ترك «المعوز» ولبس «الجنبية»..الرئيس ليس خائفاً
بقلم/ صحفي/عابد المهذري
نشر منذ: 17 سنة و أسبوع و 4 أيام
الخميس 29 نوفمبر-تشرين الثاني 2007 10:17 م

حدث قبل عقدين: السلطان قابوس بن سعيد من فوق أعلى تل يطل على «معلا عدن» وفي رأسه تختمر دهشة الإعجاب بالسؤال الحالم: متى تصير بلادي «فاتنة» بالحضارة والعمران كهذه المدينة؟!

اليوم الفرق بين بلاد قابوس المعظم والزعيم الصالح شاسع بامتداد خمسة وعشرين عاماً قضاها سلطان السلطنة في عمل ومثابرة حتى تحققت أمنيته القديمة، فيما صارت صنعاء وعدن وحضرموت تطل على صلالة ومسقط والحسرة تخنق نفوس اليمنيين!!

عدن.. عدن.. فيها الهوى ملون.. آآآآآه منك يا سيد أيوب.. ليس الهوى هو الملون -فقط- هنا.. كل الأشياء تحمل ألوان قوس قزح.. البهاء والروعة تملأ الأمكنة وتكسو ملامح وجوه الناس عدا شيئاً واحداً فقط.. يبعث القرف والاشمئزاز لدى العدنيين.. إنه نحن.. «الدحابشة» المحتلون القادمون من الشمال على قارب الوحدة!!

* مضى حتى الآن أسبوعان على تواجدي في عدن.. بؤرة الغليان السياسي وموطن الوداعة والموسيقى.. الرئيس في المعاشيق.. مع فريق دولته يحاول لملمة ما بعثرته حركة المتقاعدين العسكريين السلمية من أوراق الملف الساخن «القضية الجنوبية» من كان يتوقع الانفجار على نحو الدوي الهائل المثير لقلق أقطاب العرش.. لم يكن -قبل عام- ما يشير إلى بوادر أزمة بهذا الحجم.. تكاد اعتصامات رفاق النوبة والمعطري وأنصار باعوم وبن فريد والقمع تعصف بالنظام القائم وتسقط الدولة الحاكمة، وعلى غفلة من صناع التاريخ باتت «الوحدة» -وهي في سن المراهقة- مهددة بالانفصال بإكراه أو فيدرالية بإحسان.

السخونة تشتد داخل المعاشيق رغم اعتدال طقس عدن.. أما ساحل العشاق فالأجواء فيه من نوع آخر.. يلفظ البحر أدران السياسة كل مساء ليمنح المحبين فرصة مزاولة الشغف الحميمي عقب الغروب!!

أمام محمية الطيور.. أتقمص شاعرية صديقي «فتحي أبو النصر» وأتمنى لو أنني طائر نورس أو بجعة كي أغطس في البحيرة الرطبة.. هارباً من زحمة التداعيات التي انغمسنا بأعماقها دون شعور بالخطر أو إحساس بالمسئولية.. يضحك رفيقي بوقاحة وآخر يحكي له عبر الهاتف عن كيف أخذ الرئيس علي عبدالله صالح بطولة الدوري بلعب مباراة واحدة دون خوض تصفيات مماثلة للمباريات التي لعبها من قبله الرؤساء السابقون للجنوب.. قحطان، سالمين، عبدالفتاح، علي ناصر.. ومن باب «التهكم» يعاتب نصف الجنوبيين نصفهم الآخر عن طرد الإنجليز في ثورة أكتوبر.. باعتبار دحر البريطانيين كان خطأً فادحاً أدى إلى تقوقع الجنوب العربي وسط التخلف والحروب.. ليأتي الرد سريعاً من ضالعي قريب وهو يؤكد -من باب النكاية- أن الخطأ الأكبر الذي اقترفه الجنوبيون هو السماح لأبناء الشمال بدخول أراضيهم.. ويستمر الجدل المؤلم قهقهات تدمي قلب الوطن!!

