اليمن الحزين... قلوب مكسورة
بقلم/ داود الفرحان
نشر منذ: 5 سنوات و 7 أشهر و 18 يوماً
الثلاثاء 30 إبريل-نيسان 2019 09:32 ص

يوماً تلو آخر، نتأكد من أن حبال أَناة وضبط نفس وصبر التحالف العربي ضد المتمردين الحوثيين في اليمن لن تدفع هؤلاء الخارجين عن القانون إلى إنهاء تمردهم ونزع أسلحتهم والعودة إلى الرشد واحترام سيادة اليمن ووحدته وشعبه العريق.

في يوم واحد، هو الثلاثاء 23 أبريل (نيسان) 2019، نشرت الصحف العربية أربعة أخبار عن الحوثيين، هي: الميليشيات تُصعّد في الحديدة وتفجر جسراً استراتيجياً يربط ميناء عدن بصنعاء وإب، والميليشيات تهدد بتفريغ مليون برميل نفط في البحر الأحمر، والألغام الحوثية تقتل اليمنيين وتعرقل المساعدات، وجماعة الانقلاب تَحرِم ثلاثة ملايين معاق يمني من الرعاية بعد إغلاقها عشرات الجمعيات والمراكز العلاجية وحصر الاهتمام على جرحى الميليشيات.

ومثل هذه الأخبار تكررت يومياً على مدى سنوات التمرد السابقة. وما إن يتم توقيع اتفاق هدنة حتى يتنصل الجانب الحوثي في اليوم التالي، لأن المشكلة أن هناك جناحين يقودان التمرد في هذه الحرب؛ أولهما الجناح السياسي الذي يرى ضرورة الرضوخ للضغوط الدولية لإيقاف الحرب، ثم التفاوض والحوار من أجل السلام. والجناح الثاني، وهو الأقوى بحكم السلاح والدعم الإيراني اللوجيستي، لا يعرف غير لغة الرفض. وهو لا يلجأ إلى الهدنة إلا للمناورة، كما حدث في العام الماضي حين أوشكت القوات الشرعية اليمنية، مدعومة من التحالف العربي، على تحرير ميناء الحديدة من العصاة وطرد الميليشيات.

حتى الآن، وقّع الجانبان ما لا يقل عن 75 اتفاق هدنة، رفض الحوثيون في اليوم التالي الالتزام بأي منها، وأحياناً قبل انفضاض المحادثات. والمشكلة لا تتعلق بالحوار اليمني - اليمني، أو الشرعية مع غير الشرعية، وإنما لأن إيران هي المحرك الأساسي للتمرد منذ ما قبل العصيان وبداية التمرد. فطهران وجدت في المشكلة اليمنية ورقة ضغط قابلة للعب في مباحثات دولية حول برامج تسليحها الصاروخية والنووية. ونتذكر أن الحوثيين كادوا ينسحبون من الحديدة في العام الماضي تحت الضغط العسكري اليمني، وبدأوا فعلاً بإعداد مخطط الانسحاب خارج الميناء التاريخي صعوداً إلى الجبال مرة أخرى. لكن طهران أدركت في الوقت بدل الضائع أنها بتحرير الحديدة تفقد ورقة مهمة في أي مفاوضات حول برنامجها العسكري أو ميليشياتها في العراق وسوريا واليمن ولبنان. فهذه أحجار دومينو يسند بعضها الآخر، فإذا سقط أحدها تداعت البقية.

ولا يشكل التدخل الإيراني في اليمن أي عبء على طهران غير السلاح والخبراء العسكريين، فهي لم تغامر حتى الآن بأي قوات إيرانية نظامية في اليمن والعراق وسوريا ولبنان، وكل ما تفعله إرسال مستشارين عسكريين أو سياسيين أو ملالي وأسلحة خفيفة وثقيلة وألغام. أما على الأرض فهي تقاتل بالميليشيات الموالية لها المرتبطة بفيلق القدس، وزعيمه قاسم سليماني، وكلها من العراقيين واليمنيين والأفغان والباكستانيين واللبنانيين.

