نوبل لتوكّل: اعتراف دولي بسلمية الثورة اليمنية وبحتمية انتصارها
بقلم/ علي محسن حميد
نشر منذ: 13 سنة و شهرين
الثلاثاء 11 أكتوبر-تشرين الأول 2011 07:39 م

أدهشت توكل كرمان التي لم تكمل العقد الرابع من عمرها العالم بفوزها المستحق بجائزة نوبل. فهي آتية من بلد لايعرف عنه العالم إلا القليل ولايسمع عنه إلا عندما تصيبه النكبات والكوارث . والنرويج واحدة من دول قليلة تعرفه جيدا لأنها تستقبل وبدون تردد أي لاجئ يمني هارب من قمع النظام وخاصة إذا كان من صعدة. الصعدي لايحتاج إلى تمزيق جوازه في المطار كما يحدث في بعض مطارات دول غربية .يكفي أن تقول للنرويجيين أنك من صعدة فتقبل كلاجئ بحقوق لاتحصل عليها في بلدك. الصعدي الهارب من جحيم النظام يعامل ككردي واليمني الهارب من الجوع والقمع معا كعراقي . اليمني الهارب من نظام لايمثله وصل إلى مدينة ترومسو في القطب المتجمد الشمالي. توكل كرمت دوليا وكرم معها ثورة شباب اليمن والشباب العربي ورواد أول ثورات عربية حقيقية. الثورة اليمنية دخلت شهرها التاسع ولاتزال صامدة في وجه آلة عسكرية جهنمية وسياسة تجويع وتعطيش وإظلام ورقابة بوليسية وحصار اقتصادي وتعتيم إعلامي وتشويه للثورة ولأهدافها ولشخوصها وللثورات العربية التي سبقتها والتي لحقتها وخطاب إعلامي وسياسي لم يتغير وتقديس للفرد يتعاظم إلى حد وضعه في مصاف الخلفاء الراشدين ووصف عودته من الرياض كعودة النبي (ص) إلى مكة. توكل تربت سياسيا ونضجت فكريا في بلد ذكوري شديد المحافظة وأتت من رحم حزب لايؤمن بمساواة المرأة بالرجل ويهيمن على فكره تراثا باليا يرى أن المرأة ناقصة عقلا ودينا وإن أصاب فكره مؤخرا تطورا محدود قد يكون قابلا للزيادة . نوبل ستحدث زلزالا لاشك في نظرة كل القوى التقليدية للمرأة ودورها لأن توكل قامت بما لم يقم به الرجال. توكل ناشطة سياسية بامتياز وقد أقضت مضاجع السلطة من خلال نشاطها في منظمة صحفيات بلا قيود التي لم تتجاوز العام السادس من عمرها وتحملت الكثير من العسف والقمع. ولم يتوقف دورها في المجال الصحفي والنضال من أجل حرية الصحافة وحرية الكلمة وكتاباتها النقدية ومطالباتها المبكرة بالخلاص من رأس النظام وإنما كانت في مقدمة من ناصروا وآزروا مواطني الجعاشن الذين شردهم شيخ إقطاعي من شيوخ العصور الوسطى يعتبر نفسه دولة داخل الدولة وبتشجيع من رئيس الدولة يملك سجونه ومليشياته الخاصة ويجبي الزكاة نيابة عن الدولة ويتعامل مع مواطني الجعاشن كعبيد. هؤلاء لم يجدوا من ينصرهم سوى توكل ومنظمة هود ومنظمة التغيير وقد اتخذوا في وقت مبكر من ساحة جامعة صنعاء مأوى لهم. كان هؤلاء بمعاناتهم هم المبشرين الصامتين بالثورة لأن ساحة لجوئهم تحولت إلى ساحة التغيير .توكل تبنت قضيتهم ووضعتها أمام مجلس النواب ولكن المجلس أصم أذنيه عندها وصفت توكل المجلس بمجلس المشايخ لأنه لم يبرهن ولو مرة واحدة أنه ينوب عن الشعب وإنما عن مجموعة مصالح في تعارض صارخ وجارح للمبدأ الأول من مبادئ ثورة سبتمبر الذي ينص على إقامة حكم جمهوري عادل وإزالة الفوارق بين الطبقات.توكل هي القائدة غير المعلنة لثورة الشباب ومعها البرلماني الصامدأحمد سيف حاشد وثلة من رفاق من مشارب سياسية متنوعة. عندما أطلقت توكل شرارة الثورة بنفر محدود من الشباب كانت ترابط في ساحة التغيير كل مساء وتهتف بسقوط النظام وتطلب رحيل رأسه. كانت الحناجر بالعشرات وليس بالملايين كما هو الحال الأن. وللحق فقد كنا حتى بداية مارس نتردد في أن نهتف بسقوط صالح.توكل وحدها لم تكن تقبل بأقل من إسقاطه ورحيله مع عائلته. ولم تكن توكل على وفاق مع اللقاء المشترك ومراهنته الضعيفة على حل عن طريق الحوارلأنها لم ترفي الحوار جدوى وليقينها أن النظام يكره الحوار الذي لم يكن من مفردات ثقافته وسلوكه.. ولأنها لاتثق بصالح رفضت المشاركة في اجتماع الرياض بين المعارضة والسلطة . توكل نزعت الشرعية من السلطة في وقت مبكر وقد قالت "إننا نرفض أي حوار مع السلطة " و طالبت المشترك بتشكيل مجلس رئاسي مؤقت وهو مالم يقم به المشترك إلا بعد عدة أشهر. وهذا كان وراء مقولتها الشهيرة " هناك أياد مرتعدة والحالة السياسية غير الحالة الثورية. وعندما سألها مراسل البي بي س لماذا لاتتجهوا إلى القصر ردت لأن هناك أياد مرتعشة للأسف" وكانت تقصد المشترك. في إحدى مسيرات شباب الثورة تعرضت توكل للاغتيال بالفأس وفي 23يناير اختطفت كما تعرضت لصنوف شتى من التشويه وبعد يومين من اختطافها وصفت افتتاحية صحيفة الثورة الحكومية مسئولي منظمات المجتمع المدني بالعملاء الصغار الذين لايترددون في بيع ضمائرهم ومبادئهم وحتى أجسادهم وكرامتهم مقابل حفنة من الدولارات الملوثة والقذرة. وكانت توكل هي المقصودة بهذه اللغة الساقطة لأنها شكلت صداعا للسلطة خاصة أنها إمرأة تحول محاذير وخطوط حمراء في اليمن القبلي دون التعامل معها كالرجال ومع هذا تم القفزعلى هذه الخطوط الحمراء عدة مرات.