** أحاول الوصول إلى مبرر يقنعني بأن «النار» ستظهر من «عدن» كما ينسب للرسول.. هذه المدينة لا تستحق الارتباط بـ»جهنم» إنها مناسبة جداً للاقتران بـ»الجنة».. لا داعي لإقحام الدين في المعضلة البشرية.. إذا كان الارتكاز على ما يحسبه البعض تشوهات ماض قريب لإفراز أحكام تجريم ظالمة.. فلا بأس من النظر للصورة من مختلف الزوايا.. مصنع «البيرة» تم تدميرة.. الحزب الاشتراكي بثقافته الماركسية تكالبت عليه ظروف الزمن وسقط أمام هجوم مكثف من الشعب العام، مسنوداً بدفاعات التجمع اليمني للإصلاح.. وصار حضور «الزنداني» هذا أقوى من ياسين سعيد نعمان.. وسلفية «مقبل بن هادي» تنتشر في مساحات الفراغ التي تركها الجفري والمرشدي وفيصل علوي.. لكن مراقص وبارات اللهو ما زالت واحدة من علامات العهد الحالي كمنجز حافظ عليه الحزب الحاكم بالنواجذ!!

** تمنحك عدن كمية هائلة من الأكسجين النظيف.. تتشبع رئتيك وقفصك الصدري بنسمات البحر العليل وأريج بخور كريتر والمعلا في عدن -وخصوصاً هذه الأيام- بإمكانك استعادة ما فقدته في صنعاء -من توازنك النفسي- دع القلق والضيق والتوتر قبل أن تدخل بوابة درة البحر.. وحده فخامة الرئيس الذي ما يزال جو العاصمة يؤثر عليه.. رغم الدفء وامتداد الأحلام إلى الفردوس.. إلا أن أبناء عدن -وأنا معهم- يلفنا الاستغراب من حدة نبرات رئيس الجمهورية وغلظة خطاباته الأخيرة في عدن وأبين ولحج.. لكأن شيئاً لا يعرفه غيره يثير أعصابه ويدفعه مرغماً للتخلي عن أهم قواعد اللعبة.. حتى الشيخ سلطان البركاني تهذب في عدن.. تصريحاته مختلفة عما عرف عنه من شطحات وخروج عن النص الأخلاقي.. لله درك يا عدن.. تعيدين للإنسان ذاته وكينونته.. تفرضين حتى على «الدحابشة» التعامل وفق ما يجب.. إن عدن أكثر قدرة من إعادة صياغة الكائن حين تعلمنا كيف نتأدب..

ظلم فادح.. واستفزاز أكثر من فاضح ذلك الذي يحدث في أراضي عدن.. ما يشبه النهب المنظم لـ»البقع» قيمة البلوك يبيض عشرات الملايين.. ولأن المال السائب يعلم السرقة.. تحول القادمون من الشمال بعد 94م إلى إقطاعيين وسماسرة وتجار أراضي.. فجأة دخلوا عالم الثراء بثوب رث وجنبية صيفاني.. وحين تتجول على امتداد الخارطة العدنية.. يستبد بك هول الفاجعة من ترامي أطراف الأسوار الواااااسعة.. حيثما يممت وجهك وجدت أرضاً شاسعة حجزت باسم خرافي لمشروع استثماري وهمي.. زاد وجع أبناء عدن.. زاد صبر المدينة.. زادت مظاهر الغرور والعجرفة.. العدني قنوع بالفطرة.. مسالم فسيولوجياً.. أكثر من شقة صغيرة وسيارة متواضعة وعمل محترم.. لا يحلم بشيء آخر.. مئات الملايين وأحلام الثراء وبحبوحة امتلاك المنازل غير واردة في طموح العدنيين.. إنهم بسطاء حتى في الآمال والطموحات المشروعة!!

