جدل بشأن عودة السوريين اللاجئين في أوروبا إلى بلادهم بعد سقوط الأسد وزير الدفاع التركي يكشف عن عروض عسكرية مغرية قدمتها أنقرة للحكومة السورية الجديدة ماذا طلب الرئيس العليمي من واشنطن خلال اجتماع عقده مع مسئول كبير في مكافحة الإرهاب؟ عاجل: قرارات واسعة لمجلس القضاء الأعلى القائد أحمد الشرع يتحدث عن ترشحه لرئاسة سوريا أميركا تطلب من عُمان طرد الحوثيين من أراضيها مؤشرات على اقتراب ساعة الخلاص واسقاط الإنقلاب في اليمن.. القوات المسلحة تعلن الجاهزية وحديث عن دعم لتحرير الحديدة تعرف على ترتيب رونالدو في قائمة أفضل 100 لاعب في العالم قرار مفاجئ يفتح أبواب التحدي في كأس الخليج تقارير حقوقية تكشف عن انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية
لكن الفهد لم يلحظ وجود صغيرها حديث الولادة متعلقا بساقها سوى بعد أنهى مهمته، وكم يفاجئنا رد فعل الفهد -المفترس بطبعه- على اكتشافه المتأخر هذا، فإذا به ينسى عشاءه الدسم ويعود متوددا بحنان نعجز عن وصفه إلى مسح رأس القرد الصغير الخائف حينا أو لحسه بلسانه حينا آخر، وكأنه يعتذر له لما أصاب أمه، بل أصبح هذا الفهد هو الحامي الجديد للقرد الصغير من تربص ضبع حاول اغتنام الفرصة بدوره، وأصبح هم الفهد الشاغل على مدى ساعات طويلة هو تتبع القرد الصغير وحمايته حتى اطمئن له وسكن مستسلما بجواره.
هذه اللقطة الحقيقية لحيوان مفترس تجعلنا نشعر بالخجل من أنفسنا كبشر ونحن نلمس كمّية الرحمة التي تدفقت أنهارا من قلب حيوان الغاب لتشمل حيوانا آخر من غير فصيلة الفهود أصلا، وعندما نرى منابعها وقد جفت في قلب والد الطفلة "جهاد" وزوجته الثانية اللذين صبّا كل فنون التعذيب الوحشي على هذه المخلوقة البريئة نفساً وجسداً وروحاً؟
إن صنيع هذا الفهد بصغير أنثى القرد يخجلنا حقاً وينبهنا إلى أن مقارنة بينه وبين بشريين اثنين نزعت الرحمة من قلبهما نزعا هي مقارنة ظالمة جدا ولا يمكن عقدها، فالرحمة لا تنزع إلا من قلب شقي كما قال صلى الله عليه وسلم.
لقد تسببا هذان بأذى بالغ لطفلة كلفا برعايتها ولا تنتمي بالضرورة لفصيلة من غير فصيلتهما، فأضحت حتى هذه الساعة طريحة الفراش في غرفة العناية المركزة، ولسان حالها يقول بأي ذنب أوذيت وعذّبت، وماذا صنعت من جرم كي يعمد أقرب "شخص" لها ولن أقول "إنسان" حتى يسلط عليها هو وزوجته صنوف العذاب بتلك الطريقة التي ألمّت بها وسببت لها عاهات يعلم الله وحده متى ترحل عنها.
كما فرّط الأب أيما تفريط بكل الحقوق التي أوجبها الخالق عليه في رعاية الأبناء حتى أنه لم يحمها من زوجة صرف الله بصيرتها عن الرحمة، فتجاهلا كل تلك الحقوق التي سنت عليها الشرائع والقوانين وأكدت عليها الأخلاق السوية وشرف الرجال الحقيقيون والنساء الحقيقيات بحملها.
وحسناً فعل النائب العام بقراره إلقاء القبض القهري بحق الأب وزوجته اللذين ربما ظنا أنهما قد يفلتان من العقاب وأرجو أن لا يحدث هذا، فالتعذيب جريمة لا تسقط بالتقادم ويجب أن تكون أشد بحق كل من كان له ولاية على من تعرض للتعذيب.
لقد شاهدنا هذا الأسبوع مشهدا رائعا نتمنى حدوثه دائما وهو التكاتف الجميل بين منظمة (سياج) لحماية الطفولة التي قدمت البلاغ للنائب العام وبين الأخ النائب الذي أصدر قرار القبض دون تأخير والتحقيق في جريمة ترفعت عن ارتكابها حتى حيوانات الغابة المفترسة نفسها فهي لا تصطاد إلا حينما تجوع.
كم أنت فريدة ووحيدة يا "جهاد" اليوم، وكم نأسف لما كتبته لك أقدارك من أب لا يرحم وزوجة مات ضميرها فآذتك بكل هذا الألم، وكم نشيح بوجهنا حياءً عنك لما نعلم أن أمك المتزوجة بآخر قد رفضت حتى ضمك إلى حضنها بعدما مات شعور الأمومة في صدرها، فقد أصبحت يا بنيتي أداة للانتقام والصراع بين أبوين منفصلين لما يرعيا لحقك بالا.
لك الله يا "جهاد" ولكل الأطفال أمثالك الذين عميت بصيرة أوليائهم عن إدراك كم أنتم أيها الأطفال جميلون ورائعون وأنكم النعمة المهداة من السماء لهذه الأرض البور بدونكم، لك الله يا "جهاد" وأنت تتحملين في عمرك الغض وزر ما يفعله الكبار بكم من ألم جسدي ونفسي لا يطاق وسببه قساة أكباد لا يعقلون قولا ولا يفقهون فلم يفرقوا بين التعنيف والتأديب.
لك الله يا "جهاد" وأنت تري الرحمة تتدفق أنهارا من فؤاد حيوان مفترس أبكم فيما تعجز وحوش بشرية عن منحها إياك لأنها لم تمتلكها يوماً، ولك الله يا فهد الغابة لظلمنا إياك بمقارنتك بأب شقي وزوجته لم يملكان ما ملكت من رحمة فلك كل التقدير والمحبة والاحترام.
n.sumairi@gmail.com