علينا أن نعترف أن إيران تجيد المناورة، ولديها نوافذ بدلاً عن الأبواب، وهي تدرك أن خروجها من ميناء الحديدة سيخرجها من اليمن كله بعد أن فاض الكيل بالشعب اليمني والمجتمع الدولي. لكن الوحشية في المناورة الإيرانية أنها تستخدم الشعب اليمني رهينة إنسانية ثمينة وصلت إلى تجنيد الأطفال وتجويع الشعب وتنفيذ سلسلة اغتيالات طالت حليفها الذي لعب دور «حصان طروادة» الرئيس الراحل علي عبد الله صالح وكبار ضباط الجيش وزعماء قبليين ومسؤولين وسياسيين ونشطاء إغاثة وأساتذة جامعات وطلاباً ورجال أعمال وصحافيين.

واضح لكل ذي عينين أن إيران أينما تدخلت، سواء في أفغانستان أو العراق أو سوريا أو اليمن أو لبنان أو حتى في فلسطين، فإنها لا تهتم كثيراً لاستمرار الفوضى والاضطرابات والعنف والمجازر والتشرذم السياسي، فهذا هو ميدانها، وهذا هو توصيف الدور الإيراني في المنطقة، سواء في التطرف الطائفي أو التغول العسكري.

وعلى المجتمع الدولي والمنظمات الأممية أن تعي أن الحوثيين تنظيم إرهابي إيراني، توصيفاً وتهديفاً وتنفيذاً. نحن أمام جماعة بدائية متطرفة تتاجر بالشعارات الدينية الطائفية، وتلجأ إلى أبشع السبل لتحقيق أهدافها العدوانية، مثلما تفعل الميليشيات العراقية الطائفية و«داعش» و«بوكو حرام» وأي تنظيم إرهابي عابر للشرعية الدولية. وكل ما فعله الحوثيون في سلسلة المحادثات التي رعتها الأمم المتحدة هو كسب الوقت لوضع العالم أمام أمر واقع شاذ في اليمن، هو انفصال مع وقف التنفيذ، وتغلغل إيراني عدواني مكشوف في دول الخليج المجاورة والمياه الدولية وسيادة الشعب اليمني نفسه.

ولسوء الحظ، فإن بعض الممثلين الدوليين داخل اليمن شاركوا في الالتفاف مع الحوثيين، وإطالة سنوات العنف والجوع والجهل، ضمن دائرة الفساد المالي والانفلات الأمني والتوحش اللاإنساني. أما قصص الفساد السريع للمشرفين الحوثيين على الإدارات الحكومية، فحدث ولا حرج.

ويروي سكان العاصمة صنعاء، والمدن التي تسيطر عليها الميليشيات، قصصاً مماثلة لما حدث في العراق وسوريا، من تحول قيادات حوثية معدمة سابقاً إلى أثرياء يشترون الفلل والأراضي والعمارات وأفخر أنواع السيارات، ويعبثون بملايين الدولارات، في حين يعاني الشعب للحصول على قوت يومه والأدوية والوقود. ويقول أحد سماسرة العقارات إن قيادات الحوثيين لديها أموال كثيرة جداً يأتون بها في «شوالات» كأنهم عثروا على كنوز قارون! وهذه الكنوز هي شحنات الإغاثة من الأغذية والأدوية الدولية، ومِنَح وتبرعات منظمات إنسانية، تم التصرف بها من قبل رموز الفساد الحوثي.

أما الأسلحة، فقد تولت شحنها بحراً وجواً إيران التي تستنكر اليوم اتهامها بالإرهاب.

من كان يتصور أن الحرب الأهلية ستستمر كل هذه السنوات القاتمة في اليمن، الذي كان سعيداً، عندما زحف الحوثيون المتحالفون مع الرئيس السابق علي عبد الله صالح في سبتمبر (أيلول) 2014 نحو العاصمة صنعاء، وسيطروا على مؤسسات الدولة، وأعلنوا مبايعتهم لولاية الفقيه في إيران. وتُلخِص القصة المفجعة إحدى الأمهات الثكالى بقولها: «المصيبة جماعية، ولا نعرف كيف نُعزّي أنفسنا. قلوبنا حزينة، وأرواحنا مكسورة».