مرحلة ما بعد التمرد
بقلم/ أحمد البابلي
نشر منذ: 17 سنة و 5 أشهر و 11 يوماً
السبت 30 يونيو-حزيران 2007 08:29 ص

مأرب برس ـ خاص

إن أهم درس ينبغي الاستفادة منه في الفتنه التي أشعلتها حركة التمرد في صعده هو العمل على عدم تكرارها مهما كلف الأمر ، وذلك لن يتم إلا بدراسة الأسباب التي أدت إلى هذه الفتنه ومن ثم العمل على حلها ومعالجتها بإجراءات شاملة وجذرية تنطلق من رؤية شاملة لموضوع التمرد من منظور مستقل للأحداث يعترف بوجود مشكلة تستدعي الحل بدون إفراط في التفاؤل كما أنه ينبغي أن لا تخضع هذه الرؤي ة للنظرة السوداوية التشاؤمية التي لن تحقق شيئا يذكر على الأرض .

هذه الإجراءات لا تعني بأي حال من الأحوال التخلي عن أي من الثوابت الوطنية للجمهورية اليمنية بل على العكس يجب أن تنطلق من قاعدتين أساسيين هما:

الأول:- قدسية ثورة الـ 26 من سبتمبر 1962م والتي أنهت النظام الأمامي وجعلت الأمر شورى بيد الشعب بعيدا عن فرضيات الحق الإلهي في الحكم والتي عفا عليها الزمن ، كون هذه المكتسبات ملك للأجيال اليمنية وملك للشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل إنجاز هذه الثورة .

الثاني:- سيادة الدولة وممارستها لصلاحيتها كما نص الدستور على كامل ترابها الوطني بدون أي استثناءات

انطلاقا من هذين الثابتين وبعد الدراسة الواقعية والمتجردة للأسباب التي أدت إلى تكرار حدوث الفتنه وطول أمد الحرب وهذه الأسباب في رأيي تنقسم إلى سياسية واقتصادية وفكرية وجغرافية أهمها:

1 -توفر السلاح المتوسط والثقيل في متناول المواطنينالأمر الذي يستلزم العمل بصرامة وجدية مطلقه على سحبه وتوريده للجهات المعنية مع التأكيد على عدم تسربه مرة أخرى وقد ناقشنا ذلك في مقال سابق بعنوان السلاح هو الفتنه.

2-غياب مظاهر الدولة عن بعض مناطق التمرد نتيجة لوعورتها أو لصعوبة التضاريس وأهم مظاهر الدولة التي أعنيها هي البنية التحتية الطرق الحديثة بالإضافة إلى التواجد الأمني وهذا الموضوع يستوجب من الحكومة العمل على مد المزيد من شبكات الطرق في محافظة صعده وفي عموم الوطن ككل فالطريق تعني الدولة بهيبتها وسرعة وصولها إلى مختلف المناطق وما يترتب على ذلك من وصول الخدمات الضرورية للمواطنين فالكهرباء تتبع الطريق والهاتف يتبع الطريق والمدرسة والمستشفى وقسم الشرطة وغيرها كل ذلك يتبع الطريق وبغيابها تغيب الدولة تماما وهذا ما جعل تقدم القوات المسلحة أثناء الحرب صعبا في مناطق كان من المفروض أن يكون الوصول إليها سهلا ، بإنشاء مثل هذه الطرق يتم إعادة انتشار القوات المسلحة والأمن كمعسكرات وأقسام شرطة في تلك المناطق بصورة مدروسة ويجب أن لا يخضع هذا الأمر لأي شروط أو تسويات فالدولة لها الحق في إقامة المعسكرات في أي منطقه تخضع للسيادة اليمنية مدنا وجبالا وجزرا وصحراء ومياها بحسب تقدير القيادة لذلك . ( فقد يفكر شخص مره بارتكاب جريمة والفرار إلى منطقة وعره لكنه قد يفكر ألف مره إذا علم أن الطريق سالكة إلى تلك المنطقة والتواجد الأمني ملموس لأن القبض عليه سيكون مسألة ساعات )

3-هناك نقطة هامة جدا ينبغي التطرق إليها إذا ما أردنا معالجة التمرد معالجة جذرية وهي إذا حللنا المجاميع التي قاتلت قواتنا المسلحة في صعده نجد أن من حمل السلاح في وجه الدولة هناك ليسوا جميعا من أعضاء تنظيم الشباب المؤمن أو الأتباع العقائديين للحوثي وإنما أيضا يوجد أفراد انضموا إلى المتمردين بدافع التعصب أو الارتزاق أو الفراغ الذي يعيشون فيه والبطالة التي يعيشون فيها, وهذه نقطه لا ينبغي أن تمر بدون معالجه فمن المهم أن يصار إلى ضخ فرص عمل لهؤلاء الشباب عبر مشاريع تنموية أو استثمارية أو حكومية تدير عجلة التنمية والتطوير في تلك المناطق بمشاركة مثل هؤلاء الشباب لجعلهم يشعرون بأهمية الدولة في حياتهم عن طريق مساعدة الدولة لهم في بناء أنفسهم وأسرهم بعيدا عن المغامرات والفراغ ( فالفرد الذي لا يمتلك شيئا في هذه الحياة يكون صيدا سهلا للتغرير به برمي نفسه إلى التهلكة لأبسط الأسباب لكن الفرد نفسه قد يمتنع عن ذلك إذا امتلك وظيفة مستقره ودخلا ثابتا وأسرة تنتظره وتعتمد على دخله لتحيا حياة كريمة ).