** لنكن -كشماليين- صادقين ومنصفين لنعترف أن أبناء عدن ومواطني الجنوب أكثر ظلماً منا.. ويستحقون حياة أفضل من التي نعيشها.. بالتأكيد تعرفون الأسباب جيداً.. وتعرفون أن المواطن العدني أصيل وشهم ووطني أكثر من غيره.. إنه لا يبسط على أرض أحد ولا ينهب ولا يقطع الطريق ولا يتمشيخ ثم يصبح أقوى من الدولة.. إنه لطيف جداً.. واعٍ يعرف ما له وما عليه.. يحب النظام ويخاف من القانون.. أقل مخلوقات الأرض حقداً وطمعاً وحسداً هم أهل عدن.. مع أن هناك ما يشبه المشكلة في التركيبة السكانية للمجتمع الذين استوطنوا عدن منذ زمن بعيد.. جاءوا من تعز والضالع وغيرها.. يطلق عليهم «عرب48» كمزحة مسلية.. غير أن هؤلاء صاروا مخلصين للمدينة أكثر من المناطق التي ينتمون إليها.. اندمجوا داخل النسيج الاجتماعي الذي يساعد على الذوبان في إطاره بسرعة تلهي عن الإحساس بالغربة الذاتية.. وفي أي «حافة» تسكنها ستكون محط احترام وتقدير!!

لا يكف رئيس النقابات العمالية «عثمان كاكو» عن «العرعرة» لكل شيء يصادفه.. يعرعر وهو يأكل وهو يقود سيارته وهو يتحدث بالتلفون حتى وهو مخزن في ديوان الرئيس.. لكن لفظ العرعرة من ألسنة العدنيين تبدو لطيفة وغير جارحة كما لو كانت دعابة تستقبلها بابتسامة هادئة دون غضب.. إنها بالنسبة للبعض مثل استخدامنا لـ»كيف حالك؟!».

غير أن هناك أكثر من ملاحظة على هذا الصعيد.. هامش الحرية الشخصي يصل إلى حد التطاول على الذات الإلهية والدين الحنيف.. تكاد الملاحظة ملموسة لمن يزورون عدن.. رقعة الشماتين للرب وللإسلام تتسع على نحو يسيء لسمعة هذه المدينة الرائعة.. الأمر الذي دفع بـ»القباطي» إلى بروزة آية قرآنية بمجلة لبيع الهريسة في كريتر.. مذكراً هؤلاء بـ(إن بطش ربك لشديد)!!

مخطئ من لا يزال يعتقد أن عدن ساحة للفسق والفجور.. تلك الصورة الظالمة غادرت ذهنية الواقع.. صحيح أن الاستثناء ما زال قائماً بخصوص المراقص والبارات الليلية في إطار سياسة خاصة ترتبط مباشرة بمنظومة آلية النظام لحكم البلاد.. لكن ذلك لا يعني أن عدن هي المسرح اليمني الوحيد للرذيلة واللهو.. العارفون بخفايا صنعاء يؤكدون أن العاصمة أكثر تفسخاً أخلاقياً من عدن.. صار متعهدي «الفهنة» يشكون اهتزاز نشاطهم.. صارت صنعاء توفر للباحثين عن المتعة والنشوة ما لا يتوفر في عدن.. لم يعد الكثيرون يأتون إلى هنا لذات الغرض كما كان من قبل.. لكن الصورة ما زالت مهزوزة عن عدن.. النصف الآخر من البروترية العدنية مفقود ومغيّب.. لا أحد يتحدث عن عدن الفضيلة بوفاء غير منقوص ولا هضم!!

