أول اعتراف رسمي بعلم الثورة السوري في محفل عالمي كبير (صورة) تفاصيل لقاء وزير الدفاع بالملحق العسكري بالسفارة الامريكية في الرياض عاجل : استئناف 8 دول عمل بعثاتها الدبلوماسية في دمشق وأول تعليق يصدر للحكومة الإنقاذ السورية ماذا طلبت الحكومة اليمنية أمام مجلس الأمن وما الدعوة التي خاطبت بها إيران؟ 8 دول بينها السعودية تعلن استئناف عمل بعثتها الدبلوماسية في دمشق رئاسة هيئة الأركان تنظم حفلا تأبينيا بمناسبة الذكرى الثالثة لاستشهاد الفريق ناصر الذيباني. تصعيد عسكري حوثي في تعز.. القوات الحكومية تعلن مقتل وإصابة عدد من عناصر المليشيات واحباط محاولات تسلل قرار جديد للمليشيات الحوثية يستهدف الطلاب الذين يرفض أولياء أمورهم سماع محاضرات زعيم الحوثيين تحرك للواء سلطان العرادة وتفاصيل لقاء جمعه بقائد القوات المشتركة في التحالف العربي الفريق السلمان إلى جانب اتهامات سابقة.. أميركا توجه اتهام جديد لروسيا يكشف عن تطور خطير في علاقة موسكو مع الحوثيين
مأرب برس – القاهرة – خاص
"الصوت العالي يدل على ضعفِ موقفك".. كانت هذه العبارة هي أول ما أُفتتح به الفيلم المصري الكوميدي "واحد من الناس"، وكانت أيضاً أول ما يُفتتح به اليوم في مدرسة ابتدائية رثة ذات سور منخفض تقع في حي شعبي، وتنحشر بجوار العمارات حشرا.. كانت ـ أي العبارة ـ تتساقط من فم مكبر الصوت الذي يحمله مدير المدرسة على آذان القاطنين في العمارات المجاورة رعدا، محدثة ضجيجاً مدويا،حتى أنها كانت تهز النوم في أعين من بقي منهم نائماً، ولا تتركه إلا هباء منثورا كما صور الفيلم.. كان المدير يقف أمام طابور الطلاب الصباحي، وكان الطابور شديد الاعوجاج، والطلاب يلبسهم الملل بقدر صوت المدير العالي.. هذا المدير الذي حول المدرسة إلى مرتعاً للفساد والرشوة، وجعلها مجرد مركز للدروس الخصوصية لا أكثر..
كان هذا المشهد الذي شاهدته منذ ما يقارب العام أول ما تبادر لذهني عندما قرأتُ نص المقابلة التي أجرتها صحيفة "الخليج" الإمارتية بتأريخ 15 سبتمبر 2007 مع أمين عام المؤتمر الشعبي العام ورئيس الوزراء المعفي مؤخراً عبد القادر باجمال خصوصاً عندما دار حديثه عن تسليح الناس لمواجهة المظاهرات السلمية التي خرجت في محافظات الجنوب، وخروجه ـ كما قال ـ بنفسه للقتال في الشوارع كما حدث في حربي 1986 و 1994.
وبعيداً عن الإشارة الخفية التي بعث بها الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام عن طريق تذكير الجنوبيين بهاتين الحربين المشئومتين فقط والتي تسببت بالكثير من القتل والدمار لهم (الانفصاليين منهم والوحدويين على السواء)، والخراب الذي لحق بممتلكاتهم العامة والخاصة، والتصفية الجسدية والمعنوية لرموزهم وكوادرهم، والتهميش والإقصاء لمن بقي منهم حياً خصوصاً بعد حرب صيف 1994، وهو ما يُعد تبريراً واضحا من أمين عام الحزب الحاكم للطريقة الهمجية والمتوحشة التي تعاملت بها آلة النظام العسكرية مع المظاهرات السلمية التي خرجت في الأشهر الأربعة الأخيرة في المحافظات الجنوبية للمطالبة بحقوق المتقاعدين والمسرحين منذ حرب 94 مقارنة مع مظاهرات خرجت في المحافظات الشمالية في مثل هذا التوقيت!
