كهرباء عدن والتعايش مع الظلام
بقلم/ جميل امذروي
نشر منذ: 12 سنة و 3 أشهر و 4 أيام
الخميس 06 سبتمبر-أيلول 2012 05:11 م

عاشت عدن منذ أشهر مأساة اسمها الكهرباء في صيف حار يحرق الجماد والنبات والإنسان، لكن بعد تركيب جزء من حصة الطاقة التي أمر بها رئيس الجمهورية تحسنت الأوضاع؛ الحمد لله لم تعد تنطفئ الكهرباء سوى مرتان إلى (3) مرات يومياً !!! وأخشى أنّ على الناس أن تتعايش مع الظلام خلال العامان القادمان وهي فترة التعاقد.

أمر رئيس الجمهورية مشكوراً بالتعاقد لتركيب (60) ميجاوات في عدن لتعزيز طاقتها الإنتاجية، وبعد أسابيع من المشاكل الفنية والإدارية والسياسية كما يشاع - بخلاف مشاكل فروق قيمة الطاقة المتعاقد معها في عدن عن باقي الجمهورية – تم إنجاز أقل من 40 ميجاوات في محطة شيناز ومازال العمل جارٍ لإدخال ماتبقى، لكن الناس وبعد أن عجزت في البداية عن معرفة أسباب تأخر وصول المولدات المتعاقد معها توقفت أيضاً عن السؤال "متى تدخل الميجاوات المتبقية في الخدمة؟" ربما من باب لا تسألوا عن أشياء إن تبدى لكم تسئكم.

تنتج اليمن -حسب وزير الكهرباء- حوالي (800) ميجاوات من الكهرباء في مقابل (1200) ميجاوات تنتجها دولة الصومال الشقيقة - الغير موجودة!!! وكان صالح يهددنا بالصوملة. لا أدري لماذا أتذكر الآن اوبريت الموسيقار أحمد قاسم حين كان يضحك حتى القهقهة بعد أن يقول "وقالوا أننا قراصنة"، ماعلينا.

يبلغ إجمالي الأحمال الكهربائية في عدن وحدها في أوقات الذروة حوالي (280) ميجاوات بينما لايتجاوز في المتوسط إجمالي الطاقة الإنتاجية الفعلية لمحطات التوليد فيها عن (110) ميجاوات، أي أننا أمام عجز بحوالي (170) ميجاوات لن تغطيها الـ (60) ميجاوات المتعاقد معها حديثاً وإن دخلت كلها غداً في الخدمة!!! هذه كارثة يجهلها الكثير من أبناء عدن ويتجاهلها المعنيون بالأمر، لكن من هم هؤلاء المعنيون بالأمر؟؟؟ لا أحد يعرفهم – أو كلهم معروفون.

المحزن أن الطاقة المفترضة لمحطات الطاقة في عدن (دون حساب الـ 60 ميجاوات الجديدة) تتجاوز الـ (270) ميجاوات، وهي كفيلة بتغطية كل الأحمال، لكن المأساة ان محطات عدن لاتستطيع بلوغ طاقتها القصوى ولا حتى الاقتراب منها بسبب "غياب أعمال الصيانة الدورية للمولدات" و"غياب قطع الغيار" إذ لم تتسلم كهرباء عدن ومنذ أعوام مخصصاتها المالية والإستثمارية لأعمال الصيانة، ولا أدري هل يعاقب وزراء مابعد الثورة عدن كما عاقبها وزراء النظام السابق؛ لسان حال الناس في عدن يقول الحمد لله غيرنا النظام وسقطت محطات عدن.

تبلغ الطاقة المفترضة الاسمية مثلاً لمحطة "الوارسلا" الجديدة نسبياً والتابعة لمحطة المنصورة (70) ميجاوات تنتج منها في أحسن الأحوال (35) ميجاوات فقط، أما محطة المنصورة القديمة فتنتج (14) ميجاوات فقط من (64) ميجاوات هي طاقتها المفترضة والسبب لكل ذلك أن عدد من مولداتهم خارجة عن الخدمة بسبب عدم توفر قطع الغيار، ويبذل المهندسين والفنيين هناك جهوداً خرافية لإبقائهما في الخدمة ويتم (ترقيع) مولدات بمعدات من مولدات أخرى في عمل بطولي لإحياء النصف عن طريق التضحية بالنصف الآخر؛ هذه ليست فتوى دينية، هذه مأساة حقيقية.

 أما أحد غرائب العمل في محطات عدن فكان حين خرجت الماكينة الرابعة في محطة الوارسلا عن العمل بعد عيد الفطر، حينها وجد المهندسون أنفسهم بلا حيلة، هم لا يستطيعون فعل أي شيء لأن أدوات فتح الماكينة ( tools ) موجودة في صنعاء!!! هذه ليست إشارة للحكم المحلي واسع الصلاحيات، هذه مهزلة.

الغريب أن الطاقة المنتجة في محطة المنصورة القديمة مثلاً ورغم قلتها تخرج من الخدمة في بعض الأحيان بعذر عدم توفر الوقود ويقومون هناك ونتيجة لذلك بتشغيل المحطة في أوقات الذروة فقط (من 6 الى 7) ثم تذهب المحطة في سباتها العميق. لكن لو كنا نضحي بفقدان عدد من الميجاوات التي نحتاجها من الطاقة بسبب شحة الوقود فلا أدري ما فائدة التعاقد مع شركات خاصة بملايين الدولارات لتعزيز الطاقة المنتجة علماً أن الدولة ملزمة بتوفير الوقود نفسه لها وكأنها "ديمة خلفنا بابها" ويبدوا أن الذي تحصل عليه عدن أقل بكثير من الذي تفقده لأسباب معقولة أحياناً وغير معقولة في كثير من الأحيان.

أما محطة الحسوة العتيقة والروسية المنشاء التي انتهى عمرها الإفتراضي منذ سنين فكارثة أخرى تتسبب حالياً بخروج كل منظومة الربط الكهربائي في البلد بين الحين والآخر ولو توقفت عن العمل – وهي مرشحة فنياً وبقوة لذلك - فحينها نكون وصلنا فعلا الى نهاية المسلسل المكسيكي "لصي طفي" ليبقى "الطفي طفي"، وعندها ستطلب عدن أن تناصف صنعاء فيما تنتجه مأرب، لتعزيز أواصر الوحدة الوطنية ربما.

المهم الآن أن يتنبه المسؤولون والمعنيون بالأمر وبعيداً عن السياسة، أنّ صيانة محطات التوليد في عدن وغيرها، وصرف مستحقات قطع الغيار والأعمال الفنية واجب وطني بعيداً عن أعذار لجنة المناقصات الواهية وبعيداً عن بيروقراطية المالية وسياسة التوفير لتحقيق الانجازات الدفترية أمام البنك الدولي على حساب إنقاذ أصول البلد من الإنهيار وتعزيز الإستثمار الذي ضُرب في مقتل وقبل كل ذلك وبعده من أجل الإنسان.

انتهى المقال وانطفأت الكهرباء مجدداً.