العسلي: هل عقر عسله فانسكب .. وللذباب جلب؟
بقلم/ د. حسن شمسان
نشر منذ: 13 سنة و 6 أشهر و يوم واحد
الأحد 12 يونيو-حزيران 2011 04:37 م

  قال الأجداد - وصدقوا - "الحقد أعمى"، وهو أعمى؛ لأنه يجعل حدا فاصلا أو حاجزا بين أدوات الإدراك في الإنسان وبين المسموعات التي يسمعها، وحينها؛ أي عندما تتعطل المدركات تجد ضالتها من المسموعات الشائعات وطريقها عبر جسر من المعطلين؛ لتنتقل سريعا، وتمر سالمة عبر الألسن لتتلقفها ألسن مثلها، وحينها لا فرق بين جاهل والعالم، لأن العلم بدون أدوات الإدراك لا يجدي؛ فالله عندما خلق الإنسان وجعله سميعا بصيرا كلفه بالعلم، فأدوات الإدراك أولا ثم العلم ثانيا، وإذا ما تعطلت الأولى بدافع أو توتر نفسي كالغضب والحقد تاه الثاني لأن عقال العلم العقل، فإذا فقد وظيفته الثاني فقد زخمه وتميزه الأول؛ وعند ذلك يقوم اللسان بعيد عن الجنان بدور السمع أو وظيفته، ليتحول الرأس - بما يحوي من المدركات – إلى أشبه بآلة تصوير، فيخرج ما يسمعه دون تحليل أو تبين، عبر اللسان، سواء كان غثا أو سمينا، صدقا أم كذبا، لأنه عند فوراه الحقد لا يهم الحاقد صدق ما ينقله عبر لسانه أو ما يكتبه عبر بنانه بقدر ما يهمه أن يوغر صدر خصومه.

إن زلة العالم والحائز على أعلى الشهادات لا تقارن بزلة المتعلمين أو أنصافهم؛ ناهيك عن الغاغة والسوقة والمنتفعين؛ وإذا ما رأيت الشائعة تتردد بين كل هؤلاء سواء بسواء، فإن هذا يعني أن الذي هوى أعلى علما نزل إلى درجة الذين لا يعلمون، وما تلبث أن تتحول الشائعة بلسان الذين لا يعلمون إلى فاحشة إذا واصلت طريقها عبر لسان الذين هم على درجات عليا وسامقة في العلم، لأن العالم يفترض به أن يكون قدوة، وإذا ما زلت لسانه لتصبح في درجة السوقي؛ فإنها تتحول حينها إلى أداة تلقي، وإذا ما صار ذلك كذلك فإنه مجال خصب لتشيع الفاحشة في المؤمنين بقضية (وطن وانتماء)، ناهيك عندما تتصدر لسان العالم تلك الإشاعة وهي تصير به فاحشة؛ لأنه يفتتن به الكثير من الناس، ويصدقون أذاه من القول، فيلحق ذلكم المؤمنين بالوطن أذا كثيرا، قد يؤدي إلى شق عصى الثورة، وتحصل الهوة وتزيد الفرقة بين فصائل الثورة.

وهذا ما وقع فيه العسلي الذي أوشك أن يعقر عسله أو يكاد، وإذا ما عقر كشف، وإذا ما كشف اجتمع حوله الذباب، وحينها لا يهم أن يسعى العسل/العسلي إلى الذباب، أو يصل إليه الأخير بنفسه دون حرج أو عناء، والأهم أن العسل/العسلي يفقد تميزه عندما يصير مرتعا للذباب، وقد يصبح العسل نفسه قذارة من القذارات؛ إذا لم يسارع إلى سدل الستر عما كشفه، ويتراجع عما قاله؛ إذ قال العسلي كلاما مرا ومؤذيا أشد الأذى؛ لأنه جاء على لسانه، وهذا الكلام الذي لم يسبق إليه هو؛ قد كان قصب السبق للشارع وقناة سبأ والأمن القومي الذين أرادوا أشتاتا وجماعات أن يشقوا عصى الثورة، وهكذا أصر العسلي أن يجذب إليه الذباب عند قصد التفرقة بين الأحباب، وعندما وضع نفسه في صورة المرجفين في الثورة؛ ليفرقوا أهلها أو فصائلها، وهو أراد من كلامه أن يشق عصى الثورة ويصنع هوة بين أهم فصيلين فيها: الشباب وقيادة المشترك؛ وتكمن أهميتهما في أنهما يحدثان التوازن والتكامل في سير عجلة الثورة، الأول يكمن دوره في ميدانها، والآخر في معتركها السياسي؛ هذا المعترك الذي تتصدره مصالح الذئاب؛ ويغض الطرف عنه كثيري الشتائم والسباب.