أيضاً بعيداً عن إشهار السلاح في وجه المطالبات والدعوات والمناشدات السلمية التي اختارت بمحض إرادتها أن تجعل الكلمة سلاحها الوحيد لنيل حقوقها السياسية والاجتماعية المشروعة والمكفولة لها بالدستور وبكل القوانين الدولية التي نصت على الحق الكامل في إبداء الرأي مهما كان مختلفاً أو معارضاً، هذا الإشهار للسلاح يبرز حجم الديمقراطية الشكلية التي يتشدق بها النظام ليل نهار، وربما كانت هي ذات الديمقراطية التي لم يستوعبها الحزب الاشتراكي في ما بين عامي 1990 و1993 ـ كما يشير الأمين العام للمؤتمر في ذات المقابلة ـ والتي راح ضحيتها أكثر من 150 شخصية من الصف الأول والثاني للحزب إضافة إلى استهداف وملاحقة أهم رموزه في العاصمة صنعاء التي كان يقوم بمهمة حماية أمنها من يقوم اليوم بمهمة حماية أمن اليمن الموحد وتحقيق استقراره كما يُقال في المناسبات!
بعيداً عن كل ما سبق، ينبغي أن نستبين طبيعة دوي هذا الصوت، وندرك السبب من وراء ظهوره في مثل هذا التوقيت، فـ باجمال رئيس الوزراء السابق الذي تولى الحكومة في أبريل 2001 كان قد تولها ليس لكفاءةٍ يمتلكها ، وإنما فقط لسد الثغرة التي ابتدعها الرئيس في توزيعه للمناصب العليا في الدولة على أساس المناطقية ، وأيضاً لتوافر الشروط فيه التي كانت قد اشترطتها دول الجوار في المرشح للحكومة بحكم انتمائه لمحافظه بعينها حتى تغدق بالنقود على كيس اليمن المفتوح دائماً عند أقدامها!..
ومنذ اليوم الأول لتوليه المنصب سقطت حكومته في فشلٍ ذريعٍ في كل الإصلاحات والمشاريع التي طرحتها ؛ تراجعت بخطوات عديدة للوراء في مجال التنمية، زادت الأسعار بجنون وأرتفع معدل التضخم إلى الضعف سنوياً، عمت البطالة أغلب الخريجين في الكليات والمعاهد، استشرى الفساد في البلد كعاصفة أو إعصار دون أن تتمكن من محاربة رموز الفساد ذي الظهور القوية، باعت حقول النفط لشركات أجنبية كسابقة فريدة في العالم، وباعت ميناء عدن بثمنٍ بخس وباتفاقية مجحفة على حد تعبير الرئيس نفسه(من المؤكد وجود "ذيولاً لا تُرى" في هذه الاتفاقية كما أورد باجمال في مقابلته نقلاً عن فيكتور هيجو عن الأحداث الكبرى..ومنها السرقات الكبرى أيضا!) ،سادت نوع من الهمجية في مرافق ومؤسسات الدولة ووصلت لمراتب متدنية في سوء الإدارة وعدم تطبيق القانون، وسادت الرشاوي والوساطات في كل ما يتعلق بحياة الناس اليومية، هذا إلى جانب التراجع في الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات العامة، والتضييق المستمر على الصحفيين والشخصيات المعارضة، والصورة السيئة التي ظهرت بها اليمن دولياً من خلال التقارير التي تصدرها المنظمات والمراكز الأمريكية والأوربية والتي صنفت اليمن بأنها من أقل الدول شفافية وأنها وكراً للإرهاب.. مما دفع المنظمات الدولية التي تقدم المساعدات لليمن إلى منع مساعداتها..
هذه الصورة السيئة التي ظهرت بها اليمن في هذه الفترة تتحمل تبعاتها أمام العالم الحكومة ممثلة برئيسها باجمال (رغم علم الجميع أن باجمال ليس أكثر من جندي في رقعة شطرنج تُدار بأصابع عليا!)، كان أمام هذه الحكومة فرصة أخرى لتحسين الصورة بعد الانتخابات الرئاسية وظهور الرئيس القديم الجديد بمشروع اُعتبر جديداً؛ وأيضا بعد مؤتمر المانحين اللندني.. إلا أن الحكومة برئاسة باجمال ـ الذي نجى من التعديل الوزاري الذي أجراه الرئيس في فبراير 2006 ـ لم تستطع كسر الصورة السيئة المرسومة عنها سلفا حتى بعد التعديل الوزاري الموسع.. وخرج باجمال ـ كبش الفداء ـ من الحكومة ملاحقاً باللوم في الرسالة التي وجهها إليه رئيس الجمهورية بمناسبة إعفاءه من رئاسة الوزراء، وحمله ضمنينا كل المشاكل والإضرار التي لحقت باليمن في فترة توليه رئاسة الحكومة.