** لا بد من التوقف الآن.. الأمر مدعاة للتأمل والبحث عن تفسير دامغ.. خلف مقر المؤتمر الشعبي بقليل.. ستصادف على يمينك طابوراً طويلاً من السيارات والبشر يتزودون بولعتهم الكافية من المشروبات الكحولية.. هذا هو بار نشوان الشهير يقدم خدماته على مدار الساعة دون توقف.. مقابله -تماماً- على ضفة الشارع الأخرى مبنى النيابة العامة.. وإلى الأمام بأمتار معدودة معسكر كبير.. هذا في شمال التواهي الغربي.. في طريق العودة إلى قلب المواطنة.. ستجد نسخة طبق الأصل من اللقطة السابقة.. وجهاً لوجه يتقابل مرقص وضاح مع جامع واسع نسيت اسمه.. ولن أنسى مشهد خروج جموع المصلين في ذات الوقت مع رواد الملهى.. يحدث ذلك كل ليلة ساعة الفجر وبات مألوفاً لأهل المدينة.. ولا يكاد يحس بوطأة تراجيديته -ربما- سواي!!

** في عدن.. لك مطلق الاختيار لتكن ما شئت.. إفعل ما تريد ولا تكترث لمحظورات البيئة التي جئت منها إذا كنت قادماً من محافظات الشمال.. إحترس من فجاجة التصرف الذي اعتدت عليه كسلوك حياة يومي.. يجب أن تكون مهذباً إلى أقصى ما تستطيع.. لكي تنجو من فخ الشماتة والسخرية.. دع الكوت والجنبية في أقرب مكان.. وإلا يا ويلك من نظرات الناس وتريقة عيال عدن.. «الدحابشة» هنا وقود فكاهات الحياة اليومية.. غدى كل شمالي «دحباشي» بالغترة المسدوحة على كتفيه.. أو برقم لوحة سيارته الجمركية.. ليست عنصرية أهل عدن هي السبب.. ما يشبه موروث قديم يقف وراء نزعة عدن للعدنيين.. قد تكون تراكمات مشاعر بحث عن الذات مكبوتة منذ زمن.. وربما هي كل الأشياء عدى شيء واحد.. ليس وراء ما يحدث نزعة سياسية.. العدنيون أبرياء من هاجس الانفصال!!

أخشى مغادرة عدن قبل التمكن من زيارة أسرة المناضل المعتقل/ ناصر النوبة والالتقاء بالقامتين: علي صالح عباد وهشام باشراحيل.. ولولا كسلي ومتاعب التخزينة حتى طلوع الشمس لكنت قد تجاوزت فتح ملفات عدن الشائكة «الأراضي، الميناء والمنطقة الحرة، تجارة الجنس» وإذا ما كنت ذا حضور ذهني وحس صحفي ثاقب.. فإن الأفكار العملية تتوالد يومياً بكثرة تتطلب مهمة اكتشاف عدن من جديد إلى فريق صحفي ماهر.. قد تحتاج المهمة الصحفية إلى شهر لإعادة صياغة التفاصيل المهملة في قالبها المتفق عليه.. أعتقد أن الصحافة -رغم كل ما فعلت- مقصرة بحق عدن في كل شيء.. التعامل مع الخطوط العريضة لا يكفي.. كما لا تكفي قراءة الأحداث كما هو قائم.. لا بد من التنقيب عن الجزئيات الصغيرة والتمعن الدقيق في كل ما يتصل بالعين والدال والنون!!

أنت في عدن يلزمك شيئين.. الوضوء والعطر.. كن على طهارة دائمة لأنك ستظل في صلاة عشق متواصل الروحانية.. ولا بد أن تبقى محلقاً في فضاءات الأناقة والجمال.. رائحتك العطرية لا بد أن تتناسب مع نوعية المعوز وشكل الشميز.. لا بأس من هندام رسمي.. بنطلون وكرافتة.. أما لو زرت الجامعة فلا تدخل بدون جينز وتي شيرت.. لكي لا تحس بخجلك من نفسك وسط عالم شبابي من الجنسين يعج بأناقة لا تضاهى.. البيئة كما الإنسان -هنا- نظيفة مثل الشوارع الرئيسية.. في حين الرعاية في الحواري الخلفية تحتاج إلى جهود مضاعفة.. أما إيقاع النبض على ساحل أبين.. فمختلف بكل المقاييس عن سواحل العروسة والبريقة وجولدمور.. تستفز مشاعر العشاق المتفسحين على الشاطئ أعصاب المخزنين في الكورنيش.. يبدأ الاستفزاز من الغروب ويستمر لمنتصف الليل.