ولقد سعدنا كثيرا أن هذا الموضوع كان محل نظر وذلك بإنشاء صندوق تنمية للمناطق التي شهدت التمرد بتمويل من دولة قطر الشقيقة والمطلوب وصول ذلك إلى درجه إستراتيجية تنظر إلى الموضوع بمنظار بعيد المدى يحدث النهضة المنشودة في المنطقة ، ولا يجب أن ننسى في هذا السياق وجوب رعاية أسر الشهداء الأبرار من القوات المسلحة والأمن الذين قدموا أغلى ما يملكون وهي الروح في سبيل الوطن الذي لا يجب أن ينساهم أبدا .

4-كان للموقف الغامض لبعض الأحزاب السياسية المنضوية تحت تجمع أحزاب اللقاء المشترك دور في استمرار التمرد بشكل أو بآخر ، إذ أن عدم الإدانة الصريحة للتمرد من قبل تلك الأحزاب أعطى الانطباع بعد تجريم ما قام به الحوثي وجماعته من رفع غير شرعي للسلاح في وجه الدولة وارتكاب أعمال إرهابيه مخالفة للقانون بحق الوطن و قواته المسلحة وقد يرجع هذا الموقف إلى عدة عوامل تخص البنية الفكرية لبعض تلك الأحزاب بالإضافة إلى توقف الحوار بين القوى السياسية ، لذلك فإن الحوار بين جميع الأطياف السياسية ( موالاة ومعارضة ) تحت مظلة الحكومة هو من الأهمية بمكان لتقوية الجبهة الداخلية للوطن بشكل عام ولمشاركة الجميع في تبادل وجهات النظر لما فيه المصلحة العامة بصورة حضارية وسلمية (فالحوار عندما يتوقف فوق الطاولة ، يبدأ العمل تحت الأرض ) .

5 -تأكيدا لمقولة ( أن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن )فإن وجود الدولة القوي والعادل أمر حيوي لضبط علاقة وواجب الدولة تجاه الدين من خلال دورها في نشر مفاهيم الإسلام المعتدل والوسطي ومعالجة بوادر التطرف والغلو بأي وسيلة كانت بالإضافة إلى دورها في ضبط علاقة الدين بالدين أي علاقة الفرق الدينية ببعضها البعض بحيث لا تتخطى هذه العلاقة الحدود الشرعية الآمنة – إذا جاز التعبير –بعيدا عن مفاهيم التكفير والإقصاء وذلك من خلال مراقبة تطور الأفكار المتطرفة لبعض الفرق لكي لا نصل إلى ما وصلنا إليه في صعده وفي هذا السياق فإنه من الأهمية بمكان أن يكون دعم الدولة للفرق الدينية شفافا ومعلنا لكي لا تظلم الدولة بإتهامها بأنها تقوم بدعم فرقة ضد أخرى .

6-وجوب تطبيق حكم القانون على من لم يرجع عن أفكاره المتطرفة بعد تورطه في التمرد بحيث يكون هناك رادع جزائي لمن تسول له نفسه المساس بأمن الوطن والمواطن على يتم ذلك بموجب الدستور والقانون وبمحاكمات علنية ولا ينبغي أن تمر مسألة إشعال التمرد والفتنه بدون مساءلة قانونية ( فالمتمرد قد يسعى للحصول على أي وسيلة تخلصه من سلطة القانون حتى لو كانت تلك الوسيلة هي العفو )

ختاما فإن موضوع كمعالجة آثار أسباب تمرد عصف بالوطن لا ينبغي أن يدار في غرف مغلقة ، بل يجب أن يكون موضوع نقاش وطني يطرح على مستوى ندوات ولقاءات ونقاشات يشارك فيه سياسيون وحزبيون وأكاديميون ومنظمات المجتمع المدني ترفع توصياتها بعد مداولات مستفيضة للقيادة السياسية التي من المؤكد أنها ستتعامل مع تلك التوصيات بمسؤولية لا تقل عن المسؤولية التي تحلت بها لوقف الحرب ، لكي يتفرغ الجميع لعملية تعزيز تنمية الوطن واستقراره من خلال عرض بلادنا كمحطة آمنه للاستثمارات بالإضافة إلى كونها وجهه سياحية مغرية وأكثر من هذا وذاك صيانة أمن الوطن الغالي وحرمة دم أبنائه.

aalbably@yahoo.com