العلاقات الزوجية في رمضان
بقلم/ إسلام أون لاين
نشر منذ: 15 سنة و 3 أشهر و 9 أيام
السبت 22 أغسطس-آب 2009 05:10 م

هل يصبح رمضان سببًا في كشف ما تضمره لك زوجتك من مشاعر لا تفصح عنها؟ وهل يكون ابتعاد زوجك عنكِ في ليل رمضان لأسباب غير التي يعلنها من زيادة التقوى والحرص على قيام الليل؟!

العلاقة الزوجية مسألة خاصة، أباحها الله في ليل رمضان، وفي نفس الوقت أمر عليه الصلاة والسلام أن تستأذن المرأة زوجها في صوم النافلة، فمتى تصبح هذه العلاقة واجبًا من الزوج أو ضرورة لمراعاة حال زوجته؟!!

قبل أن تغضبي –عزيزتي حواء- أو تستنكر –عزيزي آدم- نفتح هذا الموضوع لنرى ما يحدث بالفعل في نهار رمضان وليله!!

تزوجنا.. وأهل علينا رمضان

وتحكي (س.أ. تم زفافها يوم 1 نوفمبر 2002): تزوجنا قبل رمضان بأسبوع وفي صباح ثالث يوم لرمضان أصر زوجي ولم أمنعه.. وضاع علينا صيام اليوم.. لا أعلم كيف أعوض هذا اليوم؟ وإذا كان سيقبل الله أن أعوضه فأنا أشعر بحزن شديد..

هنا تؤكد الدكتورة سعاد صالح أستاذة الفقه بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر أن القبلة بشهوة محرمة في نهار رمضان، وإذا وقع المحظور في نهار رمضان خاصة بعض الأزواج الذين تزوجوا حديثا فعلى كل منهما -أي الزوجين– كفارة إطعام ستين مسكينا، أو صيام شهرين متتابعين وقضاء اليوم، أما إذا أكره الزوج زوجته على ذلك فتكون الكفارة على الزوج وحده، وعلى الاثنين قضاء اليوم. (والنية هنا هي الفيصل في تحديد من أكره من!!).

وعن ملامح العلاقة الزوجية في رمضان كما حددها الإسلام تقول الدكتورة سعاد صالح: يحرم في نهار رمضان على كل من الزوجين "ملامسة" (جماع) الآخر حتى غروب الشمس، وبعد المغرب يحل لهم ما كان محرما عليهم لقوله تعالى في سورة البقرة : "أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن" وبالتالي إذا حدث اتصال بين الزوجين ثم حل الفجر عليهما قبل الاغتسال فإن ذلك لا يؤثر في صحة صومهما، لحديث عائشة رضي الله عنها "كان النبي صلى الله عليه وسلم يجامع أهله في رمضان، ويصبح جنبا وهو صائم"، لكن ينبغي المبادرة بالاغتسال لأداء الصلاة.

المتشددون نوعان

تحكي (م. ي. متزوجة منذ 10 سنوات): في العادة يودعني زوجي بحضن وقبلة إلا أنه في رمضان يحرمني منهما وأكون بذلك حزينة.. كما أنه مؤخرا أصبح يتجنبني ويمتنع تماما عني في ليالي رمضان.

توجهنا للدكتور محمود حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، وسألناه عن رأي الطب النفسي في الأزواج الذين يشددون على أنفسهم ويبتعدون عما أحله الله في ليل رمضان؟

فجاء رده: المفترض في العلاقة الزوجية أنها علاقة حميمة، وهي أقرب العلاقات الحميمية إلى الإنسان، بل إنها توضع على قمتها، ففيها يتم التحام المشاعر العاطفية مغلفا بالتحام الجسد، وكأن كلا الزوجين شخص واحد. من المفترض ألا تنقطع تلك العلاقة -سواء في رمضان أو في غيره– وألا ينقطع التعبير عن المشاعر، بل واللمسة الحانية المتعاطفة مباحة في نهار رمضان، ما لم يصحبها ممارسة الغريزة بصورة متكاملة.

* لكن هناك بعض الأزواج يكون بداخلهم رفض غير معلن لشريكهم الآخر، ولا يستطيعون التعبير عن هذا الرفض إما لأسباب شعورية أو لا شعورية، وهم يتعللون بالصيام في رمضان للبعد عن الطرف الآخر، وكأن ما يبعدهم ليس ما بداخلهم من رفض أو نفور، ولكنه الصيام، وكأنهم يعتبرون الصيام مجرد مبرر لهذا النفور والرفض، ولذلك كان استئذان الزوجة زوجها في صيام التطوع والنوافل حتى لا يكون لديها مبرر للرفض.

* كما أن هناك بعض الشخصيات التي تتشدد في الالتزام بالشكليات وبأشياء لم يلزمنا بها الشرع، والتي من طبيعتها أنها تستشعر الخطأ في كل الأمور كجزء من عقابها لنفسها، أو تأكيدا للجانب الإيماني بداخلها، والذي قد يعكس ضعفا في اليقين، وتتجسد تلك النماذج في الشخصية الوسواسية التي تحرص على الالتزام الشكلي وعدم ملامسة الآخر، وتجنبه كجزء من الالتزام الشكلي الذي هو سمة من سمات تلك الشخصية.