ما يمكن وصفه جزماً بصحوة دينية تشهدها عدن باضطراد متنام لصالح السلفيين.. أتباع الشيخ مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله يسيطرون على المشهد الديني.. هم الأبرز تواجداً داخل السلطة العدنية.. مقابل حضور طفيف للإخوان المسلمين والإثنى عشريين والصوفيين و.. والقاعدة.

ذو اللحية الحمراء المحناة ما برح يرمقني بنظرة توجس وأنا أقف أمامه مسربلاً في ركعتي ما قبل صلاة العصر.. حدث ذلك في الدور الثاني لجامع بأحد الأحياء النائية.. وتكرر بعدها بأيام في جامع رحب بالشيخ عثمان.. كانوا يقرأون القرآن حين وقفت بمواجهتهم أركع قبيل صلاة الفجر ويدي مسربلتان دون ضم.. حتى إمام الجامع الذي يلبس عسيب وجنبية من «حق السادة» ظلت عينية -كما البقية- يحاصرون هذا «الزيدي» القادم من المجهول بحلقات الدهشة والاستغراب التي داهمتني أمس حين رأيت المحافظ الكحلاني في التلفزيون يصلي الجمعة وهو مسربل جوار رئيس الجمهورية!!

** قد تموت اليمن في أي لحظة.. لكن عدن تبقى على قيد العالم.. بين الجنوبي والشمالي هناك فرق، يجب الاعتراف بأفضلية الأول في جوانب التعايش مع هذا العصر لا وسائل العيش في عصر الماضي التي يملكها الثاني.. خذ مثلاً قدرة التكيف مع الوضع وقابلية التعايش مع مختلف الظروف لصالح من تكون النتيجة.. بالتأكيد لصالح الجنوبي وفق حسبة علمية وعملية مدروسة.. ولصالح الشمالي بالاعتماد على قاعدة الارتجال وقواعد العشوائية.. لا ضير من تزاوج المفاهيم.. القبيلة والمدنية.. البحر والصحراء.. الصياد والفلاح.. كريتر وحاشد.. الزامل والويدان.. البروست والهريس.. القاف والغين.. شريطة تخلي الجميع عن استغباء الجميع!!

مجرد ملحوظة طارئة: الأخ الرئيس في عدن منذ رمضان حتى الآن قضى أطول مدة له مقيماً في قصر المعاشيق، للمرة الأولى لا تكاد عدن تشعر بوجود الفندم فيها.. شيء مثير للإشادة.. التخفيف من عسكرة المحافظة التي يزورها رئيس الدولة، هذه المرة أرغمت أجواء الجنوب الساخنة -رئيس البلاد- على التلطف.. لا أثر لحراسة وسيارات القصر في مدن وأسواق المدينة خلافاً لما كان معتاداً.. بلا شك أن توجيهات صارمة منعت ممارسة تلك المظاهر.. الهدف يسعى لعدم استفزاز مواطني الجنوب أكثر مما هي عليه من توتر قابل للانفجار.. مع هذا الكم الهائل من الاحتقان الشعبي والتحديات «السياساقتصادية».. يظهر الرجل الأول أكثر تماسكاً وعناداً.. لا يبدو عليه الخوف لكنه قلق ومتوتر.. السبب معروف.. كابوس المتقاعدين العسكريين وأشباح اللقاء المشترك وفيلم «تاج» المرعب!!