لقد بلغ اغتياظ الرئيس من توكل مبلغه وذات مساء اتصل بوالدها يطلب منه "سحب" إبنته من "الشوارع" واستخدم كلمات غير لائقة بمقامه مما اضطر الأب أن يرد عليه بعنف غير معهود عنه ، وقال له إن لم تعتذرالأن فسأقوم لك حتى من قبري وليس هذه اللحظة فقط. وبعد عودة الوعي تم الاعتذار.

الجائزة ليست لتوكل وحدها وإنما لكل شباب الثورة اليمينة ولشباب الربيع العربي وللشابات والأمهات اليمنيات اللائي صمدن منذ بداية الثورة وطالهن تشويه الإعلام الرسمي والرئيس نفسه في خطبة الإفك في جمعة15 ابريل عندما حرم الاختلاط وتحول إلى مفتي. الجائزة منحت لملايين اليمنيين المطالبين وبإصرار بالتغيير وهي شهادة دولية بأن ثورتهم سلمية و تنشد العدالة والمواطنة الديمقراطية ولاعلاقة لها بالإرهاب أو بالقاعدة وتكذيب دولي بأن أبناء الثورة يقتلون أنفسهم ليستجدوا عطف الخارج كما يزعم النظام. الجائزة اعتراف بالثورة. وبمشروعيتها وتبشير بانتصارها وتعبيرعن ثقة دولية بأن الشباب لاينفخون في قربة مقطوعة وأن هناك من يؤازرهم.إنها جائزة لثورية ولثوارواجهوا الموت بشجاعة وبصدور عارية. وعلى النظام المرفوض وطنيا والمعزول عربيا ودوليا قراءة الرسالة جيدا ويكف عن القتل والنزول عند رغبة الشعب ويرحل اليوم قبل الغد.