هنا تأخذ الكلمة الدكتورة آمنة نصير العميدة السابقة لكلية الشريعة بجامعة الأزهر قائلة: كان الرسول عليه الصلاة والسلام يقبل السيدة عائشة رضي الله عنها في نهار رمضان، وهذا نوع من المودة والرحمة والحنان والسكن والسكينة وليست قبلة الغرائز، لأن الإسلام دين سمح يرعى المشاعر البشرية ولا يجرمها أبدا، طالما هي في الإطار الصحيح، فإذا كانت الزوجة قد تعودت أن تقبل زوجها قبل خروجه للعمل أو أنه قد تعود تقبيلها عند عودته، فليس في هذا شيء في نهار رمضان، بل نحن في حاجة لتنمية هذه المشاعر في البيت أمام الأطفال، لأن هذا يعطيهم الإحساس بالاستقرار والحب، أما التزيد بتحريم ذلك فنوع من التسلط باسم الدين.

زوجتي ممتنعة.. زوجي مشغول

(ص. أ) متزوج منذ 9 سنوات زوجته موظفة ولديهما ثلاثة أبناء أصغرهم عمره سنتان. يشكو أن زوجته في الغالب مرهقة، وليس لديها الطاقة لتلبي احتياجاته الخاصة منها وذلك يضايقه كثيرا ويغضبه أحيانا.

تعلق الدكتورة آمنة نصير على شكوى هذا الزوج قائلة: عندما يشكو الزوج من امتناع زوجته عنه، لا يتذكر أنها ربما تكون متعبة مع الأطفال خاصة إن كانوا في مراحل الطفولة الأولى، أو أنه يسيء معاملتها طوال النهار، ويتشدق بحقه الشرعي بالليل ويتناسى مقدمات هذا الحق من المودة والرعاية والمعاملة الطيبة والكلمة الحلوة، وتقديره لظروفها الصحية.

لكن بعض الأزواج يرفعون راية الدين بأنها لو امتنعت وأغضبت زوجها فستبيت تلعنها الملائكة لقوله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة باتت وزوجها غاضب عنها باتت تلعنها الملائكة حتى تصبح" دون أن يقدر ظروف زوجته الصحية والنفسية لممارسة هذه العلاقة (والمشاركة الجادة فيها)، وللأسف هذه شكوى متكررة ومنتشرة بين الأزواج وهي قضية من أكبر المشاكل التي تقوض الكثير من البيوت في رمضان وغير رمضان.

 (م.ش.) متزوجة من 5 سنوات ولديها طفلان، تقول: زوجي في رمضان يبدأ في الخروج للسهر مع أصدقائه بعد الانتهاء من صلاة التراويح وقراءة القرآن ويعود في ساعة متأخرة من الليل أكون قد نمت؛ وهو ما يحرمني من زوجي خلال شهر رمضان.

أما (ر. ا.) متزوج منذ ثمانية أشهر فيقول: أنا وزوجتي دائما نقضي الفترة فيما بعد الإفطار في الخارج، مع أصدقائنا ولا نعود إلى البيت إلا بعد صلاة الفجر؛ ما يضعنا أمام مشكلة، فصباحا أنا في العمل وزوجتي مع والدتي أو والدتها والليل نقضيه في الخارج.

وعن حق الزوجة إذا أرادت العلاقة تشير د. آمنة إلى أن الشريعة الإسلامية تعطي المرأة الحق في ذلك، وعلى الزوج أن يلبي لها رغبتها وقد يكون حياء الزوجة هو الذي يمنعها من ذلك. وحتى القول بأن المرأة أقل رغبة من الرجل أمر متعلق بالثقافة التي توارثناها فالمرأة تبدي رغبتها بشكل أقل مما يبديه الرجل، لأننا توارثنا ذلك في شكل أنوثتنا، كما توارث الرجل ذلك في ثقافته الذكورية، لكن للمرأة –شرعا- الحق في إبداء رغبتها واستجابة الزوج لها، تماما كما لها الحق في أن تخطب لنفسها، لكن ما يحدث في ثقافتنا أن يكون الرجل هو البادئ بعرض نفسه للخطبة.

لكن على الزوجة أن تقدر ظروف زوجها وتحتملها إذا كان غيابه عنها بسبب عمله أو ظروف خارجة عن إرادته، وإذا كان غيابه للترويح عن نفسه فقط فعليها أن تتغلب على خجلها وتعبر عن احتياجها له بالطريقة التي ترى أنها مناسبة؛ لأنه لن يعلم بحاجتها تلك إلا إذا عبرت عنها بشكل واضح ومفهوم للزوج وفي هذه الحالة أتصور أن لياليه لن تدوم طويلا خارج المنزل.

صيام التطوع

وعن سبب استئذان الزوجة زوجها في صيام التطوع -من وجهة نظر الإسلام- تجيب د. آمنة: هذا نوع من أدب العلاقة الزوجية فيما يتعلق بالمعاشرة الزوجية، لكنها ليست مسألة صراع بين الرجل والمرأة، أو أن الرجل يملك بيده ما ينهي عنه الزوجة حتى في باب العبادات، بل إن في المسألة تقديرا لظروف الرجل ونوعا من الحصانة له حتى لا يكون في صوم زوجته ذريعة لينظر خارج بيته أو الإتيان بشيء يريد الله أن يطهر منه البيوت، ففي هذا صيانة للبيوت والأعراض في المجتمع، والمفروض أن يحدث هذا بالتراضي واحترام المشاعر المتبادلة.

أما الدكتور محمود حمودة أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: فيرجع سبب أمر المرأة أن تستأذن زوجها في صيام التطوع ولم يؤمر الرجل بذلك إلى أن الرغبة لدى الزوجة ليست دائمة، وعلى نفس المستوى طوال الشهر كما هو الحال لدى الرجل - حيث تتغير هرموناتها مع حدوث الدورة الشهرية - وتتغير بالتالي رغبتها تبعا لذلك التغير الهرموني على مدار الشهر.