كان هذا الإعفاء ورسالة الشكر/اللوم التي وجهت له موجعة إلى حد كبير، فلم يتوقع أن يتم استبداله من منصبه قبل أن يأتيه الأجل على أساس أن التقسيم المناطقي الذي يتبعه الرئيس في تولي المناصب العليا سيبقيه أبد الدهر تيمناً بالرئيس نفسه ونائبه عبدربه منصور ورئيس مجلس النواب الشيخ الأحمر الذين لم يُستبدلوا منذ حرب 1994، ولم يخطر بباله قط أنه مجرد ورقة يلعب بها الرئيس كأوراق كثيرة سابقة ولن يتوان لحظة أن يرمي بها في أقرب صندوق نفايات يقابله عند نفاذ صلاحيتها!(قد يرى البعض ألا فرق بين صندوق النفايات والمنصب الحكومي!) بل ذهبت رسالة اللوم بعيداً؛ إذ جردته من مواهبه كرجل دولة ما زال قادراً على العطاء عندما أشارت إلى عدم قدرته على تنفيذ المهام في المراحل القادمة، وقبل هذا، الطريقة الاستفزازية التي حملت إليه نبأ الإقالة عن طريق خدمة الرسائل القصيرة
SMS
كما تردد!.
ليس هذا فقط سر ظهور الصوت العالي لـ باجمال في الفترة الأخيرة، فبالرغم من أن أمين عام المؤتمر الشعبي العام منصب رمزي، مجرد من الصلاحيات، ولا يُستخدم إلا لطمس الشخصيات التي سبق وأن تولت مناصب عليا في الدولة( الشخصيات تكون فقط من خارج سنحان، فـ السنحان وضع ثابت خاص!) ـ مثله مثل المجلس الاستشاري ـ كما عومل سلفيه عبدالعزيز عبد الغني وعبد الكريم الإرياني.. إلا أن وضعه في منصب الأمين العام لا زال مهددا، إذا ترتفع الأصوات والمطالبات بين الحين والآخر داخل المؤتمر الشعبي العالم بسحب المنصب منه كونه لا يستحقه، وكان قد تولى منصب الأمين العام في عام 2005 بناء على رغبة الرئيس، تلك الرغبة التي لا تصد ولا ترد!.
لم تكن هذه الرسالة آخر الرسائل التي تلقاها باجمال والتي كانت تحمل في طياتها اللوم والمسئولية عن تجاوزات واختلالات حدثت في فترة ما بعد حرب 1994.. ولعل أخرها كانت الرسالة الضمنية التي بعث بها الرئيس في مقابلته مع صحيفة "الوسط" بتأريخ 15أغسطس 2007 من اتهام القيادات الجنوبية الوحدوية بنهب كل الأراضي في محافظاتهم على اعتبار أنه تم التغرير بهم في الماضي، وحان الوقت بعد الحرب لعودة الحق إلى أصحابه!
وربما قد تكون هناك رسائل سرية تم توجهيها من الرئيس إلى باجمال لا نعلم عنها شيئاً بعد عملية التشهير الذي تعرضت له اليمن كونها من دول العالم الأقل شفافية، خصوصاً من يعلم عن الطريقة التي يتعامل بها الرئيس مع وزرائه!.
كثرة الرسائل التي وُجهت إلى عبد القادر باجمال في الفترة الأخيرة والتي جردته من مؤهلاته القيادية جعلته يراجع نفسه كثيرا، وينتظر الفرصة السانحة التي يلقي فيها بكل ثقله لعل " قلباً لمولاه يرق له"، وبالفعل ؛ فلم ينتظر طويلا حتى وجد هذه الفرصة على طبق من ذهب فيما حدث ويحدث مؤخراً في المحافظات الجنوبية والتي ظل طول الفترة الماضية يعيش ويتنقل في المناصب العليا على أكتافها وباسمها دون أي مؤهل أو مهارة سوى الانتماء إليها!.. ومن شدة فرحته بهذه الفرصة " نط " بقوة على مفهوم الديمقراطية والمسيرة العظيمة التي قطعتها دولة الوحدة في هذا المجال كما يُقال ؛ ليخرج علينا شاهرا سلاحه في وجه المظاهرات السلمية بلهجة تدل على "صعلكة " سياسية متقنة تظاهي تلك التي استعملها في الجنوب سابقاً وأنتجت أحداث 13 يناير 1986 المؤلمة بين أبناء الوطن الواحد !... وهو ما قد يفسر بجلاء التوعية العظيمة التي نالتها هذا القيادات في كنف الجمهورية اليمنية في مجال التمدن والرقي الحضاري.
eng_amin1@hotmail.com