** الميكافيللية مؤثرة جداً في فكر الرئيس.. من خطاب لآخر يسبح عكس مطالب الشعب وإرادة الجماهير.. أكثر من هذا يتخلى عن عادته القديمة في التشبة بأهل المحافظة التي يزورها.. قضى نحو شهرين في عدن حتى الآن ولم يلبس الفوطة والمعوز كما كان يفعل.. ولغايات غير مفهومة يظهر إعلامياً بملابس الدحابشة المستفزة للعدنيين.. الثوب والكوت والشال والجنبية.. ربما هو أمر متعمد لكسر حاجز الحساسية ومحاولة تحطيم رواسب يحسبها عفنة وذات نعرات طائفية.. وحده يظهر برداء القبيلي بينما أرغمت عدن المشائخ المحيطين وكبار المسئولين من حوله على الاستعانة بما يعجب الذائقة العدنية ولا يتعارض مع خصوصيات المدينة.. شيء مقرف للغاية أن تجد هذه الأيام في عدن من يلبس ما يلبسه سكان المحيط المتجمد في ذروة الزمهرير!!

على تقاسيم الوجوه.. تنطبع ملامح كراهية ورفض.. يكرهون الوحدة بوجهها الآخر.. الوحدة التي نهبت الأراضي وقتلت النظام وصادرت القانون.. الوحدة التي صلبت المواطنة المتساوية فوق مشنقة مراكز القوى.. أما الوحدة المنجز فلها بكل قلب مستظل، وفي كل عين دمعة فرح.

التعاطي الجماهيري حول قضايا حساسة مثل الوحدة والانفصال.. طغت في الشارع العدني على أحاديث الرياضة وهبوط نادي التلال.. كما لم يحدث مسبقاً ضاعفت الرمال المتحركة سرعتها في غضون أشهر معدودة.. لا حديث للرأي العام غير الجنوب.. وعدن التي على جهة الشمال.. لا يقوى أحد على مقاومة إغرائها السحري في كل شيء.. من ذا الذي لا يحب فاتنة البحر العربي.. حتى الإنجليز أحبوها -ذات زمن- أكثر من أهلها.. بنوها بإخلاص تدل عليه الحواري القديمة بمخططاتها الحضارية.. أما نبرة التشرذم والانفصال فلا تكاد تبرز سوى في خطابات الكبار وإعلام السلطة.. ثقوا تماماً نون عدن لن تنفصل عن عينها!!

** لعلك متذمر نوعاً ما.. ولعلك باخع نفسك على ما يجري في عدن.. ولعلي أفرطت في السرد الإنشائي القابل لترحيل بقيته للحلقة القادمة.. ما لا يقبل التفويت هو إحساس الصحفي بقيمته في عدن.. معرفته لحجم أهمية الصحافة.. العامة يقرأون الصحف والفضل ليومية «الأيام» في إعلاء شأن السلطة الرابعة.. ولم أكن أعرف أن للقناة الثانية جمهور حتى رافقت المذيع الخلوق «فؤاد التميمي» في جولات قصيرة.. وحين نلتقي في العدد القادم.. سيكون محور الحديث مثيراً أكثر بتفاصيل صغيرة غاية في التأثير وجديرة بالتتبع.. ولكن من يستطيع إقناع حارس الكنيسة بالسماح لصحفي من زيارة المكان لإشباع فضوله.. وحين نزور البريقة سنجد كنائسها قد تحولت إلى مساجد.. والمنطقة الحرة مجرد أراضي مسورة بعضها أكبر مساحة من الكويت والبحرين.. لا وجود لمشاريع استثمارية عملاقة ولا لحديقة أطفال أقيمت على أنقاض سجن فتح.. ما يمكن أن يثير إعجاب السلطان قابوس يوجد في سوق عدن مول..!!

*نقلاً عن الاهالي

Alabed000@hotmail.com