة بهذه التصرفات الخرقاء إلى بديات السقوط العاجل كما كان الصعود العاجل . حريُ بالحركة الحوثية أن تعجل في هذه اللحظة بالكف عن هذه الممارسات التي توسع دائرة العداء وتقلص دائرة الموالين أو المعجبين بها .

إن الضغط الذي يمارس حاليا في شوارع وأزقة صنعاء ويقابل بصبر المصدوم أو المهزوم من عامة المجتمع ربما يتحول إلى موجات من العنف المنظم , وهي اللحظة التي لا نريد تكرارها في العاصمة صنعاء . الحوثيون مثلما حددوا بداياتهم هم يرسمون في هذه اللحظات معالم النهايات لهم بمثل تلك الممارسات.

ودائما تصنع الأخلاق وحسن التعامل من المعروف في نفوس الناس ما لا يصنعه قوة الحديد والنار . كلما ذكر عبارة عن قراءة عابرة لصحفي رغب في فتح صفحات جديدة من الأمل في هذا الوطن الذي يحتضر , وليس ثمة أمل هناك في إنارة الطريق واستمرار مد حبال الحب والإخاء والتعايش إلا تقديم الكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة , والسباق في تقديم الخدمة للمجتمع , هذه هي ثلاثيات القيم الرفيعة للحركات السامية والمنقذة للمجتمعات . على الحوثيون إغلاق ملفات حيا بداعي الموت وفتح ملفات جديدة عنوانها حيا بداعي الحياة والأمل والتنمية , وهنا فقط يمكن أن تلتقي كل الإطراف للعمل معا من أجل اليمن ..