وعندها إما أن تبدوا الثورة في صورة الأسد بفعل تماسك فصائل الثورة ومن لف لفهم واستن سنتهم في التلاحم والتعاضد؛ فتحافظ بلحمتها على لحمها من أن ينهش وعظمها من أن تكسر، وإما أن تبدو الثورة في صورة نعجة ضعيفة بين ذئاب، ينهشون جلدها، ويمتصون دمها، ويمضغون لحمها، وحينها لا يبقى إلا أن ندعو الله أن يسلم عظامها من التهشيم، بفعل محاولة البعض تهميش دور المشترك واتهامها بالتآمر مع المتآمرين.

والحقيقة أن العسلي بإيذاء المشترك أراد أن يتقرب إلى الثوار، وقد خانه تعبيره بعدما ما أفقد حقده على المشترك عقله؛ عندما قال عن الأول: بأنه يتآمر مع السلطة؛ فالاثنان شريكان– من وجهة نظره - في عقر الثورة، وأن المشترك إنما يستخدم الشباب الثوار لمآرب أخرى تتعلق بمصالح ذاتية يعود نفعها عليه ولا تنفع الثوار؛ وما دور الأخيرين في لعبة الأول السياسية إلا دور ألآت تدار أو تعمل بالريموت، ويحركها المشترك متى ما حانت الفرص، أو بتعبير آخر هم عبارة عن جماجم يريد أن يصعد عليها المشترك إلى السلطة. هكذا – للأسف - قالت قناة سبأ وهكذا قال الغاغة والسوقة والمنتفعون هكذا قالوا مجتمعين، وهكذا جاء (البروفسور) ليكرر ما قالوه مستغلا نياشين رتبته العلمية (أ.د). وما أدرك هذا البروفسور أنه أذى الشباب بذات القدر الذي أراد أن يؤذي به المشترك أو أشد إيذاءً؛ وإلا ماذا يعني جعله الشباب في صورة الأواني الفارغة التي يقوم المشترك بملء فراغها وبالمادة التي يريد، وماذا يعني أن يجعل من الشباب ألآت تعمل بالريموت؛ وكأنهم - بخيانة تعبيره له - لا يفهمون ولا يفقهون قضية وطن ولا يدركون معنى الشعور بالانتماء؛ لهذا هم يرمون أنفسهم في التهلكة لأجل عيون قيادة المشترك، وهذا الأخير لم يعد يعبأ حتى بأفراده الذين يشكلون قاعدة عريضة في ميادين وساحات التغيير، والذين كان لهم حظ من موت صالح، بيد أنه لم يفته حظ من أذى العسلي؛ العسلي ظن أو أراد أن يسقي الثوار عسلا، ليزيل عنهم بعض مرارة ألم الكأس الذي سقاهم منه صالح وعصابته؛ فإذا به يزيدهم مرارة إلى مراراتهم، فلا الثوار استقوا من عسله أو استفادوا منه شيئا، ولا هو سيسلم مستقبلا من زحف الذباب إليه دون خشية أو حرج بعد أن عقره فانكشف.

وعليه أختم قائلا: إنه ينبغي على الجميع أن يتعالى فوق جروحه أن كان هناك جروحا، وينبغي إلا تطغى خلافتنا وأحقادنا على وهج ثورتنا، ولنتركها أو نؤجلها إلى مرحلة ما بعد الثورة، وإذا ما تم نور هذه الأخيرة وسطع ضوءها؛ فإنها ستكون كفيلة بأن تبدد كل الخلافات وتذيب كل الأحقاد؛ هذه هي الحقيقة الأولى التي ينبغي أن نصل إليها، وتتماهى عندها كل خلافاتنا وجراحاتنا مهما كانت عميقة. والحقيقة الثانية ينبغي أن نعلم - نتيجة لما يلف ثورتنا من تكالب المصالح - أن المشترك في وضع غير محسود، وأنه قد اجتمعت عليه ذئاب بيض وسود، وإذا ما استمر عليه هجوم المثقفين وكيلت له التهم وزرع بينه وبين الثوار الحدود؛ إنما هم بذلك يعطون الفرصة للذئاب المتداعية على ثورتنا حتى تسود، لأننا حينها نزعنا عنها – بتراجع حكمتنا – بزة الأسود، فحكمتنا تدعونا إلى التئام الصفوف، وحكمة العدو مفادها فرق تسود. وإن لم تجمعنا أهداف الثورة ولم تكن كافية؛ فتكفينا دماء الشهداء الذين أحكموا نهايتهم؛ لإيمانهم بقضية وطنهم ولم يكن مغرر بهم؛ فإن لم يكف ذلك فتكفينا دموع الأمهات على أبنائها، والبنات على أبائها، والأخوات على أزواجها، وإن لم يكف ذلك فتكفينا دموع أمنا الكبيرة (اليمن) سبب ما آل إليه حالها ومصيرها؛ فقد كانت يمن الإيمان والحكمة، فأفرغها صالح من إيمانها وعطل حكمتها، وتربع عليها ثلاثة عقود، كل ذلك يكفينا – وزيادة – لكي نصحو من الرقود، وفيه ما يكفي لأن ينسى أحقاده فينا الحقود، كما أن نكران دور المشترك في مثل هذا معترك فيه ما فيه من الجحود.